Skip to content

05/03/22

أقوات العربان في ظلل حرب الروس والأوكران

6051698223_7c04e73fbf_o
حقوق الصورة:ICARDA. CC license: (CC BY-NC-ND 2.0).

نقاط للقراءة السريعة

  • الأمن الغذائي العربي يكتوي بنار الحرب الروسية الأوكرانية
  • المخزونات تكفي بالكاد، والأسعار تتقافز، والقدرة على الشراء تخور
  • الآثار مباشرة وسريعة وممتدة، والحل في زيادة الإنتاج المحلي وخفض الواردات

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

اعتاد المهندس المصري محمود الكومي -وهو رب لأسرة مكونة من أربعة أفراد- شراء المتطلبات الغذائية الشهرية لأسرته بمبلغ 5 آلاف جنيه، غير أنه اضطر إلى إنفاق 10 آلاف لتأمين متطلبات شهرين مقبلَين، خشية تأثير الحرب الأوكرانية الروسية على إمدادات السلع الغذائية بمصر.

وبالرغم من أن الحكومة المصرية طمأنت مواطنيها بأن مخزون السلع يكفي لعدة أشهر قادمة، إلا أن الكومي يخشى أن تصطدم رسائل الطمأنة مع مخاوف شعبية، تدفع الكثيرين إلى تخزين المواد الغذائية، فلا يجد ما يؤمِّن احتياجات أسرته الشهر القادم، لا سيما من السلع المتوقع تأثُّرها بالأزمة، وفي مقدمتها الدقيق والزيت.

وتشهد المراكز التجارية في مصر ودول إقليم الشرق الأوسط إقبالًا كثيفًا على شراء السلع الغذائية، لا يراها خالد الأحمر -مدير أحد المراكز التجارية بالقاهرة- ذات علاقة بقرب حلول شهر رمضان الذي يشهد -عادةً- إقبالًا متزايدًا على الشراء لتأمين احتياجات الولائم وموائد الطعام الخيرية.

يقول الأحمر لشبكة SciDev.Net: ”عادةً ما نشهد الإقبال المتزايد قبل نحو أسبوع أو أسبوعين على الأكثر من حلول شهر رمضان، ولكن المشهد الذي نراه الآن لا يخرج عن كونه استشعارًا للخطر القادم من روسيا وأوكرانيا“.

مخاوف المواطنين في مصر ودول الإقليم لا يراها الخبراء الدوليون مبالغًا فيها، بل استشعرتها أيضًا تقاريرهم التي بحثت سريعًا في تداعيات الحرب على الأمن الغذائي العالمي.

يشير تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، الصادر في 24 فبراير الماضي إلى أن صادرات روسيا وأوكرانيا تمثل حوالي 12٪ من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة في العالم، ويُعَد البلدان من أكبر خمسة مصدرين عالميين للعديد من الحبوب والبذور الزيتية المهمة، متضمنةً القمح والشعير والذرة ودوار الشمس، والأخير تنتج أوكرانيا وحدها نصف إمدادات السوق العالمية منه.

وتوقع التقرير أن تترك الأزمة تداعياتها بشكل خاص على منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تستورد دول المنطقة أكثر من 50٪ من احتياجاتها من الحبوب وحصةً كبيرةً من القمح والشعير من أوكرانيا وروسيا.

مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، تستورد 70% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وتشترك معها في النسبة نفسها سلطنة عمان، أما الإمارات فتستورد من الدولتين 54% من احتياجتها، ويعتمد المغرب في تأمين احتياجاته من القمح على 10.5% من روسيا، في حين يحصل من أوكرانيا على نسبة 19.5%.

ويعتمد السودان اعتمادًا كبيرًا جدًّا على القمح الروسي، إذ يستورد نحو 46%، في حين لا يستورد القمح الأوكراني، ويحصل اليمن على نسبة 31% من احتياجاته من الحبوب من روسيا، في حين يحصل على نسبة 6.8% من أوكرانيا، أما تونس ولبنان فيحصلان على نصف وارداتهما من القمح تقريبًا من أوكرانيا.

”على الرغم من حقيقة أن مصر تستورد كميةً كبيرةً من قمحها“، كما يمهد ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بمصر [فاو]، نصر الدين الحاج الأمين، فإنه يعلق بما يشبه رسالة طمأنة، قائلًا لشبكة SciDev.Net: ”إلا أنها تنتج [من احتياجاتها] نسبةً تتراوح بين 50 و40% محليًّا، وهي تلك النسبة التي تعوِّل عليها مصر كثيرًا في مواجهة الأزمة المتوقعة خلال الشهور المقبلة“.

ويستطرد: ”هذا إلى جانب أن مصر زادت قدرتها التخزينية من 1.4 مليون طن منذ ما يقرب من عقد من الزمان إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن اليوم“.

ويشير الأمين إلى أن الإنتاج المحلي والقدرة التخزينية سيعينان مصر على مواجهة تداعيات الشهور المقبلة، لكن يجب البحث عن بدائل سريعة، لا سيما أن الآثار المترتبة على الحرب من المتوقع ظهورها سريعًا على المحاصيل المزروعة في أوكرانيا وروسيا خلال العام الجاري.

وتتباين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كمية المخزون لديها، فإذ تملك مصر ودول الخليج مخزونًا يكفي أشهرًا، فإن ما تختزنه بلدان أخرى يلامس حدود الخطر؛ فمثلًا لا يملك لبنان كمياتٍ من القمح تكفي إلا لما بين شهر إلى شهر ونصف، وفق تصريحات وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، أمين سلام.

وألقت الحروب والصراعات ظلالًا أيضًا على قدرات دول مثل اليمن وليبيا وسوريا في تخزين كميات كبيرة من القمح، وهو ما سيترك تأثيرات سريعة على الأسواق بدأت تظهر في دولة مثل ليبيا، التي وصل قنطار الدقيق فيها إلى 275 دينارًا بعد أن كان سعره 195 دينارًا قبل الحرب الأوكرانية الروسية، وفق نقيب الخبازين في ليبيا.

كما زاد سعر كيس الدقيق في اليمن بمعدل الثلث (من 6000 ريال إلى 9000 ريال).

أما فيما يتعلق بالأسعار فقد تحركت صعودًا لا يُنتظر له هبوط، كما يتوقع مسؤولون حكوميون في مصر.

أسعار القمح والذرة آخذةٌ في الارتفاع، ما دفع المتحدث باسم مجلس الوزراء في مصر، السفير نادر سعد إلى التصريح بقوله: ”لنكن واقعيين، لن نستطيع الشراء بالسعر نفسه الذي كنا نشتري به قبل الأزمة، ما سيمثل ضغطًا على الموازنة العامة للدولة“.

ويخشى علاء حموية -الممثل الإقليمي للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بمصر- أن يكون لارتفاع أسعار القمح تأثيرٌ مدمر، في البلدان التي تعاني بالفعل مستوياتٍ عاليةً من عدم الأمن الغذائي.

وبينما أدى الصراع المستمر منذ فترة طويلة إلى تفاقم عدم الأمن الغذائي بالفعل في دول مثل اليمن وليبيا، فإن تداعيات الحرب الحالية تمثل ”عنصرًا سيئًا مضافًا إلى سيناريو سيئ بالفعل“، كما يقول حموية لشبكة SciDev.Net.

وللأزمة الحالية تداعيات على مصادر غذائية أخرى عدا القمح خاصة أو الحبوب عامة، ومنها الزيوت.

يقول حموية: ”ستترك الأزمة بلا شك تأثيرًا مباشرًا على أسعار الزيوت في العالم العربي، لوجود فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلي وما يجري استيراده“.

الأراضي المزروعة بالنباتات الزيتية نحو 16% من المساحة المحصولية بالعالم العربي، ولا تغطي سوى 38.8% من الاحتياجات العربية، وفق تقرير للمنظمة العربية للتنمية الزراعية لعام 2015، لذا فإن التداعيات ستكون سريعةً على أسعار الزيوت، كما يؤكد حموية.

وإضافة إلى أسعار الزيوت، سيكون هناك تأثيرٌ غير مباشر على الأغذية الأخرى، بسبب النقص المتوقع في الأسمدة.

وتُعد روسيا أكبر مصدر للأسمدة في العالم، وأسهَم ارتفاع أسعار الأسمدة قبل اندلاع الصراع في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسيؤدي المزيد من الاضطراب في إنتاج الأسمدة أو تصديرها إلى الإضرار بالزراعة في أوروبا، مما قد يُسهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، وفق شيرلي مصطفى، الخبيرة الاقتصادية في فاو.

ثم إن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودولًا أخرى، ردًّا على الهجوم الروسي ضد أوكرانيا، اتخذت إجراءاتٍ عقابيةً يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الصادرات الروسية من الأسمدة الزراعية، وإذا كانت الدول العربية ستتأثر بانعكاسات ذلك على سعر الغذاء عالميًّا، إلا أنها لن تتأثر تأثُّرًا مباشرًا بغياب الأسمدة الروسية، لكون أغلب الدول العربية من منتجي الأسمدة، إذ تنتج ٣٠% من حجم إنتاجية العالم، كما يقول شريف الجبلي -عضو مجلس إدارة الاتحاد العربي للأسمدة- للشبكة.

 ويتوقع حموية أن يكون لهذه الحرب تأثيرات طويلة المدى، تقتضي من دول المنطقة البحث عن بدائل محلية عن طريق التوسع الرأسي في إنتاج الغذاء.

ويضيف: ”كما أن الحرب على سوريا أفقدت القطاع الزراعي أصنافه الجديدة عالية الإنتاجية من القمح، فإن من المتوقع أن تترك التداعيات نفسها على أوكرانيا“.

ويضيف: ”تسعى سوريا حاليًّا إلى استعادة آباء الأصناف الجديدة من بنك الجينات التابع لإيكاردا، للعمل على إنتاج الأصناف التي فُقدت نتيجة الحرب، حتى تتمكن من استعادة قدراتها في إنتاج القمح، بعد أن حولتها الحرب إلى مستورد، ولكن ذلك سيأخذ وقتًا طويلًا، وهو السيناريو نفسه المتوقع في أوكرانيا“.

وإذا كانت دول المنطقة تبحث عن حل للأشهر القادمة بالبحث عن بديل للقمح الأوكراني والروسي، كما أعلنت أكثر من دولة، فإن الحل الأمثل -من وجهة نظر حموية- هو العمل على زيادة الإنتاج المحلي لا من القمح فقط، ولكن من السلع الغذائية الأخرى عن طريق التوسع الرأسي.

يقول حموية: ”بنوك جينات إيكاردا مليئة بالأصول الوراثية للمحاصيل، التي يمكن أن تساعد في هذا الإطار“.

هذا الحل طويل الأمد الذي يطرحه حموية، طالب به إبراهيم الدخيري -مدير عام المنظمة العربية للتنمية الزراعية- في نوفمبر الماضي، نتيجة استشعاره للخطر القادم من حدوث اضطرابات عالمية.

ولا يتحدث الدخيري في هذه المرحلة عن اكتفاء ذاتي، فهذا أمرٌ يصعب تحقيقه، ”ولكن لا بد من خفض فاتورة الاستيراد بمستويات معقولة؛ حتى تتجنب المنطقة مخاطر العديد من المشكلات التي قد تصل إلى تهديد الأمن القومي العربي إذا استمر الاعتماد على أقاليم أخرى في توفير الغذاء“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا