Skip to content

18/12/23

كوب 28.. هل يمكن للكلمات أن تنقذ الكوكب؟

555
لوحة إعلانية بمحطات المترو في مدينة بروكسل قبل وبعد قمة المناخ كوب 28 حقوق الصورة:Mohamed Elsonbaty/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

”كوب 28 دبي لا يمكنه إنقاذ الكوكب“، طالعتني لوحة إعلانات تحمل تلك الرسالة في محطة المترو قرب منزلي بمدينة بروكسل في بلجيكا، على بُعد خطوات من مقر الاتحاد الأوروبي، وذلك قبل بضعة أشهر من حضوري لفعاليات القمة التي اختُتمت يوم الأربعاء 13 ديسمبر في الإمارات.

بُعيد انتهاء المؤتمر، الذي دام قرابة أسبوعين واختُتم بمفاوضات ماراثونية امتدت 24 ساعةً متواصلة، جاءت ردود الأفعال حول النص النهائي متباينة؛ إذ اعتبره البعض نصرًا تاريخيًّا، فيما رآه آخرون دون التوقعات المأمولة، ولكن الجميع اتفقوا على أن ”الكوكب لم يتم إنقاذه بعد“.

الأمر الذي قد ينطبق على أيٍّ من قمم المناخ السابقة خلال ثلاثة عقود؛ فحتى الآن جل ما حملته مجرد كلمات.

يمكن القول بلا أدنى مبالغة إن الاستجابة العالمية لأزمة تغيُّر المناخ تتمحور حول الكلمات أكثر من أي شيء آخر، بدايةً من اختيار مصطلح ’تغيُّر المناخ‘ لوصف الوضع، وهو مصطلح غير واضح بطبعه ويُخفي أكثر مما يُبدي، سعى العالم لتلطيف حدة الأزمة من خلال استخدامه؛ إذ يوحي هذا المصطلح بأن التغيرات المناخية تحدث بصورة طبيعية، دون الإشارة إلى أنها ناجمة عن النشاط البشري منذ الثورة الصناعية، كما أن هذا ’التغير‘ لا يعطي انطباعًا بوجود أزمة، فالتغير قد يكون إيجابيًّا ولا يحمل عواقب سلبية.

الإصرار على استخدام هذا المصطلح، رغم محاولات إحلال مصطلح ’أزمة المناخ‘ محله، يمكنه أن يلخص الكثير.

جاء اليوم الأول للنسخة الثامنة والعشرين من مؤتمرات ’كوب‘ محملًا بآمال عظام؛ إذ تم الإعلان عن تدشين صندوق ’الخسائر والأضرار‘ وبدء تمويله؛ إذ تسابقت بعض الدول في هذا الصدد بدايةً بالدولة المستضيفة، في حين جاءت إسهامات بعض الدول شحيحةً للغاية كالولايات المتحدة الأمريكية، التي تنفق أضعافًا مضاعفة على تمويل الحروب في المنطقة.

الأمر اللافت للنظر هنا تجنُّب -بل معارضة- استخدام كلمة ’تعويضات‘ في أي أمور تتعلق بتمويل العمل المناخي؛ إذ تخشى دول العالم ’المتقدم‘ اتخاذ تلك الكلمة ذريعةً لمقاضاتها من قِبل المتضررين من الأزمة المناخية في الوقت الحالي أو المستقبل، يتأتى ذلك الأمر في إطار التنصل المستمر لتلك الدول عن مسؤوليتها التاريخية في التسبب بأزمة المناخ وعواقبها التي طالت العالم أجمع والأجيال القادمة كذلك.

أما في اليوم الأخير من كوب28، فحمل النص الختامي كلمةً أخرى زادت الطين بلة، ’التحول بعيدًا عن‘ الوقود الأحفوري -المتسبب الرئيس في الاحتباس الحراري، وهو مصطلح لا يحمل أفعالًا واضحةً أو إلزامية؛ إذ تم الإصرار من قِبل الدول المنتجة للوقود الأحفوري -في مقدمتها المملكة العربية السعودية- على عدم استخدام مصطلح ’التخلص التدريجي‘، الذي يبدو أوضح بعض الشيء وأكثر إلزامًا، لكنه يظل غير كافٍ لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.

أما الكلمة التي كان يأمل أشد المتفائلين استخدامها فهي ’التخلص النهائي‘، التي تعني التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري بحلول عام 2050م، وهو ما يوصف بالأمر غير القابل للتحقيق اقتصاديًّا، والساذج سياسيًّا.

مَن وصفوا كوب 28 بأنه تاريخي، أوضحوا أنها المرة الأولى التي يُذكر فيها الوقود الأحفوري بشكل مباشر في النص النهائي لمؤتمرات كوب، بينما يمكن الاتفاق على أن هذا أمرٌ محمود، إلا أنه يؤكد أن الكلمات هي كل شيء في تلك المؤتمرات، فحقيقة إغفال ذكر الوقود الأحفوري طوال 27 مؤتمرًا سابقًا تضع الجدوى من تلك المؤتمرات موضع شك ومحل تساؤل.

في نهاية المطاف فإن تلك ’الكلمات‘ الناجمة عن مؤتمرات كوب مجرد كلمات جوفاء تفتقر في وضوحها ودلالاتها إلى كيفية تحويلها إلى أفعال، وفي حين يصر العديد على عدم التشاؤم وأنها خطوات صغيرة في الطريق الصحيح، إلا أنه في مواجهة أزمة المناخ التي يزداد تفاقُمها يومًا بعد يوم تبدو تلك الخطى أشبه بالسير إلى الخلف.

وإلى حين أن تتحول تلك المؤتمرات إلى أفعال ملموسة وقابلة للقياس، لم ولن يتمكن أي ’كوب‘ من إنقاذنا، ليس كوب 28 وحده فقط الذي لن ينقذنا، كما أخبرت اللوحة الإعلانية المشار إليها سابقًا، تلك اللوحة الإعلانية التي فوجئت لدى عودتي من المؤتمر بحلول لوحة أخرى محلها -ممولة من أحد شركاء المؤتمر- تحمل رسالة مفادها أن إنقاذ الكوكب لا يزال ممكنًا!

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا