Skip to content

16/05/22

بين الضرر والصمود.. أشجار الزيتون تواجه تغير المناخ

Untitled
حقوق الصورة:Saad Dagher/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • تقلبات جوية ناجمة عن تغيُّر المناخ أثرت على مواسم الزيتون الماضية
  • وبسبب آثار تغير المناخ مزارعو زيتون يهجرون زراعته أو يهاجرون عن مزارعه
  • أشجار الزيتون المباركة في فلسطين المحتلة صامدة أمام تغيُّر المناخ صمود أبناء الأرض

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

عند حلول أوان تزهير أشجار الزيتون، يعقد الفلاحون وأصحاب المزارع الآمال في العالم العربي على أن يكون هذا الموسم أفضل مما شهدوه الأعوام السابقة من تراجُع في إنتاجية المحاصيل وخسائر للمزارعين ومنتجي زيت الزيتون.

يظل تغيُّر المناخ سببًا واضحًا ومباشرًا لما آلت إليه المحاصيل في مختلف البلدان، فوفق العديد من أصحاب مزارع الزيتون في الدول العربية، انخفضت إنتاجية الأشجار إلى أكثر من النصف خلال المواسم الأخيرة بسبب التقلُّبات الجوية في مواسم الشتاء وتغيُّر معدلات هطول الأمطار من مكان إلى آخر.

الزيتون من مصادر الدخل القومي للعديد من دول حوض البحر المتوسط، التي تمتلك 98% من مجمل الأراضي المنزرعة، مثل إسبانيا وإيطاليا والجزائر وتونس والمغرب.

ووفق المجلس الدولي للزيتون يقدر حجم الإنتاج العالمي بحولي 13 مليون طن، منهم قرابة 3 ملايين طن لزيتون المائدة، والباقي يتم عصره لإنتاج حوالي مليوني طن زيتًا (كل 5 كجم من الزيتون تنتج 0.9 كجم أو لترًا واحدًا من الزيت).

تغيُّر موجات البرودة

في مصر تنتشر مزارع الزيتون خاصةً على امتداد الطرق الصحراوية، إذ تعتمد الزراعة على مياه الآبار المالحة نسبيًّا، تبدو الأمور مبشرةً بعض الشيء، خاصةً بعد موجات الصقيع التي شهدتها مصر خلال الشتاء المنصرم، والتي أثرت إيجابيًّا على معدل التزهير.

إلا أنه رغم العلامات الإيجابية للموسم الحالي، لا يمكن التيقُّن من شيء، لا سيما في ظل التقلُّبات الجوية الشديدة والمحتملة حتى نضج المحصول، كما يقول حامد حسني، المدرس بكلية الزراعة الحيوية بجامعة هليوبوليس وكلية الزراعة بجامعة القاهرة، إلا أنه لا يمكن التيقن بالنتائج.

ويشير حسني إلى أنه على مدار المواسم الماضية كانت هناك حالة من الإنكار بين المعنيين بالزراعة حول تأثير تغيُّر المناخ على الأشجار المنتجة، ”حتى فوجئنا بدرسٍ قاسٍ في عام 2021؛ إذ انخفض إنتاج شجر الزيتون، مما أدى إلى خسائر كبيرة لمعظم المزارع التي كانت في السابق تحقق أرباحًا سنوية“.

وترجع زراعة الزيتون في مصر إلى نحو 1800 قبل الميلاد، كما يُزرع الزيتون في معظم المحافظات بصورة منفردة أو مع محاصيل أخرى، وحاليًّا تبلغ المساحة المزروعة منه حوالي 248 ألف فدان، وفقًا لتقديرات الإدارة المركزية للبساتين والمحاصيل الزراعية بوزارة الزراعة عام 2019، ويرجع الاهتمام بذلك النبات خاصةً في الأراضي المستصلحة إلى تحمُّل الزيتون موجات الجفاف وملوحة المياه وتبايُن أنواع التربة، بعكس المحاصيل الأخرى.

 وحول تفسير مسببات ضعف الإنتاج خلال المواسم الماضية، يشرح حسني أن الزيتون من الأشجار التي تحتاج إلى عدد من ساعات البرودة في فصل الشتاء، وفي المتوسط تحتاج الأشجار ما بين 100 إلى 150 ساعة كي تزهر في الربيع، وبسبب تغيُّر المناخ وتذبذب الحرارة خلال فصل الشتاء لم يتحقق التزهير المطلوب للشجر وانخفض إنتاج المحصول.

يوضح حسني أن الأصناف المحلية مثل العجيزي والعجيزي الشامي والمراقي كانت أقل تأثرًا، وإنتاجيتها أفضل من الأصناف الأجنبية، مثل بيكول ومنزانيلو؛ لكونها تحتاج إلى ساعات برودة أكثر من الأصناف المحلية.

ويوصى حسني بضرورة العودة إلى زراعة الأصناف المحلية، خاصةً تلك التي يمكن الاستفادة من إنتاجها للمائدة أو للعصر.

ووفقًا لتقديرات المجلس الدولي للزيتون، فإن مصر نافست إسبانيا على المركز الأول في إنتاج زيتون المائدة خلال العامين الماضيين، إلا أنها في مراكز متأخرة في إنتاج زيت الزيتون، والسبب في ذلك عدم الالتزام ببرامج التسميد، التي تؤثر على درجة حموضة الزيت، فكلما قلت دل ذلك على جودة الزيت، لذلك فإن التركيز على الزراعة الحيوية من الممكن أن يُسهم في تحسين إنتاجية زيت الزيتون.

تغيُّر معدلات الأمطار

ومن قرية الدوير بجنوب لبنان، يتحدث حسين حطيط -الخبير ببرنامج التنمية الزراعية والريفية الممول من الاتحاد الأوروبي- عن التغيرات التي طرأت على أشجار الزيتون على امتداد جبال لبنان؛ إذ أكد أن انخفاض الإنتاجية كان أمرًا بالغ الوضوح المواسم الماضية، وتحديدًا الأصناف الأجنبية، التي تأثرت على نحوٍ كبير بسبب قلة الأمطار على مدار الموسم وتغيُّر توزيعها.

يقول حطيط لشبكة SciDev.Net: ”مما لاحظناه بشكل جلي أن الشتاء لم يعد كما عهدنا في الماضي، خاصةً في الجبال حيث كان الموسم باردًا وممطرًا وكانت الثلوج تتساقط عدة أشهر، أما اليوم فلقد تحول تدريجيًّا إلى موجات متقطعة من البرد والأمطار تتخللها موجات حارة“.

 يشير حطيط إلى أن الزيتون يُعد من أهم محاصيل لبنان، كما أن 90% من بساتين الزيتون تعتمد على الزراعة البعلية، أي الري بمياه الأمطار، وهو أمر لم يعد مناسبًا في ظل التغيرات المناخية الراهنة، خاصةً وأن لبنان بلد جبلي صغير والحيازات الزراعية محدودة، ولا تتوافر فيه السهول والمصادر المتجددة للمياه.

ولعل ما يزيد من صعوبة الأمر أن أغلب بساتين الزيتون عبارة عن أراضي هامشية بالجبال على ارتفاع 800 متر فوق سطح البحر، لذلك لم يبادر المزارعون بأي إجراءات نظرًا للتكاليف المرتفعة لنقل وإتاحة مياه بديلة للري، وفق حطيط.

على الجانب الآخر، يوضح حطيط أن 70% من أصناف الزيتون المزروعة في لبنان بغرض العصر لإنتاج الزيت، كما أن أغلب المحصول للاستهلاك المحلي طوال شهور الشتاء، في حين يتم تصدير كميات قليلة إلى الخارج، وبسبب الأزمة الاقتصادية مؤخرًا سعى الكثير من التجار إلى تصدير كميات من إنتاج العام الماضي للحصول على الدولار.

ويؤكد حطيط أنه على مدار الموسمين الماضيين كان هناك انخفاض في إنتاج المزارع بنسَب تتراوح بين 40 و60%، كما لوحظ منذ حوالي 4 سنوات حدوث تبكير في النضوج قبل التاريخ المعتاد للقطاف بسبب موجات الحرارة الشديدة التي يتعرض لها لبنان في شهور الصيف على غير المعتاد.

وتكفي الإشارة إلى أنه في الموسم الماضي اضطر المزارعون إلى قطف المحصول يوم 5 أكتوبر قبل موعده التقليدي بخمسة عشر يومًا، إضافة إلى ذلك فإن موجات الحرارة العالية والرياح الساخنة تتسبب في تجعُّد الثمار وقلة عددها وذبول أوراق الشجر.

ولعل الميزة الوحيدة لتلك التغيرات الجوية أنها قللت من انتشار الحشرات، مما أدى إلى تقليل عمليات المكافحة والرش الدوري للأشجار.

ويؤكد حطيط أن الأصناف المحلية مثل الصوري أو الصوراني (نسبة إلى مدينة صور) والبلدي لم تتأثر بالتغير في معدل الإمطار كثيرًا، أما الأنواع الأجنبية التي انخفضت إنتاجيتها بشكل كبير فكانت فرونتيو الإيطالي وكلاماتا، وهي مزروعة بكميات قليلة جدًّا.

ورغم كل الظروف المناخية الصعبة يظل الزيتون أكثر الأشجار تواؤمًا مع كل تلك المتغيرات الجوية، كما أنه لا يحتاج إلى عناية كبيرة مقارنةً بالمحاصيل الأخرى، لذلك تفضل معظم المزارع زراعته على زراعة باقي المزروعات، حتى تلك التي تعتمد على نظم الري الحديث.

تراجُع بإنتاج الزيت

المشهد لم يختلف كثيرًا في الجزائر، خاصةً مع انخفاض معدل الأمطار وتغيُّر توزيعها، ولأن المزارعين يعتمدون على الأمطار لري أشجار الزيتون فقد انعكس ذلك بطبيعة الحال على إنتاج الزيت.

كانت الجزائر تنتج قرابة 77 ألف طن سنويًّا من زيت الزيتون، وهو ما يعادل 4% من مجمل الإنتاج العالمي، لتحتل بذلك المركز التاسع عالميًّا في إنتاج الزيت.

”ميدانيًّا لا توجد متابعات متخصصة لرصد تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي“، كما يقول متذوق الزيوت البكر والخبير الجزائري، كسيلة عاشور.

يقول كسيلة لشبكة SciDev.Net: ”المتابعة الدقيقة لمحصول الموسم الماضي بيَّنت تراجُع المردود من الزيت إلى مستويات لم تشهدها البلاد من قبل؛ إذ تراوح ما بين 8 إلى 13 لترًا في القنطار على أقصى تقدير، علمًا بأن المردود المعتاد ما بين 15 و18 لترًا“.

أما عن الأصناف المزروعة فجميعها تأثَّر بضعف الإنتاجية، سواء المحلية مثل أشملال لإنتاج الزيت أو سيفواز لزيتون المائدة، أو الأصناف الأجنبية مثل أربكينا (ملكة العرب بالإسبانية) ويُعد من أكثر الأصناف المزروعة بالجزائر لزيادة نسبة الزيت المنتَج منه، ويمثل ما بين 17 و20% من المحصول، ويضيف عاشور أنه رغم أن معظم البساتين تروى بمياه الأمطار، إلا أن بعض البساتين توجهت مؤخرًا إلى نظم الري الحديث (بالتقطير) للتغلُّب على قلة المياه.

هجرات المناخ

في تونس يتشابه المشهد، وإن كان أسامة الزاوبي -الباحث بجامعة المنار- يشير في دراسته إلى أثر تغير المناخ على زراعة الزيتون والحبوب، ووفقًا لخرائط الأمطار والأحوال الجوية منذ عام 2005 وحتى 2014 تبيَّن حدوث تغيُّر كبير في معدلات الأمطار والحالة الجوية بمختلِف المحافظات التونسية، أثر بدوره على إنتاجية الزيتون.

ووفق الزاوبي فإن تلك التغيُّرات الجوية أدت إلى حدوث هجرات المزارعين إلى محافظات أخرى بتونس غنية بالمياه ولها مناخ أكثر ملاءمةً للزراعة.

وبالنظر إلى أن العاملين في إنتاج الحبوب والزيتون يمثلون أكثر من 50٪ من إجمالي المزارعين بتونس، فإن انخفاض إنتاج المزارعين أثر بدوره على دخل المزارعين، مما دفعهم إلى ترك أراضيهم والذهاب إلى محافظات مجاورة، وهو ما يستدعي سرعة التدخل ومساعدة المزارعين على التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ وتشجيع سكان الريف على البقاء في أراضيهم الأصلية من خلال إتاحة فرص للعمل والدعم والتدريب على تقنيات الزراعة الحديثة بما يمكِّنهم من الاستمرار في عملهم.

العودة إلى الطبيعة والزراعات العضوية

من رام الله بفلسطين حيث تعمر أشجار الزيتون منذ مئات السنين، يرى خبير الفلاحة البيئية سعد داغر أن ما أثر على إنتاجية الزيتون هو الإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة المصنعة.

وفق متابعة داغر لمعدل الإمطار وحالات الجو في رام الله، فإن الأجواء لم تتغير طوال السنوات الماضية، ربما حدث تغير بسيط وإزاحة في أماكن سقوط الأمطار في بعض السنوات وفق تقديره، إلا أن مكمن الخطورة في إهمال المزارعين للأشجار وغياب عمليات التقليم والرعاية، إضافة إلى الإفراط في استخدام المبيدات التي لوثت التربة.

أغلب أصناف الزيتون في فلسطين محلية ومزروعة في المناطق الجبلية على مياه الأمطار، وتستخدم المحاصيل في المقام الأول لإنتاج الزيت ثم زيتون المائدة، مثل الصنف النبالي البلدي والصوري، أما الأصناف الأجنبية مثل مانزانيلو فقد وجد أنها تحتاج إلى رعاية خاصة وري تكميلي في مواسم محددة، مما يصعب تنفيذه بالمناطق الجبلية.

لذلك ينصح داغر بضرورة العودة إلى نظم الفلاحة البيئية التي كان الأجداد يتبعونها، بدءًا من إقامة المصاطب والجدران الحجرية بالمزارع المقامة بالجبال لحماية التربة من الانجراف خلال فترات الأمطار.

كما يؤكد أهمية التقليم الدوري، خاصةً للأشجار المعمرة، وبدلًا من استخدام مبيدات الحشائش يرى أنه من الأفضل قص الأعشاب وتركها في مكانها كي تقلل من معدلات البخر وتحافظ على رطوبة التربة لأطول فترة ممكنة، خاصةً في موسم الصيف، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يحول الأعشاب إلى مادة عضوية تزيد من خصوبة التربة.

كما ينصح باستخدام الأسمدة العضوية من روث الحيوانات بدلًا من الأسمدة المصنعة، وأخيرًا العودة إلى الزراعة المختلطة في الحقل الواحد وعدم الاكتفاء بنوع واحد من الأشجار، ”ففي السابق كان أجدادنا يزرعون أشجار التين والزيتون والعنب والمشمش واللوز في الحقل ذاته وعلى مساحات متجاورة“، هذا الأمر -وفق وصفه- يعزز من المقاومة الطبيعية والتنوع الحيوي، كما يعود بالنفع المادي على المزارع.

يبدو جليًّا أن أشجار الزيتون ظلت قادرةً على الصمود لمئات السنين في مواجهة جميع العوامل البيئية والملوثات المحيطة بها، ”لذا فإنها قادرة على تجاوز التحديات الراهنة إذا ما راعى المزارع الأرض والأشجار مثلما كان الأجداد يفعلون“، وفق داغر.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا