Skip to content

11/01/24

أحراج وغابات سوريا إلى زوال

IMG_20221209_111942_218
الغطاء النباتي يتلاشى في سوريا على نحو متسارع، بسبب قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة حقوق الصورة:Sonya Alali/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • على نحو متسارع، الغطاء الحرجي يتلاشى؛ بسبب ’احتطاب ممنهج غير مسؤول‘ تقوم به مجموعات تجارية
  • شح المحروقات الناجم عن طول سنوات الحرب سبب رئيس، والحكومة لا تتدخل، بل ثَم مَن يحتمي بها
  • قطع الأشجار تحول من مجرد تلبية احتياجات السكان للتدفئة، إلى وسيلة لتحصيل الكسب والإثراء

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[إدلب] ”قطع الأشجار هو خيار إجباري بالنسبة لي، حتى لو كان غير قانوني، فالبرد أقسى من أن يحتمله الأطفال“.

بهذه الكلمات يبرر حسان الطاهر -(41 عامًا)، من ريف حماة السورية- قطعه للأشجار من الأحراج القريبة من مسكنه.

هكذا بدأ الأمر، مجرد سعي من أرباب الأسر والعوائل لتأمين الدفء، ثم ما لبث أن تحول إلى أغراض أخرى، حتى وصل معه قطع الأشجار العشوائي أو الممنهج إلى حد الظاهرة، وتفاقم على مر سِنيِّ الحرب.

يقول الطاهر لشبكة SciDev.Net: ”لم أشترِ زيت التدفئة (المازوت) هذا العام بسبب الغلاء، ولا بد لي من تأمين الدفء لأسرتي المكونة من ستة أفراد، لأطول مدة ممكنة“، مشيرًا إلى أنه يحتاج إلى حوالي ثلاثة أطنان من الحطب في فصل الشتاء.

وشأنه شأن معظم الأهالي، يعاني الطاهر يعاني انقطاع الكهرباء طيلة اليوم تقريبًا، وعدم توافر الغاز، وارتفاع الأسعار؛ لانهيار قيمة الليرة السورية.

مديرية المحروقات التابعة لحكومة النظام السوري تخصص 50 لترًا من المازوت لكل عائلة، ”وهذه الكمية لا تكاد تكفي لتدفئة العائلة أكثر من 15 يومًا“، وفق الطاهر.

والكثير لا يتسلم مخصصاته من المازوت، وليس له من حل سوى اللجوء إلى السوق السوداء، ويشير الطاهر إلى أن سعر لتر المازوت فيها وصل إلى أكثر من 18 ألف ليرة.

ولم يتوقف الاحتطاب عند حدود الأشجار الحرجية فقط، بل امتد أيضًا إلى الأشجار المثمرة، ويؤكد الطاهر أن هناك مَن يقطع الأشجار بأعداد كبيرة بهدف بيعها.

وليد العيسى -(52 عامًا) أحد مزارعي بلدة جرجناز التابعة لمركز معرة النعمان، جنوبي إدلب- يمتلك أكثر من 20 دونمًا من الأراضي المزروعة بالزيتون، تعرضت كل أشجاره للقطع بعد سيطرة قوات النظام السوري على المنطقة.

يقول العيسى لشبكة SciDev.Net: ”قام عناصر مسلحون، يحتمون بالأفرع الأمنية ويعملون لمصلحتها، بقطع أشجار الزيتون التي بذلت في رعايتها الكثير من الوقت والجهد لسنوات حتى كبرت وأثمرت“.

يُبدي العيسى قلقًا وهو يقول: هؤلاء قطعوا معظم أشجار المنطقة دون حسيب أو رقيب وتحت بصر الجميع، بل أطلقوا النار على كل مَن حاول منعهم، ثم عمدوا إلى نقل الحطب المقطوع يوميًّا بالأطنان.

ويلفت العيسى إلى أن غاية الحطابين ليس توفير التدفئة في منازلهم فحسب، بل المتاجرة بالحطب وبيعه بأسعار مرتفعة، إذ يتراوح سعر الطن الواحد بين 3 إلى 4 ملايين ليرة سورية (200-275 دولار أمريكي).

يعتاش العيسى على تلك الأشجار، ولا مصدر له سواها، إذ يقول: ”كنت أعيش مع أسرتي طوال العام من خير تلك الأشجار خلال موسم الزيت والزيتون، وقطعها بمنزلة قطع للرزق“.

يشير مناف الدخيل -الخبير السوري في الأمن الغذائي وإدارة الغابات والموارد الطبيعية- إلى أن لإزالة الغابات على البيئة عامة والتنوع الحيوي خاصة تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا جدًّا.

يقول الدخيل: ”نفقد سنويًّا الكثير من مساحاتنا الخضراء الطبيعية، فالقطع الجائر لا يستثني أي نوع شجري، لا سيما السنديانيات المرغوبة في التدفئة“.

ويحذر الدخيل من مشكلة كبرى تكمن في أن جذوع الأشجار وفروعها ليست وحدها المستهدفة بالقطع، بل الأَرُومَة والمجموع الجذري للشجرة المقطوعة كذلك.

”هذه بحد ذاتها جريمة كبيرة تقضي على التربة وتسبب انجرافها، وتنهي التجدد الطبيعي للغطاء النباتي.. علمًا بأن غاباتنا تُعد وقائيةً لا استثمارية، فالغاية منها حماية الموارد الطبيعية المتجددة، وبالأخص التربة والمياه“.

يقول الدخيل لشبكة SciDev.Net: ”غاباتنا كانت تمثل قبل اندلاع الحرب عام 2011 حوالي 2.5% من مساحة سوريا، أما الآن فليست هناك إحصائية دقيقة عن مساحة الغابات، ولكن أقدر أن أقول إنها لا تتجاوز 1% الآن“.

قطع الأشجار يهدد التنوع البيئي، إذ تفقد الكائنات الحية موائلها، ويصبح بعضها عرضةً للافتراس، ويؤثر على البيئة سلبًا، بارتفاع درجات الحرارة، وازدياد الغبار، وفق المهندس الزراعي بمحافظة إدلب، موسى البكر.

وعن المخاطر الصحية فإن نقيب الأطباء بالشمال السوري، محمد وليد تامر، يقول: إنه بالمقارنة بوسائل التدفئة الأخرى، تُعد التدفئة بالحطب هي الأكثر تلويثًا للهواء، خاصةً في الأماكن المغلقة.

”لما يحويه دخان الحطب من خليط من الغازات والجسيمات السامة، تؤثر مباشرةً على الجهاز التنفسي وتُفاقم أمراض الرئة“، مؤكدًا أن المخاطر تزداد إلى حدٍّ كبير على النساء الحوامل والرضع والأطفال والمسنين.

والحلول تتمثل في إيجاد بدائل للطاقة، وهي متوافرة، على حد قول الدخيل، لكنها مكلفة إن تحدثنا عن الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

”لذا فالأكثر ملاءمةً التفكير في إنتاج الغاز الحيوي بتخمير بقايا المحاصيل الزراعية والروث الحيواني، ما يوفر غازًا قابلًا للاحتراق يُستخدم بالمنازل، وسمادًا طبيعيًّا يخصب الأراضي الزراعية الفقيرة“.

وعن القوانين السائدة في سوريا للحد من ظاهرة الاحتطاب الجائر، يوضح الدخيل أن العبرة ليست في القوانين، بل في تطبيقها من قِبل الجهات المسؤولة واحترامها من قِبل أفراد المجتمع.

القانون ”يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من 500 ألف إلى مليون ليرة سورية كل مَن أقدم دون ترخيص مسبق على قلع أو قطع أو إتلاف أو تشويه الأشجار والشجيرات في حراج الدولة أو الإتيان بأي عمل يؤدي إلى إتلافها“.

”ولكن قلما يتم تطبيق هذا القانون“، وفق الدخيل.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا