Skip to content

02/01/24

نُذر الجوع تدوي بالسودان

414773535_691909929770577_3837311555273966887_n
تسبب الصراع في هجرة الآلاف من العمالة الزراعية خارج السودان حقوق الصورة:World Bank. CC license: (CC BY-NC-ND 2.0 Deed).

نقاط للقراءة السريعة

  • الجوع يهدد أهل البلد الذي يوصف بأنه ’سلة غذاء العرب‘، ويتأرجح على شفا الكارثة
  • مشكلات جمة تعترض الحصاد، وأكثر من ثلث السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد
  • السودان يواجه أسوأ أزمة نزوح بالعالم، والنازحون يفرضون ضغوطًا على الموارد الشحيحة بالفعل

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[القاهرة] لا يجد القوت كثير من أهل السودان، رغم ما يمتلك من أراضٍ شاسعة تصلح للزراعة، بل أضحى البلد الذي يمكن أن يكون ’سلة غذاء العرب‘ على شفا مجاعة، بسبب الصراع المسلح الدائر في البلاد.

الصراع الذي اندلع في 15 إبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وميليشيات ’قوات الدعم السريع‘، له انعكاسات على الأمن الغذائي، وفق تحليل نشره برنامج الأغذية العالمي في 13 ديسمبر الماضي.

يُظهر التحليل أسوأ مستوى للجوع تم تسجيله على الإطلاق خلال موسم الحصاد، الذي يبدأ في أكتوبر ويستمر حتى فبراير، وهي مدة عادةً ما يكون الغذاء فيها متوافرًا بكثرة، لكن المعطيات القائمة تذهب إلى أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار الحبوب الأساسية إلى 200% مقارنةً بالعام الماضي.

ووفق التحليل، فإنه منذ عام 2019، تضاعف عدد الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد أكثر من ثلاثة أضعاف، إذ ارتفع من 5.8 ملايين إلى ما يقرب من 18 مليونًا.

هذه الأعداد لم يسبق لها مثيل من قبل في السودان، وغالبًا تقل الأعداد في أثناء وقت الحصاد، والمدة التي تليه.

تبدو أرقام التحليل متسقةً مع نتائج دراسة لمنظمة ميرسي كوربس، وهي منظمة إنسانية مستقلة غير ربحية، نشرتها أكتوبر الماضي، وأظهرت انخفاض المساحة المزروعة في السودان.

الدراسة التي أُعدت عبر تحليل لصور التُقطت بالأقمار الاصطناعية كشفت كذلك عن تقلُّص الغطاء النباتي، عن السنوات السابقة بشكل ملحوظ في ولاية الخرطوم، وفي بعض المناطق الساخنة شرقي السودان.

تشير مقارنة مستويات الغطاء النباتي في السنوات السابقة مع إنتاج الحبوب الوطني إلى أنه قد يكون هناك بعض الارتباط بين ارتفاع مستويات الغطاء النباتي وتحسين المحاصيل.

يعلق الواثق عثمان مختار -مساعد الممثل المقيم لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة [فاو] بالسودان- بأن الأرقام التي ذهبت إليها دراسة ’ميرسي كوربس‘ دقيقةٌ إلى حدٍّ كبير، وتتفق مع ما أصدرته ’فاو‘ من تحديث لحالة الأمن الغذائي هناك، وتوقعات بأعداد الذين يعانون انعدامه.

فعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، فإن 17.7 مليون نسمة، يمثلون حوالي 37% من سكان السودان، يعانون حالة انعدام أمن غذائي حاد، منهم 12.8 مليونًا في وضع أمن غذائي كارثي، 4.9 ملايين منهم في وضع أمن غذائي طارئ على شفا الانزلاق إلى وضع مفجع.

يقول مختار لشبكة SciDev.Net: ”دراستا ’فاو‘ اعتمدتا على صور الأقمار الاصطناعية، وعلى معلومات حقلية من 17 ولاية، توصلت إلى انخفاضٍ في المساحة المزروعة أقل بنحو 15% من متوسط المساحات المزروعة قبل خمس سنين“.

”نتائجنا تشير أيضًا إلى توقعات بانخفاض إنتاج محصول الذرة بنسبة 24% مقارنةً بالعام الماضي، والدخن بنسبة 50%، وذلك لأسباب معظمها يتعلق بتداعيات الصراع“، وفق مختار.

ويجدر ذكر أن المناطق التي تعرضت لانتشار أعمال القتال بسبب الصراع المسلح، وشهدت انفلاتًا أمنيًّا تُعد أراضيها من أهم ما يُغل المحاصيل ويُنتج الغذاء في البلاد.

ووفق دراسة ميرسي كوربس، لم يُلحق الصراع بولايتي دارفور وكردفان ضررًا، إذ تعتمدان على الأمطار، وكانت مؤشرات الغطاء النباتي بهما في سبتمبر أعلى من متوسط عشر سنوات مضت.

ولم تصل التداعيات المباشرة إلى ولاية القضارف شرقي السودان، وهي منتج رئيس للذرة الرفيعة.

عن تلك الملامح الإيجابية يعلق حسن العوض -مدير مكتب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بالسودان- بقوله: ”هذه الملامح هي التي أنقذت [أجزاء من] السودان حتى الآن من الوقوع في براثن الجوع، غير أن استمرار الصراع سيؤدي قطعًا إلى ما هو أسوأ من المؤشرات التي كشف عنها برنامج الأغذية العالمي“.

”ثمة مناطق لم تكن تداعيات الصراع قد وصلتها وقت إجراء الدراسة“، كما يوضح العوض لشبكة SciDev.Net، ويقول: ”ربما يظهر التأثير في موسمي الزراعات الشتوية والصيفية القادمين، مع انضمام بعضٍ من هذه المناطق إلى بؤر الصراع الساخنة“.

يشير العوض -الذي انتقل وفريق مكتب السودان للعمل من القاهرة- إلى أن تلك المناطق وفرت الذرة الرفيعة، التي يخلط السودانيون طحينها وطحين القمح لصناعة الخبر.

بيد أن استمرار أمد الصراع، وانتقاله إلى تلك المناطق، يهدد المواسم الزراعية المقبلة، بسبب نقص العمالة الزراعية المطلوبة للزراعة والحصاد، وكذلك نقص المدخلات الزراعية من البذور والأسمدة.

ويضيف العوض: ”في الأساس كنا نعاني -قبل اندلاع الصراع- نقصَ العمالة بسبب اتجاه الكثير نحو العمل في مناجم الذهب المربحة ماديًّا، والآن تسبب الصراع في هجرة الآلاف منهم خارج السودان“.

أجبر الصراع في السودان ما يقرب من أربعة ملايين شخص على الفرار، وفق المنظمة الدولية للهجرة في أغسطس الماضي، ومن المؤكد ارتفاع الرقم حتى الآن، إذ يُحجم كبار المزارعين عن الزراعة.

وإضافةً إلى العمالة، فإن انعدام الأمن وامتداد الصراع إلى مناطق أخرى سيؤثر على سهولة انتقال مدخلات العمالة الزراعية إلى المناطق الزراعية، وهو ما ينذر بفشل الموسم الشتوي الذي يبدأ التحضير له في فبراير المقبل، كما يؤكد العوض.

كانت الحكومة في السودان قد قررت زراعة مليون و80 ألف فدان في ولايات الجزيرة والشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض، ورصدت حوالى 359 مليار جنيه سوداني لزراعة المحاصيل الشتوية، بالتركيز على زراعة القمح، وفق باحث بوزارة الزراعة السودانية، طلب عدم نشر اسمه، بسبب توغل بعض عناصر الدعم السريع في ولاية الجزيرة.

”غير أن هذه الخطة المعلنة من الحكومة لا تجد أي بوادر للتنفيذ على الأرض“.

وتشهد مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، منذ منتصف ديسمبر، اشتباكات عنيفة وقصفًا جويًّا ومدفعيًّا متبادلًا بين الجيش السوداني وميليشيات ’الدعم السريع‘، ما أدى إلى تدافُع آلاف المواطنين إلى الطرقات لمغادرة المدينة، وأعلنت السلطات المحلية حالة الطوارئ، وحظر التجول مساءً.

جديرٌ بالذكر أن المزارعين هناك أحجموا عن زراعة القمح.

يقول الباحث: ”عن أي زراعة نتحدث في هذه الأجواء، فنحن مقبلون على مجاعة حقيقية، ما لم يتم احتواء هذا الصراع سريعًا“.

يؤكد مختار أن الأمن الغذائي في السودان وصل إلى ”مرحلة خطيرة“، قامت ’فاو‘ بتزويد مليون مزارع في 9 ولايات بالبذور لزراعة الذرة والدخن والفول السوداني والسمسم، وستقوم بتزويد 88 ألف مزارع في يناير بمدخلات إنتاج بعض الخضراوات.

ولتدارك الحال في عام 2024، أعدت فاو خطة طوارئ بتدخلات مدروسة لإعانة 9 ملايين من صغار المنتجين في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والأسماك، لتزويدهم بمدخلات الإنتاج.

”يتطلب تنفيذ هذه الخطة 104 ملايين دولار، ونؤمل أن يتم توفير المبلغ من المانحين“، وفق مختار.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا