Skip to content

22/09/21

العقارب.. ومن السم حياة

15
حقوق الصورة:Scorpion Kingdom/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

لا يمر أسبوع على سيد سنوسي، المزارع الستيني بمحافظة الوادي الجديد في مصر، إلا ويصاب أحد أبنائه خلال فصل الصيف بلدغة عقرب، إذ تنتشر العقارب في أرضه الزراعية بشكل كبير، حتى وجد ضالته مؤخرًا في الاستعانة بفريق صيد العقارب التابع لمشروع ’مملكة العقرب‘، الذي دَشَّنه مهندسان شابان، وأحد أنشطته استخلاص سم العقارب، أو كما يسميه البعض ’السائل الذهبي‘.

قبل نحو أربعة أعوام دار حوار بين أحمد أبو السعود وعماد سبع، عرف من خلاله الأخير -وهو متخصص في تربية النحل- أن النحل النافق في المناحل يمكن أن يكون مادةً غذائيةً جيدةً للعقارب، فتشكل لدى الاثنين مقترح بمشروع متكامل يتكون من ثلاثة أجزاء، وهو مزرعة للنباتات الطبية والعطرية، توفر زهورًا  للمناحل المجاورة لها، ويتغذى النحل على رحيقها، ويكون الجزء الثالث هو إكثار العقارب لاستخلاص السم منها، والاعتماد في تغذيتها على النحل النافق.

ولتوفير العقارب يتعقب القائمون على المشروع شكاوى سنوسي وأقرانه من أهالي الوادي الجديد، إذ تمثل المحافظة حوالي 43.8% من مساحة الصحراء الغربية بمصر، وتكثر فيها أنواع متعددة من العقارب.

تنتشر فرق الصيد بحثًا عن هذا الكائن المخيف، للتقليل من أعداده في تلك المناطق، وفي الوقت نفسه تحقق مصلحةً شخصيةً باستخراج السم منه، الذي يباع بأسعار مرتفعة للغاية.

تستعين فرق الصيد خلال هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر بأدوات يوفرها لهم المشروع، وهي أداة مخصصة للإمساك بالعقرب، وصندوق لحفظ ما تم صيده، وحذاء ضد اللدغات وغطاء يد، إضافة إلى كشاف أشعة بنفسجية، هو الأول من نوعه في مصر، يجري استيراده من السعودية، يساعد في الكشف عن العقرب ليلًا.

وخلال مدة لا تتعدى الساعتين تمكَّن فريق الصيد في أحد أيام شهر يوليو الماضي من اصطياد ما يقارب مئتي عقرب من مزرعة سنوسي، ليتم نقلهم إلى مزرعة تربية العقارب، التابعة للمشروع، لتبدأ عملية استخلاص السم منها وإكثارها.

يقول أبو السعود -مدير شركة مملكة العقرب- لشبكة SciDev.Net: ”نحن نخلِّص مجتمعنا من مشكلة تؤرقه، وفي الوقت نفسه نحول تلك المشكلة إلى مصدر دخل لصائدي العقارب، وللعاملين في المشروع“.

يمنح المشروع مبلغ جنيهين للصائد عن كل عقرب من النوع الأصفر، وهو النوع الأخطر في السمية، والأكثر انتشارًا في المحافظة، ويتميز سمه بالنقاء الشديد، لتتم بعد ذلك عملية استخلاص السم، بواسطة فريق من المتخصصين، إذ يجري استخلاص قطيرة شفافة من كل عقرب هي سائل السم، يحتفظ بها داخل أنبوب صغير، يودع في مبرد تحت درجة حرارة 70 درجة مئوية تحت الصفر.

ويوضح أبو السعود أن الحصول على تلك القطيرة لا يعني انتهاء مهمة العقرب، إذ يحتفظ به في صناديق خاصة تشير إلى تاريخ استحلاب السم منه، ويخضع لنظام تغذية خاص يؤهله لاستخلاص السم منه مرةً أخرى بعد أسبوعين.

ويصل سعر الجرام الواحد من السم إلى 7 آلاف دولار أمريكي، ”نحصل على الجرام الواحد من نحو 3 آلاف عقرب، وهو سبب وصفه بأنه السائل الذهبي“، وفق أبو السعود.

يشير أبو السعود إلى أن شركته هي ”الأكبر في منطقة الشرق الأوسط من حيث الإنتاج، لكونها تعمل في بيئة موبوءة بالعقارب، ويصل حجم الإنتاج الشهري إلى 3 جرامات“.

يعلق محمد صفوت -الأستاذ بكلية الصيدلة بجامعة جنوب الوادي في مصر- لشبكة SciDev.Net، أنه منذ قديم الأزل يُستخدم سم العقرب في الطب التقليدي بالصين والهند وأفريقيا، وحديثًا يُستخدم منذ فترة ليست بالقصيرة في تصنيع أمصال مضادة للدغات العقارب، كما تدخل مكوناتٌ منه في مجموعة متنوعة من العلاجات الخاصة، منها على سبيل المثال أدوية الضغط والسرطان والمسكنات، وعلاج بعض التهابات المفاصل، والأدوية المثبطة للمناعة، وهو ما يجعله مادةً شديدة الأهمية لشركات الأدوية.

ويستطرد: ”دفع هذا كثيرًا من الشباب بالعديد من المحافظات المصرية إلى تنفيذ هذا المشروع، غير أن كثيرًا منهم لم يكونوا مؤهلين بالدرجة الكافية لاستخراج سم بنقاوة عالية تكون له قيمة تسويقية عند شركات الأدوية“.

”ثمة أكثر من 2500 نوع من العقارب، 31 منها في مصر، وخمسة منها في الوادي الجديد، ويجب على مَن يعمل في هذا المشروع أن تكون لديه القدرة على التمييز بين الأنواع المختلفة، حتى لا يخلط سائل السم الخاص ببعض الأنواع مع بعضها الآخر، فيصبح غير قابل للاستخدام“، وفق صفوت.

وثمة مشكلة أخرى يشير إليها صفوت، وهي أن بعضهم يستحلب سم العقرب أكثر من مرة في الأسبوع، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى سم عديم النقاوة لا قيمة له؛ لأن الاستحلاب المتكرر يُفقد السم محتواه المهم، كما أن بعضهم يكون غير قادر على التمييز بين سائل السم ومادة مخاطية أخرى تخرج من العقرب، فيختلط الاثنان معًا وتتأثر نقاوة السم.

ويفشل كثيرٌ ممن قرروا خوض هذه التجربة في الحصول على شهادات من هيئة المصل واللقاح المصري تفيد بنقاوة السم، غير أن أبو السعود ورفاقه نجحوا في الحصول على تلك الشهادة، وهم الآن بصدد الحصول على شهادة الأيزو التي تؤكد نقاوة منتجهم وجودته.

يقول أبو السعود: ”نسعى للحصول على هذه الشهادة لإعادة الثقة بالمنتج القادم من مصر، بعد أن ساءت سمعته بسبب الساعين خلف الربح السريع دون دراسة“.

ويضيف: ”يعمل في المشروع عشرات المتخصصين من خريجي كليات الزراعة والطب البيطري والعلوم والصيدلة، القادرين على تلافي كل المشكلات لضمان الحصول على سم ذي نقاوة عالية“.

 وخطا أبو السعود خطوةً أبعد من مجرد استخلاص السم، وهي تحويله إلى ’بودرة‘؛ حتى يتمكنوا من تصديره إلى الخارج، وتم الاحتفال مؤخرًا بباكورة إنتاج الشركة.

”كان نشاطنا في البداية يقتصر على بيع سائل السم لطلاب البحث العلمي، ولم نكن قادرين على تصديره في صورته السائله، لأن ذلك يتطلب نقله إلى الخارج في مبردات خاصة، وهذا أمرٌ صعب، ولكن تحويل السائل إلى (بودرة) يساعد على نقله دون الحاجة إلى ذلك“.

وبقي انتقادٌ يوجه إلى هذا النشاط، وهو أن حالة الهوس بالمكسب السريع، الذي يتحقق من صيد العقارب، قد يؤدي إلى انقراضها، مسببًا خللًا في التوازن البيئي، إذ تكبح العقارب الارتفاع المفرط في أعداد الحشرات؛ لاعتمادها عليها في التغذية.

من جانبه، أبدى أبو السعود تفهمًا لهذه المخاوف البيئية، ويوضح أن نشاط شركتهم لا يغذي هذه المخاوف، إذ إنهم لا يعتمدون فقط على صيد العقارب، ”ولكنهم يقومون أيضًا بإكثارها ضمن بيئة مماثلة لحياتها في الطبيعة، ليكون هناك مصدر مستدام لسم العقرب“.

”أغلب رحلاتنا لصيد العقارب تكون لمناطق تعاني من زيادة في أعداد العقارب على نحوٍ يؤذي سكانها“.

 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا