Skip to content

06/12/22

مجاعة عالمية تلوح مع ارتفاع أسعار الغذاء

..in the market
حقوق الصورة:Murray Foubister (CC BY-SA 2.0). This image has been cropped.

نقاط للقراءة السريعة

  • يحذر محللون من استمرار كرب ارتفاع أسعار الغذاء حتى عام 2023
  • نقص الأسمدة وتغير المناخ والصراعات قد توقع خسائر كبيرة بالمحاصيل
  • ثمة حاجة ماسة إلى حلول مستدامة لكسر حلقة أزمات الغذاء العالمية الجارية

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يشهد العالم ثالث أزماته الغذائية الكبرى في القرن الحالي.. فهل يمكن للنظم الغذائية أن تصبح أكثر قدرةً على تحمُّل الصدمات؟ فيونا بروم تستقصي الأمر.

كشف تحقيق أجرته شبكة SciDev.Net عن أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية في جميع أنحاء العالم يدفع بميزانيات الأسر إلى حد الانهيار، في وقت يترنح فيه الملايين على شفا المجاعة.

في أثناء جمع معلومات عن أسعار الغذاء في الأسواق والمتاجر الكبرى والمتاجر المستقلة في أرجاء بلدان الجنوب، رصدت الشبكة ارتفاعات حادة في أثمان السلع الأساسية اليومية، وعند مقارنتها بمتوسط الرواتب السنوية، فالنتيجة مزعجة وتثير الجزع.

قبل عام كان مبلغ يعادل 150 دولارًا أمريكيًّا كافيًا لتلبية الاحتياجات الأساسية من الغذاء طوال شهر لأسرة عبد المنعم محمود، الموظف بالحكومة المصرية، أما الآن فقد ارتفعت فاتورة طعام أسرة محمود إلى 260 دولارًا.

يقول محمود، البالغ من العمر 56 عامًا، لشبكة SciDev.Net: ”كان دخلي الشهري مقسمًا بين تأمين الاحتياجات الغذائية، وسداد فواتير خدمات المرافق العامة من كهرباء ومياه وغاز، وتوفير جزء منه لمواجهة الحالات الصحية الطارئة وتأمين النفقات المدرسية والجامعية لأولادي“.

”لكن الارتفاعات الكبيرة في أسعار الغذاء أربكت ميزانية الأسرة، دخل واحد لم يعد يكفي، وليس لديَّ خيار سوى البحث عن عمل إضافي للوفاء بالالتزامات الشهرية“.

يقول المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي: يخيم على العالم خطر الموت جوعًا والمجاعات الجماعية، وحذر قائلًا: ”نحن نواجه حالة طوارئ عالمية لم يسبق لها مثيل“، كما سلط الضوء على التداعيات المتضافرة لتغيُّر المناخ والصراعات وفيروس كورونا.

تعاني المجتمعات المستضعفة في العالم من أن أسعار الغذاء فيها تُعد من أعلى الأسعار في القرن الحالي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2023، واضطرت الأسر إلى تقليل وجباتها الغذائية؛ إذ يؤثر تضخم أسعار الغذاء على ميزانياتها.

يقول أخصائيون إنهم يرون بالفعل تداعيات سوء التغذية على الأطفال؛ إذ تتعرض النساء والفتيات بالأخص للخطر، ففي عام 2021، تجاوز عدد النساء اللواتي يعانين انعدام الأمن الغذائي عدد الرجال بنحو 150 مليونًا، وهذه الفجوة آخذةٌ في الاتساع وفق تحليل أجرته هيئة الإغاثة الإنسانية ‘كير’.

وحتى قبل اندلاع أزمة الغذاء، أظهر تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، الصادر عن البنك الدولي أن الأسر التي تعيش في البلدان النامية تنفق في المتوسط 40% من دخلها على السلع الغذائية الأساسية، في حين تُبين الإحصاءات الوطنية أن الغذاء يكلّف الأسر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حوالي 10% من ميزانياتها.

والآن يحذر البنك الدولي من أن تضخم أسعار الغذاء “المرتفعة ارتفاعًا مستعصيًا على التراجع” في بلدان الجنوب يجعل المجتمعات عرضةً لخطر تفاقُم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، في حين أن “الارتفاعات الحادة نفسها في أسعار الأغذية قد ارتبطت في السابق بسقوط عشرات ملايين البشر في براثن الفقر المدقع بالبلدان منخفضة الدخل”.

ما الذي يقود إلى الأزمة؟

كان للأزمة المالية العالمية في المدة بين 2007 و2008 تأثيرٌ كبيرٌ على أسعار الغذاء، ولا يزال ملموسًا حتى يومنا هذا؛ فمن عام 2006 إلى عام 2008، سجلت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) ارتفاعًا بنسبة 60% في مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء، وهو مقياس للتغيُّر الشهري في الأسعار الدولية لسلة غذائية تحتوي على لحوم وألبان وحبوب وخضراوات وزيوت نباتية وسكر.

وقد سُجِّلت تقلبات مماثلة في الأسعار خلال أزمة 2010-2011، التي أوقد جذوتها رداءة المحاصيل وتكاليف الوقود الأحفوري المرتفعة، وأدت إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية في جميع أنحاء العالم، بينما قفز مؤشر أسعار الغذاء بنسبة 40% تقريبًا من عام 2020 إلى سبتمبر 2022.

والآن تهيمن شبكة معقدة من العوامل على أسواق الغذاء العالمية.

ومن جرَّاء عمليات الإغلاق خلال جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي، فإن الحكومات التي تعاني ضائقةً ماليةً في بلدان الجنوب فقدت أي قدرة على الاستجابة للأزمات الجديدة، وتسببت الكوارث المناخية في إلحاق الضرر بإنتاج الغذاء في كل مناطق العالم تقريبًا، في حين يواجه المزارعون تكاليف الطاقة الباهظة ونقص الأسمدة، كما أثرت الصراعات في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط على سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية.

ويحذر كل من ‘فاو’ وبرنامج الأغذية العالمي من أن المجتمعات المحلية في 19 منطقة تعاني بالفعل انعدام الأمن الغذائي الحاد -المعروفة باسم ‘بؤر الجوع الساخنة‘- والراجح أن تواجه ظروفًا أكثر قسوةً خلال عام 2023، يواجه الناس خطر المجاعة في أفغانستان وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان والصومال واليمن، ومن المتوقع أن يحتاج 222 مليونًا في 53 بلدًا وإقليمًا إلى مساعدات عاجلة.

معظم الاحتياجات الغذائية في العالم تلبيها أربعة محاصيل أساسية، هي القمح والأرز والذرة وفول الصويا، تعتمد هذه المحاصيل كثيرًا على الأسمدة، وعليها يعول بغالبية ما يستهلك من السعرات الحرارية في العالم، يُعدّ النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم العناصر الغذائية الأساسية في الأسمدة، وكلها يتطلب لمعالجته كمياتٍ ضخمةً من الطاقة مشتقة من الوقود الأحفوري.

وفي الوقت الذي انخفضت فيه الأسعار الدولية للقمح والأغذية الأساسية الأخرى بعد الارتفاع الحاد الذي أعقب غزو روسيا لأوكرانيا -وهما من أكبر منتجي القمح في العالم- يحذر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية من أن الخلوص إلى أن أزمة أسعار الغذاء العالمية قد شارفت على النهاية سيكون سابقًا لأوانه، وفي تحليل أُجري في سبتمبر الماضي، ذكر المعهد أن “أسعار الغذاء المحلية للمستهلكين مستمرة في الارتفاع في أغلب البلدان”.

وبعد هدنة قصيرة الأجل من ارتفاع أسعار الأسمدة في نصف الكرة الشمالي صيفًا، عادت أسعار الأسمدة للزيادة، وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة من الوقود الأحفوري في أوروبا إلى تقليص إنتاج الأسمدة هناك، حيث يتوقع البنك الدولي أن تصير القارة مستوردة للأسمدة في المجمل، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط على الأسواق العالمية، وأفاد البنك الدولي أن جميع مصدري الأسمدة الرئيسيين -وعلى رأسهم روسيا والصين وكندا والمغرب- لديهم مخزون محدود، وتُعد البرازيل والهند من أكبر مستوردي الأسمدة.

تُبرز أزمة أسعار الغذاء مدى الترابُط القائم بين قطاع الطاقة والأمن الغذائي، وفق تحليل صادر عن الوكالة الدولية للطاقة، يقول المحللان في الوكالة بيتر ليفي وجرجيلي مولنار: ”ارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة يؤدي حتمًا إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وإلى ارتفاع أسعار الغذاء بدورها“.

تكاليف المعيشة

كشف تحقيق شبكة SciDev.Net أن تكلفة البيضة في بوينس آيرس بالأرجنتين قفزت في شهر أغسطس الماضي من 0.12 دولار أمريكي إلى 0.23 دولار مقارنةً بالسنة السابقة، وفي العاصمة الفلبينية مانيلا، كان سعر كيلوجرام البصل حوالي 0.75 دولار قبل عام، أما في شهر أغسطس فقد بلغ سعره 3.38 دولارات، وكان ارتفاع أسعار الدجاج من أشد ارتفاعات الأسعار، فقد صار الآن بعيدًا عن متناول الملايين.

وتحدثت الشبكة مع متسوقي البقالة لمعرفة كيفية تعامُلهم مع ارتفاع أسعار الغذاء، بعض الأسر تستجيب لهذا الوضع بالحد من وجباتها الغذائية وخفض كمية الأغذية التي تشتريها، في حين يطالب الكثيرون بتدخل الحكومة وفرض لوائح خاصة بالأسعار للحد من تلاعُب التجار.

تقول بينيتا ديالو -متسوقة في حي واكام في داكار عاصمة السنغال- لشبكة SciDev.Net: ”صحيح أن تكلفة منتجات الجملة والتجزئة تزداد يومًا بعد يوم، لكن أصحاب المتاجر يسيئون استغلالها، الكل يضع سعره بنفسه، وربما يجدر بالحكومة أن تتولى التسعير وتضع آليةً للتحقق من مدى الامتثال“.

وقد استجابت الحكومات في أنحاء العالم للزيادة الحادة الأخيرة في أسعار الغذاء، بخفض الضرائب على الوقود، وزيادة الدعم، وفرض ضوابط على أسعار الغذاء ومنتجات الطاقة، بيد أن البنك الدولي يرى أن هذه التدابير عادةً ما تكون مكلفةً ولا تعود بفائدة على الأسر منخفضة الدخل.

في عام 2020، انحدر مستوى انعدام الأمن الغذائي العالمي بقدر ما انحدر في السنوات الخمس الماضية مجتمعة، وازداد عدد الذين يعانون سوء التغذية بنحو 160 مليونًا، ليبلغ 811 مليون شخص إجمالًا، وكانت أكبر زيادة في أفريقيا حيث يعاني خُمس السكان سوء التغذية، وكشف تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2022 الذي أُعد بالاشتراك بين وكالات متعددة، أن ما بين 702 و828 مليون نسمة عانوا الجوع في عام 2021.

وتشير أحدث الأدلة المتاحة في التقرير إلى أن عدد غير القادرين على تحمُّل تكاليف الوجبات الصحية في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بمقدار 112 مليون شخص ليبلغ ما يقرب من 3.1 مليارات شخص، ما يعكس تأثير ارتفاع أسعار السلع الغذائية الاستهلاكية خلال مدة الوباء، ويتنبأ التقرير بأن ”هذا الرقم قد يكون أكبر بمجرد توافُر البيانات الكافية لاحتساب خسائر الدخل في عام 2020“.

وفي حديث له بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال بيزلي: إن ما يقرب من 345 مليون نسمة في 82 دولة ”يقادون إلى المجاعة“، وأضاف: ”هذا رقم قياسي؛ إذ يربو الآن على 2.5 ضِعف عدد الذين كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد قبل بدء الجائحة“.

وتقول خوانا أورتيز، متسوقة أجرت معها شبكة SciDev.Net مقابلة في متجر ‘وول مارت’ في مكسيكو سيتي: ”الآن وبعد ارتفاع أسعار كل شيء، يتعين عليَّ أن أفكر جيدًا فيما سأشتريه أو ما سأطهوه، وخاصةً بالنسبة للأطباق التي تحتاج إلى العديد من المكونات، مثل الأدوبو أو صلصة مولي، وهناك مكونات لا أشتريها في بعض الأحيان لأنها باهظة الثمن، مثل البطاطس“.

تقول روزا ماركيز، بائعة متجولة تبيع الحلي الرخيصة في مدخل سوق راقية للمنتجات الغذائية الطازجة في ليما، عاصمة بيرو: ”يجب أن آكل أنا وأطفالي من الأواني المشتركة ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، لأنني لا أملك وظيفة مستقرة، ولأن زوجي فقد وظيفته بسبب كوفيد-19“، (الأواني المشتركة) هي سبيل الفقراء لتقاسم الموارد؛ فالنساء في الأحياء الفقيرة يطهين الطعام الذي يتبرع به التجار أو المتسوقون، وكل وعاء قد يسد رمق أكثر من 100 شخص مجانًا، أو بتكلفة رمزية تبلغ نحو 0.25 دولار أمريكي.

تضيف ماركيز: ”في أحيان أخرى، يمنحني المشترون بعض الأشياء، مثل الخضراوات أو الفواكه، بنية حسنة، ورغم ذلك، آكل أنا وزوجي مرةً واحدةً فقط في بعض الأيام لأننا نفضل ألا ينام أولادنا ببطون خاوية، لا أقدر على شراء ما يكفيهم من الطعام بهذه الأسعار“.

والآن هناك عدة آلاف من الأواني المشتركة المسجلة لدى مجالس الأغذية الحكومية في بيرو، وغالبيتها في ليما، ينجم عن ارتفاع معدلات البطالة وتضخم أسعار الغذاء آثارٌ مدمرة تخيِّم على عشرة ملايين شخص في بيرو يعيشون على 3 دولارات أو أقل في اليوم، في حين يبلغ معدل تضخم الأسعار الاسمية للأغذية في فنزويلا والأرجنتين المجاورتين 131% و71% على الترتيب.

وتكافح المجتمعات في مختلِف أنحاء آسيا كذلك من أجل توفير وجبات كافية، وفق فيرمين أدريانو، وكيل وزارة الزراعة السابق في الفلبين، يتسبب ارتفاع أسعار الغذاء في انتشار سوء التغذية والتقزم بين الأطفال، وقد اقترحت الحكومة الفلبينية زيادة تمويل القطاع الزراعي في موازنتها لعام 2023 بنسبة 40% تقريبًا، بما في ذلك مضاعفة مخصصاتها لبرنامج الأرز الوطني من أجل توسيع نطاق دعم الأسمدة للمزارعين.

وفي حين لا تزال ظروف زراعة الأرز في جنوب شرق آسيا مواتيةً لزراعة محاصيله في الموسمين المطير والجاف المقبلَين، فإن الإنذار المبكر الذي أطلقته مراقبة المحصول من قِبل المبادرة العالمية للرصد الزراعي، التابعة للفريق الحكومي الدولي المعني برصد الأرض، أفاد بأنه من المحتمل أن يؤدي نقص الوقود والأسمدة إلى إنتاجية أقل من المتوسط للمحاصيل في سري لانكا، ويثير القلق في نيبال.

كانت الهند قد أعلنت في أوائل سبتمبر الماضي أنها ستقيد صادرات كسر الأرز، الذي تكسَّر في الحقل أو بالمعالجة لكنه ما زال صالحًا للأكل، وفي غضون أيام، ارتفع سعر كسر الأرز بنحو 20 دولارًا للطن المتري في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، وفق تحديث عن الأمن الغذائي صادر عن البنك الدولي في سبتمبر.

والهند هي أكبر مصدّر للأرز في العالم، لكنها تضررت من التضخم وضعف إنتاج الحبوب، وفي الوقت نفسه، اكتُشف في حقول الأرز في شمال الهند مرض نباتي تم التعرف عليه لأول مرة في الصين، مما يثير مخاوف من أن يخفض المرض الإنتاجية بنسبة تتراوح من 30% إلى 50%.

حظر صادرات الأغذية

يقول روب فوس -من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية- لشبكة SciDev.Net: إن تقييد صادرات الأغذية أو حظرها لحماية المجتمعات المحلية يمكن أن تكون له نتائج متفاوتة، وفي الوقت الحالي، يخضع حوالي 17% من المنتجات الغذائية المتداولة لقدرٍ معينٍ من القيود على التصدير، وفق قوله.

ويضيف فوس: ”هذا حدثٌ جلل في أسواق السلع الأساسية، وفي الواقع، تتجاوز نسبة 17% هذه ما شهدناه في ذروة القيود المفروضة على الصادرات في أزمة 2010-2011“.

يعتقد فوس أن الأسعار العالمية للأرز والقمح والذرة والزيوت النباتية قد تأثرت بحظر الصادرات، في حين أثارت أسعار السوق المتقلبة مزيدًا من التكهنات في أوساط التجار والمستثمرين، ”المستوردون في بعض البلدان لا يعرفون كيفية تعديل الأسعار أو توقّع ما الذي سيحدث في المستقبل، عادةً ما يكون ذلك إشارةً سيئة“.

من هنا ، فإن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، يسلّم بأنه ينبغي على الحكومات تجنُّب فرض الحظر أحادي الجانب على الصادرات، الذي من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار الأسواق، باستثناء البلدان منخفضة الدخل، التي يقول فخري إنها ستحتاج إلى تفعيل خيار حظر الصادرات بسرعة أكبر.

وقامت دراسة نُشرت في دورية ‘نيتشر فوود’ في سبتمبر الماضي بنمذجة حاسوبية للآثار التي يمكن أن تترتب على خفض صادرات القمح والذرة من أوكرانيا وروسيا، توقع الباحثون أن ترتفع أسعار الذرة بنسبة تصل إلى 4.6% في السنة المقبلة، وأن ترتفع تكاليف القمح بنسبة 7.2%، وفي حين يقولون إن زيادة إنتاج القمح والذرة في مناطق أخرى ربما تعوّض جزئيًّا التراجُع المتوقع في الصادرات وتكبح جماح ارتفاع الأسعار، فإن هذا سيأتي على حساب زيادة الانبعاثات الكربونية.

من المتوقع أن يتجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات في الشهر المقبل، ومنذ أزمة عام 2008، تحتل مكافحة الجوع موقع الصدارة على جدول الأعمال الدولي، لكن بطء وتيرة العمل يكاد لا يعكس المدى المحتمل للكارثة، ولم يزل عدد الجوعى والذين يعانون نقص التغذية في ازدياد على مستوى العالم.

وفي الدورة الخمسين للجنة الأمن الغذائي العالمي التي انعقدت خلال شهر أكتوبر الماضي، قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشابا كروسي، للوفود الوزارية: إن انعدام الأمن الغذائي مرتبطٌ بأوجه عدم المساواة على الصعيد العالمي، واحتج كروسي بأن مكافحة الجوع ينبغي أن تعتمد على البيانات والأدلة العلمية.

”المجاعة لا تحدث بين عشية وضحاها، ويمكن الحيلولة دون وقوعها، لدينا ما يكفي من الغذاء في الكرة الأرضية لإطعام العالم“، وفق كروسي.

يقول أدجا سوخنا، أحد المتسوقين في سوق كاستور في داكار لشبكة SciDev.Net: ”صارت أسعار المنتجات ترتفع كل يوم، قيل لنا إن هذا بسبب الحرب بين أوكرانيا وروسيا، لكن ما لا أفهمه هو ارتفاع أسعار بعض المنتجات التي يتم إنتاجها في السنغال مثل الخضراوات“.

يدير العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض مثل السنغال ما يسميه فوس سوقًا مزدوجة؛ فهناك سلسلة إمداد حديثة تديرها شركات زراعية دولية تنتج الغذاء للتصدير، ونظام غذائي محلي يديره أصحاب الحيازات الصغيرة التقليديون.

ويفتقر المنتجون المحليون إلى إمكانية الوصول إلى البنية التحتية مثل سلاسل التبريد، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل فقد الغذاء، يرى فوس أنه ”ربما يكمن جزء من المشكلة في هذا العامل؛ فسلسلة التوريد للسوق المحلية أقل تطورًا بكثير من سلسلة التوريد للأسواق الدولية“.

كل هذا يجعل العائلات كعائلة سوخنا تواجه مستقبلًا غير مأمون، يقول سوخنا: ”نشعر بأن الدولة تخلّت عنَّا، إنها لا تحرك ساكنًا لتقنين الأسعار“.

نظم غذائية للمستقبل

ويسوق فخري حججًا بأن سياسات حقبة الجائحة التي دعمت الحصول على الغذاء يجب أن تصير برامج دائمة، مثل التحويلات النقدية المباشرة، والوجبات المدرسية الشاملة، ودعم أصحاب الحيازات الصغيرة والرعاة وصيادي الأسماك وغيرهم من صغار منتجي الأغذية.

وفي تقرير قُدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أكتوبر الماضي، ذكر فخري أنه ينبغي تشجيع البلدان على عدم تخزين الأغذية على المستوى القُطري، ينبغي أن تكون هناك شفافية بشأن مخزونات الأغذية على الصعيد الوطني وفي الشركات، ودعا فخري البلدان التي لديها مخزونات كبيرة من الغذاء إلى دعم البلدان المحتاجة.

وتنظر الحكومات وفرق البحوث الزراعية في جدوى إنتاج أسمدة غير مستخلصة من الوقود الأحفوري، ومن ناحية أخرى، تركز الأبحاث في مختلف أنحاء العالم على المحاصيل وسلالات الماشية القادرة على التأقلُم مع تغير المناخ، ولكن في المدى القصير، كما يقول فوس، لن يقدر المزارعون وسلاسل التوريد بصفة عامة على تغيير أنماط الإنتاج.

إن الطعام الذي نشتريه ونأكله اليوم أُنتج منذ ستة أشهر باستخدام أسمدة تم توريدها قبل 12 شهرًا، ويشير فوس إلى أن محاصيل القمح الشتوية سوف تُزرع في نصف الكرة الشمالي خلال الأسابيع المقبلة، والأسمدة البديلة لن تتوافر حينئذٍ، وبشكل عام، يظن فوس أن المزارعين يفتقرون إلى مرونة تحويل الوجهة وزراعة منتجات غذائية جديدة، فأشجار البن -مثلًا- تستغرق عدة سنوات كي تثمر، وإنتاج أي غذاء يتطلب معدَّات ومدخلات وخبرات معينة، ومناخًا مواتيًا.

يذكر سيباستيان ندوفا -من المركز الدولي لتطوير الأسمدة، غير الهادف للربح- أن التجارب الميدانية في رواندا كشفت أن الافتقار إلى أسمدة تقدر بنحو 1.5 إلى مليوني طن في أثناء موسم الحصاد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في العام 2022/2023 سيُسفر عن فقدان أكثر من 30 مليون طن من الحبوب، وهي كمية تكفي لإطعام 60 مليونًا.

ويقول ندوفا الذي يرأس برنامج ’سماد أفريقيا‘ التابع للمركز، الذي يجمع إحصائياتٍ عن أسواق الأسمدة الرئيسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ويجهزها: ”هذا رقم متحفظ إذا ما وضعنا في الاعتبار المخاطر المناخية الناجمة عن عدم كفاية الأمطار التي تهطل على معظم أجزاء شرق أفريقيا وجنوبها، لقد رأينا المزارعين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يختارون زراعة محاصيلهم من دون تسميد أو بكميات أقل من الأسمدة، لقد ارتفع سعر الأسمدة بأكثر من 100% في معظم المناطق مقارنةً بالسنة السابقة، ولا نتوقع أن تعود هذه المستويات إلى طبيعتها في أي وقت قريب“.

وتكمن التوترات الآن بين الحاجة الملحَّة إلى إيجاد حلول فورية لأزمة الجوع المتفاقمة، وإجراء التغييرات الشاملة الأطول أجلًا والبالغة الأهمية؛ لتجنُّب المجاعات في المستقبل.

وهذا التوتر تدركه لجنة الأمن الغذائي العالمي جيدًا، أمام الاجتماع الوزاري تحدَّث عضو مجموعة استشارية تتبع اللجنة تدعى ’المجتمع المدني والشعوب الأصلية‘ قائلًا: ”نحن بحاجة إلى تدابير عاجلة قصيرة الأجل، لكنها يجب ألا تزيد الأزمة سوءًا على المدى الطويل؛ فمجرد السعي لإيجاد مصادر جديدة للأسمدة لا يتوافق مع طلبات العديد من المنتجين… إن أردنا إنهاء الحلقة المفرغة من إنتاج الكيماويات على المدى الطويل“.

يعتقد ألفارو لاريو -رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية- أن بنية النظم الغذائية و”التفاوتات الصارخة“ كانت ضرورية لمعالجة أزمة الغذاء الحالية، وقال لاريو في افتتاح الدورة الخمسين للجنة: ”يتعين علينا تلبية الاحتياجات الفورية، ولكن ليس على حساب الاستثمار في حلول أطول أمدًا، فلا يمكننا مواصلة الترنُّح بين أزمةٍ وأخرى“.

يعتقد لاريو أن صغار المنتجين هم السبيل إلى تغيير الاتجاهات العالمية المنذرة بالخطر، وعلى الرغم من التحديات الكبرى، فأصحاب الحيازات الصغيرة ينتجون حوالي ثلث السعرات الحرارية الموجودة في الغذاء على مستوى العالم، في أقل من 11% من الأراضي الزراعية، ودعا لاريو إلى تمويل جهود التكيُّف مع تغيُّر المناخ لصغار المزارعين، والاستثمار في البنية الأساسية لمساعدة صغار الملَّاك في نقل إنتاجهم إلى الأسواق، وتقنين أسعار تقدم تعويضًا منصفًا للمزارعين.

وبما أن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر من تبعات أزمة الغذاء، فربما يكون دورهن محوريًّا لإيجاد حلول مستقبلية، كما تشير لوز هارو جوانجا، الأمين التنفيذي لشبكة النساء الريفيات في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وقالت لوز هارو جوانجا للجنة: ”النساء الريفيات هن اللواتي يصنّ الحياة والمياه والموارد الطبيعية والبذور والغذاء الصحي، وعلى الرغم من أن النساء والفتيات يمثلن 90% من منتجي الغذاء كما يوفرنه لأسرهن، فإنهن عادةً آخر مَن يتناول الطعام ويأكلن أقل كميات، نحن نريد الحصول على دعم المنظمات الدولية التي تعتقد -مثلنا- أنه لا توجد ديمقراطية ولا مستقبل ولا تنمية مستدامة من دون المرأة“.

”كل قرش يستثمر في دعم المرأة الريفية غرس بذرة في أرض خصبة“.

أنتج هذا الاستقصاء النسخة الدولية لشبكة SciDev.Net، أسهم فيه كلٌّ من بثينة أسامة وزريدة باتيلو وأليدا رويدا وديدييه لاديسلاس لاندو وجويل أدريانو.