Skip to content

26/12/21

السوريون يستدفئون بالصواريخ والقذائف

111
حقوق الصورة:Sonya Alali/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • الصواريخ والقذائف التي يسقطها النظام السوري وداعموه يحولها الحدادون إلى مدافئ
  • السوريون واللاجئون يلجأون إليها لرخص ثمنها، وقابليتها للتغذية بأي وقود ممكن
  • مشكلات صحية جمة بسبب الروائح والأدخنة المنبعثة من هذه المدافئ

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[إدلب] يحل فصل الشتاء ضيفًا ثقيلًا على السوريين، يدخلون معه في رهان خاسر على دفء مفقود، وسط قلة المساعدات الإنسانية وغلاء أسعار المحروقات، فيبحثون عن وسائل رخيصة للتدفئة تتناسب مع أحوالهم المأسوية، علّها ترد عنهم البرد والمرض.

”وباتت الصواريخ التي تحمل الموت والدمار والتشريد، ملاذًا من الموت بردًا“، كما يقول أسعد العبيد، من مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب شمال غرب البلاد، وهو يجلس مع أولاده الصغار حول صاروخ تم تحويله إلى مدفأة.

الدفء أصبح ضربًا من الرفاهية فقدته أسرة العبيد في زمن الحرب، كغيرها من أسر سكان محافظة إدلب، وباتوا يعتمدون في التدفئة على أدوات متوافرة ووقود رخيص نسبيًّا، بصرف النظر عن أضرار تلك البدائل ومخاطرها على صحتهم.

يقول أسعد لشبكة SciDev.Net: ”لم أتمكن من شراء مدفأة بسبب الفقر والغلاء، لذلك اعتمدت على صاروخ مصدره قوات نظام الأسد، سقط في أحد الحقول القريبة من منزلنا منذ حوالي سنة، ونقلته إلى الحداد الذي قام بدوره بتحويله إلى مدفأة“.

يهرع الحدادون إلى القذائف والصواريخ التي تسقطها الطائرات أو تهوي من الراجمات ليحملوا إلى الورش ما تراوح قطره بين 28 إلى 32 سم، وقد يجلبها المرابطون إليهم فيشترونها منهم بأسعار زهيدة.

قام أحمد حسين العثمان -الذي يعمل في الحدادة بإدلب- بتحويل عدد من الصواريخ والقذائف إلى مدافئ، ويقول: ”الغلاء الكبير في أسعار الحديد، أدى إلى غلاء أسعار المدافئ وعجز الكثيرين عن تأمين ثمنها، فكان البديل الأكثر ملاءمةً هو الصواريخ والقذائف والقنابل التي يلقيها طيران النظام السوري على المنطقة“.

عن كيفية صنع المدافئ من الصواريخ يوضح العثمان لشبكة SciDev.Net: ”المرحلة الأولى تكون باستخدام بقايا الصواريخ المنفجرة، أو بتفكيك غير المنفجرة منها واستخراج المواد المتفجرة منها من قِبل متخصصين، ثم بيعها لأصحاب المقالع الحجرية، حيث تُستخدم في تفجير الصخور“.

ويستطرد: ”ثم ننقل الصاروخ أو القذيفة إلى ورشة الحدادة ونقصها من الطرف العلوي مع إحداث فتحة جانبية لخروج الدخان“.

ويلفت العثمان إلى أن قوة المعدن المستخدم في صناعة هذه الصواريخ ومتانته تجعلها قابلةً لتحمُّل درجات الحرارة العالية، والاستخدام لفترات طويلة، إضافةً إلى كلفة تصنيعها البسيطة.

”هذه المدافئ لا تكلف سوى 15 دولارًا أمريكيًّا، في حين لا يقل سعر المدفأة في السوق عن 100 دولار“.

ويؤكد العثمان أن ”هذا النوع من المدافئ يلتهم كل شيء“، في إشارة إلى أنها تصلح لاستخدام الفحم أو الحطب أو البيرين أو النايلون.

أما البيرين فيشتريه أسعد من معاصر الزيتون المنتشرة في الشمال السوري، وهو من المخلفات الناتجة عن عملية عصر الزيتون لاستخراج الزيت، يجري ضغطها وتجفيفها وتُباع على شكل قوالب أسطوانية.

يقول أسعد: ”البيرين رائحته كريهة وتشبه رائحة ’العفونة‘، لكن احتواءه على الزيوت يسهم في سرعة اشتعاله مقارنةً بالحطب“.

ويُعتمد كثيرًا على الفحم في التدفئة بسبب رخص ثمنه، وتناسُبه مع الأوضاع المعيشية المتردية لمعظم الأهالي.

جلال الشردوب أبٌ لخمسة أطفال، يقيم في مخيم كللي شمال إدلب، يستخدم الفحم للتدفئة رغم رائحته الكريهة، وما سببه لأطفاله من أمراض تنفسية، وعن معاناته يقول: ”الفحم الذي نستخدمه هو البقايا الناتجة عن عملية تكرير النفط الخام في الحراقات البدائية، ويبلغ سعر الكيلوجرام الواحد منه حوالي دولار ونصف“.

ثمة مَن يعجزون عن شراء هذا وذاك، فيلجأون إلى مكبات القمامة التي باتت ملاذًا للفقراء، فيبحثون بين الأكوام المتناثرة عن كل ماهو قابل للاحتراق، علَّه يصد البرد عن أطفالهم.

فاطمة التيزري، تعيش مع أبنائها الستة في منزل غير مجهز، بلا أبواب ولا نوافذ، على أطراف مدينة إدلب، فقدت زوجها بقصف لنظام الأسد، تقصد مع أطفالها صباح كل يوم مكبات القمامة، وتقول للشبكة: ”منذ بداية فصل الشتاء نبدأ بجمع الأكياس البلاستيكية والكرتون لاستخدامها في التدفئة، ونجد أنفسنا مجبرين على تحمّل الروائح المنبعثة عنها، لعدم توافُر البدائل“.

يعلق عبد الخالق الشيخ -مهندس البتروكيماويات- حول أضرار التدفئة البديلة بقوله: ”عند استخدام مادة المازوت أو الغاز المنزلي في التدفئة يكون الاحتراق كاملًا، وينتج عنه غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز ضرره أقل مع انطلاق بخار الماء“.

”أما إذا كان الاحتراق ناقصًا فيكوِّن الناتج مزيجًا من الغازات، أهمها أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام جدًّا، يتسبب في الإصابة بالأمراض التنفسية أو الوفاة اختناقًا، وهذا ما نلاحظه في احتراق مواد الحطب والفحم والبيرين“، وفق ’الشيخ‘، الذي يرأس دائرة مراقبة نوعية المياه والقياسات المائية في مديرية الموارد المائية بإدلب.

ويؤكد الشيخ أن التدفئة إذا كانت عن طريق حرق النايلون، ينتج عنه غاز ثاني أكسيد الكبريت أو غاز كبريتيد الهيدروجين، وهذان الغازان سامان لدرجة كبيرة؛ إذ يدخلان إلى الرئتين ويمتصان الماء منها.

من جانبه يعلق محمد الخالد، مدير مركز الرعاية الصحية الأولية في مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي: ”أصبحت القمامة والملابس البالية والأحذية من الوسائل المعتمدة للتدفئة لدى كثير من الأهالي والنازحين إلى المحافظة، لسهولة الحصول عليها وتكلفتها المنخفضة مقارنةً بوسائل التدفئة التقليدية كالحطب والوقود“، مشيرًا إلى أن مواد التدفئة البديلة خطرة جدًّا عند اشتعالها، تسبّب أمراضًا كثيرة، وقد تتسبّب في وفاة مَن يستخدمها في مكان مغلق.

ويؤكد ’الخالد‘ لشبكة SciDev.Net أن ”50% من الأطفال الذين يزورون المركز مصابون بأمراض رئوية وصدرية نتيجة وسائل التدفئة غير الصحية، وهذه الأمراض قد ترافقهم مدى الحياة، كالربو والتهاب القصبات المزمن وقصور التنفس، ونقص الأكسجة الذي يسبب فشل نمو عند أغلب الأطفال“.

وللأسف لا مفر إن ظلت الأوضاع في هذا التردي، فعمليات التمويل للاستجابة الإنسانية لا تغطي أكثر من 45% من الاحتياجات العامة، ومعدلات الفقر وصلت في شمال غربي سوريا إلى مستويات قياسية تجاوزت 90%، وفق فريق ’منسقو استجابة سوريا‘.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا