Skip to content

27/05/21

صحة الشمال السوري بعيون أطباء بلا حدود

MSF
حقوق الصورة::Abdalla Taha/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

”نشعر بأننا وحدنا في بعض الأحيان في ظل صمت إعلامي كبير“، بهذه الكلمات عبرت صوفي ديزوليه، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود، بمكتب أمستردام، عن افتقار منطقة الشمال السوري والأوضاع الإنسانية هناك إلى التغطية الإعلامية، مؤكدةً أن الإعلامي هو شريك المنظمات الإنسانية رغم اختلاف أدوارهما، لكن بلا شك هناك تكامل يخدم القضايا الإنسانية بقوة.

كان الاستماع إلى صوت صوفي، في أثناء لقاء خاص معها بمناسبة مرور 50 عامًا على إنشاء المنظمة مهمًّا؛ إذ لا يقتصر دور المنظمات الإنسانية على تقديم الرعاية الطبية للاجئين والنازحين فقط، بل يمتد إلى الحديث عما تعرّض له أولئك المعزولون عن العالم، ممن أسكتتهم أصوات المدافع وألسنة اللهب.

عُقد اللقاء يوم الخميس الماضي 20 مايو، تحت عنوان: ”الأوضاع الإنسانية بعد عقد من الحرب في الشمال السوري“، وجاءت كلمات صوفي مثقلةً بالهموم من جائحة كوفيد-19 والصراعات.

عبرت صوفي عن الأوضاع في دول الصراع بقولها: ”نتمنى لو لم يعد العالم بحاجة إلينا“، لكن للأسف، تتزايد المناطق المنكوبة، وتتراكم الاحتياجات.

إذ تسببت الجائحة في إصابة ما يزيد على 15 ألفًا، وكثير من الوفيات، كما أنهكت منظومة صحية وبنية تحتية متهالكة بالفعل في مناطق لم تذق طعم الأمان منذ 10 سنوات.

وتستطرد صوفي: يمر الشمال السوري بالموجة الثانية من الجائحة؛ إذ بلغت الزيادة في الحالات 5% في فبراير الماضي، ووصلت إلى 50% في أبريل.

ورغم إعلان مرفق كوفاكس عن إيصال أُولى شحنات لقاح كوفيد-19 من نوع أسترازينيكا إلى سوريا في 22 أبريل الماضي، بكمية بلغت 256,800، لكن لم تبدأ عملية التحصين بعدُ في شمال سوريا، وفقًا لصوفي.

تحاول المنظمة من خلال وجودها في محافظات الحسكة والرقة في الشمال الشرقي، وفي إدلب وحلب وعفرين في الشمال الغربي، أن تُقدم الدعم وتنسّق الجهود لمواجهة الجائحة، كمحاولة إنقاذ لما يمكن تسميته بمنظومة الشمال السوري الصحية.

تتنوع احتياجات الشمال السوري وفقًا للمنطقة، ففي حي المشلب في محافظة الرقة، تقدم المنظمة الدعم في غرف الطوارئ والعيادات الخارجية، وتعمل على سد العجز في الأدوية الضرورية للتعامل مع الأمراض غير السارية والمزمنة، مثل السكري والأمراض القلبية والتنفسية.

أما مخيّم الهول القريب من الحدود السورية العراقية، والذي يقطنه قرابة 60 ألف نازح من مناطق سيطر عليها تنظيم داعش، فيعاني من محدودية شديدة في الخدمات الصحية، وصفته صوفي بأنه ”كسجن مكتظ ومفتوح في الهواء الطلق، ولكن لا يُسمح لك بمغادرته“، لذا تدعمه منظمة أطباء بلا حدود بعيادات طبية.

وفي عين العرب-كوباني، تدعم المنظمة مستشفى كوباني للأمومة، وتوزع مواد الإغاثة غير الغذائية على نازحي بلدة تل تمر في محافظة الحسكة.

تروي صوفي واحدةً من المآسي التي تعرَّض لها سكان المخيمات والعاملون الصحيون، عندما اندلع حريق في مخيم الهول في أواخر فبراير الماضي، إذ لم يجد المصابون من النازحين والعاملين الصحيين الرعاية المناسبة؛ لعدم وجود قسم متخصص للحروق.

كما يحتاج سكان أماكن الصراعات المماثلة إلى تأهيل نفسي، وهو ما لا يتوافر للأسف.

”هذه مجرد أمثلة لخدمات صحية أساسية نحتاج إليها“، كما تقول صوفي.

لا تقتصر جهود المنظمة على الخدمات الطبية كالعيادات والدواء فحسب؛ إذ تمثل إتاحة المياه النظيفة لمحافظة الحسكة أبرز التحديات والمشكلات.

أما عن وضع الجائحة، فثَمَّ نقصٌ كبير في المستلزمات الطبية من أدوات الوقاية الشخصية والتعقيم وكذلك الأكسجين والأدوية، وبسبب التداعيات الاقتصادية الكبيرة للجائحة، أصبح شراء تلك الأدوية في الشمال السوري من المصاعب الحقيقية للحياة.

أثرت الجائحة أيضًا اقتصاديًّا، لدرجة حدّت من تنوع السلة الغذائية وصعّبت من تداول مواد التعقيم الشخصية لعدد كبير من السكان، مما يعرّضهم للجائحة وللأمراض المختلفة بدرجة أكبر من ذي قبل، ويزيد من وتيرة الاحتياج إلى رعاية صحية.

عدد كبير من السكان لا يتوافر له إلا مستشفى الرقة الوطني، باعتباره المستشفى الوحيد القادر على تقديم خدمات صحية متطورة تقريبًا.

وتعاني نساء المنطقة بشدة، لفقدانهن أزواجهن وآباءهن وأبناءهن من ناحية، ولاضطرارهن إلى رعاية أبنائهن والنجاة بمفردهن في تلك الظروف العصيبة من جهة أخرى.

تحاول منظمة أطباء بلا حدود تقديم رعاية صحية للأشد احتياجًا، وتأتي المرأة في مناطق الصراع في المقدمة، تقول صوفي: ”نتعامل معهن كشريكات، فمنهن مقدمات الرعاية الصحية، ومنهن النازحات“.

تحتاج المرأة في تلك المناطق إلى الأمان والمساعدة المادية لرعاية الأطفال؛ وإلى الماء النظيف والصرف الصحي لإبقائهن سليمات وآمنات هن وأطفالهن، وتقديم خدمات رعاية الطفولة والأمومة اللازمة لهن.

تصف صوفي الوضع فتقول: ”لقد عدت من الشمال السوري منذ عامين، أتذكر مئات القصص لنازحين يحاولون الوصول إلى رعاية طبية لأطفالهم أو أقاربهم“، إذ تحوي تلك المنطقة أكبر عدد من النازحين في العالم، يضطرون إلى ترك منازلهم فيتنقلون من مكان إلى آخر للنجاة، أحيانًا يعود الأطفال للبحث عن ألعابهم فيصابون بسبب قنابل مزروعة هنا وهناك.

تحكي صوفي عن مقدمي رعاية صحية سوريين نجوا بحياتهم بأعجوبة من مناطق صراع، دارت بهم الدوائر ليعالجوا أولئك الذين هجَّروهم من بيوتهم؛ وفاءً بقَسمهم الطبي، بغض النظر عما ارتكبوه في حقهم ولا إلى أي جانب ينتمون.

يصعب أيضًا على الكثير من المنظمات الإنسانية الموجودة في دمشق أن تنسق مع الموجودين على الأرض في الشمال السوري، وهو ما ظهر جليًّا في حملة التحصين، وفي عدد المخيمات الرسمية المُقامة في الشمال السوري وتحديدًا بعد النزوح الناتج عن التدخل التركي في المنطقة، فلم تتمكن مرافق الأمم المتحدة الموجودة في دمشق من التدخل دون الحصول على تصريح من الحكومة السورية.

تواجه المنظمات الدولية والإنسانية صعوبات شتى؛ فهي تحتاج إلى تسهيل دخول المسلتزمات الطبية، وإلى المزيد من العاملين الصحيين، وإلى تمويل من جهات تبرع لديها مرونة إجرائية لمواكبة الاحتياجات المتغيرة.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا