Skip to content

24/05/23

’الجندي الأسود‘ يقود الطريق إلى بروتين للجميع

1
ذبابة الجندي الأسود تمثل حلًّا مستدامًا لإدارة المخلفات العضوية ويمكن استخدامها لإنتاج الأعلاف والأسمدة حقوق الصورة:Ahmed Obied/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

حشرة سوداء من ذوات الجناحين، ’صغيرة‘ بإمكانيات كبيرة، تُعرف باسم ذبابة الجندي الأسود، وكما تمثل حلًّا مستدامًا لإدارة المخلفات العضوية، يمكن استخدامها لإنتاج الأعلاف والأسمدة.

 ذبابة الجندي الأسود من العائلة الذبابية الجندية، تنتشر الآن في جميع أنحاء العالم، ولا تُعد ناقلةً للأمراض في أيٍّ من أطوار حياتها، بل تؤدي دورًا مهمًّا في تحلُّل المواد العضوية، كما تُعد يرقاتها مصدرًا مهمًّا للبروتين.

يوضح أحمد كيوان، المدرس بكلية الزراعة في جامعة الأزهر بمصر، والحاصل على الدكتوراة في تغذية الحيوان والتمثيل الغذائي من جامعة كوبي اليابانية: ”تتغذى الذبابة على مجموعة واسعة من المواد العضوية، فهي قادرة على تحويل 2- 5 كيلوجرامات من المخلفات العضوية إلى كيلوجرام واحد من اليرقات التي تحتوي على بروتين عالي الجودة، مما يجعلها مصدرًا مثاليًّا لتغذية الماشية والدواجن والأسماك، التي تعاني السوق المصرية ارتفاع أسعارها“.

فجوة يستثمرها البيطري المصري أحمد عبيد في شركته الناشئة لتطوير نموذج صناعي في تربية يرقات الذبابة وتسمينها لاستخدامها في أغراض متعددة من أجل توفير حلول بيئية مستدامة؛ فهي تعمل على تأصيل صناعة المنتجات ذات الأصل الحشري، مثل الجندي الأسود.

يحكي عبيد لشبكة SciDev.Net: ”بدأت فكرة تربية ذبابة الجندي الأسود في نهاية عام 2016 بتفاقم مشكلة نقص بعض الخامات العلفية، فقادني ذلك إلى البحث عن مصادر بديلة للبروتين من أصل حيواني أو نباتي أو حشري أو فطري، ولفت انتباهي مشروع مقدم من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي يتحدث عن استخدامات البروتين الحشري بمختلِف أنواعه في تغذية بعض الحيوانات ومنها حشرة الجندي الأسود“.

ما تمتلكه الحشرة من مميزات دفَع عبيد لمعرفة كل ما يتعلق بها، في رحلة بحث يقودها الشغف، وانشغل كباحث بالبُعد الصحي والبيئي للحشرة، وكانت أولى الميزات -كما أوضح عبيد- أن الحشرة البالغة ”لم يثبت نقلها لأي أمراض بين الإنسان والحيوان أو بين الحيوانات المختلفة“.

ثمة أسباب عديدة وراء الاهتمام العلمي المتزايد بحشرة الجندي الأسود، يوضحها خالد غانم، أستاذ الزراعة العضوية، ورئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية في كلية الزراعة بجامعة الأزهر في مصر، أولها زيادة المخلفات العضوية التي تمثل عبئًا بيئيًّا، وثانيًا تفاقُم أزمات الغذاء مما دعا الكثيرين للبحث عن حلول وإيجاد علف بديل كالذي تقدمه الحشرة بقدرات كبيرة، ثالثًا دعم قضية المناخ، إذ تُستبدل بالغابات محاصيل فول الصويا -الذي يُستخدم علفًا- ما يسرِّع من وتيرة التغير المناخي.

يشرح كيوان: لنفترض أن لدينا فدان أرض تم استغلاله في تربية حشرة الجندي الأسود، ”يمكنه إنتاج 200 ضعف ما ينتجه الفدان نفسه من فول الصويا [الذي يُستخدم علفًا]“، كما لا تحتاج الذبابة إلى أرض خصبة، مما سيوفر الأراضي الزراعية لمنتجات غذائية أخرى، كما أنها توفر استهلاك المياه المستخدمة في الزراعة، ويمكن إنتاج أسمدة عضوية عالية الجودة من الحشرة بدلًا من استهلاكها في زراعة فدان فول الصويا، بالإضافة إلى تكيُّفها مع حرارة البيئة في المنطقة.

أيضًا يمكن للحشرة تقليل التلوث في الحمل الميكروبي للمخلفات، ويمكن للإناث وضع ما متوسطه 750 بيضة في المرة الواحدة، وهو ما قد يتكرر في دورة حياتها.

”قد تبلغ دورة حياة الذبابة حوالي 38 يومًا من البيضة إلى اليرقة بأطوارها المختلفة، ثم الشرنقة وحتى الحشرة البالغة القادرة على التكاثر، والتي قد يصل عمرها إلى 76 يومًا“.

يوضح عبيد: ”نعمل في الشركة على فصل اليرقات عن المخلفات ونجففها، كما نفصل الزيت عن البروتين للحصول على منتجات مختلفة“.

الأسمدة العضوية المنتجة معززة بالكيتين والكيتوزان، وتخدم تلك المواد عملية تحويل الأسمدة العضوية إلى أسمدة حيوية، يقول عبيد: ”تمكنت تلك الأسمدة من تقليل الحاجة إلى استخدام الأسمدة الكيماوية بنسبة 25% تقريبًا، وفق المزارعين“.

كما ينتج سماد عضوي سائل للحد من الآفات الزراعية، بالإضافة إلى منتجات سائلة كإضافات علفية للدواجن والأسماك والحيوانات الأليفة، وتساعد تلك المنتجات على تقليل معامل التحويل الغذائي، مما يرفع من أهميتها الاقتصادية للمزارعين.

مسحوق الحشرة غني جدًّا بالبروتين بنسب تتراوح بين 55 و65%، وجودته مرتفعة مقارنةً بمسحوق السمك وكسب فول الصويا (المصدر الرئيس للبروتين فى صناعة الأعلاف)، لاحتوائه على نسب أعلى من الأحماض الأمينية الضرورية، كما أنه يتميز بمعدل هضم مرتفع، يصل إلى 90%، بالإضافة إلى نسب مرتفعة من الدهون ذات الخصائص الغذائية المميزة لاحتوائها على أحماض دهنية غير مشبعة، وكمية الطاقة الناتجة عن تناول الحشرة تكون مرتفعة وتتساوى تقريبًا مع البقوليات، وفق كيوان.

ويؤكد عبيد أنه ”في حالة بلوغ الصناعة نصف مليون طن حشري سنويًّا، فسنتمكن من توفير ما يعادل 800 ألف طن من فول الصويا المستوردة، وهو ما يعادل 200 مليون دولار سنويًّا، كما ستخلق تلك الكمية فرص عمل جمة، مباشرةً وغير مباشرة“.

ثمة احتياج هائل إلى الأعلاف في مصر، ففي عام 2022 استوردت  البلاد 8 ملايين طن ذرة صفراء، و3.8 ملايين طن من فول الصويا، وهما عماد صناعة الأعلاف، وهذا ما دفع عبيد إلى تسريع وتيرة العمل على نموذجه الصناعي القابل للتنفيذ.

لم تصرح وزارة الزراعة المصرية بعدُ باستخدام الحشرة للاستهلاك علفًا للحيوانات رغم سلامتها المثبتة علميًّا وعبر الكثير من التقارير الدولية، يقول كيوان: ”حتى اليوم لم تُصدر الوزارة تراخيص لاستخدام مسحوق الحشرة بشكل رسمي كعلف رغم قبول الاتحاد الأوروبي في 2021 استخدام مسحوق الحشرة علفًا للدواجن والأسماك وفق الضوابط المعمول بها“.

المسموح به حاليًّا هو إنتاج الحشرة من أجل تغذية أسماك الزينة، سواء كاملة أو مسحوقة، ويتوقع كيوان تضاعُف أعداد المربين في المستقبل القريب مع انتشار الوعي والتفاقم المحتمل للأزمات.

يتفق غانم مع عبيد، ويضيف: ”نحتاج إلى تشريعات تساعد المستثمرين ورواد الأعمال على تنفيذ هذا النوع من الشركات، ليس في مصر فقط، بل في المنطقة، وأعتقد أنه مع الضغوط المناخية وقمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ، وما يترتب عليه من ضرورة وجود شركات تعمل في الاقتصاد الدوّار، كل ذلك يدعو إلى تفعيل وإطلاق تشريعات ومحفزات لمساندة هذا النوع من المشروعات“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا