Skip to content

22/12/22

وفاء السويدي.. تحلم بنهضة صناعية إماراتية

Mubarak
حقوق الصورة:Mubarak Al Kayani/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • تفضل وفاء السويدي أن تُوصف بأم على أن تُنعت بسيدة أعمال
  • ترى بناء الشخصية وصقلها لمواجهة الحياة وغرس القدرة على اتخاذ القرارات أهم من تحصيل العلم
  • أبحرت في عالم الصناعة بإدراك أنه يستلزم دراسة وفهمًا أعمق للتصميم الصناعي والتصميم الميكانيكي وعلم التصنيع

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

سيدة أعمال إماراتية نجحت في تصميم سيارة وتجميعها من خلال التعلم الذاتي، بل استقطبت طلاب المدارس الإماراتية لتدريبهم على هذا النوع من التعلم.

ومن خلال مشروع ’البناء والتركيب‘، الذي جابت به وفاء السويدي عددًا من المدارس، بدعم من جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين، تمكنت من تنمية مهارتي البناء والتركيب لدى الطلاب.

حصلت وفاء على بكالوريوس التربية- قسم الفيزياء من جامعة الإمارات العربية المتحدة، في وقت تعزف فيه بنات جيلها عن هذا التخصص لصعوبته، وتعلمت الهندسة الميكانيكية في جراج منزلها بأسلوب التعلم الذاتي، وحصلت على شهادة تصميم ميكانيكي احترافي متقدم من برنامج ’سوليد ووركس‘، الذي يضم حاليًّا أكثر من مليوني مهندس ومصمم في أكثر من 165 ألف شركة حول العالم.

وفاء في سبعة أشهر فقط تمكنت من تصميم سيارة أمريكية من طراز كلاسيكي، بمساعدة ثلاثة شباب من أبناء وطنها تتراوح أعمارهم بين 15 و17عامًا، كان من بينهم ابنها سيف.

تعمل الآن مستشارًا تقنيًّا بمعهد أبوظبي بوليتكنك، وهي أم لثلاث بنات وولد يمثلون ثروتها الحقيقية، تقول إن حلمها هو نهضة صناعية شاملة للإمارات بعقول أبناء وبنات الوطن.

حول جوانب من حياتها وطموحاتها تتحدث وفاء في حوار خاص لشبكة SciDev.Net.

مَن الذي أثر على مسيرتك واهتماماتك ومجرى حياتك من الشخصيات؟

ترتيبي في أسرتي الخامسة بعد أربعة أولاد، تقريبًا كنت البنت المنتظرة، ومنذ الصغر وأنا مختلفة جدًّا، في المدرسة الابتدائية اعترضت على انفراد الذكور بتحية العلم، وفي مرحلتي التعليم المتوسطة والعليا كنت أنزعج من التركيز على الحفظ في المناهج التعليمية في ذلك الوقت.

الجميل في أسرتي أن والدي -بارك الله فيه- لم يفرق بين بنت وولد، علَّمنا جميعًا الاعتماد على النفس، وهو أكثر شخصية أثرت فيَّ، ورغم أنه امتلك حنان الدنيا كلها، فقد كان حين أعود إليه بمشكلة كثيرًا ما يردد: ”هذه مشكلتك، وأثق بمقدرتك على حلها والتعامل معها“.

ثاني شخصية أثرت فيَّ خالي أستاذ العلوم السياسية، الذي ركز على اختيار قراءاتي منذ الطفولة ودائمًا ما يقدم الدعم والمشورة والمساندة، وهي أمور لا غنى للمرء عنها في حياته، وما زال كلاهما يؤثر فيَّ ويمثل لي السند.

سمعت عن اهتمامك البالغ بالقراءة، فهل هذا حقيقي؟

 نعم، لأنني نشأت في بيئة قارئة، أبي وعائلتي قراء، فتعودنا منذ الصغر على القراءة في كل شيء، العلوم والأديان، والكتب والروايات، حتى تلك التي كان يتعذَّر وصولها إلينا كنا نجلبها من الخارج.

عادة القراءة لازمتني منذ الإعدادية، وأول رواية قرأتها كانت ماجدولين للمنفلوطي وكان عمري وقتها ١٤ عامًا، وخلال تفرُّغي لتربية أبنائي، وهي فترة امتدت عَشر سنوات، بعد خمس سنوات قضيتها معلمةً للفيزياء بعد تخرجي، كانت القراءة متعتي إلى جانب متعة الأمومة، فأنا دائمًا ما أفضِّل وصفي بأم على وصفي بسيدة أعمال.

أميل إلى القراءة في علم الاجتماع والأديان والفلسفة والروايات التي تنمِّي الذكاء العاطفي لديَّ، لهذا أفضِّل قراءة الروايات على مشاهدة الأفلام.

ترددين دومًا أنكِ كنتِ طفلة عنيدة وتلميذة مشاغبة ولم تكوني من الأوائل، حقًّا؟

صحيح، لذلك يجب ألا نتعجل الحكم على مستقبل أبنائنا، أنا إنسانة لها تفكير مختلف واهتمامات مختلفة، لا تستهويني الثرثرة غير المسؤولة عن البيوت والموضة والعلاقات الأسرية، ولا تستهويني بعض الأفكار السطحية المتعلقة بكيفية إرضاء الأزواج أو الزوجات، فالحياة تعاون ومشاركة وكفاح وتفكير وعطاء وحلم وأمل وثقة وإيمان بالله، وإذا أسقطنا الخوف وفتحنا نوافذ للمحاولة وعشق التحدي فسندرك متعة تحقيق بعض الإنجازات وسنشعر بطعم النجاح الحقيقي.

الأهم أن يركز الآباء والأمهات على تكوين شخصية الأبناء والبنات، فالعلم سندركه دومًا وفي وقته ومن مصادره، لكن بناء الشخصية وصقلها لمواجهة الحياة وغرس القدرة على اتخاذ القرارات أمر مهم جدًّا، بدلًا من ترك الأجيال الجديدة تنشأ خجولةً منعزلة أو تُترك لوسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة اللوحية وغيرها.

البناء والتركيب شغفك ومتعتك الخاصة، فهل لدراستك الفيزياء علاقة بذلك؟

درست الفيزياء في جامعة الإمارات، وكنت البنت الوحيدة في دفعتي في أثناء دراسة هذا التخصص، وقبلت التحدي، ولم تكن الدراسة بالإنجليزية عائقًا أمامي، لكنني لم أستمتع كما أريد، لإيماني الشديد بأن العلم النظري وحده لا يكفي، وأن التطبيق مهم، ودائمًا ما أردد أن التعليم التطبيقي هو التعليم الحقيقي في مجال العلوم، إذ ينمي ذكاء الطالب ويبرز موهبته، أما التعليم المعرفي النظري فهو ذو ثقل نفسي على الطالب، خاصةً إذا ارتكز على الحفظ فقط.

والحقيقة أنني تأثرت كثيرًا بشخصية طبيب أسنان كوري هو ’يونج سي بارك‘، كان مغرمًا ببناء وتركيب الطائرات من خام الألومنيوم، قرأت مقالةً عنه غيرت مجرى حياتي، ومنها بدأت رحلتي وشغفي مع بناء وتركيب لعب الأطفال.

مقالة أخرى قرأتها عن عزوف الطلاب في بريطانيا عن دراسة الهندسة الصناعية، قال أحد الخبراء إن السبب في ذلك يعود إلى تركيزهم على الألعاب الإلكترونية بدلًا من الألعاب التركيبية التي كانت هي الوحيدة في جيل الستينيات، والتي أسهمت في بناء خبراء في مجال الهندسة الصناعية.

وبدأ اهتمامي بالهندسة الصناعية، ساعدني في ذلك زوجي المهندس المعماري عدنان غباش، وكان عاشقًا للتركيب والبناء، فبدأت أهتم بشراء الألعاب التركيبية، وأتقنت خرائطها الهندسية، ثم بعدها انطلق مشروع ’البناء والتركيب‘ بالتعاون مع جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين، في دبي في الفترة من 2013 إلى 2016، وكان هدفه مساعدة طلبة المدارس على اكتشاف طاقاتهم الكامنة وتعلُّم فن البناء والتركيب.

بعدها أقبلت على الخرائط الهندسية، واطلعت على كتب في عالم السيارات وفيديوهات ومعلومات من متخصصين، وفي أثناء بحثي تواصلت مع شركة في أمريكا حين لمعت في رأسي فكرة تجميع سيارة، وفي الحقيقة لم يكن هذا هدفًا أو حلمًا قديمًا، بل كان أمرًا وليد اللحظة، شعرت برغبة في تنفيذه، وأعتبر أن نجاحي الشخصي هو تجميع هذه السيارة، وكان نجاحًا مؤقتًا حين أنجزته.

أما النجاح المستدام بمشيئة الله، فهو حين وضعت تجربة ’منهج تركيب‘ بين يدي طلابي في مجال الهندسة في وطني الإمارات.

 هل من مزيد عن قصة تجميع السيارة الأمريكية؟

 كما أخبرتك، أنا تخرجت في جامعة الإمارات بعد دراسة الفيزياء، ولديَّ شغف كبير بالبناء والتركيب، فقررت أن أعمل على تصميم سيارة وتجميعها في منزلي وبيدي، وبدأت أقرأ وأسأل وأزور ورش سيارات، وأراسل شركات أمريكية لاستيراد أجزاء السيارة.

كان هدفي هو إلهام أبناء وطني وبث طاقة تحفيزية فيهم تثبت قدرتهم على فعل هذا الشيء، ولهذا الهدف استعنت بثلاثة شباب وضممت لهم ابني سيف وعمره وقتها كان 15 سنة، وبالفعل كان الشباب يأتون يومًا واحدًا في الأسبوع، وقد استغرقنا سبعة أشهر في تجميع السيارة، استغرق تركيب الجزء الأمامي والجزء الخلفي والمحرك وتوزيع كهرباء السيارة تسعة أيام، كما استغرق تركيب الجسم الخارجي للسيارة أحد عشر يومًا، وتكلفت السيارة حوالي 300 ألف درهم.

ثم جاءت بعد ذلك مسألة استخراج ورق السيارة، وهنا كانت المفاجأة، فحتى نستخرج أوراقًا للسيارة التي فوجئ الجميع بأنه تم تجميعها في جراج منزلي، كان لا بد من الحصول على موافقة من هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، لتؤكد مطابقة السيارة للمواصفات المتعلقة بالسلامة والأمان على الطريق، وبالفعل حصلت على هذه الشهادة، وتم عمل حفل تدشين للسيارة.

وقد عرض البعض شراءها بمبلغ مليون درهم، ولكنني رفضت؛ فهي رمز جهد وإرادة وطنية.

كان تجميع السيارة وتدشينها حلمًا تحقق في عام 2017، فماذا بعد؟

 أحب التعلم باستمرار، ولا أعرف في حياتي كلمة صعب ولا مستحيل، وهكذا حياتي عبارة عن سلسلة متصلة من التحديات، وقد تواصل معي وزير التربية والتعليم الإماراتي حسين الحمادي، لنقل خبرتي إلى الدارسين في معهد أبو ظبي بوليتكنك، لنبدأ تدريب الطلاب أبناء الوطن على تجميع سيارات حديثة من طرز يابانية، بحيث تكون أسهل في تجميعها، وعملت على المشروع في عام 2018 ودربت فريقًا من الدارسين على تجميع السيارات.

شعرت وقتها بإضافة وأثر أحدثتُه في مجتمعي، وشعرت بمتعة أن خبرتي صارت في يد الآخرين، لكني طرحت على نفسي السؤال الجوهري: ماذا بعد التجميع؟

دفعني السؤال إلى الإبحار في عالم الصناعة، وأدركت أن ذلك يستلزم دراسةً وفهمًا أعمق للتصميم الصناعي والتصميم الميكانيكي وعلم التصنيع، وقررت أن أدرس برامج التصميم، وحصلت على شهادة مصمم عام ومصمم محترف وبعدها شهادة مصمم متقدم محترف، ودرست علم التصنيع أيضًا، وقمت بتطبيق منهج التصميم الميكانيكي والإشراف عليه في معهد أبوظبي بوليتكنك.

لكن كيف تحققين المواءمة بين الزواج والأمومة من جهة وشغف البناء والتركيب من جهة أخرى؟

أحمد الله على كل شيء، فأنا أنظم وقتي بأولويات واضحة، شجعني زوجي على الدخول في القطاع الخاص وعالم التجارة وكذلك مواصلة شغفي في عالم البناء والتركيب، وهو مَن اكتشف موهبتي في هذا المجال، فهو مهندس يقدر العلم جدًّا، والشيء الجميل أنه كان ينصحني دائمًا بقوله: ”ركزي على مشروعات تخدم الحكومة وتخدم أبناء الوطن“، توطين التصميم والتصنيع والبناء والتركيب أمرٌ يفيد البلد، وهو زوج متفهم ومتعاون إلى أقصى درجة، ولا ينزعج أبدًا من عملي، بل يقول دومًا: ”أنا سعيد وأفتخر بأنك تقومين بعمل شيء عظيم“.

أستطيع أن أقول إنني زوجة محظوظة، لأنه من النادر في هذا الزمان أن تجد زوجًا بهذه المرونة وهذا التفهم والتقدير.

ختامًا.. ماذا عن حلمك وطموحك؟

قد تكون رحلة تجميع سيارة ملهمة للآخرين، لكن لا أعدُّ نجاحي في هذا الأمر هو النهاية، وإنما مجرد بداية، حلمي هو الصناعة والتصنيع والنهضة الصناعية في وطني الإمارات، ووضع نواة للتصنيع بعقول وطنية إماراتية تخدم البلد وتخلص له وتسهم في نهضته وتطويره.

أثق بعقول أبناء وبنات الوطن وقدراتهم، ولهذا أقضي معظم وقتي بحثًا ودراسة في مجال التصنيع، وبإذن الله مع التمكين الكبير في وطني، سنصل ونحقق الهدف وليس مجرد الشعار ”صنع في الإمارات“ بعقول وطنية قريبًا.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا