Skip to content

31/03/22

صفاء قمري.. منقذة الفول والبقول من الفيروسات

2
حقوق الصورة:ICARDA

نقاط للقراءة السريعة

  • ’ابنة حلب‘ بدأت رحلة مكافحة فيروسات النبات من مصر
  • الحرب أتت على كل جهدها البحثي، فبدأت من جديد
  • تقول إن المرأة إذا أرادت عمل شيء استطاعت إنجازه

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

البداية كانت عام 1989، حين وصلت شكوى إلى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) من الحكومة المصرية، تفيد بوجود مشكلة في محصول الفول، ولكونه أحد أهم المحاصيل التي يعتمد عليها غذاء المصريين، جرى التعامل معها بقلق يتناسب مع ضخامتها، وبطلب من المركز توجهت صفاء قمري -التي كانت تعمل وقتها باحثةً في مختبر صحة البذور بالمركز- إلى مصر ومعها فريق علمي لبحث المشكلة.

لم تدرك ’ابنة حلب‘ -كما تصف نفسها- أنها تخطو أولى خطوات رحلتها الطويلة في دراسة محصول ’الفول‘ والفيروسات التي تصيبه، فعندما كانت طالبة في كلية الزراعة بجامعة حلب في سوريا، ذهبت ضمن مجموعة طلاب في زيارة علمية إلى مركز إيكاردا، وهناك تكوَّن بداخلها حلم أن تعمل وسط هذه المعامل والمختبرات، وبالفعل قبل تخرجها تقدمت لوظيفة في المركز ثم تم تعيينها في عام 1986.

أزمة ’الفول المصري‘ كما تسميها صفاء، كانت المنعطف الأكبر في تاريخها البحثي، وبداية دراستها المعمقة للفيروسات التي تصيب النباتات، حول رحلتها وما توصلت إليه بعد جهد بحثي شاق استمر لمدة 35 عامًا، كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع صفاء، اختصاصية فيروسات النباتات ورئيس مختبر صحة البذور بمركز إيكاردا.

البداية كانت من مصر

نعم، عندما وصلت مصر، هالني ما شاهدته، ”رأينا حقولًا سوداء“، كان مشهد حقول الفول صادمًا، وأجمع الباحثون على أنه شيء جديد لم نرَ مثله من قبل.

الصدمة ولدت فضولاً بحثيًّا ورغبة ملحَّة لاستكشاف الفيروس الجديد، فجرى أخذ العينات إلى المعامل في سوريا؛ لفحصها ومحاولة فك الشفرة الجينية للفيروس، لم تتطابق العينات مع أيٍّ من أنواع الفيروسات الموجودة عندي في المختبر.

بعدها أرسل الفريق العينات إلى مختبر في ألمانيا، واستطعنا أن نتأكد أنه فيروس مختلف عن الفيروسات المعروفة ولأول مرة يُكتشف، وبعدها ولمدة 33 عامًا أصبح هذا الفيروس هو شغلي الشاغل، خاصةً مع بداية رصد سلالات منه في دول أخرى في الشرق الأوسط، منها: تركيا، وتونس، والأردن، وغيرها من البلدان الحارة.

وجد الباحثون أن الفيروس كان منتشرًا بالفعل في العالم، لكن لم يجرِ الكشف عنه إلا بعد إعلان مصر عنه، وتمت تسميته فيروس اصفرار وموت الفول.

هل تكررت زيارتك لمصر بعد هذا الاكتشاف؟

أصبحت أزورها كل أسبوعين، حتى أتابع الأمر، وكان مجهودًا كبيرًا، وبعد أن تمكنَّا من فك الشفرة الجينية للفيروس وتعريفه اتضح أنه يصيب أيضًا البقوليات العلفية مثل البرسيم، والبقوليات الغذائية مثل: الحمص والعدس واللوبيا، لكن أثره على الفول يفوق أثره على أي محصول آخر.

ماذا حدث بعد ذلك؟

بدأت الاختبارات لمحاولة تشخيص الفيروس بشكل أفضل، وفهم نمط العدوى، ومما سهَّل المهمة امتلاك مركز إيكاردا لآلاف الأصناف من الفول والبقوليات التي جُمعت من العديد من الدول.

وعلى مدار عشرة أعوام استزرعت حوالي 100 أو 150 صنفًا، ثم عرضت النباتات للعدوى بالفيروس على أمل أن أصل إلى نوع مقاوم لهذا الفيروس، لكن كانت النبتات دائمًا تموت.

ومن ثم نمَت لديَّ رغبة قوية في الوصول إلى أصناف مقاوِمة للفيروس.

كيف تمت التجارب الممهدة للوصول إلى أصناف مقاومة؟

عملت على توفير بيئة مناسبة لتكاثر الفيروس في المعمل، ثم التعرف على الطريقة التي ينتقل بها.

لاحظنا أنه ينتقل بواسطة حشرة ’المن‘، لذا قمنا بإكثاره عن طريق تربية مجموعات من تلك الحشرة في المعمل وتغذيتها على النبتات المصابة ثم نقل الحشرة إلى أقفاص صغيرة تحوي النبتات السليمة، تمهيدًا لإكثارها ثم نقلها إلى الصوب الزراعية، وبالتالي يتكاثر الفيروس.

عملت على اختبار ما يزيد على صنف فول مختلف من كل دول العالم، جرى تعريضها لما يُعرف بـ’الضغط الفيروسي‘، أي إخضاعها لعدوى فيروسية مكثفة، وملاحظة ما يجري.

لاحظت أن هناك نبتات فردية قاومت العدوى، فعلى سبيل المثال لو افترضنا أني نقلت العدوى إلى عشر نبتات من صنف واحد، ألاحظ أن نبتةً واحدةً تظل سليمة، وهو ما يُعرف بـ’الانتخاب‘؛ إذ احتفظت بهذه النبتة ثم زرعتها العام التالي وعرضتها لعدوى، للتأكد هل هي نبتة مقاومة، أي أنها تملك مناعة جينية ضد الفيروس، أم أنها تملك تحملًا، أي أنها أصيبت بالفيروس لكنها شُفيت منه.

وبعد العديد من التجارب وصلت إلى 30 نبتة سليمة مقاومة للفيروس، لكن للأسف بعد كل هذا الجهد، قامت الحرب في سوريا.

وكيف تمكنتِ من متابعة أبحاثك؟

عندما بدأت الحرب، أخفيتُ عددًا من النباتات والبذور المهمة في أماكن عديدة، منها منزلي ومنزل أختي وعند عدد من الزملاء، وبإمكانيات شخصية تمكنت من حفظ جزء من المواد خلال المرحلة الأولى من الحرب.

لكن مع تدهور الأوضاع، وفي أكتوبر 2013 وبينما كنت في أديس أبابا بإثيوبيا وصلني خبر أننا فقدنا منزلنا، وعدت إلى سوريا بصعوبة، وفي رحلة شاقة تمكنت من جمع البذور وكل المواد المهمة وسافرت إلى تونس حيث يوجد مكتب آخر للمركز هناك.

في تونس كانت إحدى العقبات أن ما تبقى من البذور عدد محدود لا يتجاوز 4 أو 5 بذرات؛ لأن الباقي كنت قد وزعته في أماكن مختلفة وضاع، وبمجرد وصولي، زرعت البذور في حقل بتونس، وبدأت في تنفيذ العدوى من جديد، بعد فترة حصلت على 27 نبتةً مقاوِمة لسلالتين من الفيروس نفسه، إحداها من تونس والأخرى من سوريا.

استشعرت أن هناك احتياجًا إلى توسيع التجارب، فسخَّرت كل إمكانياتي من مال ووقت للمشروع، أنشأت خيمةً للتجارب كانت تكلفتها 4000 دولار وقتها، وزرعت 27 خط إنتاج زراعي، كلٌّ منها يحوي حوالي 4-5 نبتات.

هل يعني هذا أنك تمكنت من معاودة التجارب برغم الظروف القاسية؟

نعم، ونملك حاليًّا عشرات الآلاف من النبتات المقاومة.

قمنا بعمل تهجينات للأصناف حتى نخرج بصنف محبب لدى المزارع والمستهلك وله قيمة اقتصادية، على سبيل المثال، المزارع المصري يحب حبة الفول الصغيرة، أما المزارع السوري فيفضل الحبة الكبيرة حجمًا.

أرسلنا بالفعل البذور المقاوِمة إلى مصر، وإلى الآن ترِدُ إلينا رسائل إيجابية بعد زراعتها، لكن نحتاج إلى عام أو أكثر حتى يتم التحقق من النتائج، ثم ننشرها.

ولمَن تؤول ملكية البذور؟

البذور ملك للناس، وأعمل على منحها لأي محتاج لها.

هل هناك علاقة بين ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الفيروس في عدد من دول العالم غير مصر؟

بطبيعة الحال، دعيني أوضح الأمر بمثال، من بين الدول المصدرة للفول، تحتل إثيوبيا المرتبة الثانية عالميًّا بعد الصين، ولكن من حسن الحظ أن إثيوبيا لا تعاني من هذه المشكلة، نظرًا إلى أن حقول زراعة الفول تقع في أراضٍ مرتفعة عن مستوى سطح البحر حيث يقل الأكسجين وتنخفض درجة الرطوبة والحرارة، وهو ما يقلل من فرص تكاثر حشرة المن، وهو أيضًا ما يدل على أن درجة الحرارة المرتفعة في مصر تزيد من نشاط وتكاثر حشرات ’المن‘، الناقل الرئيسي للفيروس.

الفيروس ذاته منتشر أيضًا في تونس، والعراق، وتركيا، ووادي الأردن، تحديدًا في غور الأردن، والساحل السوري، ويوجد شبيه له في إيران والسودان، وكما تلاحظين، كلها دول حارة.

ثمة مقال تحدث عن تطويرك لعلاجات للفيروسات التي نشأت بسبب التغيرات الناخية؟ فهل هذا مصطلح دقيق؟

الفيروسات النباتية لا علاج لها، فلا يمكن أن نطلق عليه مصطلح علاج، إذ لا يوجد شيء شبيه بالمبيد الفطري، في الفيروسات العلاج يكمن في التحكم من خلال الإدارة السليمة، فمثلًا إذا كان الفيروس ينتقل بواسطة حشرة، فنحن نعمل وقتها على مكافحة الحشرة الناقلة له وليس الفيروس.

أيضًا لا بد من فهم سلوك المُزارع؛ ففي تونس يبيع المزارع الفول وهو أخضر ليجني أرباحًا أفضل، فيقوم بزراعته في شهر سبتمبر حين ترتفع درجات الحرارة بدلًا من آخر نوفمر وأول ديسمبر، وبهذا السلوك يتسبب في زيادة العدوى في الحقول؛ لأن ظروف الطقس في هذا الوقت تساعد على الإسراع من العدوى.

توجيه المزارع أمر مهم، بجانب مراقبة الحقل والتخلص الدوري من النبتات المصابة، باقتلاعها؛ حتى لا تنشر العدوى.

في كل هذه الحالات نحن لم نقترح على المزارع علاجًا، بل اقترحنا ”حزمة إجراءات“ تحمي الحقل من الإصابة، ودورنا أن نصوغ المقترح تبعًا لكل دولة وبما يتناسب معها ومع ظروفها.

كما أننا لا نرحب برش المبيدات؛ لأنها تقتل الأعداء الطبيعية، مثل أن يكون هناك كائنات أخرى تتغذى على حشرة المن.

مع إعجابي بما تقومين به من جهد.. أتساءل هل كان الأمر سيختلف لو كنتِ رجلًا؟

مطلقًا، لم يكن هناك فارق، المرأة إذا أرادت عمل شيء تستطيع إنجازه، الأمر يعتمد على إمكانية شخص.

عنما دخلت الجامعة عام 1981 كان عدد البنات قليلًا، فكنا نجد بنتًا واحدة فقط وسط الأولاد، وفي أوقات نجد أقسامًا كاملة كلها شباب بلا بنات، حاليًّا الأمر اختلف كثيرًا.

زرت كلية الزراعة بداية العام الماضي، تفاجأت من عدد البنات الموجودين بالجامعة، أكثر من النصف.

مع الوقت الأفكار تغيرت وأصبح هناك دعم جيد لتعليم المرأة، أنا كنت محظوظة بأبي، الذي دعم تعليمي وعملي.

في عبارة واحدة.. ما هي أمنيتك للمستقبل؟

أتمنى قريبًا أن نصل إلى المرجو ونتمكن من توزيع النباتات المقاوِمة على المزارعين بعد التحقق من النتائج.

 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا