Skip to content

29/11/23

مريم شديد.. في الفلك تسبح

Chadid-Drapeau
مريم شديدترفع علم المغرب فوق ثلوج القطب المتجمد الجنوبي حقوق الصورة:Merieme Chadid/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • زاحمت في مضمار تقول إنه حكر على الرجال، ولا تزال
  • حياة مترعة بالكد والتحدي، في الدراسة والبحث والمهنة، ولم تفارقها البسمة ولا المرح
  • متعتها في مراقبة السماء، ووطئت قلب القارة القطبية الجنوبية، وتطمح إلى البحث والدراسة عن المريخ

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

لم تكن أضغاث أحلام تلك التي راودت الصبية ذات الاثني عشر ربيعًا، عندما أهداها أخوها أحد كتب قوانين كيبلر، للفلكي الألماني المعروف.

صدقت الأيام الأمر الذي بدأ حلمًا، ثم لم يلبث أن تحول إلى طموح فتحدٍّ، وعن قصد سعت إلى تحقيق الحلم، وطاردت ما تطمح إليه، وواجهت التحدي، حتى وصلت.

وهاهي تكمل مسيرة يحفها النجاح، تبوأت خلالها المناصب المرموقة بعدة جهات بحثية بارزة ومؤسسات في المغرب وفرنسا، وحازت فيها الجوائز العلمية والأوسمة، وضربت بسهم في سبر أغوار الكون الفسيح، وتوصلت إلى كشوف مهمة، وخرجت لبعثات، وشاركت في بناء أحد أكبر تلسكوبات العالم بدولة تشيلي، وما زال الطموح يحدوها إلى المزيد والبعيد.

والآن تجلس ابنة الدار البيضاء، المغربية مريم شديد، أستاذة في علم الفلك بجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس الفرنسية.

والعجب أن مريم كانت أول امرأة عربية وإفريقية تطأ قدمها القارة القطبية؛ إذ تم تكليفها بقيادة 20 عالِمًا في رحلة استكشافية إلى القطب الجنوبي.

انخرطت مريم في عدة مهمات تعليمية لتعميم العلوم والمعرفة في أفريقيا تحت مظلة الأمم المتحدة، وشاركت خلال شهر أغسطس الماضي في رحلة استكشافية إلى جبل ’ماونا كيا‘ في جزر هاواي، الذي يرتفع فوق مستوى سطح البحر 4207 أمتار.

حول مسيرتها العلمية والمهنية المليئة بالتحديات والإنجازات كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع مريم.

في البداية لديَّ فضول حول قصة الكتاب؟

ترعرعت داخل عائلة متواضعة بالدار البيضاء، والدي كان حدادًا وأمي ترعى أطفالها السبعة، وبدأت أفكر في أن أصبح عالِمة فلك عندما قدم لي أخي مصطفى كتابًا عن الجاذبية، وبالرغم من عدم إيمانهم بي وسوء فهمهم لي، سواء في المدرسة أو داخل العائلة، إلا أنني تابعت حلمي خطوةً بخطوة.

إذًا نبدأ بمسارك الدراسي في المغرب؟

جميع مراحل دراستي كانت في الدار البيضاء بالمدارس العمومية في المغرب، من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي ثم التعليم الجامعي، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في شعبة الرياضيات.

كيف انتقلتِ من الرياضيات إلى فيزياء الفلك؟

لم يكن علم الفيزياء الفلكية معروفًا في المغرب، لا عند البنات ولا عند الذكور، هو حلمٌ امتلكني منذ الطفولة وقررت أن أجعله مهنتي رغم كل التحديات الكبيرة.

انتقلتِ من المغرب إلى فرنسا لتحقيق حلمك، فهل كان الأمر سهلًا؟

في الواقع، كنت طوال شبابي ألاحق شغفي في السماء ونجومها وبكل شيء يتعلق بها، وأوثق دائمًا كل شيء يهم هذا المجال قدر ما أستطيع، وخطوت خطوتي الأولى تجاه حلمي سنة 1992 بتخرجي في جامعة الحسن الثاني، لكن نجاحي هذا تبعه قرارٌ صعب، وهو ترك عائلتي لمتابعة التخصص المناسب لأهدافي في إحدى الجامعات الفرنسية، كان قرارًا صعبًا جدًّا، خصوصًا بالنسبة لفتاة ينتظر والداها أن تقوم بتأسيس أسرة في أقرب وقت ممكن.

غادرت المغرب لدراسة الماجستير في تخصص ’تصوير علوم الكون‘، وفي السنة الأولى بفرنسا واجهت الكثير من التحديات، منها معاناتي مع الوحدة ببلد جديد يختلف عن بلدي الأم، وكذلك تحدي التكيف مع النظام الدراسي الجديد، ثم أن المجال الذي اخترته كان حكرًا على الذكور، زيادةً على أنني أنحدر من مستعمرة قديمة تحتلها فرنسا.

بالإضافة إلى تحديات أخرى إدارية ومالية جعلت الوضع أكثر تعقيدًا، لكن رغم كل هذا ثابرت واستطعت تجاوز كل هذه الظروف وحصلت على الماجستير في الفيزياء الفلكية سنة 1993.

ثم الدكتوراة؟

نعم، قررت أن تكون أطروحة الدكتوراة في علم الفلك والفضاء، تحديدًا حول ’مرصد هوت بروفانس‘، وهو مرصد فلكي في جنوب شرق فرنسا، حتى أكون على اتصال دائم بالنجوم وبالتلسكوبات وعلماء الفلك بكل أنحاء العالم الذين يأتون في مهمات المراقبة.

هذا المكان لم يُقم به أي طالب من قبل؛ إذ أقمت بالمرصد 3 سنوات كاملة مدة إنجازي لأطروحة الدكتوراة، وزاد حبي للسماء والنجوم نظرًا لرؤيتهم في جوٍّ صافٍ بعيدًا عن التلوث.

وحصلت على الدكتوراة سنة 1996 من جامعة بول ساباتييه في تولوز بفرنسا.

وكيف بدأ مسارك المهني؟

انضممت أولًا إلى المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وهنا أدركت أنني أعمل في مجال ذكوري بتنافسية عالية، ثم بعد ذلك التحقت بالمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، ثم عملت على تركيب أكبر تلسكوب في صحراء ’أتاكاما‘ في تشيلي، وفي عام 2002 التحقت بالجامعات العمومية في فرنسا أستاذًا في علم الفلك.

أجيزت أطروحة ’التأهيل لتوجيه البحث في العلوم‘، وهو أعلى مؤهل جامعي في جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس، والتحقت كذلك بمدرسة جون كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل إكمال التدريب في مجال التنمية الدولية والحوكمة والقيادة العامة.

تنحدرين من أسرة متوسطة الحال، كيف تمكنتِ من توفير الموارد المادية لمتابعة دراستك؟

المدارس والثانويات وكذلك الجامعات الحكومية في المغرب مجانية، كل هذا ساعدني كثيرًا من أجل مواصلة دراستي بشكل مجاني في المغرب.

ما هي أهم المهمات العلمية التي تم تكليفك بها؟

منذ بداية مسيرتي كنت قادرةً على بذل الجهود اللازمة لتعزيز مشاريعي العلمية، لقيادة البرامج العلمية الدولية وتوجيه فرق من الرجال العلماء، وبدايةً من 1998 وحتى 2001، ذهبت إلى الصحراء الأكثر جفافًا في العالم، وهي صحراء ’أتاكاما‘ في شيلي؛ لتثبيت أكبر تلسكوب في العالم، ومرةً أخرى عدت إلى حياة العزلة حيث أقرب قرية لي تبعد عني بثماني ساعات عبر طريق غير ممهد.

ولكن عندما يكون لديك الشغف فلن تشعر بالملل، حتى في أكثر الأراضي قحولةً على هذا الكوكب، لقد استمتعت بالسماء ونجومها.

 وفي عام 2002 على الرغم من جنسيتي المغربية، انضممت إلى الخدمة العامة في فرنسا، عالِمة فلك في مرصد ’دي لا كوت دازور‘ بمدينة نيس جنوب فرنسا، وأصبحت عضوًا في «الرابطة الأمريكية لمراقبي النجوم المتغيرة».

هذا التطور حوَّل شغفي إلى مهنة حقيقية، لذا فإن حلم طفولتي قد تحقق، وأصبحت أقود فِرقًا من الرجال في مشاريع الفضاء مع مستويات عالية من الضغط والمنافسة.

عام 2006 كان مميزًا، ألم يكن كذلك؟

بلى، في هذا العام حققت إنجازًا مهنيًّا مهمًّا، وهو أنني كنت على رأس البعثة العلمية إلى القطب الجنوبي المتجمد، وتم تعييني رئيسًا لبرنامج علمي دولي يهدف إلى تثبيت أكبر مرصد في القطب الجنوبي، بهدف دراسة الموقع في قلب القارة القطبية الجنوبية.

والذهاب إلى الدائرة القطبية يعني المخاطرة بعدم العودة أبدًا، ولكوني رئيس هذه البعثة، تعرضت لضغط قوي ومضاعف، لأنه ليس لديَّ ترف الخطأ؛ فمهما كان صغيرًا، سيقود فريقًا بأكمله إلى الموت بشكل مأسوي.

أي كنتِ أول عالِمة مغربية وعربية تصل إلى القطب الجنوبي المتجمد؟

ليس فقط أول امرأة، بل كنت أول شخص (رجل أو امرأة) مغربي وأفريقي وعربي يصل إلى قلب القطب الجنوبي، بل أيضًا أول عالِم فلك يطأ قلب القارة على رأس بعثة علمية لتثبيت مرصد كبير في القطب الجنوبي.

يبدو أنه مكان خاص جدًّا بالنسبة لك

قلب أنتاركتيكا مكان أسطوري، ومكان مخصص فقط للعلم ولا يمكن اختراقه؛ إذ تسوده ظروف مناخية قاسية: البرد والجفاف والعزلة، لا حياة حيوانية أو نباتية في تلك المنطقة، وهذه الظروف هي التي تجعل من هذا المكان جنة الفلكي، من خلال جودة الملاحظة الاستثنائية للسماء.

كانت رحلتي الأولى إلى القطب الجنوبي في عام 2005، وكانت أول تجربة لتثبيت التلسكوبات في ظل ظروف قاسية من البرد تصل درجة الحرارة فيها إلى -80 درجة مئوية في الشتاء القطبي، لكن فرحة الضوء الأول من التلسكوب القطبي جعلتني أنسى كل شيء، والتحدي المتمثل في هذه الظروف القاسية يستحق كل هذا العناء، كنت فخورةً وأنا أزرع العلم المغربي في المكان.

وللاحتفال بالحدث، قمت بطهي الكسكس المغربي لزملائي مع لحم الكنغر.

تم اختيارك عضوًا في المرصد الأوروبي الجنوبي، كيف تلقيتِ هذا التعيين؟

المرصد يضم فقط علماء الفلك من الدول الأعضاء وهي دول أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، وعند اختياري أكدت أنني أحمل الجنسية المغربية والمغرب ليس عضوًا في المرصد، فأجابوني بالحرف: ”دكتورة مريم شديد، أمام المهارات، نغمض أعيننا عن الجنسيات…“، وهذا أعطاني درسًا لطيفًا جدًّا في الحياة! فخورة بأن أصبح عالِمة فلك في المرصد الأوروبي الجنوبي.

رحلتي إلى تشيلي صقلتني وأعدتني للقارة القطبية، في كل مرة أرفع سقف تطلعاتي شيئًا فشيئًا، وأطمح في المرة القادمة إلى المريخ.

مع كل هذه المهمات كيف توفقين بين عملك والتزاماتك العائلية؟

 أعتبر حياتي مكونة من عدة أجزاء، كلها مهمة وأساسية، هي: الأسرة، والبحث العلمي، والاستكشاف الميداني، والتدريس، والبعثات العلمية والإنسانية، وتعميم العلوم، أقدم كل طاقتي لتحقيق التوازن بين هذه الأجزاء التي تشكل حياتي ككل.

عندما أغادر للعمل في الصباح يسعدني جدًّا العمل، وعندما أعود إلى منزلي في المساء مع عائلتي، يسعدني جدًّا اللقاء بأطفالي وأحبائي، الأمر نفسه ينطبق على رحلاتي الاستكشافية، أكون سعيدةً جدًّا بالذهاب في رحلات استكشافية عدة أشهر، وأسعد جدًّا عندما أعود إلى عائلتي ثم ألتقي مع أحبائي لإخبارهم عن إنجازاتي.

 تجمع شخصيتك بين المرح والابتسامة والجدية في العمل، كيف اكتسبت ذلك؟

نشأت على هذا منذ طفولتي داخل عائلتي المغربية والمحيط الذي أعيش فيه، فأنا طفلة تحب الاستمتاع دائمًا والمشاركة والتعلم ممن حولها، هذا هو الطريق إلى نجاح الباحث، لقد نشأت في أسرة متواضعة صارمة ولكنها غنية جدًّا بالحب والمودة والتسامح والفرح، عائلة كريمة تحب الحفلات والمناسبات السعيدة.

منذ الطفولة، أدركت أنه من أجل تحقيق حلمي، ستكون حياتي مليئة بالحركة والصعوبات والتحديات.

ختامًا، بعد هذه المسيرة العلمية والمهنية الحافلة بالنجاحات، ماهي طموحاتك المستقبلية؟

أن أبحث عن حياة خارج كوكب الأرض ابتداءً من الغد!

في هذه اللحظة، أعمل على مشروع جديد مع المرصد الجنوبي الأوروبي في تشيلي على تلسكوب كبير للغاية، ستكون التلسكوبات أكبر أربع مرات من التلسكوبات الحالية الكبيرة جدًّا، حتى الآن تم اكتشاف الكواكب الخارجية بشكل غير مباشر، ولكن مع التلسكوب الكبير للغاية، سنكون قادرين على اكتشافها مباشرةً وسيسمح لنا ذلك بفحص ما إذا كانت هناك حياة أخرى على هذه الكواكب، ومن المقرر افتتاحه في عام 2026.

حلمي هو أن أقوم بتثبيت هذا النوع من التلسكوب في قلب القارة القطبية الجنوبية، ستكون هذه خطوةً كبيرةً لعلم الفلك وبالنسبة للإنسان، أعتقد أننا سنكون قادرين بعد ذلك على العثور على عوالِم أخرى غير عالمنا.

كنت قد تمشيت في القارة القطبية الجنوبية وسأمشي على كوكب المريخ، هذا هو مشروعي المستقبلي مع وكالة الفضاء الأمريكية ’ناسا‘.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا