Skip to content

12/10/21

علياء أبو كيوان.. مع تبسيط العلوم ضد تزييفها

IMG_1177
حقوق الصورة:Alia Kiwan/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • تبسيط العلوم مفهوم قد يعني شرحها للجدات فإن فهمن فهذا هو النجاح
  • انتشار الخرافات مع قلة الوعي العلمي يجعل تصحيح المعلومات أمرًا عسيرًا
  • الأمر يحتاج إلى تعلُّم كيفية تتبُّع مصدر المعلومة، ونقدها أو تفنيدها أو تصويبها أو توثيقها

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

خارج جدران المختبر وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكنك أن تلتقي علياء أبو كيوان في جلسة قراءة لكتاب أطفال علمي، أو أن تقرأ لها منشورًا حول التوعية الصحية المتعلقة بجائحة كوفيد-19، لتمثل بذلك إحدى رائدات التواصل العلمي في عالمنا العربي.

بدأت علياء -الفلسطينية الأصل- شغفها العلمي في الأردن حيث نشأت، ثم ارتحلت إلى ألمانيا لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة في مجال الأحياء الجزيئية من كلية الطب بجامعة هايدلبرج، وتعمل حاليًّا كباحثة أكاديمية في الأحياء الجزيئية بالمركز الألماني لبحوث السرطان ومستشفى هايدلبرج الجامعي في ألمانيا.

تهتم علياء بتبسيط العلوم للأطفال بشكل خاص؛ إذ أصدرت كتابين علميين للأطفال: قصة فيروس وقصة لقاح ضمن سلسلة ’صوفيا الباحثة الصغيرة‘، الأمر الذي يُعد تجربةً فريدةً من نوعها لتوصيل العلوم باللغة العربية للأطفال.

وخلال جائحة كوفيد-19، عملت علياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مكافحة المعلومات الصحية الزائفة التي تفشت مع الجائحة، حتى إن الصفحات الناشرة للعلم الزائف تهاجمها، واصمةً إياها بأنها مروجة للقاحات، وهو أمر لا يمكن رؤيته إلا وسام شرف لباحثة عربية قررت خوض غمار معركة ضد الجهل.

حول جهود علياء في تبسيط العلوم وتوصيلها، كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار معها.

 من العمل الأكاديمي والبحثي إلى التواصل العلمي.. ما الذي دفعكِ إلى تبسيط العلوم وتوصيلها؟

بدأ اهتمامي بالتواصل العلمي من خلال الدراسة في مرحلة الدكتوراة بالمركز الألماني لبحوث السرطان، إذ تضمَّن أحد المساقات الدراسية ’الأحياء لغير المتخصصين‘ إلقاء محاضرة لجمهور غير متخصص وكذلك للجمهور العام، التحدي كان كبيرًا، فالمطلوب شرح موضوع علمي يتعلق بالسرطان بلغة بسيطة للغاية.

ونصحتنا الأستاذة الجامعية المسؤولة وقتها: ”ألقِ محاضرتك أمام جدتك، إذا فهمتها فهذا يعني نجاحك في توصيل العلم“.

كما طُلب منَّا في بعض الأحيان إجراء لقاءات للتوعية حول موضوعات صحية مختلفة، قد يظن البعض أنها مقصورة على العلماء والأطباء فقط، مثَّل هذا الأمر تحديًا هائلًا ومحفزًا في الوقت ذاته، كما أعطاني خبرةً حول كيفية استخدام أكثر الكلمات بساطةً لشرح العلم لغير المتخصصين.

ولاحظت أنه في ألمانيا توزع بالصيدليات والمستشفيات العديد من المجلات التي تحتوي على معلومات صحية شائقة وبسيطة للقارئ غير المتخصص، كما لفت نظري أيضًا إقامة فعالية طبية شهرية بمستشفى هايدلبرج الجامعي، يتحدث فيها طبيب متخصص عن آخر الأبحاث المتعلقة بموضوع طبي معين إلى جمهور عام.

أذكر أنه في بعض المحاضرات ازدحم المكان للغاية، حتى إن الحضور اضطروا إلى الوقوف خارج المستشفى، وتم تنصيب شاشات كي يتمكن هذا العدد الهائل من متابعة المحاضرة، هذه الأمور جعلتني أتساءل حول غياب أنشطة توصيل العلوم في العالم العربي والعزوف عنها.

إذًا ما هي الشرارة التي دفعتكِ لبدء رحلتكِ في توصيل العلوم؟

في هذا الوقت انتشرت خرافة عدم وجود مرض السرطان، وأنه مجرد نقص في فيتامين ’ب 17‘، الأمر الذي صدمني بشكل شخصي، ولدى الحديث حول هذا الأمر مع الأستاذة المشرفة على أبحاثي بالدكتوراة أرشدتني إلى استخدام قدراتي في تبسيط المعلومات العلمية وتوصيلها إلى الآخرين لتوعية المجتمع حول ذلك الأمر؛ إذ نصحتني باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات الصحيحة حول الموضوع، وبإنشاء مدونة للكتابة عن الموضوعات الصحية المختلفة.

وبالفعل عندما قمت بتفنيد خرافة انتفاء وجود السرطان عبر موقع فيسبوك، كان التجاوب رائعًا للغاية، ووجدت الجمهور متحفزًا لمعرفة المعلومات الصحيحة برغم انتشار الخرافة كالنار في الهشيم، تلك الاستجابة هي التي قادتني وشجعتني لتبسيط العلوم وتوصيلها في الوقت المتاح بجانب عملي الأكاديمي والبحثي.

لماذا اخترتِ أن يكون الطفل هو محور اهتماماتك لتبسيط العلوم وتوصيلها؟

منذ طفولتي وأنا لديَّ هواية الكتابة، إلا أنه للأسف لم يكن هناك مجال لمواصلة اهتماماتي بالكتابة، وفي أثناء توصيلي للعلوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ العديد هذه القدرة في توصيل المعلومات العلمية، ووجدت تشجيعًا على كتابة كتاب علمي للجمهور، وهو ما أرغب في فعله بالمستقبل عند توافر الوقت اللازم.

ومن خلال تجربتي لاحظت أن انتشار الخرافات مع قلة الوعي العلمي يجعل من إعادة تصحيح تلك المعلومات أمرًا عسيرًا؛ إذ يتلقى الجمهور الخرافة كمعلومة أولى عادة، ومن ثم يكون التصحيح أصعب، لذا كان يجب البدء من الأساس من خلال التوعية العلمية للأطفال.

تبسيط العلوم للأطفال بلغة علمية سليمة، وبشكل جذاب غير ممل بعيد عن الخيال المبالغ فيه، وإعطاء المساحة للطفل من أجل التفكير والتساؤل وعمل التجارب والأبحاث، كل تلك الأمور أسهمَ في ميلاد سلسلة كتب علمية للأطفال تحمل اسم ’صوفيا الباحثة الصغيرة‘.

كتبت الكتاب الأول ’قصة فيروس‘ قبل جائحة كوفيد-19، وعندما أرسلتها إلى دور النشر لم يكن هناك تشجيع؛ تحت دعوى عدم اهتمام الجمهور بهذه النوعية من الكتب والتكلفة المرتفعة للطباعة والنشر، ومع انتشار الجائحة تواصلت معي إحدى دور النشر، وكانت تلك هي البداية.

اخترت أن يكون الطفل محور اهتماماتي لتبسيط العلوم؛ بهدف تأسيس أرضية للوعي العلمي لدى الأطفال تستند إلى مبادئ البحث العلمي والمنهجية العلمية، خاصةً وأن هذه المنهجية غير معتنى بها في عالمنا العربي للأسف، بالإضافة إلى إثراء المحتوى العلمي الموجه إلى الطفل في العالم العربي بلغته الأم، الأمر الذي كان شحيحًا في عالمنا العربي، وغالبًا ما يكون مترجمًا عن لغات أخرى.

ما هي أنشطة التواصل العلمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي انخرطتِ فيها؟

أنا نشطة في موضوع مكافحة الخرافات الصحية منذ فترة، إذ عملت [مدققة حقائق] مع منصة ’فتبينوا‘ لتصحيح المعلومات الطبية، مثل خرافة تسبُّب اللقاحات في التوحُّد، التي تروج لها الجماعات المناهضة للقاحات.

ومع بداية الجائحة لاحظت رواج نظريات المؤامرة والمعلومات الزائفة، بجانب وجود نقص هائل في الوعي العلمي فيما يتعلق بالفيروسات والأوبئة والالتزام بالتعليمات الصحية، في هذا الوقت رأيت أنه يجب تجنيد أنفسنا في حرب ضد الجهل، ويجب أن أحاول توصيل المعلومات للناس حتى ولو لفرد واحد؛ فهذا يعتبر نجاحًا من وجهة نظري.

أحاول بكل قدراتي أن أبسِّط المعلومة للجمهور وأن أقربها منه وأجعلها بمتناوله، وتكسير جبل المصطلحات العلمية الإنجليزية التي قد تكون غير مفهومة، ولا يتوقف الأمر على تقديم المعلومة على طبق من ذهب، بل أحاول أيضًا تعليم الجمهور كيفية تتبُّع مصدر المعلومة وتفنيدها أو الوثوق بها، وكذلك البحث عن المصادر والتواصل مع المتخصصين وسؤالهم حال استعصى شيء على أفهامهم.

وبطبيعة الحال الاحتفاظ بطول البال عند التعامل مع الأشخاص الغاضبين أو الشرسين المعبأين بنظريات المؤامرة والمعلومات الزائفة.

وبرغم انتشار المعلومات الزائفة والنشاط الشديد لمروجي نظريات المؤامرة، وأيضًا حملات السب والتشكيك وحتى التكفير ضدي، إلا أن استمرار التصدي للخرافات والاعتماد على الدلائل العلمية والصمود أمام تلك الحملات أعطى ثقة للجمهور؛ إذ ارتفعت نسبة متابعة المنشورات بصفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى مليون متابعة في بعض الأوقات.

أعتقد أن كل هذا أسهَم بشكل كبير في رفع الوعي الجمعي لدى الجمهور حول الجائحة.

ما التحديات التي واجهتك بشكل شخصي خلال رحلتك لتوصيل العلوم؟

في البداية تعرضت للسخرية من زملاء المهنة في الدول العربية؛ إذ تم استنكار حضوري بمواقع التواصل الاجتماعي وأنه بمنزلة تقليل من شأني كباحثة دكتوراة، فمكاني ينبغي أن يكون بين جنبات المختبر، ومنشوراتي يجب أن تكون في الدوريات العلمية الأكاديمية.

لقد اعتقدوا أن قيامي بالكتابة والنشر للجمهور العام باللغة العربية يشير إلى أنني لا أعمل، أو أن لديَّ وقت فراغ كبيرًا، كما تعرضت للتشكيك من قِبل ناشري الخرافات حول مؤهلاتي الأكاديمية وعملي البحثي، حتى إنهم تواصلوا مع المؤسسات التي درستُ وعملت بها للتساؤل حول ما أفعله من تبسيطٍ للعلوم وتوصيلٍ لها، وهذا أكثر ما أزعجني.

تحدٍّ آخر يكمن في محاولة تغيير معلومة علمية معينة اعتاد الجمهور اعتبارها خطًّا أحمر لا ينبغي الاقتراب منه، مثل المعلومات التي يعتقد البعض بشكل مغلوط أنها تتصادم مع الدين، لدى الحديث عن تلك الأمور واقتحام هذا الخط الأحمر لتوصيل معلومة علمية بشكل صحيح، أتعرض للاتهام في ديني وللتكفير أحيانًا، هذا الأمر من التحديات الكبيرة التي دفعتني إلى التفكير في التوقف عما أفعله والانسحاب من مواقع التواصل الاجتماعي وتوفير جهودي لعملي البحثي.

إلى الآن ما زلت أواجه تلك التحديات، لكن تجاهُل مَن يفعلون تلك الأمور من ساخرين ومشككين ومكفرين قد يجعلهم يملون ويتوقفون عنها.

كما أنني إذا توقفت عما أفعله فإنني بذلك أعطيهم فرصةً ذهبيةً للانتصار عليَّ، لذا يجب المتابعة والاستمرار، فالهدف في النهاية هو رفع الوعي العلمي لدى الجمهور العربي لحفظ العقل والصحة أيضًا.

كيف ترين جهود العالِمات والباحثات العربيات في مجال التواصل العلمي؟

أرى تلك الجهود جيدةً للغاية وفي صعود مستمر؛ إذ لاحظت أن الباحثات العربيات بدأن الخروج من حدود المختبرات والدوريات العلمية للحديث عن أنفسهن وأبحاثهن أو في مجالات تخصصهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع حاجة الجمهور العربي إلى وجود باحثات يبسطن العلوم ويوصلنها، فإن جهود التواصل العلمي آخذةٌ في الازدهار، الأمر الذي أعتبره مبشرًا للغاية، وسيعود بالخير على الأجيال القادمة والمجتمع العربي ككل.

بمَ تنصحينهن إذًا؟

من خلال تجربتي، أنصح العالمات والباحثات أن يكنَّ حاضرات دائمًا على الساحة، وأن يتابعن الأخبار المتعلقة باختصاصاتهن في وسائل الإعلام، وأن يحدِّثن معلوماتهن في مجال التخصص باستمرار، وأن ينصتن للجمهور غير المتخصص ويبحثن عن احتياجاته ليعرفن ما ينبغي العمل عليه، مع محاولة إقامة قنوات للتواصل مع الجمهور العام، وأن يعملن على تفنيد المعلومات العلمية الزائفة وتصحيحها، وأن يحرصن على استقطاع جزء من أوقاتهن لتوصيل العلوم.

كل تلك الأمور بهدف واحد، وهو رفع الوعي العلمي العربي، وكذلك مجابهة العلم الزائف.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا