Skip to content

10/07/22

كحول طبي من التمور الفاسدة بالجزائر

DESTINATION_2342_40_1789278

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

قبل عام 2019 لم يكن مسموحًا في الجزائر بإنتاج أي نوع من الكحول الطبي، بسبب تعليمات من السلطات العليا في البلاد، ومَن يحاول إنتاجه دون رخصة يتعرض لعقوبة قد تصل إلى السجن ثلاث سنوات.

هذا الإشكال جعل الباحث الجزائري عبد المجيد خبزي يطرق أبواب جل الوزارات، ليكسر الحظر المفروض على إنتاج مادة الإيثانول، التي تتحول لاحقًا إلى كحول ومعقمات عالية الجودة، إذ أقنع الهيئات العليا في البلاد بنجاعة إنتاج هذه المادة من خلال تدوير بقايا التمر الفاسد المتوافرة بكثرة في البلاد.

ومع اشتداد أزمة كوفيد-19 عام 2020، وازدياد الطلب عالميًّا على هذه المادة “الإيثانول” باعتبارها المادة الأولية في إنتاج الكحول الطبي المستخدم في الوقاية من الفيروس، تحرك خبزي -ويشغل حاليًّا منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة لولاية بسكرة- بملفات بحثية تؤكد نجاح إنتاج هذه المادة من التمر، من ثم تدخل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أعطى الموافقة على إنتاجه في ولاية بسكرة شرق الجزائر، بورشة مخصصة لذلك.

يؤكد خبزي في حديثه لشبكة SciDev.Net أن تصريح السلطات الجزائرية بإنتاج الإيثانول اصطدم بمشكلة أخرى في البداية، وهي رفض تصدير الدول المنتجة لأي آلة أو جهاز له علاقة بإنتاج المادة، فالصين مثلًا ”رفضت طلباتنا المتكررة لشراء بعض الآلات خوفًا من تأزُّم الوضع أكثر مع أزمة كورونا“.

توجه بعدها خبزي وطاقمه إلى إيران، وتقدمت الأخيرة بآلات مخصصة في التقطير، في حين اعتمد على خزانات مصنعة محليًّا من أجل تخمير التمور قبل عملية إنتاج الإيثانول.

وبذلك بدأ عمل أول وحدة لإنتاج مادة الإيثانول في الجزائر، ومنها الكحول الطبي والمعقمات من التمر الفاسد.

عملٌ بدأ بإنقاذ الفلاحين من أزمة عاصفة تسبب فيها فيروس كوفيد-19، الذي -وفق خبزي- ”ألحق أضرارًا كبيرة بالفلاحين وخسائر فادحة بعد توقف الملاحة البحرية والجوية، وبالتالي أدى إلى توقف عملية التصدير، وفساد كميات كبيرة من التمور التي كانت مخزنةً في غرف التبريد“.

فكانت أزمة كورونا ”إيجابية من ناحية إنتاج الكحول محليًّا، وعملية الإنتاج كانت منقذًا للفلاحين من خسائر فادحة كانت ستعصف بنشاطهم في إنتاج التمور وتصديرها“.

مراحل التصنيع -كما يوضح خبزي- تبدأ باستقبال الورشة للتمور، ثم استخلاص السكر منها، ويليها مرحلة التخمير لمدة 72 ساعة، وبعد ذلك مرحلة التقطير، وهي المرحلة التي تنتج في البداية بخارًا أو غازًا يتم تحويله إلى سائل، وهذا السائل هو مادة الإيثانول بتركيز 96%.

”تبلغ الطاقة الإنتاجية لهذا المصنع ثلاثة آلاف لتر يوميًّا“، وفق خبزي.

ويتطلع خبزي إلى إنتاج 10 آلاف لتر يوميًّا، لو أتيحت له تسهيلات لتوسعة ورشته ومنحه قطعة أرض محاذية له، فالجزائر -كما يقول- ”تستورد سنويًّا 15 مليون لتر من الإيثانول، وهي فاتورة أرهقت الاقتصاد الوطني كثيرًا“.

وبخصوص المادة الأولية يؤكد خبزي أن ”الجزائر لديها آلاف الواحات التي تنتج آلاف الأطنان من التمور، وتستقبل الورشة ثلاثة آلاف طن من التمور الفاسدة سنويًّا، وهي الطاقة الاستيعابية للورشة، ومع توسعتها، قد تصل كمية التمور إلى أكثر من 11 ألف طن سنويًّا“.

وعن الجدل الذي دار حول كون إنتاج الكحول والمعقمات يعتمد على التمور ذات الأسعار المرتفعة محليًّا ودوليًّا، يؤكد خبزي أن ”التمور الموجهة إلى الورشة متعفنة ولا تصلح للاستهلاك البشري والحيواني“.

ويضيف: ”بل بالعكس فإن عملية تصنيع الكحول من التمور الفاسدة ينتج عنها مخلفات تصلح علفًا للاستهلاك الحيواني“.

ميزات إضافية يوضحها خبزي، إذ أسهمت الورشة في توفير فرص عمل مباشرة لحوالي 54 شخصًا، منهم 60% من العنصر النسوي بالجنوب، هذا بخلاف الباحثين المتخصصين في الكيمياء الصيدلانية وعلوم الأحياء؛ لضمان جودة ما يتم تصنيعه.

واستغل الفرصة أيضًا المئات من الشباب الذين حصلوا على قروض لاقتناء شاحنات صغيرة استخدموها في جمع التمر الفاسد عبر الواحات وبيعه للورشة بمبلغ يصل إلى 30 دينارًا جزائريًّا للكيلوجرام الواحد.

يعلق خالد فوضيل -الباحث بمعهد تسيير التقنيات الحضرية، بجامعة صالح بوبنيدر- قسنطينة 3، ورئيس جمعية أكسي جين المعنية بالحفاظ على البيئة- بأن عمل الورشة لا يتوقف عند الهدف الاقتصادي وتوفير مادة الإيثانول، ويرى أن عمل الشباب في تنظيف الواحات من بقايا التمر وإعادة بيعها للمصنع بغرض إعادة تدويرها له أهمية بالغة من الناحية البيئية، ”إذا علمنا بأن بقاء التمر الفاسد على الأرض ينجم عنه انتشار حشرة تضع بيضها على النخيل، ما يؤثر على الإنتاج عامة“.

ويضيف فوضيل: ”كما أن الكحول الناتج من التمر يكون طبيعيًّا 100% بعيدًا عن الإضافات الكيماوية التي هي السمة الأبرز فيما يتم استيراده من الخارج من مادة الإيثانول“.

وبالتالي ”تحقق العملية الأبعاد الثلاثة الأساسية في التنمية المستدامة، وهي البُعد البيئي والبُعد الاقتصادي والبُعد الاجتماعي من خلال توفير فرص عمل لأبناء الجنوب“، وفق فوضيل.

للباحث خبزي الآن عروض من عدة جامعات في الوطن العربي، خاصةً من السعودية، والإمارات وقطر؛ وذلك بغرض إمضاء اتفاقيات لتدريب طلبة، وإجراء تدريبات علمية داخل الورشة.

يقول خبزي: ”أركز في الوقت الحالي على تطوير أبحاثي في مجال استخلاص مواد أخرى من التمور، وتدريب طلبة الجزائر، مع فتح الباب أمام كل الأساتذة الجزائريين الباحثين من داخل الوطن وخارجه“.

وبعد نجاحه في إنتاج السكر، ومادة الإيثانول وأعلاف الماشية والسماد الطبيعي من بقايا التمر، توصل خبزي مؤخرًا إلى إنتاج زيت نواة التمر المستعمل في المراهم ومختلِف مواد التجميل، وهو على بُعد خطوة من إنتاج خميرة الخبز من المخلفات نفسها بعد نجاح التجارب الأولية، كما يعمل على إنتاج مواد مطهرة للماء والأغذية، وعصائر وحلوى من مخلفات التمور.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net  بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا