Skip to content

09/11/23

س و ج حول ’تقنية الفقراء‘ النانو تكنولوجي

743b2138-17c2-4936-bcfa-a194f72be132
إبراهيم الشربيني -مدير برامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والابتكار. حقوق الصورة:Hazem Badr/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • تقنيات النانو هي الأكثر ملاءمةً لحل المشكلات الضاغطة في الدول النامية
  • تكلفتها بسيطة للغاية، وعملية التحويل نفسها ليست صعبة، والعائد كبير للغاية
  • الصين حققت طفرةً في تطبيقات النانو، رغم أن أمريكا هي الأكثر تقدمًا في الأبحاث

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يكفي أن تكتب في محركات البحث الخاصة بالدوريات العلمية كلمة ’نانو‘، لتأتيك آلاف النتائج التي تشير إلى أبحاثٍ في مجالات مختلفة، وجدت في تلك التقنية أداةً ملائمةً لعلاج مشكلات مستعصية، حتى يُخيَّل إليك أنك أمام عصا سحرية قادرة على فعل الكثير.

لازمني هذا الانطباع مدةً طويلة، وفي مكالمة تليفونية مع إبراهيم الشربيني -مدير برامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والمدير المشارك لمركز علم المواد بالمدينة- تحدثنا حول مشكلة المضادات الحيوية، والحاجة إلى إنتاج أنواع جديدة، بسبب تكوين البكتيريا المقاومة للمضادات المتوافرة حاليًّا.

يقول الشربيني إن الحل يكمن في تقنية النانو، ثم زادني: ”الأدوية أحد المجالات التي فيها يمكن لتلك التقنية أن تفيد المجتمعات النامية التي لا تستطيع إنتاج أدويةٍ جديدة“.

توقفت كثيرًا خلال المكالمة عند هذه الإضافة، واتفقنا على أن تكون محورًا لحوار مستفيض حول المزايا التي يمكن أن تقدمها تقنية النانو للمجتمعات النامية في المجالات المختلفة، فكان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع الشربيني.

من أين تحب أن نبدأ حديثنا؟

قبل أن نشرع في الحديث عن تطبيقات النانو، وكيف أنها الأكثر ملاءمةً لحل مشكلات الدول النامية، يجب في البداية تبسيط مفهوم النانو، فهي كلمة أصلها يوناني، وكان المقصود بها ’القزم‘، والنانو هو جزء من مليار جزء من المتر، وإذا أردنا تبسيطه أكثر، فهو جزء من مئة ألف جزء من عرض شعرة الرأس، وعند هذا المقياس الدقيق تتغير كل خصائص المادة التقليدية.

على سبيل المثال، الذهب الخام لونه أصفر، لكنه مع النانو يمكن أن يصبح أخضر وأحمر، وبالتالي يمكننا مع تقنية النانو استحداث أجيال جديدة من المواد ذات صفات خارقة، لم تكن موجودةً في المواد التقليدية، التي ستتحول مع الوقت إلى مواد خام لإنتاج النانو.

ولماذا اخترت الذهب كمثال، فقد يأتي مَن يقول إنه مادة خام مرتفعة الثمن؟

من الجيد أنك أشرت إلى هذه النقطة، فجزيئات النانو التي يمكن إنتاجها من جرام الذهب الواحد يمكن أن تُبنى عليها تطبيقات يتضاءل أمامها ثمن جرام الذهب الخام، وهذه هي قيمة تقنية النانو.

وهل توجد مواد خام رخيصة، وتصبح ذات قيمة عالية مع تحويلها إلى حجم النانو؟

بالقطع توجد، فمادة الجرافيت التي يُصنع منها القلم الرصاص تتكون من طبقات في حجم النانو، وكان حلم العلماء هو فصلها، إلى أن نجح العالِمان أندريه غييم وكونستانتين نوفوسيلوف عام 2010 في ذلك، واستطاعوا أن يحصلوا على مادة في حجم النانو من الجرافيت، وأطلقوا عليها ’الجرافين‘، وكانت سببًا في حصولهما على جائزة نوبل.

ومادة الجرافين هي خير نموذج لما يحدث من تغيُّر في خواص المادة في حجم النانو، فالجرافيت مادة ضعيفة وغير موصلة للكهرباء، ولكن الجرافين أقوى من الحديد الصلب نحو أكثر من 200 مرة، كما أنه موصل للكهرباء، وتقوم على تلك المادة صناعات بمليارات الدولارت سنويًّا، فلك أن تتخيل أن المادة الخام المصنَّع منها الجرافين تباع بالكيلو، وثمنها زهيد للغاية، ولكن الجرام الواحد من الجرافين قد يتعدى سعره الألف دولار.

مع هذا الفارق الكبير، قد يُخيَّل للبعض أن التحويل إلى حجم النانو مكلف للغاية؟

بالعكس، التكلفة بسيطة للغاية، وعملية التحويل نفسها ليست صعبة، والعائد كبير للغاية، ولذلك فإن هذه التقنية -في رأيي- هي الأكثر ملاءمةً للدول النامية، ويمكن أن تحقق لها مزايا كبيرة في اتجاهين، أحدهما هو حل المشكلات الضاغطة على المجتمع، جنبًا إلى جنب مع تطوير منتجات قديمة، بما يؤدي إلى تحسين أدائها ورفع قيمتها.

قبل السؤال عن نماذج تطبيقية في كلا الاتجاهين، هل يمكن تبسيط آلية تحويل أي مادة خام إلى حجم النانو؟

هناك طريقان، الأول هو البداية من القمة إلى القاع، أي أن يكون لدينا مادة خام نقوم بتكسيرها إلى حجم النانو، باستخدام ماكينات مخصصة لذلك، أو نبدأ من مستوى الذرات والجزيئات، ليتم تجميعها معًا، وتكبيرها في حجم النانو.

وأي الطريقين أسهل؟

الطريق الأول هو الأسهل، أما الثاني فهو الأكثر إبداعًا، لذلك فإن أغلب جوائز نوبل تُمنح لأبحاث تعتمد على الطريق الثاني.

طالما أن لديك المادة في حجم الذرات والجزيئات، وهو الحجم الأقل من النانو، فما هي قيمة الوصول إلى حجم النانو؟

الجزيئات لها صفات معينة ومتعارف عليها، أما المادة في حجم النانو فهي التي تعطي الصفات الخارقة والفريدة التي نريدها، والتي تؤهلها -كما قلت لك سابقًا- للمساهمة في حل المشكلات الضاغطة على المجتمعات، جنبًا إلى جنب مع تطوير منتجات قديمة.

أخذَنا حديث عملية التحويل عن النماذج التطبيقية لتكنولوجيا النانو، فماذا تحمل في جعبتك من نماذج؟

سأتحدث عن تطبيقات في القطاع الصحي والزراعي والطاقة والمياه والأغذية والبناء والبيئة وإعادة التدوير، وستلحظ في جميعها كيف يمكن لتكنولوجيا النانو أن تحل مشكلات وتبني اقتصادًا وبتكلفة زهيدة للغاية.

دعنا نبدأ بالقطاع الصحي؛ إذ يمكن للتخصص الجديد المعروف باسم ’طب النانو‘ خدمة هذا القطاع في ثلاثة اتجاهات، وهي الأنظمة الذكية للتوصيل الدوائي، وأنظمة الكشف المبكر عن الأمراض، وهندسة الأنسجة بديلًا لزراعة الأعضاء.

وحتى نفهم الأنظمة الذكية للتوصيل الدوائي، يجب أن نشير في البداية إلى آلية عمل الأدوية، فهي -سواء أكانت مواد كيميائية أو بيولوجية- توصف بأنها ”مواد عمياء“؛ إذ يدور الدواء في الدورة الدموية، ويذهب إلى الجزء المصاب والسليم، لذلك لا يوجد دواء من دون أعراض جانبية.

وبعض الأدوية -مثل أدوية السرطان- يمكن أن تكون أعراضها الجانبية مميتة، أي أن المريض أخذ دواءً مكلفًا اقتصاديًّا، ولم يحقق الشفاء المطلوب، فضلًا عن أنه يحتاج إلى تناوُل عدد أكبر من الجرعات؛ لأن الدواء يذهب إلى الجزء المصاب وغير المصاب.

أما إذا قمنا بتطوير الدواء بتقنية النانو، فسأضمن أن يصل إلى العضو المصاب فقط، وبالتالي ستقل الجرعات، وهذه ميزة للمريض من الناحية الصحية، وكذلك من الناحية الاقتصادية.

وكيف يتم تطوير الدواء بتقنية النانو؟

يتم تحميل الدواء داخل كريات نانوية صغيرة جدًّا ذكية التوجيه، أي تُوجه حيث يُراد، وتصل إلى العضو المصاب وحده مباشرة، فتكون آمنةً وغير سامة.

وكيف تضمنون وصولها إلى العضو المصاب؟

يتم تزويد السطح الخارجي للكريات النانوية بمواد تتعرف على المستقبلات في العضو المصاب، فمثلًا لو كان هناك خلايا سرطانية، يتم دراستها جيدًا وتصميم الكريات النانوية بحيث تتعرف على المستقبلات الموجودة عليها.

 وما الذي يمنع من تطوير الدواء المتوافر حاليًّا بإضافات تضمن وصوله إلى الجزء المصاب، من دون استخدام تقنية النانو؟

سؤال جيد، وقد حاولت شركات عمل ذلك بالفعل، لكن وجدوا أن أي إضافات ستغير من تركيبة الدواء، أما في تقنية النانو فلا يحدث تغيير في التركيبة، فما يحدث فقط هو أنك تستخدم التقنية باعتبارها أداة توصيل.

يعني إذا أردنا أن نشبهها بشخص يجلس في سيارة لتوصيله إلى مكانٍ ما، فهل وجود الشخص داخل السيارة غيَّر منه شيئًا؟ وهكذا تقنية النانو، فهي لا تغير في تركيبة الدواء، ومن ثم لا نحتاج إلى إجراء دراسات سريرية طويلة المدى تستغرق على الأقل 12 سنة، ولكن فقط يتم إجراء تجربة سريرية محدودة، ويمكن أن يكون الدواء المطور متوافرًا في الأسواق خلال عام أو عامين على الأكثر.

ولماذا ترى أن الدول النامية يمكنها المنافسة في هذا المجال؟

لعدة أسباب، أولها أن تقنية النانو غير مكلفة، فتحويل مادة من الشكل التقليدي إلى النانو غير مكلف، ثانيًا لأن الدول النامية لا تملك استثمارات ضخمة تجعلها تستثمر في دواء جديد، فالدواء الواحد يمكن أن تتكلف تجاربه السريرية مليار دولار مثلًا، وفي كثير من الأحيان قد لا تُستكمل تجاربه السريرية، فتخيل لو أن دولةً مثل مصر استثمرت في تطوير ثلاثة أدوية مهمة بتقنية النانو أو أربعة، فكم من الأرباح يمكن أن تجني؟

 وتوجد قصص مشجعة على اقتحام هذا المجال، ففي اللحظة التي نتحدث فيها الآن، يوجد 300 منتج دوائي قديم في أمريكا تم تطويره بتقنية النانو، وجنت الشركات من وراء ذلك مليارات الدولارات، وهذا التطوير -كما أوضحت- مجال سهل وغير مكلف، ويمكن لأي دولة محدودة الإمكانيات تنفيذه.

وهل يمكن أن تكون تقنية النانو فعالةً في علاج مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية؟

من الجيد الإشارة إلى هذه المشكلة، التي تسبب خسائر اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وقد أحرزنا نجاحًا في استهداف بكتيريا مقاومة بكريات نانوية تخترق جدار الخلية دون أن تكون هذه الكريات محملةً بمادة دوائية.

وماذا عن المجالات الأخرى في القطاع الطبي؟

فيما يتعلق بمجال ’أنظمة الكشف المبكر عن الأمراض‘، يمكن استخدام تقنية النانو لتطوير مستشعرات تكتشف الأمراض قبل حدوثها، وهذه المستشعرات يمكن تسويقها لتجني الشركات من ورائها أرباحًا هائلة، كما أن الكشف المبكر عن الأمراض يوفر للدولة ميزانيةً كانت ستُوجه لعلاج الأمراض، ومن النجاحات في هذا الشأن إنتاج مستشعرات لتحديد مستوى الجلوكوز في الدم، حققت دقةً تفوق المتاح حاليًّا بنسبة كبيرة.

أما في مجال هندسة الأنسجة، فيمكن أن تساعد تلك التقنية في بناء أنسجة العضو المصاب، أو حتى بناء عضو كامل، وهو ما يعالج مشكلة رفض الجسم للأعضاء المزروعة؛ لأن عملية البناء تتم باستخدام خلايا من الجسم نفسه، وفي هذا الاتجاه، تمكنَّا من علاج جروح مرضى السكري بتقنية النانو، وتُجرى حاليًّا تجارب سريرية باستخدام علاجنا المبتكر خارج مصر، بدعم من البنك الإسلامي للتنمية.

وهل سيكون لتقنية النانو الزخم نفسه في المجالات الأخرى؟

كما قلت لك في البداية فإن استخداماتها متشعبة، ففي مجال الزراعة يمكن أن تفيد في مجال إنتاج الأسمدة النانوية، وكان لنا في ’مدينتنا‘ تجربة لتطوير سماد اليوريا بتقنية النانو، وهو ما يساعد على تقليل استهلاك اليوريا إلى الثلثين، وبالتالي يحقق الحد من التلوث البيئي، ويكون لديك منتج بجودة عالية يسهل تصديره إلى الخارج.

كما يمكن استخدام تقنية النانو في استصلاح الأراضي الصحراوية، عبر استخدامها في بناء طبقة عازلة تحت جذع النبات لمنع تسرب المياه، وقد نفذنا مشروعًا مع مؤسسة ’مصر الخير‘ في هذا الإطار.

وفي الطاقة، يمكن استخدامها في إنتاج لمبات ’الليد‘ الموفرة للطاقة، ورفع كفاءة الخلايا الشمسية بطلائها بمواد نانوية تقوم بعملية التنظيف الذاتي للخلايا؛ لمنع التصاق الأتربة بها بما يؤثر على كفاءتها.

أما في قطاع المياه، فتدخل تقنية النانو في مجال تنقية المياه ومعالجتها وتحليتها، ويتم توظيفها في مجال الأغذية في اتجاه الحفظ والتغليف الذكي، وإنتاج مشروبات مدعمة بمواد نانوية طبيعية تحقق فوائد صحية.

وأخيرًا، في مجال البناء، يمكن استخدامها لتطوير مواد البناء لتصبح أكثر صلادة.

وما الذي ينقص الدول النامية حتى تستطيع تحقيق طفرة في كل هذه المجالات؟

تحتاج إلى ثلاثة متطلبات: أولها توفير بنية تحتية وتمويل أبحاث، وثانيًا أن تكون هناك كوادر بشرية مؤهلة، وثالثًا وجود إرادة سياسية داعمة.

إذا أردنا أن نقدم نموذجًا ناجحًا استطاع أن يسير في هذه المسارات الثلاثة بالتوازي.. فماذا ترشح؟

في رأيي فإن النموذج الصيني هو الأفضل، فالصين حققت طفرةً في تطبيقات النانو، بالرغم من أن أمريكا هي الأكثر تقدمًا في الأبحاث.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا