Skip to content

20/03/24

ثرثرة في الأكاديميا عن شات جي بي تي وأخواته

418597711_1471944117004428_74062421157703281_n
جدل حول استخدام روبوتات المحادثة في المجتمعين العلمي والأكاديمي حقوق الصورة:Ars Electronica / Martin Hieslmair. CC license: (CC BY-NC-ND 2.0 DEED).

نقاط للقراءة السريعة

  • جدل حول إضافة اسم روبوت المحادثة ضمن مؤلفي الأبحاث والدراسات
  • تساؤلات أخلاقية واجتماعية حول استخدام روبوتات المحادثة في المجتمعين العلمي والأكاديمي
  • هل تظل خدماتها الفعالة مجانًا؟ أم أن ذوات الإمكانيات المحدودة فقط هي التي ستكون متاحة ومفتوحة في المستقبل

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

خلال العقود الأخيرة، شهدنا إنتاج العديد من أفلام الخيال العلمي التي بشرت بظهور الروبوتات وتوغلها في عالم البشر.

أغلب هذه الأعمال تناول الأمر في قالب درامي، مجاله الديستوبيا (تصور تخيلي لمجتمع فاسد يعج بالظلم والمعاناة)، وقليل منها عرض الموضوع بشكل كوميدي أو ساخر، أو نظر حتى إلى الجانب الإيجابي لاستخدام تلك التكنولوجيا وتطورها.

ربما اقترب الواقع كثيرًا من الخيال، لكن بطبيعة الحال ليس إلى درجة الديستوبيا وسيطرة الذكاء الاصطناعي على دنيا البشر، إلى حد الإيغال في كل جوانب الحياة تقريبًا.

ولا يُعد عالم التعليم والأكاديميا استثناءً، فتقنيات تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية تُستخدم في العديد من تطبيقات التعلم الذاتي والتصحيح اللغوي ومعالجة الصور والبيانات الطبية.

روبوتات المحادثة في خدمة العملاء

خلال الأشهر الأخيرة، برز اسم روبوت المحادثة شات جي بي تي 3.5 بوصفه أحد تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية ليثير الكثير من الاهتمام حول استخداماته وتطبيقاته في مختلِف المجالات.

من المثير للاهتمام أن الروبوت ليس الأول من نوعه، سواء على مستوى روبوتات المحادثة التي كانت تُستخدم على نطاق واسع في خدمة العملاء في العديد من المؤسسات، ولا من حيث  كونه المنتج الأول من منتجات شركة ’أوبن إيه آي‘ أو الأكثر تدريبًا من قِبل المستخدمين.

إنما الذي يميز بوت (هكذا اختصارًا) شات جي بي تي مجانيته، وقدرته المدهشة على التواصل مع البشر في محادثات تفاعلية ممتدة في مختلف المجالات.

خلال أول شهرين من ظهوره، تم استخدام شات جي بي تي3.5  من قِبل أكثر من 100 مليون مستخدم حول العالم، حاولوا استكشاف فوائده وسبر أغواره، وفي دنيا التعليم والأكاديميا، استُخدم الروبوت لاختلاق أوراق بحثية من الألف إلى الياء! بعض هذه الأوراق كان مقنعًا للمحررين والمراجعين إلى درجة قبول هذه الأبحاث في بعض المجلات المحكمة!

’شات جي بي تي‘ في الأكاديميا

لا يستطيع الروبوت كتابة أوراق أكاديمية مقنعة فحسب، بل يمكنه أيضًا إعادة صياغة الفقرات وتحليل البيانات، وحتى البحث عن المراجع، بدا عالم الأكاديميا وكأنه مقبلٌ على تحدٍّ جديد، وسط جدل وتساؤلات عديدة عن فوائد استخدام هذا البوت وغيره من روبوتات المحادثة في هذا المجال من جهة، والمخاوف المتعلقة بهذا الاستخدام من أخرى.

ولم يكن المجتمع الأكاديمي العربي غائبًا عن هذا الجدل ولا تلك التساؤلات، التي أثيرت خلال المناقشات في عالم التواصل الاجتماعي، وتمت دراستها أكاديميًّا في بعض الأبحاث المنشورة حديثًا، أغلب هذه الأبحاث ركز على تقييم معرفة الباحثين والجامعيين وآرائهم ومواقفهم بخصوص استخدام شات جي بي تي وغيره من روبوتات المحادثة في المجال الأكاديمي.

بشكل عام أظهرت الدراسات معرفة جيدة من الباحثين والأكاديميين العرب في مصر وتونس بوجود هذه الوسيلة، وإن تفاوتت نسب الاستخدام بين الباحثين في الدولتين، وفيما يتعلق بالجامعات، فقد أظهرت الدراسات معرفةً مقبولةً وسط الطلاب في العراق، والكويت، ومصر، ولبنان، والأردن، والإمارات، وتونس، والمثير للاهتمام أن الأكاديميين كانوا أكثر تحفظًا حول استخدام البوت من قِبل الطلاب، وأبدوا بعض التخوفات تجاه المخاطر المحتملة لهذا الاستخدام.

يثير استخدام روبوتات المحادثة في المجال الأكاديمي العديد من الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية، مثلًا مع بداية استخدام شات جي بي تي في المجال الأكاديمي وضع بعض الباحثين اسم الروبوت ضمن مؤلفي البحث، وهو ما قبلته بعض المجلات!

وقد أثارت إضافة الروبوت إلى قائمة المؤلفين جدلًا كبيرًا، خاصةً مع عدم إمكانية تقييم قدرة الروبوت على الخضوع للمساءلة حول المحتوى المكتوب في الورقة البحثية، والذي يمثل أحد شروط وجود أي مؤلف على الأوراق الأكاديمية وفقًا للجمعيات العلمية الدولية المتخصصة.

الجدير بالذكر أن ثلث الباحثين المصريين فقط الذين شاركوا في إحدى الدراسات المذكورة أعلاه وافقوا على إضافة هذا الروبوت إلى قائمة المؤلفين.

ومن الطريف أنني عندما سألت الروبوت نفسه: ”هل تجب إضافتك مؤلفًا على الأوراق البحثية؟“، كانت إجابته بالنفي، وهو ما أتفق معه أيضًا.

تقييد الاستخدام

واستجابةً لموجة إضافة الروبوت مؤلفًا للأبحاث، فإن العديد من دور النشر العالمية، والتي يخرج من تحت عباءتها عشرات المجلات المحكمة والمفهرسة، أعلن أن هذه الإضافة لم تعد مسموحًا بها، لتغلق بابًا كان من الممكن أن يستمر فتحه في إثارة جدل كبير داخل المجتمع العلمي والأكاديمي.

لكن الجدل لم ينته تمامًا بخصوص العديد من النقاط الأخرى، وفي مقدمتها حدود استخدام الروبوت في العمل الأكاديمي، خاصةً مع احتمالات عدم الدقة التي تشوب هذا الاستخدام، فالبوت لا يستطيع أن يميز بين المراجع وقيمتها العلمية، وقد يقدم مراجع خطأ أو مختلقةً بالكامل.

لتقييم هذه القدرة طلبت من البوت شرح أحد الموضوعات العلمية التي أهتم بها، وقدم شرحًا مبسطًا ومقبولًا للمسألة.

في الخطوة التالية طلبت منه أن يمدني بمراجع أو أبحاث تدعم ما كتبه، فقدم البوت عنوانين كاملين لأبحاث خاصة بهذا الموضوع، تتضمن عنوان البحث، وأسماء المؤلفين، وسنة النشر، واسم المجلة، ومعرف الكائن الرقمي (doi)، للتحقق من هذه المراجع بحثت عنها عبر الإنترنت، وفوجئت بأن أحد المرجعين مختلق بالكامل، وأن الآخر لا يتعلق بأي صورة من الصور بالموضوع محل النقاش!

مرونة لصالح الباحثين العرب

فيما يخص استخدامات روبوتات الدردشة في الوظائف المختلفة للبحث العلمي، حاولت دور النشر الكبرى أن تكون أكثر مرونة، وإن قامت بمنع استخدامها أو تقييده في بعض المهمات.

بوجه عام سمح باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إعداد الأوراق العلمية لتحسين لغتها وجعلها أكثر قابليةً للقراءة والفهم، لا لتحليل البيانات أو لاستخلاص النتائج، لكن هذا الاستخدام يجب أن يكون مصحوبًا بالإفصاح عن الأدوات التي تم استخدامها وآلية هذا الاستخدام.

وكما هو معروف حاليًّا في شتى أنحاء العالم، تمثل الإنجليزية اللغة الرئيسة للعلم وعرض الأفكار، وهو ما قد يمثل عائقًا لدى مَن ليس لسانهم إنجليزيًّا من الباحثين.

تبرز هذه المشكلة بوضوح عندما يقوم الباحثون -وبينهم العرب بطبيعة الحل- بنقل أفكارهم بهذه اللغة من أجل عرضها على المجتمع العلمي من خلال المجلات الأكاديمية المتخصصة، وهو ما قد يتسبب أحيانًا في تقييم سيئ أو رفض لهذه الأبحاث لأسباب قد لا تكون علميةً بحتة.

ويعاني هؤلاء الباحثون أيضًا صعوبة إعادة صياغة أفكار الآخرين من أجل تجاوز فحص الانتحال، الذي يتطلب مهارةً لغويةً قد لا تتوافر لديهم، وهو ما قد يتسبب أيضًا في رفض الأبحاث دون مناقشة.

إحدى الدراسات أظهرت أن استخدام شات جي بي تي لدي الباحثين المصريين كان محدودًا، إذ تجاوزت نسبته 10% بقليل لدى عينة الدراسة، لكن المثير للاهتمام أن إعادة صياغة الفقرات والمراجعة اللغوية للأبحاث كانتا الاستخدامين الأكثر شيوعًا، وهو ما يعكس أهمية هاتين الوظيفتين بالتحديد لهؤلاء الباحثين.

تقدم دور النشر وبعض البرامج والتطبيقات خدمات إعادة الصياغة، لكن التكلفة المرتبطة بهذه الخدمات تقف عائقًا أمام استخدامها من قِبل الباحثين في الدول النامية كالعديد من الدول العربية، والذين يعانون في الأساس لتمويل أبحاثهم، يمكن لروبوتات المحادثة أن تقدم حلًّا جيدًا ومجانيًّا لهذه المشكلة، مع مراعاة أن يتم هذا التطبيق بحذر وفقًا للقواعد المنظمة لهذا الاستخدام.

تساؤلات مستقبلية

لكن هنا تظهر مشكلة جديدة؛ هل سيظل هذا الاستخدام مجانيًّا؟ مثلًا شركة ’أوبن إيه آي‘ تقدم عدة نسخ من جي بي تي، بعضها مجاني بإمكانيات محدودة، والباقي منها مدفوع بمزيد من الإمكانيات.

الأمر ذاته ينطبق على شركة جوجل التي تقدم بوت المحادثة الخاص بها جيميني، ويتساءل المستخدمون وبينهم العاملون في المجال الأكاديمي: هل ستنحصر السمات المتاحة مجانًا في عدد محدود من الاستخدامات، وبالتالي تقف عائقًا كغيرها من الأدوات أمام استخدامها بفاعلية؟

مع التوسع في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، برزت أيضًا مشكلة اجتماعية تتعلق بقيام الذكاء الصناعي بالعديد من الوظائف التي دأب الباحثون أو مَن يعاونهم على القيام بها؛ كخدمات التحرير اللغوي أو التحليل الإحصائي.

واللافت أن التساؤلات ذاتها بدأت تطرح في عالم المبرمجين، إذ ثارت حول قدرة الذكاء الاصطناعي على التطور إلى درجة قيامه بوظائف المبرمجين أنفسهم والاستغناء عنهم، لا يُعتقد أن هذا التطور سيحدث قريبًا (بالنسبة للباحثين أو المبرمجين على حدٍّ سواء)، لكن التطور الحالي قد يسمح بحدوث ذلك في وقت ليس ببعيد.

وفقًا لمعلوماتي، لم توضع قواعد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الأكاديمي داخل الدول العربية حتى لحظة كتابة هذه السطور، وظني أن هذه القواعد يجب أن تعمل على تنظيم هذا الاستخدام لا منعه أو فرض قيود مكبلة، فالعجلة تحركت وإيقافها لم يعد ممكنًا.

أدرك صعوبة تحقيق هذه المعادلة لأسباب عدة، على رأسها أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يفتح المجال أمام كل غثٍّ وسمين، ويصعِّب مهمة الفحص والتدقيق الخاصة بالإنتاج الأكاديمي ليس فقط للباحثين، بل للطلبة أيضًا، وتحقيق التوازن يتطلب تدريب هؤلاء الأفراد على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على نحوٍ مسؤول يضمن الاستخدام المهني والأخلاقي لهذه الأدوات، جنبًا إلى جنب مع تطوير أدوات قادرة على التعرف على المنتجات المختلقة أو المضللة داخل المجتمع الأكاديمي.

بعبارة مختصرة: ”الذكاء الاصطناعي يجب أن يُستخدم، لكن بذكاء“.

 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

**أحمد سمير: مدرس بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية، بالمعهد القومي للأورام، جامعة القاهرة. له عدة أبحاث في المؤتمرات والمجلات الدولية عن وباء كوفيد ١٩ والجودة والأخلاقيات والاقتصاديات في مجال البنوك الحيوية.