Skip to content

31/10/22

بنك بذور الجزائر ’سيادي‘ ويتعلق بالأمن الغذائي

IMG_COM_20221031_0853_15_8297
حقوق الصورة:Riad Mazouzi/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • الظروف الدولية الجيوستراتيجية الراهنة تدفع الجزائر إلى تدشين بنك بذور وطني
  • تعزيز الأمن الغذائي هدف أسمى وراء إنشاء البنك، يتجاوز مجرد تقليل فاتورة الاستيراد
  • دور أوسع وأبعد من المستوى المحلي قد تتجلى آثاره بدول الجوار ودول حوض البحر المتوسط

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[الجزائر] لم يكن موسم الحرث والبذر الحالي عاديًّا بالجزائر، بالنظر إلى المستجدات التي طرأت على قطاع الفلاحة والزراعة هناك، ومن أبرزها تدشين ’البنك الوطني للبذور‘.

الموسم الذي بدأ النصف الثاني من الشهر الجاري، بذر فلاحو الجزائر خلاله بذورًا خرج أكثرها من أراضيها، وردت إليها بعد ثلاثة أشهر فحسب من تدشين البنك التابع لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية.

ولم يكن التفكير في إنشاء البنك متصلًا بالحد من قيمة فاتورة استيراد البذور وكلفتها، بقدر ما تعلق بالأمن الغذائي في البلاد، وتعزيزه من خلال ترقية الإنتاج الوطني للبذور، وفق الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان، الذي أشار أيضًا إلى الظروف الجيوستراتجية الراهنة.

ففي ضوء ما استجد على الساحة الدولية بشأن بعض المحاصيل الأساسية، وما ألقت به الحرب الروسية الأوكرانية من ظلال على سلاسل توريد الحبوب والزيوت، بادرت الحكومة إلى افتتاح البنك بمقر ’المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها‘ بالجزائر العاصمة.

من ثم، لم تلبث السلطات المعنية في الجزائر طويلًا حتى أعلنت إيقاف استيراد البذور من الخارج، كما كانت الأمور تجري سابقًا، بل اكتفت بتوفيرها للفلاحين على إثر الإجراءات التي اتبعتها في تدشين البنك.

كانت الوزارة قد ألزمت الفلاحين تسليم محاصيلهم كاملة -من دون شرط- إلى تعاونيات الحبوب الغذائية والبقول الجافة المختصة في كل إقليم من أقاليم البلاد، وفق نص المادة 30 من قانون المالية التكميلي لسنة 2022.

وسلم المزارعون كامل الإنتاج من الحبوب، مشفوعًا بوثيقة هوية المزارع، وشهادة منه تحدد موقع الأرض المزروعة ومساحتها، إذ يتم بعدها جرد المحصول رسميًّا وتخزينه.

ورأى ابن عبد الرحمان أن ”الاعتماد اعتمادًا كليًّا على الإنتاج المحلي من البذور في الزراعة يمثل تحديًا كبيرًا، ينبغي على القطاع تكثيف جهوده للنجاح في تحقيقه، وذلك من خلال تعزيز البذور الأصلية وحمايتها وتوفيرها بالشكل المطلوب“.

يؤكد أحمد مالحة -الخبير الفلاحي والمستشار السابق بوزارة الفلاحة- تسجيل عدة مؤشرات إيجابية خلال انطلاق الموسم الفلاحي الجاري، ومن أبرزها: ”وقف استيراد بذور الخضر مباشرةً بعد افتتاح البنك، والاعتماد على ما يوفره البنك من بذور“.

ويضيف مالحة لشبكة SciDev.Net: ”بهذه الخطوة تكون الجزائر قد قلصت من فاتورة استيراد المواد الفلاحية المستغلة في الزراعة والبذر، والتي كانت تستهلك من موازنة الدولة ما يفوق 11.5 مليار دولار سنويًّا“.

”والأمر لا يتعلق بنقص الموارد المالية في الجزائر وعجزها عن الاستيراد، بل تسعى البلاد إلى عدم إهدار الطاقات والخبرات الوطنية والباحثين الذين تصرف عليهم الدولة أموالًا كثيرة في التدريب وبناء القدرات“، وفق مالحة.

ولأول مرة في الجزائر يتم إشراك أكثر من 50 خبيرًا في إعداد المخطط الجديد للتنمية الفلاحية للمدة التي تمتد إلى آفاق 2035، ويتضمن تحريك مشروع البنك، وذلك بعد تحليل دقيق للوضع والموارد والقدرات، وهذا من شأنه إحداث ”ثورة حقيقية في مجال الفلاحة من خلال دمج المعرفة والتقنيات“، وفق مالحة.

بُعد آخر للمسألة، تلفت إليه النظر الباحثة الجزائرية حليمة بن بوزة، الرائدة في تطوير التكنولوجيا الحيوية بالجزائر، إذ تقرر أن الأهمية القصوى للبنك تكمن في الحفاظ على الخصائص الجينية للبذور، أو ’التراث الجيني‘.

تقول حليمة لشبكة SciDev.Net: ”فقدت الجزائر -منذ سنوات خلت- العديد من الأصناف القديمة من الحبوب وأشجار الفاكهة، وأصنافًا أخرى من المحاصيل الغذائية المهمة بسبب الاعتماد على الاستيراد، وحلت محلها أصناف جديدة تم إدخالها من أوروبا وأماكن أخرى“.

”ويُعد هذا البنك البنية التحتية للحفاظ على البذور وتحقيق التنوع الجيني لأصناف المحاصيل الغذائية والنباتات البرية“، وفق حليمة.

ولا يُسهم البنك في تعزيز الأمن الغذائي فحسب، بل سيكون خطوةً للتمييز بين أصناف النباتات، ما سيفيد في برامج التحسين الوراثي والاختيار لسمات زراعية مهمة تتكيف مع تغيُّر المناخ والأنظمة الزراعية المختلفة.

تقول حليمة: ”هذا التحسين المستمر سيؤدي إلى زيادة الإنتاج، ومقاومة الجفاف، ومقاومة الأمراض، وتحقيق زراعة مستدامة وأمن غذائي وطني وإقليمي، بالإضافة إلى الوقوف ضد القرصنة الحيوية للتنوع البيولوجي الزراعي“.

وتقترح حليمة أن يبدأ البنك في العمل على الأنواع والأصناف المهددة بالانقراض، والتي لها أهمية في السوق المحلية والأجنبية، ثم تلك التي كانت موضوع القرصنة الحيوية، وذلك يأتي بعد إجراء جرد عبر الأراضي الزراعية، والتوصيف الجيني للتراث النباتي والبذور.

على سبيل المثال، ”إذا أردنا تحسين مجموعة متنوعة من القمح لمقاومة مرضٍ ما، فسنبحث في البنك عن أصناف لها هذه الصفة، وسننتقل إلى التهجين والاختيار لتحسين أو إدخال الجينات التي تتحكم في التعبير عن هذه السمة“.

كما يمكن للباحثين أيضًا دراسة وإيجاد الجزيئات الحيوية التي لها فائدة غذائية يمكن استخدامها في صناعة الأغذية أو حتى الأدوية.

وتأمل حليمة أن ”يسهِّل البنك الوصول إلى الموارد الجينية المطلوبة في إطار مشاريع البحث الوطنية أو الدولية، وفق قواعد ومعايير ومن خلال احترام الإجراءات الإدارية لبنك البذور“، مشيرةً إلى ضرورة إنشاء آليات للتعاون، ليس فقط مع الجامعات ومراكز البحوث، بل مع المزارعين والمنظمات غير الحكومية النشطة في هذا المجال أيضًا.

كما ترى أنه من الضروري وجود ملاحق للبنك في مناطق مختلفة من البلاد، ليهتم كلٌّ منها بالخصائص الجينية للنباتات والبذور الموجودة بتلك الأقاليم، مشيرةً إلى أن مساحة الجزائر الشاسعة تتطلب ذلك.

لكن عبد النور جحنين -الإعلامي والمحلل الاقتصادي الجزائري- يبتعد عن الشأن العلمي والبحثي، مركِّزًا على أن تحرُّك الجزائر الأخير لإنشاء بنك للبذور جاء على خلفية الخوف من عواقب الحرب الروسية الأوكرانية التي قلصت واردات القمح إلى المنطقة.

”وعلى الرغم من أن الجزائر تمكنت من توفير مخزون 10 أشهر من القمح، إلا أن استمرار الأزمة العالمية يستدعي مضاعفة الإنتاج محليًّا لتغطية الطلب المحلي، فالإنتاج المحلي لا يغطي حاليًّا سوى 30% من الطلب، والباقي يُستورد من الخارج“، وفق جحنين.

ويعد جحنين بنك البذور ”سياديًّا، وأساس الأمن الغذائي لكل دولة“.

لكن مالحة يرن أن البنك سيكون له أثر إقليمي ودولي أيضًا، خاصةً أمام أزمة الغذاء العالمية، ”سيمد يده إلى دول الجوار ودول حوض البحر المتوسط من أجل الاستفادة من بعض الأصناف النباتية المنقرضة في الجزائر“.

ويضيف: ”منحت تونس الجزائر قبل أيام أربعة أنواع من بذور القمح الأصلية، التي تصلح زراعتها في مناطق شاسعة بالبلاد“.

ومن المنظور نفسه، تتوقع حليمة كذلك نشوء تعاون بين بنك البذور الوطني في الجزائر ونظائره، كما يجري ذلك مع بنك البذور في ’قبو سفالبارد العالمي‘ بالنرويج، من أجل الحفاظ على التنوع الحيوي الزراعي إقليميًّا وعالميًّا.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقعSciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا