Skip to content

29/10/23

عوائق في مجرى نهر ليبيا الصناعي

MMR05
شبكة ضخمة من الأنابيب الخرسانية يبلغ إجمالي طولها نحو 4 آلاف كيلومتر، تمتد من جنوب ليبيا إلى شمالها حقوق الصورة:Man-Made River Authority/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • المشروع توقف ولم يكتمل، وهناك معوقات وتحديات كثر تعترض جريان المياه في مجراه
  • ثمة مَن يراه حلًّا غير مستدام لشح مياه ليبيا، وآخرون يقولون إن تكلفته أقل من تكلفة التحلية
  • اقتراح بضخ مياه الأمطار المحتجزة في السدود وحقنها في أي خزان جوفي يشرف على النضوب

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[طرابلس] يواجه مشروع النهر الصناعي في ليبيا تحديات ومعوقات، تثير جدلًا حول جدواه، وتنشئ قلقًا بشأن استمراريته، لا سيما بعد مرور أربعين سنة على تأسيسه.

اعتمد مؤتمر الشعب العام بليبيا في الثالث من أكتوبر عام 1983 قرار تنفيذ وتمويل المشروع، الذي يوصف بأنه الأكبر لنقل المياه في العالم، وكان الهدف منه إنقاذ الشعب والبلاد من كارثة عطش محققة.

وعلى مر السنين حُفرت 1300 بئر في عدة حقول بقلب الصحراء؛ لتضخ المياه إلى شبكة ضخمة من الأنابيب الخرسانية يبلغ إجمالي طولها نحو 4 آلاف كيلومتر، تمتد من جنوب البلاد إلى شماله.

ليبيا بلد محدود الموارد المائية إلى حدٍّ كبير، تمثل الصحراء القاحلة 90% من مساحته، وكانت مدن الشمال الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية تعاني ازدياد ملوحة المياه الجوفية بسبب طغيان مياه البحر وتداخُلها.

خريطة لمشروع النهر الصناعي في ليبيا توضح مراحله الخمس

لذا فإن ”النهر الصناعي ليس مجرد مشروع ضخم فحسب، بل هو حجر الأساس في الأمن المائي الإستراتيجي للبلد الذي يعتمد في 98% من احتياجاته المائية على المياه الجوفية“، وفق نوال الفراح، من قسم جيولوجيا المياه بجامعة جنت في بلجيكا، وهي باحثة رائدة في المجال، وأسهمت في العديد من الدراسات حول إدارة المياه الجوفية في ليبيا ودول عربية أخرى.

تقول نوال لشبكة SciDev.Net: ”رغم ذلك فإن النهر الصناعي ليس حلًّا مستدامًا، إذ يعتمد على استخراج المياه الجوفية التي تُعد مصدرًا غير متجدد بذاته“، خاصةً مع الاستنزاف الجائر وتراجُع معدل هطول الأمطار، وهي المغذي الرئيس للخزانات الجوفية.

تراجَع منسوب المياه الجوفية بسبب الضخ المستمر للمياه من المشروع منذ سنوات، ما أدى إلى ظهور هبوط أرضي على شكل حفر متعددة ومختلفة الأقطار حول حقل تازربو، الذي يحوي نحو 108 آبار تعمل ضمن المرحلة الأولى من المشروع.

وهذا مؤشر على الاستنزاف المفرط للمياه، الذي نتج عنه تفريغ المسامات وحدوث هبوط في طبقات الأرض.

من جانبه يوضح آدم كويري -المدير السابق لمركز البيانات والدراسات والأبحاث بجهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي- لشبكة SciDev.Net أن المكامن الجوفية سواء في الجنوب الغربي حيث خزان الحجر الرملي النوبي، أو الجنوب الشرقي حيث حوض الصحراء الشمالية، قد تكفي مخزوناتهما لمئات السنين.

يستهدف المشروع نقل حوالي 6.4 ملايين متر مكعب من المياه يوميًّا، ”لكن المشروع ينتج نحو 2.2 مليون متر مكعب يوميًّا، وهو حوالي ثلث الكمية المستهدفة عند اكتمال مراحل المشروع“، وفق كويري.

ويرى كويري أن هذا المشروع أكثر جدوى اقتصاديًّا بالنسبة لليبيا مقارنةً بتقنيات تحلية المياه، ”فكلفة متر مكعب واحد من مياه النهر هي 28 سنتًا أمريكيًّا، في حين أن المتر المكعب نفسه من مياه تحلية البحر تبلغ كلفته حوالي دولار أمريكي ويزيد“.

لكن ”ثمة فارقًا بين المخزون وما يمكن استغلاله من المخزون“، وفق تعليق عمر سالم، المدير السابق للهيئة العامة للموارد المائية في ليبيا.

يقول سالم: ”الحقول المتاحة محدودة المساحة مقارنةً بالخزان الجوفي الضخم، لذا فقد يحدث بعد حوالي 50 سنة من بدء ضخ المياه هبوط حاد في منسوب المياه بها، وهي المدة المحددة في النماذج الرياضية وحسابات المشروع“.

ويستطرد: ”إلا إذا نُقل الحقل إلى موقع آخر بعيد وحُفرت آبار جديدة، وهذا أمر غير وارد حاليًّا بسبب أوضاع البلد“.

ويشير سالم إلى أن واقع الإنتاج الكلي للمياه حاليًّا سيعطي امتدادًا أكبر لعمر المشروع.

ويستدرك: ”بغض النظر عن المدة الزمنية فإن المياه الجوفية ستنضب ولا يمكن تعويضها، لذلك لا بد من التوجه إلى تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي لتوفير كميات إضافية من المياه بصفة مستمرة“.

 ليس الاستنزاف الجائر هو التحدي الوحيد، فلقد توقف تمويل جهاز المشروع عام 2011، ما أدى إلى عدم استكمال مراحله، وهو السبب في عدم الوصول إلى هدف 6.4 ملايين متر مكعب يوميًّا، وفق صلاح الساعدي، مدير مكتب الإعلام بجهاز تنفيذ وإدارة المشروع.

يقول الساعدي: ”الاعتداءات المتكررة على المشروع أثّرت تأثيرًا بالغًا في إنتاجيته، فقد اعتُدي على 174 بئرًا بمنظومة الحساونة-سهل الجفارة، بتخريب المُعدات وإتلافها وقطع الكوابل لسرقة النحاس من محولات الكهرباء“، خرجت من الخدمة نهائيًّا من هذا العدد 145 بئرًا.

كما أن الوصلات غير المشروعة التي يمدها المواطنون قد تتسبب في أضرار جسيمة، كحادثة انفجار أنبوب في خط مياه ’أجدابيا- الزويتينة‘، في يوليو الماضي، التي أدت إلى تسريب مليون متر مكعب من المياه في يوم واحد، وخسائر مادية في المنازل والمزارع، وانقطاع المياه عن سكان المناطق الواقعة بين أجدابيا وبنغازي.

والحال كذلك، تطرح نوال حلًّا قد يُسهم في تغذية الخزانات الجوفية في البلاد، ”من خلال مشروع أعددتُ شخصيًّا مقترحه، وقدمته لمنظمة اليونيسكو التي وافقت على تمويله بالشراكة مع وزارة الموارد المائية بحكومة الوحدة الوطنية“.

وتستطرد نوال: ”يستهدف المشروع إجراء دراسة هيدروجيولوجية للمناطق التي تعاني انخفاضًا كبيرًا في منسوب المياه الجوفية أو تلوثها بمياه البحر، وتحديد أفضل الأماكن المرشحة لإجراء عملية التغذية بالاستفادة من مياه الأمطار المحتجزة في السدود وحَقنها في الخزان الجوفي عن طريق آبار مخصصة لذلك“.

وتؤكد نوال ضرورة تطوير البنية التحتية للمياه في ليبيا بحيث تضم شبكة قنوات وأحواضًا لتجميع مياه الأمطار، بدل ضياعها في قنوات الصرف الصحي.

وتضيف نوال: ”من المفترض أيضًا أن تخضع الحقول لاختبارات مستمرة وفق نموذج عددي مسبق، فإذا وصلت القراءات إلى حدٍّ معين في حقل، وجب إيقاف الضخ منه، والبدء في الاستخراج من آخَر حتى يتعافى منسوب المياه في الأول، وهذا لا يحدث للأسف“.

يشاطرها الرأي أحمد قطب، أستاذ جيولوجيا المياه بكلية العلوم جامعة الأزهر في مصر، ويعبر عن قلقه من تأثير المشروع على نظام خزان الحجر الرملي النوبي الجوفي المشترك بين دول ليبيا ومصر والسودان وتشاد.

في الوقت ذاته يؤكد قطب ”ضرورة إجراء دراسات متأنية ومشتركة بين الدول المذكورة؛ لأن هذا التأثير ليس ثابتًا، وتحكمه عوامل عدة تحتاج دراستها إلى فريق عمل“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا