Skip to content

31/12/20

إدارة العرب للمياه الجوفية.. استنزاف جائر واستدامة خَجلى

مياهنا الجوفية إلى نضوب
حقوق الصورة:Debra Solomon. CC license: (CC BY-NC-ND 2.0).

نقاط للقراءة السريعة

  • توشك المنطقة العربية أن تقع بأسرها تحت خط الفقر المائي.. وهناك مَن يرى أنها واقعة الآن
  • ثمة غفلة أو كسل أو تقاعس عن تدارك الوضع المتردِّي لمخزونات المياه الجوفية في المنطقة
  • مستقبل قاتم إذا لم توضع إستراتيجيات جامعة وإدارة رشيدة تستديم المخزونات وتستعيد المستنزف

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تتعرض خزانات المياه الجوفية في المنطقة العربية لاستنزاف كبير، بسبب الضغوط الديموغرافية الناجمة عن زيادة عدد السكان والحاجة المتزايدة إلى موارد المياه والغذاء.

ونظرًا لوقوع الدول العربية في حزام المناطق الجافة، وتزايُد مشكلات التغيّر المناخي، يُعد خزان المياه الجوفية العربي، الذي يمثل مصدر مياه مهمًّا لعشرات الملايين، هو الأكثر استنزافًا في العالم.

والمشكلة قائمة، بدرجة أو بأخرى، ”حتى في الدول العربية التي تتمتع بوجود الأنهار؛ إذ باتت تحت رحمة دول المنبع مثل مصر والعراق وسوريا، فمصادر مياهها تنبع من تركيا وإثيوبيا“، في رأي نزار الوحيدي، مدير عام الإدارة العامة للتربة والري بوزارة الزراعة في غزة سابقًا.

تلك المياه الجوفية موجودة في مسام الصخور الرسوبية، وتجمعت عبر أزمنة مختلفة، حديثة أو قديمة جدًّا، والأمطار مصدرها الرئيس، ثم الأنهار الدائمة أو الموسمية أو الجليد الذائب، تتسرب المياه من سطح الأرض إلى باطنها، فيما يُعرف بعملية التغذية.

هناك طرق عدة للاستفادة من المياه الجوفية، منها حفر الآبار الجوفية أو عبر الينابيع أو من خلال تغذية الأنهار.

لكن استهلاكها على اختلاف أنواعها بكميات كبيرة، يفوق عمليات التعويض من المصادر الطبيعية من أمطار ومسطحات مائية؛ فهذا ما يُدعى الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية.

ويُعد تكثيف الزراعة والزيادة السكانية في منطقة معينة، المستهلكَ الأول للمياه السطحية والجوفية.

في الخليج

معظم مياه الخزانات الجوفية في جزيرة العرب أحفورية غير متجددة، ولها أهمية معتبرة في دول الخليج، وخصوصًا للري.

ومن أسف أن السحب منها يعادل خمسة أضعاف حجم التغذية الطبيعية للخزانات الجوفية، وفق دراسة صدرت في 2019، وشارك في إعدادها محمد داود، مستشار الموارد المائية بهيئة البيئة -أبو ظبي.

بالأرقام، يحدد داود: ”حجم الضخ من خزانات المياه الجوفية بمنطقة الخليج العربي، يقدر بنحو 23,500 مليون كيلومتر مكعب سنويًّا، في حين تقترب التغذية الطبيعية من 5,000 مليون متر مكعب سنويًّا“.

”أدى ذلك إلى تدهور نوعية المياه الجوفية وتملُّحها، بالإضافة إلى هبوط كبير في مناسيبها بكثير من المناطق في دول الخليج العربي“، وفق داود، الأستاذ بالمعهد القومي لبحوث المياه في مصر.

دراسة أخرى لهيئة البيئة بأبو ظبي، أُجريت خلال العام الجاري 2020، تؤكد تدهور نوعية المياه الجوفية، ما أدى إلى انتشار محطات التحلية الصغيرة في المزارع.

هذا من ناحية حجم الضخ وعواقبه، أما من حيث التغذية فثمة دراسات عن تغيُّر المناخ في منطقة الخليج العربي تشير إلى ”انخفاض في متوسط هطول الأمطار السنوي بنسبة تتراوح بين 15 و20٪“.

والتوقعات تذهب إلى أن هذا سيؤدي إلى ضغط أكبر في المستقبل على موارد المياه الجوفية المحدودة؛ لتزايُد الاعتماد عليها.

في الأردن

ثمة انزعاج هناك، أو بتعبير إلياس سلامة، خبير المياه في المركز الوطني للبحث والتطوير في الأردن، فإن وضع المياه الجوفية في المملكة خطير، و”بات مقلقًا إلى حدٍّ كبير“.

والإنذار من ”تعرُّض الأحواض المائية الجوفية في البلاد، سواء المتجدد منها وغير المتجدد، لاستنزاف جائر“ تكرر على لسان سلامة، الأستاذ في علوم المياه الجوفية وكيميائية المياه .

بالأردن 11 خزانًا مائيًّا عذبًا جوفيًّا متجددًا، وواحد غير متجدد بنوعية عذبة، وفق صخر النسور، خبير المياه ونقيب الجيولوجيين الأردنيين ورئيس اتحاد الجيولوجيين.

ويختلف التوازن المائي من خزان إلى آخر، لكن الاختلال بين السحب والتغذية قاسم مشترك في كل الخزانات، إذ ”يبلغ معدل الاستخراج من الخزانات مجتمعة، حوالي 437 مليون متر مكعب في العام“، وفق تصريح النسور لشبكة SciDev.Net.

في حين يقف الوارد إليها عند ”275 مليون متر مكعب سنويًّا فقط“، ما يجعل استغلال الأحد عشر ’جميعًا‘ يفوق بكثير جدًّا ”طاقتها التوازنية“.

يحدث هذا، والأزمة المائية الحادة التي يعانيها الأردن، تفاقمها أحوال المنطقة مع استقبال قرابة 600 ألف لاجئ سوري، تنطبق عليهم معايير اللجوء الدولية.

”يصنَّف الأردن من الدول الأشد فقرًا في المصادر المائية على مستوى العالم، وتُعد المياه الجوفية مصدرًا رئيسًا للتزويد المائي لعدد من القطاعات، كالتزويد المنزلي، وفي القطاعات الصناعية والزراعية“.

ونظرًا للنمو السكاني المتزايد والتوسع في النشاطات الصناعية والزراعية في المملكة واستمرار تأثير التغييرات المناخية والآثار المستمرة للجوء السوري، فإن الطلب على المياه يتزايد، ما ينتج عنه انخفاض في مستويات المياه الجوفية، وبالتالي جفاف عدد من الآبار والينابيع.

في فلسطين

مياه ’الخزان الجوفي الساحلي‘ متجددة، وفق الخبير الفلسطيني محمد أبو عواد، من سلطة جودة البيئة، لكن زيادة معدل الاستهلاك السنوي عن معدل التعويض السنوي يجعل الخزان الجوفي ”يوشك على النضوب“.

وقد انخفض الماء بالخزان لأكثر من 25 مترًا عن مستواه القديم، الذي كان ”أعلى من منسوب مياه البحر“، وفق ما أدلى به أبو عواد لشبكة SciDev.Net.

ويتجلى الانخفاض في مناطق الاستهلاك الجائر خصوصًا في غزة، المطلة على البحر، ”وهي مهددة الآن بطغيان مياه البحر عليها وبالتملح الشديد“.

غزة تعتمد تمامًا على المياه الجوفية، وهي مورد شبه متدهور؛ إذ ”وصلت نسبة المياه غير الصالحة للشرب في القطاع إلى 97%، وعلى وشك أن تصير غير صالحة للري“.

”الأمر الذي ينذر بكارثة جديدة بالقطاع تهدد الأمن الغذائي“، وفق أبو عواد.

وتجدر الإشارة إلى القرصنة الإسرائيلية للحقوق المائية الفلسطينية، والتحكم في الآبار المائية والأحواض الجوفية، وهي قرصنة مستمرة، بل ولا يُسمح للفلسطينيين بحفر آبار مياه جديدة، ما يهدد مستقبل المياه الجوفية في فلسطين، إذ إن ”المواطن الفلسطيني يعاني تراجُع كمية المياه المتاحة لديه ونوعيتها“.

ويضيف أبو عواد: ”السلطات الإسرائيلية تسيطر على المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية، إذ إن نسبة حصول الفلسطينيين على المياه تقدر بنحو 15٪ فقط والباقي كله للإسرائيليين، تذهب غالبيتها إلى المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس، أما بالنسبة للمياه الصالحة للشرب فلا تترك إسرائيل للفلسطينيين بالضفة وغزة إلا عُشر المياه النقية، في حين يستحوذ المحتلون على 90%“.

”ولا تتجاوز حصة الفرد الفلسطيني 50 لترًا من المياه في اليوم، إن حصل عليها، في حين يبدأ ما يحصل عليه الإسرائيلي من 400 لتر يوميًّا، وحصته قد تمتد إلى 800 لتر يوميًّا“.

يشير أبو عواد كذلك إلى مشكلة أخرى تؤثر على نوعية المياه الجوفية، ”ففي الضفة الغربية يفتقر ما يزيد على 10٪ من السكان إلى شبكات المياه في منازلهم، ولا توجد محطات لمعالجة الصرف الصحي –ولو بدائية- في العديد من مدن الضفة، كما أن نحو 80% من المساكن لا ترتبط بشبكة المجاري“.

”وهذا يؤدي إلى ضخ قرابة 25 مليون متر مكعب من المياه العادمة إلى الأودية، مما يُلحق بالأحواض المائية الضرر، ويؤثر على نوعية المياه الجوفية على نحوٍ كبير“.

وينوه أبو عواد بأن بناء جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية يحرم الفلسطينيين من أهم مصادر المياه الجوفية، إذ يُحرمون نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه سنويًّا خلف هذا الجدار.

مياه الشرب في قطاع غزة لم تعد متوافرة إلا من خلال التحلية، إضافةً إلى نقص مياه الأمطار وتذبذبها وعدم كفايتها لري المحاصيل، واضطرار المزارعين إلى شراء مياه خاصة للري طوال العام.

الملوحة أو عدم توافر الماء المناسب للري الزراعي يقيدان حرية المزارع في غزة في اختيار المحاصيل، فلا يُزرع إلا ما يمكن ريه، ”والمياه الجوفية ملوثة إلى درجات كبيرة بسبب تلوث التربة بالأسمدة والمبيدات، ومكبات النفايات، والمصانع غير المرتبطة بشبكات الصرف الصحي“، وفق أبو عواد.

ومن الأسباب الرئيسية لتلوث المياه الجوفية في قطاع غزة، ما يضاف إلى التربة من أملاح خلال الري بالمياه المالحة والأسمدة الكيميائية، وتسرُّب مياه البحر أو اقتحامها للخزان الجوفي، وهو المسؤول الأكبر عن تملُّح الخزان، إضافةً إلى تسرُّب المياه العادمة، التي تتسرب عبر الشبكات المهترئة أو من محطات المعالجة ذاتها.

عوامل أخرى تتسبب في تلوث المياه في غزة، منها عدم قدرة محطة توليد الكهرباء على استيعاب ما يصلها من مياه صرف صحي، ونقص التزويد بالكهرباء والوقود وفقر البلديات، وعجزها عن تطوير مرافق الخدمات الخاصة بالمياه والصرف الصحي، إضافةً إلى منع السلطات الإسرائيلية إدخال أكثر من 3500 عنصر، مثل المعدات وآليات وأجهزة لتطوير المياه، بذريعة استخدامها لأغراض أمنية وعسكرية.

في سوريا

تُعد سوريا من الدول الفقيرة مائيًّا، لمحدودية مواردها، ولديها عجز في الميزان المائي، سبَّب لها أزمة، زاد من حدتها نشوب حرب في البلاد أواسط عام 2011، لا تزال مستمرةً بوتيرة قوية، وكان من نتائجها ضرب البنى التحتية وتخريبها، ونال قطاع المياه وشبكات الري نصيبه من هذا الخراب.

وإذ تهيمن الزراعة هناك على استهلاك المياه بنسبة 87%، فإن الحاجة إلى سد العجز المائي يممت الوجوه شطر المياه الجوفية، لاستنزافها إلى حد جفاف العديد من الينابيع، وفق باسم محمد الصالح، مدير عام الزراعة والثروة الحيوانية والري في الحكومة السورية المؤقتة.

ولا تمتلك سوريا في الوقت الحالي أي خطط للمحافظة على الثروة المائية، يقول الصالح لشبكة SciDev.Net: ”يجري استنفاد المياه الجوفية بشراهة من خلال الري الجائر، وسوء إدارة المياه“.

سابقًا، كانت المديرية العامة للموارد المائية تقوم بقياس المياه الجوفية عن طريق آبار السبر، للحصول على الموازنة المائية السنوية السورية، وأخذ عينات، لكن هذه العملية حاليًّا متوقفة في الشمال السوري؛ لعدم وجود جهة متخصصة.

لبيان مدى الاستنزاف بمحافظة إدلب (شمالي سوريا)، على سبيل المثال، فإن ”المياه السطحية من ينابيع وأنهار ومجاري صرف صحي تعطي 100 ألف متر مكعب“، كما بيَّن الصالح.

”الخلائق بالمنطقة تحتاج إلى 500 ألف متر مكعب يوميًّا، وهذا يعني أن 400 ألف متر مكعب تُستنزف يوميًّا من المياه الجوفية“، وفق تصريحات الصالح للشبكة.

ولا ينبغي إغفال أن إدلب، التي تنتشر فيها ظاهرة حفر الآبار على نحوٍ كبير، تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، كما ينبه عبد الخالق الشيخ، الخبير السوري في الموارد المائية.

يحدث هذا في إدلب ”رغم أن لها مصادر مياه رئيسية تكفي المستهلكين، ويمكن من خلالها الاستغناء عن الحفر العشوائي إذا تم استغلالها على نحوٍ رشيد، منها مشروع عين الزرقاء، الذي يحتاج إلى تزويد بالمضخات والكهرباء، إضافةً إلى مشروع استجرار مياه الفرات، كلها متوقفة حاليًّا بسبب الحرب“.

هذا مؤشر يصفه الشيخ بالخطير جدًّا، علمًا بأن حفر الآبار الجوفية يجري على نحو جائر وعشوائي، وبسبب الظروف الحالية لا يمكن ضبط عملية الحفر، بل يقتصر عمل الحكومة على الترخيص فقط.

يقول الشيخ: ”الآبار غير المرخصة كانت تُحفر على نحو عشوائي قبل الحرب، وازدادت خلالها، ما رفع ضخ المياه وتكلفتها، وأدى إلى هبوط مناسيب المياه الجوفية، واستنزاف وتدهور هذا المورد الذي يستغرق وقتًا ليعود إلى سابق عهده“.

ومن مسببات الاستنزاف التي لا يُلتفت إليها، انتشار تقنية استخدام الطاقة الشمسية لضخ المياه الجوفية في مناطق مختلفة من المنطقة العربية، وخصوصًا في سوريا خلال فترة الحرب.

ورغم أن الطاقة الشمسية تناسب ظروف الحروب وعدم الاستقرار السياسي، وذلك لأسباب فنية واقتصادية وبيئية، ”لكن قد يكون لها أثر سلبي؛ بسبب سهولة الحصول على المياه بعد تركيب مجموعة الطاقة الشمسية على الآبار الجوفية، وخاصةً في مناطق السطوع الشمسي كما في البلدان العربية“.

ويستطرد الصالح شارحًا: ”تعطي هذه المنظومات المياه على نحوٍ متواصل، عند سطوع الشمس، بشكل أكبر من الحاجة، وهذا يشكل استنزافًا إضافيًّا لمخزون المياه الجوفية“.

الإدارة الغائبة

يتفق جميع الخبراء على أن بداية الحل تكمن في ’الإدارة المتكاملة‘ الرشيدة الواعية، المدركة للمشكلة وأبعادها، العازمة على حلها.

يقول داود: ”بالرغم من أن المياه الجوفية من المصادر التقليدية المهمة في دول المنطقة، إلا أن عملية تنظيم استخداماتها ووجود التشريعات المنظمة لحفر الآبار وتقنين استهلاك المياه الجوفية تأخرت كثيرًا“، كما لا توجد جهة موحدة على مستوى المنطقة لإدارة المياه الجوفية.

في بعض الدول توجد جهة أو أكثر لتنظيم المياه الجوفية وإدارتها؛ فعلى سبيل المثال، في معظم دول الخليج العربي هناك مشروعات هدفها حصر الآبار الجوفية، وإصدار تشريعات وقوانين لتنظيم المياه الجوفية، وفق داود.

وهذه المشكلة في فلسطين بالغة التعقيد، و”ثمة أزمة إدارة واضحة تتمثل في تعدُّد الجهات التي تدير قطاع المياه في فلسطين، فسلطة المياه مقسمة بين سلطة تتبع حكومة رام الله بالضفة الغربية، وسلطة تتبع حكومة غزة، بالإضافة إلى البلديات ووزارة الزراعة، وهذا يجعل وجود إدارة واحدة بإستراتيجية واحدة حلمًا“، وفق نزار الوحيدي.

كما أن هناك مشروعات ومقترحات مشروعات للتخزين الإستراتيجي للمياه العذبة من خلال عمليات حَقن الخزانات الجوفية، سواء بمياه التحلية لأغراض الشرب والطوارئ أو مياه الصرف الصحي المعالَجة بهدف الاستخدام في الري أو الأعمال التجميلية، إلى جانب الخطط الإستراتيجية القائمة على أفضل الممارسات المتبعة لترشيد المياه في القطاع الزراعي والغابات والحدائق، وهي المستهلك الأكبر للمياه الجوفية، كما يقول داود.

والوقت يدهم المنطقة، والأزمة تحتاج إلى إدارة واعية، وإرادة ماضية، ولا مناص من اتخاذ تدابير حاسمة سريعة؛ إذ يتوقع الصالح ”وقوع جميع الدول العربية في عام 2025 تحت خط الفقر المائي، بسبب سوء إدارة الموارد المائية، وقلة وعي الشعب بقيمة الماء وأهميته“.

والضرورة ”تستدعي البدء بالتفكير في إدارة الموارد المائية قبل فوات الأوان، وتنظيم حفر الآبار وتحديد الحاجة ورفع وعي الناس بأهمية هذه الثروة، وترشيد الري في الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من الماء“، وفق توصية الصالح.

والضرورة تستوجب أيضًا ”أن تكون هناك إدارة متكاملة لمشروعات المياه في المنطقة للوصول إلى النتائج المرجوَّة وتجنُّب هدر المياه على نحوٍ غير مقبول“.

أما الوحيدي فله رأي سوداوي بعض الشيء، يتفق ومَن يرى أن ”المنطقة العربية كلها تُصنف ضمن مناطق العوز المائي، وتعاني من شح الموارد المائية“، الآن وليس في المستقبل البعيد أو حتى القريب.

على طريق الاستدامة

يشير داود إلى أن مياه الصرف الصحي المعالَجة تُعد في دول الخليج مصدرًا صالحًا للاستخدام في أغراض الري؛ نتيجة معالجتها حتى الدرجة الثلاثية، وهو ما يجعل جودتها عاليةً ومناسبةً لأغراض الري.

ومؤخرًا جرى التوصل إلى تقنيات معالجة باستخدام الأغشية لتجعلها صالحةً حتى للاستخدام البشري، وبالرغم من ذلك فإن نحو 55% من إجمالي إنتاج مياه الصرف الصحي المعالَجة لا تُستخدم، ويجري تصريفها في البيئة البحرية أو الصحراوية في دول الخليج، ”ومن الممكن استخدام هذه المياه للحقن في الخزان الجوفي؛ لتحسين نوعية المياه الجوفية وإعادة استخدامها في الري“.

والحفاظ على مخزون المياه الجوفية واستدامته يؤكد النسور أنه يحتاج إلى مجموعة خطوات، أهمها ”زيادة الوعي بين صانعي القرار على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، وكذلك بين مستخدمي المياه من القطاع الخاص والمستثمرين“.

في حين يرى سامر بن أحمد شومان -مدير مركز دراسات وأبحاث مياه زمزم بهيئة المساحة الجيولوجية بالسعودية- أن مسألة إعادة تغذية الخزانات بمياه الصرف الصحي ”تحتاج إلى دراسات متعمقة؛ للتأكد من عدم تأثير هذا الأمر على المياه الجوفية الطبيعية، بالأخص الأثر البكتيري والفيروسات التي تُعد معالجتها ذات تكلفة مرتفعة، وفي بعض الأوقات غير مُجدية اقتصاديًّا“.

وفي الأردن، ثمة محاولات للرقابة على الخزانات الجوفية من قِبل وزارة المياه والري؛ لكونها المخولة بالإدارة المتكاملة لجميع مصادر المياه الجوفية والسطحية.

يقول النسور: ”توجد شبكة آبار مراقبة في كل خزان مائي جوفي أو جزء منه، بهدف رصد أوضاع هذه الخزانات وأدائها في ضوء أعمال التطوير والاستخراج، ويمكن تقسيم الخزان المائي الجوفي إلى وحدات فرعية من أجل الرصد والرقابة على الاستخراج، كما تُستخدم التكنولوجيا المتقدمة في عمليات الرصد“.

بالإضافة إلى ردم الآبار غير القانونية وتطبيق نظام أكثر حزمًا لمراقبة كميات المياه الجوفية المستخرجة من الآبار وإلغاء التراخيص، وبناء سدود جديدة، لزيادة الحصاد المائي في البلاد.

من جانبه يقول سلامة: ”ثمة بدائل تعتمد على دول الجوار، وهو ما قد يعرِّض سيادة الأردن على قطاع حيوي مثل المياه للخطر“، مشيرًا إلى أن التحلية هي السبيل الوحيدة، خاصةً وأن الأردن يستهلك مصادر مياهه كافةً على نحو متسارع ومقلق.

كذلك شدد سلامة على إمكانية تطوير الزراعة في الأردن دون زيادة كميات المياه المستخدمة في الري، وذلك من خلال رفع كفاءة استخدام المياه ونظم الري.

يشاركه الرأي الشيخ، ويقول: ”بما أن الزراعة تستهلك كميات كبيرة من المياه، علينا تطوير نظم ﺍﻟﺮﻱ واستخدام أساليب الري الحديثة، ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻞ نموها ﻭﺑﺎلأﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭإﻋﺎﺩﺓ تصميم الدورات ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﻝ وتعديله على نحوٍ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ“.

ويوصي النسور ”بالعمل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺯﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﻬﻼﻙ ﻟﻠﻤﻴﺎﻩ ﺑﺒﺪﺍﺋﻞ أﻗﻞ ﺍﺳﺘﻬﻼﻛًا“.

كذلك شدد الشيخ على أهمية الحد من الحفر العشوائي للآبار، والاستمرار في سياسة حفر الآبار من قِبل الجهات المختصة، وفي حدود الوارد المائي المتجدد، وخاصةً في المناطق التي تعاني شحًّا واضحًا في المياه وخاصةً مياه الشرب، فضلًا عن ضرورة تركيب عدادات على الآبار ومراقبتها.

ويرى الوحيدي أن علاج تلوث المياه الجوفية في غزة يكون عبر استيراد المياه من إسرائيل عبر خط المياه القطري الإسرائيلي، وإنشاء محطات التحلية الصغيرة ومحطات مركزية كبيرة، والعمل على تنظيم توزيع المياه من خلال البلديات ومصلحة مياه بلديات الساحل.

وينبه الوحيدي إلى أن مضخات رفع المياه الجوفية التي تعمل بالطاقة الشمسية في المناطق النائية أو تحديدًا في مناطق الصراع، توفر حلًّا مناسبًا لأزمة المياه، والوقود أيضًا، لكنها تهدد المخزون الإستراتيجي للمياه الجوفية.

ويتوقع الصالح أن تكون جميع الدول العربية، في عام 2025، تحت خط الفقر المائي، بسبب سوء إدارة الموارد المائية، وقلة وعي الشعب بقيمة الماء وأهميته.

 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا