Skip to content

08/08/21

قراءة في تقرير اليونسكو للعلوم 2021

9624312168_241770b5f0_c_1_-996x567
حقوق الصورة:United Soybean Board. CC license: Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0).

نقاط للقراءة السريعة

  • عرفان متأخر بقيمة العلماء والباحثين، يصعد بالإنفاق العالمي على البحث والتطوير
  • خطوات وئيدة من جانب بعض دول المنطقة لمواكبة هذا التوجه
  • العالم لجأ إلى العلم والبحث لما طمت طامة كورونا

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

حين تقرأ في تقرير اليونسكو للعلوم 2021 أن أكثر من 30 دولةً رفعت إنفاقها البحثي بين عامي 2014 و2018، فتلك دلالة لا يرقى إليها شك، على تنامي إدراك أولي الأمر لأهمية العلم والعلماء والبحث والباحثين في النهوض والتقدم.

صدر التقرير راصدًا مختلف الاتجاهات في حوكمة العلوم بشتى أنحاء العالم لتحديد مسار التنمية الذي تتبعه البلدان، مستكشفًا كيفية استخدام البلدان للعلم في تحقيق مستقبل ذكي، رقميًّا وبيئيًّا.

وغص التقرير بالكثير من البيانات والمعلومات المعتمدة على الأرقام والنسب والرسوم التوضيحية، الكاشفة عن العديد من الدلالات والمؤشرات المهمة، لكني سأكتفي بالتعرُّض هنا لما أثبته من زيادة واضحة في الإنفاق على العلوم.

هذا ملمحٌ مبشر، بالغ الأهمية لا ريب، لكن في تقديري أن أهم ما أشار إليه التقرير هو لجوء الدول إلى مجتمعها العلمي للحصول على المشورة العلمية والحلول العملية إبَّان جائحة ’كوفيد-19‘، ما يغرينا بالتطرق إلى ما جَدَّ من أحوال طرأت.

ولئن هرع الساسة بوقوع الواقعة إلى العلم والعلماء، فللمرء أن ينتظر لجوءًا آخر حين تقع الطامة الكبرى للتغير المناخي، الذي بح صوت العلماء والباحثين في التحذير من مغبة التمادي في إنكاره تارةً، أو التهوين من آثاره أخرى.

أما الجائحة فقد أظهرت قيمة التقنيات الرقمية في حالات الطوارئ، وكما يقول المثل: ”ربّ ضارةٍ نافعة“، والذي يهم في هذا الأمر بالنسبة لنا أن سنحت فرصة رائعة لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل توظيف التطبيقات العلمية الحديثة في تجربة التعليم عن بُعد، إحدى إفرازات التعلم المعرفي المتقدم والنهضة العلمية.

اهتمام بالعلم والبحث

ثمة طفرة في الإنفاق البحثي العالمي، ورغم الإقرار بوجود اختلافات صارخة بين البلدان، إلا أن القارئ للتقرير يلمح فيه مؤشرات تشجع على القول بأن هناك إقبالًا على البحث والتطوير، واعترافًا بفضل العلم وإدراكًا لقيمة العلماء.

من بين تفصيلات هذه الطفرة، فإن التقرير الذي صدر مؤخرًا، يشير إلى أن الإنفاق العالمي على البحث والتطوير نما بين عامي 2014 و2018.

في غضون تلك السنوات الأربع زاد الإنفاق على العلوم بنسبة 19٪، بينما زاد عدد العلماء بنسبة 13.7٪ ليصل إلى 8.8 ملايين في جميع أنحاء العالم.

هذه لغة الأرقام، أو حديث عن الكم، وهو وإن كان مهمًّا، إلا أن الأهم في رأينا هو حديث الكيف، ومما وشت به بنود الإنفاق، ويلوح للقارئ أن الكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم اتجهت إلى البحث لتحقيق التحولات الخضراء والتحولات الرقمية.

ومن ثم، ففي العنوان الفرعي للتقرير ”السباق مع الزمن من أجل تنمية أكثر ذكاءً“، أرى إشارةً إلى أن هناك الكثير من البلدان تلتزم ببذل جهد حقيقي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة بحلول الموعد النهائي لعام 2030.

حالة العلوم في المنطقة

لم يخصص التقرير دراسةً لحالة العلوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو المصطلح الذي يشير إلى مساحة كبيرة تمتد من المغرب في شمال غرب أفريقيا إلى إيران في جنوب غرب آسيا.

ومن نافلة القول أنها دول بالمنطقة تمتلك ثروات هائلة، لا سيما الوقود الأحفوري (60٪ من الاحتياطي العالمي للنفط، و45٪ من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي)، ويقدر عدد سكانها بحوالي 6% من مجموع سكان العالم.

وما ينبغي أن نتذكره أيضًا أن الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتشارك الأولويات، مثل ندرة المياه وتآكل التربة والتدهور البيئي، التي تشكل تحديات خطيرة، ولهذا تتبنى المزيد من الحكومات الحلول القائمة على العلم، مثل الزراعة العمودية وتحلية المياه ومحطات الطاقة الشمسية واسعة النطاق.

وفق التقرير، تستثمر البلدان في مراكز حضرية مستدامة عالية التقنية، مصر على سبيل المثال، حددت مجموعةً من مبادئ الاستدامة لمدنها الجديدة، تشمل الحد الأدنى لنصيب الفرد من الأرض وتركيب الألواح الشمسية، وتسعى الدول العربية لتطوير قطاعها التصنيعي، بما في ذلك مجالات التكنولوجيا العالية مثل الطيران، والتكنولوجيا الحيوية الزراعية، وصناعة الفضاء.

وصار تسخير الثورة الصناعية الرابعة أولويةً سياسيةً واضحة، إذ تبنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إستراتيجياتٍ وطنيةً للذكاء الاصطناعي، وتخطط الجزائر ومصر وتونس على الأقل لفعل الشيء نفسه، وأنشأ المغرب برنامجًا بحثيًّا في مجال الذكاء الاصطناعي.

وشهدت السنوات الخمس الماضية توسعًا كبيرًا في التعليم العالي، ومع ذلك، لا تزال النسبة المخصصة للبحث والتطوير منخفضةً في معظم البلدان، ويبدو أنه كان هناك تراجُع في نقل التكنولوجيا في السنوات الأخيرة، يشير هذا إلى الحاجة إلى إعطاء الأولوية لبناء مجتمعات بحثية محلية يتم تحديد مخرجاتها وفق الطلب المجتمعي.

لقد كانت دول الخليج من الأوائل في العالم في إطلاق شبكات الجيل الخامس التجارية، وافتتحت المملكة العربية السعودية مركزًا للثورة الصناعية الرابعة، وتسعى الإمارات جاهدةً لدمج تقنية ’بلوكتشين‘ في الخدمات والمعاملات الحكومية، ويتمثل أحد التحديات في ضمان أن أنظمة التعليم يمكن أن توفر قوةً عاملةً داخليةً ماهرة، بما في ذلك كتلة حرجة من الفنيين للصناعة.

من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى أنه كان هناك نمو هائل في الشركات القائمة على المعرفة والشركات الناشئة في إيران نتيجة زيادة الطلب المحلي، إلى جانب تكاثر حاضنات التكنولوجيا ومسرعاتها منذ إطلاق أول مراكز الابتكار العامة في البلاد في عام 2015.

بحلول عام 2020، تم إنشاء 49 مسرِّعًا للابتكار مع الأسهم الخاصة وإنشاء 113 مركزًا للابتكار بالشراكة مع مجمعات العلوم والجامعات الكبرى، وفي الوقت نفسه، تقوم حاضنات التكنولوجيا بمساعدة رواد الأعمال الخريجين على إطلاق مشروعاتهم الخاصة، وتشجع الحكومة الشركات الناشئة على التنويع في المجالات القائمة على المعرفة.

ووفق التقرير، فمن الواضح أنه سيكون من الضروري تكييف البرامج الأكاديمية مع احتياجات سوق العمل؛ لأنه على الرغم من النمو في عدد خريجي الماجستير والدكتوراة، إلا أن هناك نسبةً عالية (39٪) من البطالة بين خريجي الجامعات في إيران.

التحول إلى العلم في جائحة كوفيد-19‘

خلال جائحة ’كوفيد-19‘، أنشأت العديد من الحكومات لجانًا علميةً مخصصة لإدارة الأزمة، وتمكينها من مشاهدة مزايا وجود خبراء محليين يعملون لمراقبة تطور الفيروس والسيطرة عليه.

أظهرت الجائحة قيمة التقنيات الرقمية في حالات الطوارئ، ولقد زاد استخدامها في مجالات مثل التعلم عن بُعد والصحة، مع أمثلة تشمل التطبيب عن بُعد، واستخدام الطائرات بدون طيار للكشف عن الأشخاص في حشدٍ من الناس الذين يعانون من ارتفاع في درجة حرارة الجسم، أو تسليم العينات الطبية عن طريق الطائرات بدون طيار.

ورغم ما تسببت الجائحة فيه من خسائر بشرية واقتصادية فادحة، لكنها أدت أيضًا إلى تنشيط أنظمة إنتاج المعرفة، وكان هناك حشدٌ غير مسبوق، وسباقٌ محمومٌ لصناعات العلوم الحيوية لتطوير العلاجات واللقاحات، وارتفعت الأبحاث حول الفيروسات الجديدة أو التي عاودت الظهور خلال الأوبئة، وكان هناك فقط 7471 منشورًا حول هذا الموضوع في عام 2019.

وقد دعمت الحكومات هذه المبادرات، وقامت المؤسسات في العديد من البلدان بتسريع عمليات الموافقة على مقترحات المشاريع البحثية استجابةً للأزمة، وقدمت الحكومات حوافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم للتصدي للوباء، وركزت بعض البلدان على إنتاج حلول منخفضة التكلفة، بما في ذلك تصدير الأجهزة الطبية التي يرتفع الطلب عليها أو الأدوية الرئيسية.

ومهدت كذلك جائحة ’كوفيد-19‘ لإقامة روابط قوية بين القطاعين العام والخاص لإنتاج معدات مثل أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة والأدوية واللقاحات، وعمل الأكاديميون مع المستشفيات والشركات المحلية لتطوير أجهزة التنفس الصناعي.

كما أدى الوباء إلى انتشار وباء المعلومات المضللة أو ’الوباء المعلوماتي‘، كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية، ولقد أظهر ’الوباء المعلوماتي‘ هذا الحاجة الماسة إلى وسائل إعلام مستقلة ومسؤولة وتعددية، من أجل ضمان وصول الناس إلى معلومات جديرة بالثقة وقائمة على العلم.

لقد أحدثت جائحة ’كوفيد-19‘ تغييرًا جذريًّا بالفعل في أسلوب حياتنا، وربما تعيد الأزمة تعريف العمليات العلمية وحوكمة العلوم بطرق غير متوقعة، ومن المحتمل أن تؤثر على الجيل القادم من الباحثين والآليات التي يتم من خلالها تمويل العلم نفسه.

وفي تقديري، يُعد تحفيز الشركات الناشئة على إجراء المزيد من البحث والتطوير أحد الحلول، والإعفاءات الضريبية للبحث والتطوير ستحفز استثمار القطاع الخاص في العلوم، وتحتاج الشركات إلى رأس مال وبيئة تنظيمية قوية لتستطيع البلدان النامية زيادة بصمتها في المشهد البحثي العالمي.

تُظهر المعلومات الموجودة في التقرير الاهتمام المتزايد بالعلم والعلماء -حول العالم– وأن المستقبل للعلم على الرغم من أنه لا تزال العديد من البلدان تعتمد على التقنيات والخبرات الأجنبية، وتسعى البلدان جاهدةً لتسهيل الابتكار على القطاع الخاص، ولهذا تحاول بعض الحكومات جذب الباحثين أو الاحتفاظ بهم من خلال زيادة الأجور وزيادة التعرض الدولي وغير ذلك من الإجراءات، ووفق التقرير، ارتفع عدد الباحثين العالميين ومعدل التعاون العلمي الدولي بالفعل منذ عام 2014.

الاستفادة من جميع أفكار وسياسات الدول المتقدمة في تطوير العلوم أمرٌ يجب على صناع القرار في دول المنطقة الالتفات إليه مع الاستفادة من مخرجات البحث العلمي للنهوض ببلدانهم، والوصول بها إلى المكانة العالمية التي تستحقها المنطقة.

 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

طارق قابيل: عضو هيئة التدريس – كلية العلوم – جامعة القاهرة في مصر، متخصص فى الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية