Skip to content

24/12/21

نجوى البدري.. ديدنها التفاؤل والإيجابية والمثابرة

IMG_3293
حقوق الصورة:Hazem Badr/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • تقرر أن نتاج عمل الباحث يعالج ملايين البشر، والطبيب لن يعالج إلا مرضاه
  • تعلمت من الباحثين اليابانيين ثقافة ’البحث عن البدائل‘
  • تكره وسائل التواصل الاجتماعي

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

من النادر أن تصافح عينك وجه نجوى البدري، أستاذ ورئيس مؤسس برنامج علوم الطب الحيوي بجامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والابتكار بمصر، دون أن تجده مبتسمًا، ومن النادر أيضًا أن تلتقي الباحثة في فعالية علمية دون أن تخرج مفعمًا بطاقة إيجابية كبيرة.

فرغم ما يعانيه البحث العلمي المصري من أزمات، لا تنكرها نجوى، لكنها لا تراها مسوِّغًا للبكاء على اللبن المسكوب، فهي دائمًا متفائلة، تنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وتبحث عن البدائل والحلول، رافضةً أن تتخذ من المشكلات مسوغًا لهزيمة الذات والتقاعس عن تحقيق الإنجازات.

استطاعت بهذه المنهجية -التي تعلمتها من أقرانها اليابانيين الذين عملوا معها في أمريكا، قبل أن تعود إلى مصر للعمل في مدينة زويل- أن تنطلق من إنجازٍ إلى آخر، وهو ما أهَّلها للحصول على جائزة الدولة التقديرية للمرأة في مجال الصحة والعلوم الصيدلية لعام 2021، كما بات برنامج علوم الطب الحيوي الذي تديره في مدينة زويل على مشارف اعتماده دوليًّا من مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا في يونيو المقبل، بعد أن كشف مسؤولو المجلس في تقريرهم المنشور مؤخرًا عن حصول البرنامج على تقييم مرتفع خلال زيارتهم الأخيرة لمدينة زويل، التي اطلعوا خلالها على كل التفاصيل المتعلقة بالبرنامج.

كان وقع رد الفعل الإيجابي الذي لمسته من زيارة المجلس جليًّا على وجهها عندما التقتها شبكة SciDev.Net، لتقول وقد أصبحت ابتسامتها أكثر إشراقًا: ”سعادتي اليوم مضاعفة، يختلط فيها الإنجاز الشخصي مع الإنجاز العام؛ إذ سيحصد أي طالب يلتحق بالبرنامج ثمار هذا الإنجاز“.

ويقدم المجلس شهادات الاعتماد المتعلقة بجودة الدراسات الجامعية منذ أكثر من 75 عامًا، وهو ما يعني  حصول الخريجين على شهادة معترَف بها دوليًّا بأنه تم تدريس التخصص لهم وفق المواصفات العالمية.

وقبل أن أسألها عن المزايا التي لمسها المجلس في البرنامج، أشارت إلى أحد المعامل التي كان يباشر داخلها مجموعة من الطلاب بعض التجارب، وقالت بنبرة يملؤها الفخر والحماس: ”أعتز كثيرًا بطلابي، فقد كانوا نقطة قوة كبيرة في أثناء المراجعة التي أجراها المجلس“.

ويستند المجلس إلى قائمة طويلة من المعايير، مثل التجهيزات المعملية وتقييم مستوى أعضاء هيئة التدريس وانخراطهم في البحث العلمي وطريقة التدريس، وهل هي نظرية أم قائمة على البحث العلمي، ومستوى الخريجين والطلاب.

وتضيف وقد طلبت مني التحرك معها باتجاه طلابها كي يستمعوا لحديثها عنهم: ”لقد كانوا على قدر ثقتي الكبيرة بهم“.

وأشارت إلى إحداهن قائلةً وهي تربت على كتفها: ”هذه الطالبة تأتي إلى الجامعة من إحدى المحافظات البعيدة جنوبي مصر (محافظة بني سويف)، فنحن لدينا طلاب محاربون، وفوق ذلك في منتهى الذكاء، وأنا لا أخجل من القول إني تعلمت منهم كثيرًا“.

منغصات البحث العلمي

وتصف نجوى هؤلاء الطلاب بأنهم ”طاقة الأمل الكبيرة التي يتحطم على صخرتها أي منغصات“، وتقول وهي تشير إلى عبوة تحتوي على خلايا يستعد الطلاب للعمل عليها: ”أحد المنغصات في مجال عملنا، هو تأخر حصولنا على مثل هذه الخلايا، فلك أن تتخيل أن بعضها قد يصلنا بعد ستة أشهر، وتصلنا في بعض الأحيان غير صالحة، بسبب عدم تدرُّب رجال الجمارك على التعامل مع مثل هذه الأشياء الحساسة“.

ويتسبب هذا التأخير في فقدان الباحث حماسه وشغفه، غير أن نجوى التي تمتلك حلًّا بسيطًا يمكن استخدامه لقهر هذه البيروقراطية تقول: ”تعودت دومًا ألا أتوقف بسبب مثل هذه المنغصات، فسلاح البحث عن البدائل الذي تدربت عليه في أثناء العمل مع أقراني اليابانيين في أمريكا جاهزٌ للاستخدام دومًا، ومعي طلاب محاربون قادرون هم أيضًا على استخدام هذا السلاح“.

ومن البدائل التي لجأت إليها نجوى لعلاج هذه المشكلة، التعاون مع فرق بحثية مصرية بالمستشفيات الجامعية للحصول على الخلايا المعزولة من المرضى، غير أنها تقترح آليةً تمكِّنهم من الحصول على هذه الخلايا ومتطلبات أخرى في البحث العلمي بشكل أسهل، ومنها أن تكون هناك مكاتب في السفارات والقنصليات متخصصة في توفير مثل هذه المتطلبات، ويكون التواصل بينها وبين الجامعات بشكل مباشر، بدلًا من المراحل الوسيطة التي تستغرق الكثير من الوقت، كما تتمنى لاحقًا أن تكون هناك شركات ناشئة تعمل على توفير مثل هذه المتطلبات محليًّا.

الطبيب الباحث

واللافت أنها حافظت -حتى وهي تتحدث عن المنغصات- على ابتسامتها، على عكس كثير من العاملين في مجال البحث العلمي، الذين قد يرون في هذه المنغصات مشكلةً كبيرةً تسوِّغ أي إخفاق، وهو ما ترفضه نجوى قائلة بنبرة لا تخلو من الثقة: ”لا يخلو مكان في العالم من المعوقات، والتحدي يكون في قدرتك على قهرها بالمثابرة“.

وتضيف وقد طلبت العودة إلى غرفة مكتبها للحديث بمزيد من التفاصيل عن رحلتها البحثية: ”لا نجاح يأتي فجأة، وطريقي في البحث العلمي منذ غادرت القاهرة بعد تخرجي في كلية الطب بجامعة القاهرة كان صعبًا وممتعًا في الوقت ذاته“.

وخلال عام الامتياز، وهي السنة التدريبية التي يتنقل خلالها طالب الطب بين أكثر من تخصص لاختيار ما يميل إليه في نهايتها، كانت نجوى متعلقةً بتخصص ’طب وجراحة العيون‘، لكنها عندما سافرت إلى أمريكا بعد انتهاء هذه السنة بصحبة زوجها وزميل دراستها، وجدت نفسها أميلَ إلى البحث العلمي في العلوم الطبية، بعد أن حصلت على فرصة باحثة تحت التدريب بمستشفى ’كل الأطفال‘ التابعة لجامعة جونز هوبكنز، بالإضافة إلى التحاقها ببرنامج الدكتوراة بجامعة جنوب فلوريدا.

وتقول مفسرةً هذا التحول وقد اكتسى وجهها بمشاعر التحدي: ”لم نتعرض في مصر خلال وجودنا بالكلية للمعامل بشكل كبير، فلم أكتشف نفسي في هذا المجال، لكن عندما تعرضت لبيئة يغلب عليها البحث العلمي، اكتشفت نفسي من جديد، فالطبيب الباحث يصب نتاج عمله في علاج ملايين البشر، أما الطبيب التقليدي فلن يعالج إلا مرضاه“.

البحث عن البدائل

وتعترف نجوى بأنها كانت محظوظةً بالوجود ضمن الفريق البحثي للأمريكي روبرت جود، أحد المرشحين لجائزة نوبل، وهو عالِم كبير في علم المناعة، وأول مَن أجرى عملية زرع نخاع ناجحة، وساعدها العمل معه على فهم الخلايا الجذعية والتعمق فيها، بالإضافة إلى أنه أتاح لها الفرصة للتعرف على ثقافات كثيرة.

وتقول: ”بالإضافة إلى الاستفادة العلمية التي يمكن أن تحصل عليها لكونك عضوًا في فريق جود، فهو يتميز بالعمل مع باحثين من كل دول العالم، وكان يميل إلى الباحثين اليابانيين، الذين تعلمت منهم ثقافة (البحث عن البدائل)“.

وتشير إلى صورة تجمعها ببعضهم، مضيفةً: ”عند هؤلاء لا يوجد مستحيل، فإذا أُغلق طريق أمامك، فعليك البحث عن طريق آخر يوصلك إلى هدفك“.

ورغم سعادة نجوى بهذه الأجواء وتلك الثقافات، إلا أن مرض والدها بعد وفاة والدتها، ورغبتها في أن تكون بجواره، دفعها لاتخاذ قرار العودة إلى مصر، وكانت مدينة زويل هي المنقذ لها لكي تستمر في مسيرتها البحثية.

وبنبرة صوت حزينة غير معتادة في حديثها، تقول وهي تتذكر الدكتور أحمد زويل: ”أرسلت رسالة بريد إلكتروني مستفسرةً عن فرصة للعمل في المدينة، ففوجئت بتكليفي بمسؤولية برنامج علوم الطب الحيوي، لأتمكن بعدها من الحصول على تمويل بعشرة ملايين جنيه مصري لإنشاء مركز التميز لأبحاث الخلايا الجذعية والطب التجديدي“.

وتمتلئ السيرة الذاتية للدكتورة نجوى بعشرات الأبحاث في مجال الخلايا الجذعية التي أجرتها في أثناء وجودها في أمريكا وبعد عودتها إلى مصر، فهي صاحبة بحث أثبتت فيه أنه من الأفضل عند زراعة عضوٍ لشخصٍ ما، أن يتم قبل ذلك زراعة خلايا نخاع له من المتبرع، فهذا سيساعد على قبول جهازه المناعي للعضو الجديد.

كما أنها صاحبة دراسة عن تحويل خلايا الحبل السري إلى خلايا المخ، واستعمال الخلايا الجذعية في علاج أمراض المناعة الذاتية، ولها دراسات عن الخلايا الجذعية السرطانية، إذ وجدت أن الخلية السرطانية تفرز مواد تحوِّل الخلايا المجاورة لها إلى خلية سرطانية جذعية، لها سمات الخلايا الجذعية من حيث التجدد والانقسام إلى أنواع أخرى من الخلايا، وخلصت إلى ضرورة أن يوجه العلاج إلى الخلية السرطانية وهذه الخلايا الجذعية السرطانية.

وبقي أن نعرف ملمحًا مهمًّا في شخصية نجوى البدري، وهي أنها تكره وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة، فلا تملك صفحة على فيسبوك أو حسابًا على تطبيق الواتسآب، وتقول عندما طلبت منها مشاركة بعض المعلومات والصور باستخدامهما: ”لا أحب هذه الوسائل؛ فهي مضيعة للوقت، وليست آمنةً في مجال العمل، وتشجع على النفاق الاجتماعي، حيث يظهر الناس عليها بشخصيات تخالف شخصياتهم الحقيقية“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا