Skip to content

31/12/23

أمراض فيروسية تهل على الشمال الأفريقي.. مخاطرها متنامية والتدابير متأخرة

6716779603_537ed83271_k
خطر تفشي الأمراض المنقولة بالبعوض في الشمال الأفريقي، يزيد مع التغير المناخي وإستراتيجيات الترصد الوبائي المحدودة حقوق الصورة:John Tann. CC license: (CC BY 2.0 Deed).

نقاط للقراءة السريعة

  • بعض دول شمال أفريقيا تسجل ظهور أمراض فيروسية منقولة بالمفصليات مثل حمى الضنك وحمى غرب النيل
  • التغير المناخي وإستراتيجيات الترصد الوبائي المحدودة مما يفاقم خطر انتشار تلك الأمراض في الإقليم
  • الجهود الوطنية والإقليمية غير كافية، والتكامل الصحي ضرورة لمواجهة تفشي تلك الأمراض

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

خلال موجة حارة ضربت مصر أوائل شهر يوليو الماضي، انتشر الفزع بين سكان قرية نجع سندل بمحافظة قنا جنوبي مصر، وبمدينة القصير على سواحل البحر الأحمر؛ نتيجة انتشار حمى مصحوبة بأعراض متعددة تشمل الإرهاق والصداع، وعانت بعض الحالات النادرة من نزيف .

تقول هدير محمد، أخصائية تحاليل طبية في أحد المعامل الطبية بمدينة القصير: ”تزايدت أعداد المرضى المترددين على المعمل على نحوٍ مطَّرد، وكان التخوف من تفشٍّ جديد لمرض كوفيد-19“.

وفي الثامن عشر من الشهر نفسه أكدت وزارة الصحة والسكان المصرية أن حالات الحمى المنتشرة هي نتيجة عدوى حمى الضنك، بعد أن كشفت فرقها الطبية عن وجود بعوضة الزاعجة المصرية الناقلة للفيروس المسبب للمرض، إضافةً إلى أدلة مخبرية تُظهر إيجابية بعض عينات الدم، وأشار البيان إلى أن ”جميع الحالات المصابة هي حالات بسيطة وتلقت علاجها بالمنزل“، دون الحاجة إلى رعاية خاصة.

مع نهاية شهر أكتوبر الماضي، وعلى بُعد قرابة 3 آلاف كيلومتر شمالي غرب قنا، نقلت وسائل الإعلام التونسية أنباءً عن حمى وأعراض عصبية انتشرت بين بعض سكان مدينة توزر جنوب غرب البلاد.

لاحقًا، صرح مسؤولون في المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة في تونس بأن 10 حالات على الأقل بين أكثر من 140 حالة اشتباه هي نتيجة لعدوى حمى غرب النيل، وهي عدوى تنقلها بعوضة من جنس الباعضة، ولا سيما الباعضة الناصبة.

ويمكن لفيروس حمى غرب النيل إصابة بعض أنواع الطيور المهاجرة والثدييات مثل الخيول، وفي حال انتقاله إلى البشر عبر لدغات البعوض الحامل للفيروس يتسبب عادةً في أعراض طفيفة تشمل الحمى والصداع والغثيان، إلا في بعض الحالات الوخيمة التي يصيب فيها الفيروس الجهاز العصبي مُحدِثًا التهابًا في الدماغ، أو شللًا، أو حتى وفاة حامله.

في تونس، توفيت حالة واحدة بين الحالات المسجلة، وفي حين أبلغ عن انتشار المرض بين 7 ولايات تونسية، أكدت السلطات الصحية التونسية أن الحالات محدودة ولا ترقى إلى تفشٍّ وبائي.

ورغم تطمينات السلطات الصحية في كلتا الدولتين، يشير خبراء تحدثت إليهم شبكة SciDev.Net إلى أن البيانات الرسمية قد لا تعكس الصورة الكاملة، وذلك نتيجة محدودية إستراتيجيات الترصد الوبائي لتلك الأمراض بالشمال الأفريقي.

يتخوف الخبراء من أن تمثل تلك المُمْرضات تحديًا للصحة العامة بالمنطقة في المستقبل القريب؛ إذ تتزايد مؤشرات الخطر مع توافُر بيئة مناسبة لاستيطان البعوض وغيره من نواقل الأمراض نتيجة التغييرات المناخية في الإقليم.

ويضاف إلى طبيعة الموقع الجغرافي لإقليم الشرق الأوسط الذي يتقاطع مع مسارات هجرة العديد من الطيور البرية، ومحاذاته لإقليم الساحل الأفريقي وجنوب أوروبا؛ إذ تسببت بعض تلك المُمْرضات في عدة فاشيات.

صورة غير مكتملة

في أواخر العام الماضي بدأت منظمة الصحة العالمية عملية تحديث قائمتها الخاصة بالمُمْرضات ذات الأولوية التي يمكن أن تسبب في المستقبل الفاشيات أو الجوائح، ويتوقع أن تنشر القائمة المحدثة في الشطر الأول من عام 2024.

ضمت آخر قائمة صادرة عن المنظمة عدة أمراض تسببها فيروسات من عائلة الفيروسات المنقولة بالمفصليات، منها داء زيكا، وحمى القرم-الكونغو النزفية، وحمى الوادي المتصدع.

باستثناءات محدودة، لا تتوافر أي علاجات أو لقاحات فعالة للوقاية من أمراض الفيروسات المنقولة بالمفصليات، وهو ما يحد من سبل الاستجابة إلى جهود مكافحة انتشار النواقل، والاعتماد على أنظمة الإنذار المبكر لوأد العدوى قبل التفشي.

عدا موريتانيا  التي شهدت تفشيًا لحمى الوادي المتصدع العام الماضي، فإن الحالات البشرية المسجلة المصابة بتلك المُمْرضات لا تزال محدودةً في الشمال الأفريقي، مع ذلك يؤكد الخبراء ضرورة أن تؤخذ البيانات المتوافرة بحذر.

يقول عبد الله سامي، الأستاذ المساعد بقسم الحشرات في كلية العلوم بجامعة عين شمس في مصر: ”لم نعرف مسبقًا بانتشار حمى الضنك في مصر أو حمى غرب النيل في تونس إلا بعد ازدياد عدد الحالات، ذلك أن طبيعة إستراتيجيات الترصد والاستجابة في أغلب دول الشمال الأفريقي سلبية،  أي يتم تفعيلها بعد ورود معلومات عن انتشار بعض الحالات“.

ولتكوين صورة متكاملة عن وضع تلك الأمراض في الإقليم، يقول سامي، وهو باحث بمركز أبحاث كلية الطب بالجامعة: ”نحتاج إلى برامج ترصُّد نشطة، تعمل على جمع البيانات وتقصِّي انتشار تلك المُمْرضات على نحوٍ استباقي، بما يمهد لوضع إستراتيجية استجابة فعالة“.

يشير سامي إلى محدودية الجهود الرامية إلى ترصد ودراسة الفيروسات المنقولة بالمفصليات ودونها من الأمراض المدارية على المستوى الوطني في دول الشمال الأفريقي، وغياب المبادرات المشتركة بين دول الإقليم.

يوضح سامي: ”لا تزال الجهود محصورةً إلى حدٍّ كبير في المضمار البحثي، فإن كان الباحث مهتمًّا بدراسة أحد تلك المُمْرضات فسيشتري الكيماويات والأدوات التشخيصية المطلوبة لإتمام مشروعه البحثي، ورغم أهمية المعلومات التي تتيحها تلك الدراسات، فإنها غير كافية، وهناك ضرورة لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية لفهم تلك الأخطار ومواجهتها“.

توافقه الرأي يمنى مغربي، أستاذ مشارك ومدير الفريق البحثي بمعمل الفيروسات في معهد باستور بتونس.

تقول يمنى: ”لدينا في تونس برنامج لترصُّد فيروس حمى غرب النيل، لكن ليس لدينا مثيل له لأيٍّ من الفيروسات الأخرى المنقولة بالمفصليات الأخرى“.

وتضيف: ”إلى جانب الحالات التي تم تأكيد إصابتها بحمى غرب النيل في تونس، لا تزال هناك عدة حالات غامضة لم يتم تحديد مسببها، قد يكون أحد الفيروسات الأخرى هو المسبب“.

”أعتقد أنه علينا توسيع رقعة الرصد لرؤية الصورة كاملة“.

والوضع في الجزائر مشابه إلى درجة كبيرة لتونس، على حد قول عصام حشيد، مدير معمل الفيروسات المنقولة بالمفصليات والفيروسات الناشئة بمعهد باستور في الجزائر.

يوضح حشيد: ”فمثل تونس، بيَّن تقييمُ مخاطرٍ حديثٌ حول تلك الممرضات وجودَ فيروس حمى غرب النيل خاصة بالشمال، لكنه أيضًا أشار إلى مخاطر أخرى مثل حمى الوادي المتصدع وحمى القرم-الكونغو النزفية، في الجنوب“.

”دفع ذلك السلطات الصحية إلى تبنِّي إستراتيجية رصد خاصة لحمى غرب النيل، بسبب حالات التفشي في منطقة جنوب أوروبا التي تتشابه في سماتها المناخية والبيئية مع شمال الجزائر، ولدينا أيضًا خطة ترصُّد لحمى الوادي المتصدع يتم تفعيلها في حال الإبلاغ عن حالات في النيجر أو موريتانيا“، وفق حشيد.

أما في ليبيا التي أُنهِك نظامها الصحي خلال سنوات الصراع، فلم تسجل حالات بشرية من تلك الممرضات، وفق الطاهر الشائبي، أستاذ بقسم علم الحيوان بكلية العلوم في جامعة طرابلس الليبية.

ويستطرد الطاهري: ”إلا أنني أتوقع أن يكون الوضع في ليبيا هو الأسوأ في الإقليم، فبسبب تعقيدات الوضع في البلاد لا توجد في الوقت الحالي عمليات ترصد وبائي نشطة لتلك الأمراض، كما أن عمليات الترصد السلبية -أي التي ترصد الحالات بعد ظهورها- لا تزال ضعيفةً جدًّا“.

”هناك أيضًا نقص حاد في الكيمياويات وأدوات التشخيص التي يمكن من خلالها الكشف عن وجود تلك الأمراض أو انتشارها“.

ويشير الشائبي إلى أن المخاطر في ليبيا مرتفعة جدًّا؛ ”فبسبب الوضع الأمني الحرج يَعبر تجار المواشي بمختلِف أنواعها من دول الساحل -مثل تشاد والنيجر- الحدود الليبية بلا رقيب أو حسيب حتى يصلوا إلى قلب العاصمة الليبية“.

ومن دون حجر صحي أو رقابة يمكن أن تكون حيوانات الماشية محملةً بممرضات حمى الوادي المتصدع أو حمى القرم– الكونغو النزفية أو غيرها، وبعضها متوطن في دول الساحل، ناهيك بعصابات الاتجار بالبشر، التي تستغل معاناة البشر وتنقلهم في ظروف غير آدمية حتى السواحل الشمالية، وهي كلها عوامل خطر لا تقتصر على الجانب الأمني فقط بل تشمل الصحي أيضًا، على حد قول الشائبي.

يؤكد حشيد أنه رغم أهمية جهود الترصد فإن حصرها على قطاع الصحة البشرية يحول دون تطوير صورة متكاملة، ”فمن الضروري أن تمتد الجهود نحو الصحة الحيوانية أيضًا، وبالتنسيق بين القطاعين يمكن لنا أن نضمن إستراتيجية ترصد واستجابة أكثر فاعلية“.

أدلة مغايرة

يشير الشائبي إلى أن البيانات حول النواقل الموجودة في ليبيا قديمة جدًّا ولم تحدث منذ فترة طويلة، ولذلك يسعى الشائبي بالتعاون مع فرق من الباحثين إلى تحديث قائمة النواقل في ليبيا، وهي ”خطوة أساسية نحو تحري تلك الأمراض“.

ويؤكد الشائبي: ”نعاني من نقص حاد في التمويل، وبدلًا من أن تجري عملية رصد النواقل عبر مجهودات وطنية، يمول الباحثين مشروعاتهم البحثية بأنفسهم لإتمام تلك المهمة“.

خلال السنوات الماضية، أضافت الجهود البحثية للشائبي ويمنى وسامي وغيرهم من الباحثين في الشمال الأفريقي بياناتٍ تبين تزايُد مخاطر الفيروسات المنقولة بالمفصليات، جامعين الأدلة التي تؤكد وجود النواقل، وآثارًا تبين وجود الممرضات.

ففي عام 2018 شارك سامي في دراسة نُشرت بدورية لانسيت للأمراض المعدية تؤكد عودة استيطان الزاعجة المصرية في مصر، بعد أن كان من المعتقد أن حملات رش المبيدات الحشرية منذ السبعينيات قد نجحت في تطهير مواطنها، بينما أكدت دراسة أخرى شاركت فيها يمنى ونُشرت عام 2019 غزو بعوضة النمر الآسيوي لتونس، وقُبيلهم أشارت دراسة نشرها باحثون مغاربة إلى وجود البعوضة نفسها في مدينة الرباط، وفي العاصمة الجزائرية وفق دراسة أجراها باحثون بمعهد باستور في الجزائر.

وسعيًا منهم لتقييم حجم المخاطر التي قد يجلبها استيطان بعوضة النمر الآسيوي (الزاعجة البيضاء) في تونس والمغرب، بيَّن باحثون تونسيون ومغاربة عبر حَقن البعوض بأنواع مختلفة من الفيروسات، قدرته على نقل داء زيكا وشيكونجونيا، إضافةً إلى حمى الضنك.

لا تقتصر المجهودات البحثية على تحري وجود النواقل وقدرتها على نقل المُمْرضات فحسب، إذ تحرت مجموعات بحثية أخرى آثار الإصابة بتلك الفيروسات، سواء بين مجموعات من البشر أو العوائل من الحيوانات المدجنة أو البرية.

ويجري ذلك من خلال قياس نسبة الأفراد من العينة البشرية أو الحيوانية المختارة التي يجري في دمها أجسام مضادة أطلقها الجهاز المناعي كرد فعل للإصابة بالفيروس، وتُعرف تلك المنهجية بالانتشار المصلي.

تشرح يمنى: ”إنها بمنزلة تقفِّي الأثر، يمكن لهذه الطريقة تقديم أدلة غير مباشرة على انتشار تلك الفيروسات، وأي الفئات هي الأكثر تعرضًا للخطر“.

متبعةً تلك المنهجية، أوضحت دراسة شملت 270 من الأغنام من مزارع متعددة في تونس إيجابيةَ عينة واحدة على الأقل لفيروس حمى القرم-الكونغو النزفية، كذا لفيروس حمى الوادي المتصدع بين عينة من الجمال، وأكدت دراستان نُشرتا عام 2020 و2021 إيجابية عينات دم جُمعت من خيول في المغرب ومصر للأجسام المضادة لفيروس حمى غرب النيل، بينما أظهرت أخرى إيجابية 10% من أصل 164 عينة مصل دم جمعت من سكان الجزائر للفيروس  نفسه، وتحصلت دراسة أُجريت في العاصمة الليبية على نتائج مشابهة.

تقول بشرى بلقاضي، أستاذ الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس بالرباط في المغرب: ”لدينا أدلة كافية على وجود النواقل، وأدلة مباشرة وغير مباشرة على وجود الممرضات، ثم هناك التغير المناخي الذي قد يزيد من مخاطر تفشي تلك الأمراض“.

وتضيف بشرى: ”الخطر قريب، وهناك ضرورة عاجلة لتكثيف جهود مكافحة تلك الأمراض التي طالما عمها التجاهُل في الأقليم“.

خطر قريب

اعتمادًا على بيانات ومتغيرات مناخية وبيئية تُظهر عدة دراسات احتمالية توسع المناطق الموائمة للأمراض الفيروسية المنقولة بالمفصليات في مناطق مختلفة بالشمال الأفريقي.

ففي حال استمرار معدل انبعاث غازات الدفيئة على النحو الحالي، قد يصبح الشمال الأفريقي بحلول عام 2050 ضمن أكثر أقاليم العالم مواءمةً لتفشِّي داء زيكا، وفق دراسة نُشرت عام 2020، أما فيما يخص حمى غرب النيل فقد بينت دراسة مواءمة الظروف المناخية لانتشارها في مصر وليبيا وتونس بين شهري مايو ويوليو، بينما تكون المغرب أكثر مواءمةً للمرض في فصلي الصيف والخريف، وتوقعت دراسة أخرى نُشرت عام 2018 مواءمة عدة مناطق لانتشار بعوض الزاعجة المصرية بسواحل البحر الأحمر في مصر والسودان، وبمناطق غربي المغرب وشمالي الجزائر وتونس.

”خلق مناطق موائمة لاستيطان البعوض/النواقل، وتغيير مدة حضانة الفيروسات بداخلها، هي بعض التأثيرات المباشرة للتغير المناخي فيما يخص تفشي تلك الأمراض“، وفق سامي.

ويستطرد: ”أما إن نظرنا بصورة أوسع، فالتأثيرات المناخية غير المباشرة متعددة، وفي بعض الأحيان أكثر حدة“.

يوافقه الشائبي الرأي، ويضرب مثلًا بإعصار دانيال الذي ضرب شرقي ليبيا في مطلع شهر سبتمبر الماضي ليُسفر عن خسائر هائلة في الأرواح، ودمار واسع في البنية التحتية.

يقول الشائبي: ”الكوارث المناخية المشابهة تُلحق أضرارًا جسيمة بالنظام الصحي بحيث يكون عاجزًا عن الاستجابة لمخاطر تفشي الأوبئة التي عادةً ما تتبع تلك الأحداث“.

ويضيف: ”تُحدث الكوارث المناخية العنيفة -مثل إعصار دانيال- تغييرًا في طبيعة المنطقة وملامحها، قد يعرقل ذلك حركة الحيوانات البرية عبر مساراتها الطبيعة، مجبرًا إياها على المرور بمسارات مختلفة، ما قد يؤدي إلى عبور نواقل الأمراض أو المُمْرضات إلى مناطق جديدة“.

حتى وإن كانت التغيرات المناخية أقل حدة، فقد تجلب أيضًا تبدلات في أنماط هجرة الحيوانات البرية ونواقل الأمراض، وفق كمال الدين بن علال، الباحث بمعمل الوبائيات البيئية الطفيلية والوراثة السكانية بمعهد باستور الجزائر.

يوضح بن علال أن الطيور المهاجرة فوق الشمال الأفريقي تستقر للراحة في الأراضي الرطبة مثل بحيرة تونجا شمال شرقي الجزائر، وقد لوحظ أن تغير معدلات هطول الأمطار يغير من مدة الاستراحة التي تقضيها الطيور في المنطقة.

”في سيناريو محتمل قد تكون حشرة القراد (الفيروسة النيروبية) الناقلة لحمى القرم-الكونغو النزفية متشبثة بأجنحة أحد الطيور المهاجرة، وخلال تمدد فترة مكوث الطيور نتيجة التغيرات المناخية، قد تعبر حشرة القراد إلى أحد الطيور الأصيلة بالمنطقة، وهو ما قد يتبعه انتقال لاحق إلى البشر“، وفق بن علال.

تتوزع قرابة 200 من الأراضي الرطبة المعترف بها ضمن اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة من شرق الإقليم إلى أقصى غربه لتوفر موئلًا للطيور في هجرتها نحو الشمال، وتفيد تقارير حديثة بوجود اضطراب في مسارات تلك الهجرة فوق الشمال الأفريقي نتيجة التغيرات المناخية.

تقول يمنى: ”إن الهجرات البشرية أيضًا قد تكون مدفوعةً بعوامل مناخية واقتصادية وأمنية متشابكة، وبطبيعة الحال تنتقل الأمراض المعدية من موقع إلى آخر مع انتقال البشر“.

وفق تقديرات البنك الدولي، في ظل سيناريو متشائم، سيتجاوز عدد النازحين داخليًّا في إقليم شمال أفريقيا نتيجة أزمة التغير المناخي 19 مليون نازح بحلول عام 2050، وهو ما يمثل قرابة 9% من إجمالي السكان، وهي النسبة الأعلى مقارنةً بسائر أقاليم العالم، كما يعبره الآلاف سنويًّا في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو القارة الأوروبية، وشهد العام الجاري أعلى نسبة هجرة من الساحل الليبي إلى أوروبا منذ عام 2017.

تعلق يمنى: ”بسبب تعقيدات وتشابك العوامل المرتبطة بتفشي الأمراض الفيروسية المنقولة بالمفصليات، نحتاج إلى تبنِّي إستراتيجية شاملة تدمج فيها قطاعات البيئة والصحة البشرية والصحة الحيوانية لتطوير جهود ترصُّد الأمراض ومكافحتها“.

 جزر منعزلة

في شهر نوفمبر الماضي، نظمت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ورشة حول منهجية صحة واحدة بالعاصمة التونسية، حضرها ممثلون عن قطاعات الصحة البشرية والحيوانية والبيئة من كل دول الشمال الأفريقي باستثناء الجزائر.

تقول تشينيني إيميلايف -مسؤولة في برنامج صحة واحدة بالمؤسسة- لشبكة SciDev.Net: ”بالتأكيد يعكس ذلك اهتمام دول الإقليم بتحسين إستراتيجات رصد الأمراض المعدية، وبتطبيق نهج الصحة الواحدة وتفعيله“.

إلا أنها تشير إلى أن الجهود المبذولة في القطاعات المختلفة لا تزال أشبه بجزر منعزلة، حيث تعمل قطاعات الصحة البشرية والحيوانية والبيئية بشكل شبه منفصل، ”وينطبق ذلك أيضًا على التعاونات العابرة للحدود بين دول الإقليم، إذ لا يزال التنسيق ومشاركة البيانات محدودًا بينها“.

ووفق دراسة نُشرت العام الماضي، فإن قطاعات الصحة والبحوث الصحية في دول الإقليم هي الأقل تشابكًا بعضها مع بعض، كما أن الشمال الأفريقي هو الأقل تشابكًا مع سائر الأقاليم بالقارة.

وفي حين عززت بعض التجمعات الإقليمية الاقتصادية في أفريقيا من تكامل الأنظمة الصحية ومشاركة البيانات الصحية بين دولها، لا يوجد كيان مماثل يجمع كل دول الشمال الأفريقي، أما اتحاد المغرب العربي الذي يضم دول الإقليم باستثناء مصر فقد فشل في تحقيق أهدافه نحو تكامل الإقليم؛ نتيجة التوترات الحادة بين الدول الأعضاء.

يشير حشيد إلى تجدد فرصة بناء آلية للتكامل الصحي بين دول الإقليم تحت مظلة المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ففي حين تقسم المؤسسة نشاطها بين مختلِف أقاليم القارة، يضم إقليم الشمال كل دولة من مصر حتى موريتانيا.

 ووفق موقع المؤسسة، تستضيف مصر المكتب الإقليمي لدول الشمال، وهو آخر المكاتب الإقليمية التي يتم تفعليها بالمؤسسة.  

التكامل والتعاون مفتاح النجاة

لم يعد التكامل الصحي بين دول الإقليم رفاهية، بل ضرورة تمكِّننا من تقييم المخاطر وتعزيز سبل الاستجابة، خاصةً فيما يخص الأمراض المنقولة بالمفصليات، فتلك المُمْرضات ونواقلها وعوائلها الحيوانية لا تعترف بحدود سياسية أو ما دونها، كما أنها تتأثر بعوامل مناخية وبيئية ووبائية معقدة بحيث يصعب فهمها في حدود دولة واحدة، وفق سامي.

ويضيف سامي: ”في حين تُعد إستراتيجيات الترصد النشطة وأنظمة الإنذار المبكر أعلى تكلفةً من سواها، يمكن لتعاون إقليمي يقوم على مشاركة البيانات الوبائية بين الدول أن يؤدي إلى تقييم دقيق للمخاطر بما يضع الأولويات في نصابها، ويخفض التكلفة الإجمالية“.

تؤكد بشرى أهمية التكامل الإقليمي، مشيرةً إلى أهمية أن يمتد التعاون إلى ما هو أبعد من بلدان شمال أفريقيا ليشمل حوض البحر المتوسط، فضلًا عن بلدان الساحل الأفريقي، نظرًا لترابُط النظم البيئية في هذه المناطق.

وعن ذلك تقول يمنى: إن التعاون بين الإقليم ودول المتوسط الأوروبية قائم بالفعل، وتستثمر دول الاتحاد الأوروبي في الأنظمة الصحية بالإقليم لتكون بمنزلة حائط صد للأمراض المعدية.

تقول يمنى: ”عادةً ما يُنظر إلى الشمال الأفريقي على أنه الجسر العابر إلى أوروبا، وينطبق ذلك على النواحي السياسية كما ينطبق على الجوانب الصحية“.

وتضيف: ”على الجانب الآخر لدينا فجوات واسعة فيما يخص التعاون والتنسيق مع الأنظمة الصحية في دول الساحل الأفريقي، رغم التشابكات الحيوية بين الإقليمين فيما يخص التجارة الحيوية للمواشي وقضايا الهجرة، ناهيك بتشابه النظم البيئية وتأثيرات المناخ، وهي كلها عوامل مرتبطة بأنماط انتشار الأمراض المعدية“.

إن تنسيق الجهود هو خطوة أساسية للحد من التأثير المحتمل لتلك الأمراض على كلا الإقليمين، كما أنه ضمان للحفاظ على الأمن الصحي العالمي، وفق بن علال.

ويستطرد بن علال: ”وإن نجحنا في تنسيق جهود الترصد الوبائي على مستوى الإقليم، ربما نخطو خطوةً إضافية نحو تنسيق جهود الاستجابة، وربما نحو شراكات بحثية بحيث تنشأ مراكز للتميز البحثي في كل دولة، يختص كل واحد منها بأمراض محددة أو بجوانب محددة لكل مرض“.

وفق دراسة مراجعة نُشرت العام الماضي، فإن الإنتاج البحثي للدول الأعضاء بالجامعة العربية حول الأمراض المدارية المهملة لا يتعدى 4% من الإنتاج العالمي خلال الفترة (1971- 2020)، مع غياب للشراكات البحثية بين الباحثين الفاعلين في تلك المجالات بالمنطقة، بينما تشير أخرى إلى أن الأبحاث حول الأمراض المنقولة بالبعوض في الشمال الأفريقي لا تزال محدودة، ويتركز أغلبها حول تحري وجود النواقل أو مسببات المرض.

ويختتم سامي: ”في حال تعززت الجهود الوطنية والإقليمية الرامية إلى تعزيز الترصد الوبائي للأمراض المنقولة بالمفصليات، سينقل ذلك باحثي الإقليم من مرحلة تقييم المخاطر إلى مرحلة بحث الحلول المبتكرة“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا