Skip to content

18/07/14

حول العالم العربي.. تشارُك معرفة المجتمعات الصحراوية

Bedouins life
حقوق الصورة:Flickr/ UNDP

نقاط للقراءة السريعة

  • تبادل المعرفة يوثق التجارب والممارسات الناجحة بالمنطقة، ويعمل على تعميم الإفادة
  • المقاربة التشاركية وإشراك السكان المحليين في صنع القرارات واتخاذها تضمن النجاح
  • ثمة ضرورة لمعرفة توزيعات النشاط الرعوي الزراعي، ولرؤية تنموية لمجتمعاته

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

وضع استراتيجية إقليمية لتنمية المجتمعات الصحراوية في المنطقة كفيل بإحداث تنمية مستقبلية مشتركة لتلك المجتمعات، كما يؤكد حامد الموصلي

تعرض العديد من المناطق الصحراوية لمخاطر التعدي البشري والتغيُّر المناخي، ما يجعلها عاجزة عن توفير المتطلبات الضرورية للتنمية الاجتماعية الاقتصادية لسكانها، فيتضاءل نصيب الفرد من المياه العذبة، وتتدهور نوعية التربة وتتردى، ما يوجب التدخل لتحسينها.
 
كذلك أدت الضغوط المتواصلة على الموارد الطبيعية إلى استنزافها، وضياع التراث التقني المرتبط بالتعامل معها، والذي يمثل إرثًا حضاريًّا متميزًا ووسائل مجرَّبة للاستفادة المستدامة منها في تلبية الحاجات الإنسانية للسكان.
 

أدى التغير المناخي إلى انخفاض معدل هطول المطر.. كما زادت أعداد المواشي وتعدت قدرة الغطاء النباتي الطبيعي على التجدد   
                                                      حامد الموصلي 

وليست منطقتنا -وأغلبها صحراء– ببعيد عن هذا كله، بل هي الأشد تضررًا بين المناطق الصحراوية، لذا كان من التوفيق أن تنعقد ورشة عمل في عمَّان بالأردن يومي الرابع والخامس من مايو الماضي، وذلك في إطار ’مشروع التنسيق والتشارك في المعرفة عن المجتمعات الصحراوية وأساليب الإعاشة لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‘. وشاركتُ ممثلاً للمجتمعات الأهلية في مصر.
 
والمشروع الذي يجري تنفيذه ضمن برنامج دعم المشروعات القومية في دول الجزائر ومصر والأردن والمغرب وتونس بتمويل من ’البنك الدولي‘ و’مرفق البيئة العالمي‘ وتحت مظلة –وتنسيق- ’مرصد الصحراء‘ والساحل، الذي يعمل كمنظمة دولية في تونس منذ عام 2000.
 
مقتضى التسمية والمقصود من المشروع هو دعم علاقات التعاون بين الأطراف المعنية عن طريق المشاركة في تداول المعرفة والخبرات لتحسين الإدارة المستدامة للمجتمعات والأنساق الحيوية الصحراوية، وكذلك دعم القدرات المؤسسية للإدارة المستدامة لهذه الأنساق على المستوى الوطني والإقليمي.
 
أهمية تداول المعرفة

ورغم عدم مشاركة السعودية وليبيا، إلا أنه تأكد لي أننا متشاركون من أقصى الغرب في المغرب لأقصى الشرق في الأردن؛ في الظروف المناخية وفي عناصر الغطاء النباتي والحيواني، بالإضافة إلى أن لنا أرضية ثقافية واحدة وميراثًا ثقافيًّا واحدًا بما يحمله من تراث تقني في الرعي والزراعة.

لذلك فإن تبادل المعرفة يساعد على فهم الصلة بين خصائص المحيط الحيوي للمجتمعات الصحراوية وبين وسائل الإعاشة المتاحة لسكان هذه المجتمعات؛ وبالتالي كيفية تطوير هذه الوسائل مع المحافظة على المحيط الحيوي. ولا ريب أن تبادل المعرفة يساعد على توثيق التجارب والممارسات الناجحة وتجميعها في بوتقة واحدة، فتصير جاهزة للنشر والاستفادة منها، والتطبيق في المنطقة.

الوضع الراهن

أدى التغير المناخي إلى انخفاض معدل هطول المطر –المصدر الرئيسي لمياه الري بالمنطقة- بنحو 30%، وفق تقارير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، مما أثر على كثافة الغطاء النباتي من الشعير والقَطَف وسائر النباتات الصحراوية.

كما زادت أعداد المواشي وتعدت قدرة الغطاء النباتي الطبيعي على التجدد، وأدى التوسع في العمران إلى القضاء على موائل العديد من النباتات الصحراوية في المنطقة، ولم يعد الغطاء النباتي الحالي يوفر إلا نحو 25% فقط من احتياجات الماشية للغذاء، وفق تقديرات أحد الباحثين المشاركين بورشة العمل.

أضف لما سبق أن الشباب يهاجر من المجتمعات الصحراوية بحثًا عن فرص أفضل للكسب؛ وربما أيضاً للحياة! متسببًا في ضياع المعرفة التقليدية في المجتمعات الصحراوية –ربما إلى الأبد- بما تتضمنه من تراث تقني كان من الممكن أن يكون له دورٌ فعّال في تحسين أحوال المعيشة لأبناء هذه المجتمعات، واستقرار النسيج الاجتماعي الحضاري لها.

رؤية جديدة

نحن أصحاب مراعٍ، فلدينا مساحات شاسعة من المراعي، حوالي 33 مليون هكتار في الجزائر، و21 مليونًا في المغرب، و10 ملايين هكتار في مصر، و4.5 ملايين في تونس، و700 ألف هكتار في الأردن، فضلاً عن الدول العربية الأخرى التي لم يشملها المشروع، مثل ليبيا وسوريا والسعودية.

ويقيني أن الحفاظ على تلك المراعي له مردود بيئي، فهي تقوم باختزان الكربون، وبالتالي التقليل من تأثير التغيرات المناخية، لذا من الضروري الحفاظ على استدامتها.

كنا بحاجة لرصد ما تمثله حيوانات المراعي من ثروة اقتصادية، فشاهدنا خلال إحدى الجولات الميدانية بورشة العمل تجربة محطة الخناصري الرعوية لبحوث الثروة الحيوانية، وتبين لنا ما تمثله رأس الغنم الواحدة (الأنثى)، فهي تعطي خلال دورة حياتها: 25 كجم صافيًا من اللحم، 5 كجم من العظام، 9 أقدام مربع جلد، 15 كجم من الصوف، و450 لترًا من اللبن.

اضرب هذه الأرقام في مائة أو ألف أو مليون، فتتبدى لك أصولاً مادية لنشوء عدد من الصناعات البيئية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهناك ضرورة لتكوين رؤية موازية فيما يتعلق بالجمال، والماعز، والأبقار، والجاموس، والأرانب، والدواجن، إلخ!

ورغم أن المشروع معني بالصالح المباشر للملايين من بنات وأبناء المجتمعات الصحراوية، إلا أنه اقتصر على أيدي حكومات الدول الخمس المعنية فحسب، ولم تمثل الجمعيات الأهلية أو ممثلين للمجتمعات المعنية، لا في صياغة المشروع ولا في إدارته، ولا حتى في جهود التنسيق لتنفيذه.

ومن أسف ألا توجد حتى آليات واضحة ومحددة للتنسيق والربط بين المستوى الحكومي والمستوى التحتي على مستوى الناس، مما يمثل خللاً جسيمًا في منهجية المشروع نفسه، في حين أن المقاربة التشاركية وإشراك السكان المحليين في صنع واتخاذ القرارات تضمن نجاح المشروع.

هنا تبرز أهمية مساعدة المربين في إنشاء جمعيات وائتلافات مربي الجمال والماعز والأغنام؛ لتحسين إدارة المراعي وتسويق منتجاتها والتواصل مع المؤسسات الحكومية والإقليمية والعالمية.

تبادل المعرفة يساعد على فهم الصلة بين خصائص المحيط الحيوي للمجتمعات الصحراوية وبين وسائل الإعاشة المتاحة للسكان      حامد الموصلي

فمن المنطق إعطاء أولوية للإبل والمعز في تشجيع تنمية الثروة الحيوانية؛ فالإبل والمعز متأقلمة مع ظروف الصحراء، وقادرة على تحمل العطش والإجهاد الحراري، كما أنها تحتاج إلى مقننات مائية أقل، وتتقبل مستويات تركيز أملاح في الماء أعلى جدًّا مما تتقبله أنواع الأنعام الأخرى، ما يجعل لها دورًا متميزًا في تنمية المجتمعات الصحراوية؛ وذلك فضلاً عن الإرث الثقافي والتاريخي المرتبط بالإبل والماعز، وكذلك الميراث السلالي الذي نتميز به على مستوى العالم.

كما تبرز أهمية تبني نموذج التفكير متعدد التخصصات؛ أولاً: لربط الرعي مع الزراعة، وثانيًا: لتحقيق الاستفادة الشاملة من عناصر الموارد الزراعية الأساسية والثانوية كافة؛ وذلك لرفع العائد الاقتصادي لأهالي المجتمعات الصحراوية.

وحيث إن المنطقة تتميز على مستوى العالم بالنباتات الطبية والعطرية، لذا فإنها تحتاج إلى منظومة تشاركية للاهتمام بها، عبر القيام بالبحوث لإنضاج المصفوفة التي تتألف من نوعية التربة، ونوعية المياه، وسلالة النبات؛ من أجل التوصل إلى نموذج التنمية الزراعية المستدامة للمجتمعات الصحراوية.

ثم إن هناك ضرورة لمجابهة السرقة المنظمة التي تقوم بها الشركات العالمية للأصول الجينية للنباتات الطبية والعطرية التي تتميز بها المنطقة، وكذلك للموروث الحضاري المرتبط باستخدامها، وهذا باستخدام التكنولوجيا الحيوية، وتسجيل براءات اختراع لاستخدام مكونات النباتات في الأدوية، دون اعتبار لأي حقوق للأجيال من أهالي المنطقة عبر آلاف السنين التي قامت باستئناس هذه النباتات والتوصل إلى المعرفة التقليدية باستخدامها في علاج العديد من الأمراض.

مقترحات للمستقبل

ولإحداث تنمية مستقبلية مشتركة للمجتمعات الصحراوية، لا بد من وضع استراتيجية إقليمية لتنمية المجتمعات الصحراوية في المنطقة تسعى لرسم خريطة توزيع النشاط الرعوي الزراعي في المنطقة، ولبناء رؤية تنموية للمجتمعات الصحراوية بها تعتمد على الاستفادة بسلسلة القيمة، وهذا من خلال تصنيع كافة الموارد الأساسية والثانوية للنشاط الزراعي.

أيضًا تخطط هذه الاستراتيجية لإقامة مشروعات إقليمية مشتركة لتصنيع النباتات الطبية والعطرية، بدءًا ببناء مجففات شمسية لتجفيفها محليًّا، وصولاً لإنتاج المستخلصات التي تستخدم في صناعة الأدوية والعطور، وإقامة مشروعات إقليمية لتحسين السلالات النباتية والحيوانية بالمنطقة، مع إقامة المشاتل لاستئناس السلالات المعرضة للانقراض وإكثارها، وإنشاء نقطة مركزية لتداول النباتات والمعلومات عن النباتات الطبية والعطرية وتسويقها عالميًّا.

ويتوازى مع تلك الجهود ضرورة الإسراع بإنشاء قاعدة بيانات إقليمية عن النباتات الطبية والعطرية، مع تسجيل مواقع وجودها، وعمل قائمة حمراء للأنواع المهددة بالانقراض منها، وإنشاء بنوك الجينات كخطوة أولى لتسجيل حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بهذه النباتات، ووضع الآليات التشريعية لحماية هذه الحقوق.

* الدكتور حامد إبراهيم الموصلي: أستاذ متفرغ بكلية الهندسة جامعة عين شمس المصرية. رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية.
 

 

 
  هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط