Skip to content

24/04/24

بين الركام وتحت القصف.. إنبات وزرع في غزة

3
محاولات لزراعة بعض النباتات في شمال غزة عقب خروج قوات الاحتلال منها حقوق الصورة:يوسف أبو ربيع

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

وسط البيوت المدمرة، وحطام المدارس والجامعات والمستشفيات، ظهرت إلى النور مبادرة لتوفير الغذاء، العنصر الأساسي للحياة، لمَن بقي من أهل شمال قطاع غزة.

انبثقت بارقة الأمل هذه في مدينة بيت لاهيا، التي غادرها جنود الاحتلال خلال الأسابيع الماضية، لكنها لا تزال تحت خطر القصف الجوي والمدفعي في كل دقيقة.

“المساعدات الغذائية التي تصل إلى القطاع عن طريق الحواجز والإنزالات الجوية ما هي إلا لقمة مغمسة بالدم”، هكذا بدأ المهندس الزراعي الشاب يوسف صقر أبو ربيع -صاحب الفكرة- حديثه لشبكة SciDev.Net.

“البحث عن الغذاء صار وظيفة يمتهنها بعض الأهالي، فيخرجون من الصباح الباكر على أمل “اقتناص وجبة” قبل الآخرين، وهي مهمة يحمل خلالها الفرد روحه على كتفه، لأنه قد يستشهد غارقًا، أو مختنقًا من جرَّاء التدافُع والعراك، أو برصاص قوات الاحتلال”، يوسف تعرّض بالفعل لطلق الأعيرة النارية خلال إحدى محاولاته للحصول على الغذاء.

عاد المهندس الشاب إلى منزله -الذي وجده ركامًا- خلال شهر مارس الماضي، بعد رحلة طويلة استمرت قرابة ستة أشهر بين مخيم جباليا وغرب غزة بالقرب من مستشفى الشفاء، يقول يوسف: “أرسلت إلينا قوات الاحتلال أن اذهبوا إلى الجنوب، لكن عاد بعضنا إلى شمال القطاع بحثًا عن أمل جديد في الحياة”.

بعد عودته، وجد يوسف -الذي امتلك أرضًا زراعية عامرة بالمحاصيل يومًا ما- قد دُمِّرت تمامًا، إلا أنه لاحظ بعض النبتات الصغيرة التي أنماها سقوط قرون الفلفل والباذنجان في التربة، وروتها أمطار الشتاء؛ ليبرق أمامه أملٌ كبير.

يقول يوسف: “لقد جمّعنا هذه الشتلات الصغيرة، وأنشأنا ما يشبه حاضناتٍ لها باستخدام حاويات بلاستيكية كانت متاحةً فوق ما تبقَّى من ركام منزلنا، وحاولنا الاعتناء بها قدر المستطاع كي تنمو بهدف إعادة زراعتها في الأراضي الزراعية”.

تحديات كثيرة واجهت يوسف خلال مسعاه، كان أهمها ضرورة استخدام “التربة الصناعية”، وخلال جولاته في أنحاء القطاع المختلفة، حصل على 5 أكياس منها، “كانت رحلة محفوفة بمخاطر عدة”.

يوضح يوسف أن التربة الطبيعية تكون غنيةً بالعناصر الغذائية التي تعزز نمو النباتات، “لكنها للأسف دمرت بسبب الحرب”، أما التربة الصناعية فهي تربة مصنوعة من مخلفات الأشجار، وتمت معالجتها لتكون مناسبةً للاستخدام الزراعي، يتم التحكم في مكوناتها لتلبية احتياجات النباتات، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لا تزال تفتقر إلى بعض العناصر الغذائية التي تحتاج إليها النباتات.

“جمعنا 10 أنواع مختلفة من البذور، وحصلنا على تلك الخاصة بالفلفل والباذنجان واليقطين والقرع الأحمر، وما زلنا نبحث عن بذور الكوسة والفاصوليا واللوبيا والبقدونس والكزبرة والفجل”.

رغم عدم رغبته في الإعلان عن المبادرة لإبقائها بعيدةً عن أعين الاحتلال، اضطر يوسف إلى ذلك نظرًا لارتفاع التكاليف، وحرصه على نشر الفكرة التي قد تسهم في تمكين أهل القطاع من الحصول على الغذاء.

وبعد الإعلان عن المبادرة بثلاثة أيام، تعرض المشتل لقصف مدفعي.

“الاحتلال يرغب في عودتنا إلى العصور المظلمة بتدمير كل شيء، ويسعى جاهدًا لخلق شعب لا يستطيع العيش سوى عبر المعونات”.

يعمل يوسف -إلى جانب نحو 20 مزارعًا عادوا إلى بيت لاهيا- على محاولة تهيئة الأراضي الزراعية لاستقبال الشتلات الجديدة من أجل الحصول على بعض المحاصيل المحدودة، رغم احتمالية تعرضهم للاستهداف من جديد، وقد أسفرت هذه الجهود عن إنتاج بضع شتلات جاهزة للزراعة من مشتل منزلي صغير بدائي، خلال رحلة استمرت نحو الشهر.

“نحن نزرع رغم كل المخاطر، ونطلب من كل المسؤولين والمعنيين حماية المزارعين الذين لا يسعهم سوى العيش وتوفير الغذاء، خاصةً “الفاو”، التي أسهمت سابقًا في تطوير القطاع الزراعي في غزة بأكملها، وتَبَنّت عددًا من المشروعات المهمة”.

تحدثت شبكة SciDev Net إلى عدد من المسؤولين الزراعيين للوقوف على إمكانية نجاح هذه المبادرة، الذين أجمعوا على تميزها وقدرتها على توفير ولو بعض الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع.

يؤكد محمود فطافطة -مدير عام العلاقات الدولية والعامة والإعلام بوزارة الزراعة الفلسطينية- على أن الوزارة ستعمل على توجيه المؤسسات الشريكة لدعم هذه المبادرة، خاصةً منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” واتحاد لجان العمل الزراعي بفلسطين.

من جانبه يوضح عزام صالح -مدير برنامج “الفاو” في غزة والضفة الغربية- أن المنظمة تعطي الأولوية حاليًّا لتوزيع الأعلاف الحيوانية، للمساعدة في إنقاذ الثروة الحيوانية وإنتاج الغذاء الصحي كالحليب واللحوم.

ويضيف: “نأمل في المستقبل القريب توزيع مدخلات إنتاج أخرى حينما تسمح الظروف، فالمبادرة قيمة وتسهم في تمكين الإنتاج الغذائي مرتفع القيمة داخل غزة وتشجعه”.

تابع هذه المبادرة خالد غانم، أستاذ الزراعة العضوية، ورئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية في كلية الزراعة بجامعة الأزهر في مصر، ووصفها بأنها “رائعة”، متوقعًا أن تتحول إلى “مشروع رائد”.

يقول غانم: “لهذه المبادرة العبقرية عددٌ غير قليل من المزايا، فهي تعتمد على إعادة استزراع (تدوير) البذور، وهي تقنية ربما تكون جديدة في مجتمعاتنا، لكنها نُفِّذَت من قبل في بعض المناطق التي عانت غياب الإمدادات الغذائية، وقد تسهم في توفير بعض من الغذاء الأساسي لسكان القطاع، وترفع الروح المعنوية لديهم”.

 

ويشير غانم إلى نجاح هذه التجربة سابقًا في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى، وحظيت بدعم الحكومة والمثقفين والعلماء، ما أدى إلى استزراع نحو 18 مليون حديقة في هذه الأثناء، وهو المشروع الذي عُرِفَ باسم “حدائق النصر”.

طُبِّق المشروع أيضًا حاليًّا في أوكرانيا إبان الحرب الروسية الأوكرانية، وحقق نتائج جيدة، “ومع ذلك، ينبغي العلم أن نجاح التجربة في غزة يستدعي تكاتف المنظمات المعنية محليًّا ودوليًّا، إلى جانب الدعم الإعلامي”، وفق غانم.

ورغم هذه المميزات، حذّر خبير زراعي فلسطيني -رفض ذكر اسمه- من تحديات رئيسة تواجه نجاح هذه المبادرة، يأتي على رأسها استهداف الاحتلال الدائم لكل مقومات الحياة في غزة.

“من ناحية فنية، قد يصعب -إلى حدٍّ ما- إنبات البذور التي نحصل عليها من المحاصيل، والتي يُطلق عليها الجيل الثاني، كما لا نعرف إلى الآن مدى جاهزية تربة غزة الزراعية التي تعرضت للتجريف والقصف بالصواريخ والقنابل الفسفورية”.

ويخشى الخبير الزراعي أن يؤثر حلول فصل الصيف سلبًا في نجاح المبادرة،  فمع نقص كمية المياه، سيستدعي الأمر الحصول عليها ميكانيكيًّا، وهو أمر يتطلب توفير الكهرباء والديزل، اللذين يمنعهما الاحتلال تمامًا عن القطاع.

ويختتم الخبير الزراعي: “المبادرة ملهمة، لكن نجاحها مشروط بتوقف اعتداءات الاحتلال على الحياة بوجه عام في القطاع”.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا