Skip to content

29/12/22

مياه سدود ليبيا مهدرة والشح المائي يتفاقم بالبلاد

01
حقوق الصورة:Amr Fathallah/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • في ظل شح مائي تعانيه ليبيا، تتبدد معظم المياه المحتجزة خلف سدودها، ولا تجد سبيلًا للاستفادة منها
  • تردِّي الأوضاع السياسية والإدارية تسبَّب في عدم إكمال المحطات والشبكات الملحقة بالسدود، وتعطيلها سنين
  • التخريب لحق ببعض السدود خلال سنوات الاحتراب بالداخل، وسُرقت الكوابل واللوحات الإلكترونية الخاصة بأخرى

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[طرابلس] على ندرتها، سدى تذهب مياه الغيث التي تحتجزها السدود الليبية، إما بسبب تزايُد معدلات البخر إثر تغير المناخ، أو بالتسرب من الشقوق والفوالق، أو لعشوائية التشييد، أو لسوء إدارتها بوصفها موردًا من موارد المياه المهمة، ولأسباب أخرى تتراوح بين التخريب والسرقة.

وقد نشرت وزارة الموارد المائية الليبية يوم 28 نوفمبر الماضي كشفًا بكميات المياه المحتجَزة خلف أربعة سدود تقع في الشمال الغربي للبلاد، وذلك بعد يومين من الأمطار الغزيرة التي لم تشهدها المنطقة منذ أربع سنوات، الأمر الذي تسبَّب في جريان الأودية المحلية وأحدث فيضانات.

بلغت كميات المياه المنسابة إلى بحيرات السدود الأربعة (سد وادي المجينين، سد وادي زارت، سد وادي غان، سد وادي كعام) قرابة 11 مليون متر مكعب، بينما بلغت كميات المياه المحتجزة خلف السدود حوالي 19 مليون متر مكعب.

كميات المياه الوافرة تلك لا يُستفاد منها، رغم ما تعانيه البلاد من شح مائي حاد.

يقول سليمان صالح الباروني، الباحث والخبير الليبي في مجال المياه، ومدير عام الهيئة العامة للموارد المائية في ليبيا سابقًا: ”نحن بلد يعاني فقرًا مائيًّا شديدًا، إذ بلغ نصيب الفرد من المياه عام 2015 حوالي 95 مترًا مكعبًا سنويًّا، ومن المتوقع أن ينخفض عام 2030 إلى 70 مترًا مكعبًا سنويًّا، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى كل قطرة مياه تجود بها السماء علينا“.

تقدر الأمم المتحدة خط الفقر المائي بألف متر مكعب سنويًّا للفرد.

وتفتقر ليبيا التي تغطي الصحراء 80% من مساحتها إلى مصادر المياه السطحية دائمة الجريان، في حين تسيل بعض الأودية الموسمية التي تتخلل السفوح الشمالية والجنوبية لجبل نفوسة والجبل الأخضر، المتميزة بارتفاع نسبي في معدلات سقوط الأمطار، إذ تشهد هذه الأودية جريانًا سطحيًّا في فصل الشتاء.

وقُدرت كميات الجريان السطحي في هذه الأودية بحوالي 200 مليون متر مكعب سنويًّا، وتم إنشاء 18 سدًّا رئيسًا على أهم هذه الأودية الموسمية شرق ووسط وغرب ليبيا، يبلغ متوسط تخزينها السنوي أكثر من 61 مليون متر مكعب.

ليبيا تعتمد على 98% تقريبًا من إمداداتها المائية على المياه الجوفية، وبالتالي فهي من أقل دول العالم اعتمادًا على مياه الأمطار ومياه تحلية البحر ومعالجة الصرف الصحي.

يقول الباروني لشبكة SciDev.Net: ”إن ما نسبته 65% إلى 85% من مياه السدود تتبخر دون أن يُستفاد منها، وكان من المفترض أن تُستغل في الشرب وري الأراضي الزراعية“.من جانبه فإن البهلول الشكنطي -مدير إدارة السدود بالهيئة العامة للموارد المائية- يوضح أن السدود أُنشئت في الأصل خلال السبعينيات والثمانينيات الماضية لحماية المدن من الفيضانات، وتغذية الخزان الجوفي، والاستفادة من مياه الأمطار للشرب وتغذية المشروعات الزراعية.

ويضيف لشبكة SciDev.Net: ”لقد تم إنشاء محطة تحلية مياه لسد وادي غان عام 2004، حتى تتم تغذية مدينتي غريان وككلة القريبتين من السد بمياه الشرب، ولكن إلى الآن لم تستفد بلديات هذه المدن من المحطة“.

في حين أن شبكة المياه المرتبطة بسد وادي المجينين، والتي تغذي مشروع المجينين الزراعي جنوب طرابلس معطلة منذ سنوات، كذلك الحال بالنسبة للشبكة المرتبطة بسد وادي القطارة شرق بنغازي، التي لم يتم صيانتها من قِبل وزارة الزراعة، والأمر ذاته مع شبكة المياه المرتبطة بسد وادي كعام في زليتن، والتي كانت تغذي مصانع المدينة.

انعدام الاستقرار السياسي والإداري في البلاد، وعدم اهتمام الدولة بهذا الملف المهم هو سبب بقاء هذه الشبكات معطلةً منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما يوضح فتحي عقيلة، مدير إدارة التنمية الزراعية بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية.

ويضيف عقيلة للشبكة: ”لم تُمنح لنا مخصصات مالية لصيانة هذه الشبكات وإعادة تأهيلها، على الرغم من مطالباتنا المتكررة“، موضحًا أن ”أنابيب إمداد المياه وشبكات الري الموجودة في هذه المشاريع الزراعية المرتبطة بالسدود مكلفة للغاية، وقطع غيارها باهظة الثمن“.

من ناحية أخرى يرى يوسف بديري -عميد بلدية غريان- أن المشروعات الملحقة بالسدود لم تكتمل لأسباب قد تكون سياسية، ضاربًا مثالًا بما حدث لمحطة تحلية وتعبئة مياه وادي غان المملوكة لجمعية الدعوة الإسلامية، والتي أهملتها الجمعية بعد عام 2011.

الأمر نفسه الذي حدث مع محطات رفع وضخ المياه في السد نفسه، والتي تم نهبها وسرقتها في أثناء الاضطرابات الأمنية، وعلى الرغم من المراسلات المستمرة من البلدية للحكومات السابقة بضرورة إصلاحها حتى تستفيد المدينة من مياه السد المخزنة، فإن ”هذه المطالبات تقابَل بصمت مطبق وتجاهُل غريب من الحكومة والمسؤولين“، وفق بديري.

الاحتراب الداخلي والنزاعات المسلحة التي شهدتها ليبيا كان لها أثرٌ بالغ على بنية السدود التحتية، فعلى سبيل المثال أدت الحرب التي قامت بين مدينتي الزنتان وككلة عام 2014 إلى تخريب سد وادي زارت بجبل نفوسة، وسرقة الكوابل واللوحات الإلكترونية الخاصة به، ما جعل بوابة السد تتعطل، وبالتالي لم يعد السد قادرًا على تخزين كميات كبيرة من المياه كما كان في السابق.

سبب آخر من أسباب تبدُّد المياه التي تحتجزها السدود أشار إليه عبد الرحيم احويش، عضو هيئة التدريس بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم جامعة طرابلس، حيث أكد أن بعض السدود تعاني من مشكلة عدم قدرتها على تخزين كميات كبيرة من المياه بسبب موقعها غير المناسب.

ويضرب احويش مثالًا بسد وادي زازا بمنطقة توكرة شرقي بنغازي، والذي يعاني من مشكلة فنية، ”فكثرة الصدوع والفوالق الصخرية في المنطقة تجعل المياه تتسرب وتحول دون تجمعها في بحيرة السد“.

ويُبدي بديري تشاؤمه من أن قضية السدود لن تُحل وأن المياه تضيع هدرًا، ما دامت المركزية متمثلة في العاصمة طرابلس، فما زالت تُحكم قبضتها على الموازنة العامة للدولة، ولا تمنح البلديات مخصصاتها المالية الكافية، أو الصلاحيات القانونية والتشريعية التي تسمح لها بالجباية وبالتالي الإنفاق على الخدمات والتنمية.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

* تم تعديل التقرير بتاريخ 17 يناير، بإضافة تعليق الخبير الجيولوجي عبد الرحيم احويش.