Skip to content

04/11/23

دروس الصمود للجفاف والتصحر

Farmer tasting red fruit of cactus pear, Madaba, Jordan, 2019 - Taken By: Sawsan Hassan/ICARDA
مزارع يتذوق ثمار التين الشوكي الأحمر في مأدبا بالأردن، 2019. حقوق الصورة:Sawsan Hassan/ICARDA, (CC BY-NC-ND 2.0 DEED).

نقاط للقراءة السريعة

  • منطقتنا المصدر لتطوير محاصيل أشد صلابةً وأكثر تحملًا للمناخ
  • الابتكارات التي تم تطويرها بالمنطقة مفيدة للزراعة في حالات الطوارئ المناخية
  • وعي الدروس المستفادة من المنطقة يرسخ الأمن الغذائي في عالم أشد حرارةً وجفافًا

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأشد جفافًا في العالم، وهي موطن لأربع من الدول الخمس الأشد إجهادًا مائيًّا على الكوكب، لكن إرثها باعتبارها مهد الزراعة يجعلها -وعلى نحوٍ متزايد- مصدرًا قيمًا ومعينًا لا ينضب لحكمة العالم والإبداع في تكييف النظم الغذائية مع المناخات الأشد حرارةً وجفافًا، وهو تحدٍّ ينتظر عددًا متزايدًا من البلدان.

وبفضل “الهلال الخصيب”، وهي بقعة غنية بالتنوع الحيوي في الشرق الأوسط، مر على المنطقة أكثر من 10,000 سنة من التحول الزراعي، ولم تزل في طليعة زراعة الأراضي الجافة.

مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار التصحر بجميع أرجاء العالم، فإن محادثات المناخ كوب 28 لهذا العام في دبي توفر فرصةً مواتيةً للتعلم من الخبرة الواسعة للمنطقة والحلول العلمية التي تؤذن بتمكين الزراعة الصحراوية رغم الصعاب.

إن ما تفتقر إليه المنطقة من المياه العذبة تعوضه أنواع نباتية وحيوانية قديمة قادرة على الصمود، وآلاف السنين من البراعة والمهارة الزراعية.

والتراث الزراعي الاستثنائي للمنطقة مع ظروفها القاسية يعني أنها تظل كنزًا دفينًا من ’أقارب المحاصيل البرية‘، وهي أنواع النباتات الغذائية الأصلية التي تطورت على مدى آلاف السنين لتتحمل الحرارة والإجهاد المائي وفقر التربة.

بالنسبة للعلماء الذين يبحثون عن السمات الوراثية النباتية التي يمكنها تحمُّل الظواهر المناخية القاسية المتطرفة التي تحدث الآن في بلدان مثل أستراليا وكندا وإسبانيا والولايات المتحدة، تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرتعًا ومنشأً للمادة المصدر التي يمكن من خلالها تطوير محاصيل أشد صلابةً وأكثر تحمُّلًا للمناخ.

على سبيل المثال، أطلقت المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية (سيجار) مؤخرًا ستة أصناف جديدة تتحمل الجفاف من الشعير والقمح القاسي باستخدام عينات مخزنة في بنك جينات المحاصيل الذي يديره مركز (إيكاردا) في المغرب.

وتوفر المحاصيل الذكية مناخيًّا التي تقدمها المجموعة حاجزًا حيويًّا أمام تأثير الجفاف، الذي أدى في العام الماضي إلى انخفاض إنتاج القمح بنحو 70% في المغرب، حيث كانت الظروف قاسيةً للغاية، لدرجة أن هذه الظاهرة سُميت ’جفاف القرن‘.

وإجمالًا، أطلق ’إيكاردا‘ وحده حوالي 880 صنفًا جديدًا من المحاصيل خلال أربعين سنةً ماضية، ما أفضى إلى تحقيق فوائد سنوية تزيد قيمتها على 850 مليون دولار أمريكي، وهذا يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ففي السنوات الخمس الماضية، تمت زراعة أكثر من 120 صنفًا من محاصيل الحبوب والبقوليات القادرة على الصمود في مواجهة المناخ في أكثر من 20 دولة.

أدت أصناف القمح المقاوِمة للحرارة التي طورتها ’سيجار‘، والمشتقة من أقارب المحاصيل البرية في المنطقة، إلى زيادة الغلة بنسبة تصل إلى 24% عند اختبارها في مواقع بإثيوبيا ولبنان والمغرب والسنغال.

وإلى جانب تربية المحاصيل الأشد صلابة، قام الباحثون الزراعيون في المنطقة أيضًا بتطوير أنظمة إنذار مبكر متطورة لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها من الدول التي تعاني نقص المياه، عونًا لها على التنبؤ على نحوٍ أفضل وتوقع حالات الجفاف.

فقام العلماء العاملون في برنامج جفاف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعاونة حكومات الأردن ولبنان والمغرب على بناء أنظمة خاصة بكل قُطر، تتنبأ باحتمالية حدوث ظروف الجفاف خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهذا يتيح للمزارعين والسلطات المحلية إدارة موارد المياه على نحوٍ أكثر فاعليةً واتخاذ قرارات زراعية أكثر استنارة.

وقد تم بالفعل اعتماد مؤشر جفاف لإظهار الأماكن التي تعاني ظروفًا صعبة وتحفيز اتخاذ تدابير للمساعدة، وتوسع المشروع ليشمل تونس، وواكبه اهتمام بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كما تقدم المنطقة أيضًا مثالًا مقنعًا لكيفية تسخير المعرفة واستغلال الممارسات التقليدية لتعزيز الأمن الغذائي، وتسريع ذلك من خلال التعاون المحلي والإقليمي سواء بسواء.

على سبيل المثال، أطلق ’برنامج الابتكار الزراعي المتكامل في الصحراء‘ جزءًا من المبادرة الأمريكية الإماراتية؛ ’مهمة الابتكار الزراعي من أجل المناخ‘؛ لتسخير ممارسات الزراعة الصحراوية وتوسيعها في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، وخارجها.

وتشمل التقنيات التي أدت إلى تحسين الإنتاجية وعكس اتجاه التصحر: الابتكار في إدارة المياه، ودمج الطاقة الخضراء، والزراعة العمودية، والزراعة المحافظة على الموارد، بالإضافة إلى التعلم العميق من خلال المراقبة عبر الأقمار الصناعية.

ثمة تقنية جديدة أيضًا تتمثل في استخدام مزاولة ’مراب‘ القديمة، وهي طريقة تقليدية لحفظ المياه في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتتضمن إنشاء مناطق من الأراضي المسطحة نسبيًّا، تعمل على إبطاء تدفُّق المياه بعد هطول الأمطار، مما يسمح بمزيد من الاحتفاظ بالرطوبة وتقليل التدهور.

وقد أدى استخدام هذه التقنية في الأردن إلى زيادة إنتاج الشعير من 0.34 إلى 8.37 أطنان للهكتار الواحد، وبشكل ملحوظ، صارت الغلات أكثر موثوقيةً بسبب تقليل الاعتماد على هطول الأمطار الذي لا يمكن التنبؤ به.

كما تبين أن إعادة زرع أنواع المراعي الأصلية -بما في ذلك الأعشاب والبقوليات ذات الاحتياجات المائية المنخفضة- والتحكم في رعي الماشية مما يسهم في إعادة تأهيل المراعي.

وبينما يتسابق العالم للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، فإن تغير المناخ يحدث بالفعل مع عواقب حتمية الآن في كلٍّ من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما وراءها.

وبما أن العديد من البلدان تواجه ظروفًا أكثر حرارةً وجفافًا، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل حالة اختبار قيِّمة لقدرة الزراعة على التكيف، وستصير العديد من الابتكارات التي تم تطويرها بالمنطقة مفيدةً للزراعة في حالات الطوارئ المناخية.

يجب على الحكومات وصانعي السياسات ومفاوضي المناخ في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28 أن يتنبهوا للدروس المستفادة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لترسيخ الأمن الغذائي في عالم أكثر حرارةً وجفافًا.

هذا الموضوع أنتج عبر النسخة الدولية لموقع  SciDev.Net

 

** مدير عام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والمدير الإقليمي لوسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا، بالمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية