03/10/25
إثيوبيا صدرت مشكلة سد النهضة لسد الروصيرص السوداني وما وراءه

كتب: حازم بدر
أرسل إلى صديق
المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.
[القاهرة، SciDev.Net] شهد السودان منذ أواخر سبتمبر الماضي فيضانات غمرت ست ولايات على الأقل، وتضرر عشرات الآلاف من السكان، نتيجة ارتفاع مناسيب المياه في نهر النيل والسدود السودانية إلى مستويات وصفتها السلطات بأنها ”غير مسبوقة“.
على مجرى النيل، فإن سد الروصيرص السوداني هو الأقرب إلى سد النهضة الإثيوبي، وهو يستقبل حاليًّا كميات كبيرة من المياه تفوق طاقته الاستيعابية.
”سد الروصيرص مصمم لاستقبال 370 مليون متر مكعب من المياه يوميًّا، لكنه حاليًّا يستقبل 750 مليون متر مكعب بسبب سوء إدارة سد النهضة الإثيوبي“، كما يمهد سيف الدين يوسف، المحاضر السابق في الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية في السودان.
يقول يوسف لشبكة SciDev.Net: ”كان يتعين على إدارة السد السوداني تصريف هذه الكمية الزائدة يوميًّا لتجنُّب انهياره، وهذا ما تسبب في الفيضانات“.
ويضيف خبير المياه: ”رغم أن مشهد الفيضانات مدمر بحد ذاته، إلا أن الأصعب هو استمرار إنهاك السد بكميات تفوق طاقته، مما قد يؤدي إلى انهياره“.
”والجانب الإثيوبي يتصرف بأنانية، فهو يخشى على سد النهضة من الانهيار، فيصدِّر المشكلة لسد الروصيرص“.
نفت إثيوبيا من جانبها هذه الاتهامات، مؤكدةً أن السبب الرئيس هو الأمطار الغزيرة، التي كانت استثنائية.
وقال مدير مشروع سد النهضة، كيفلي هورو، في تصريحات صحفية لوكالة أسوشييتد برس بتاريخ 30 سبتمبر الماضي: ”على عكس ما يتردد، فإنه لولا وجود السد لكانت كميات المياه التي وصلت إلى السودان تفوق الكميات الحالية بثلاثة أضعاف“.
وزعم هورو أن ”السد ساعد على تنظيم تدفقات المياه وتقليل حدة الفيضانات، ومنع وصول كميات هائلة مفاجئة إلى المجرى الطبيعي“.
حاولت وزارة الزراعة والغابات طمأنة المواطنين في السودان، مؤكدةً أنه لا توجد مخاطر حالية على سد الروصيرص.
وقال صالح حمد -رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بوزارة الري السودانية- في تصريحات صحفية: ”إيرادات النيل الأزرق، الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية، بدأت في التراجُع“.
لكن صور الأقمار الاصطناعية ’سانتنال-1‘، التي زود بها كارم عبد المحسن -الباحث المشارك في كلية الاستدامة بجامعة ولاية أريزونا الأمريكية- شبكة SciDev.Net تُظهر خلاف ذلك؛ إذ بدت بحيرة سد النهضة ممتلئةً حتى بعد الفيضانات الأخيرة.
”هذا يشير إلى أنها لا تزال تستقبل كميات من المياه وتقوم بتصريفها“، وفق عبد المحسن.
صحيح أن أمطارًا غزيرةً هطلت في نهاية شهر سبتمبر، وهو عادةً ما يكون موعد نهاية الموسم المطير، إلا أن هذا السيناريو كان يجب أن يكون ضمن حسابات الجانب الإثيوبي، كما يبين عبد المحسن، لا سيما في ضوء دراسات حديثة، منها دراسة منشورة في نوفمبر 2024 بدورية ’التقارير العلمية‘، تتوقع زيادة غزارة الأمطار في مناطق منابع نهر النيل خلال القرن الحالي.
ويضيف عبد المحسن: ”كان على الجانب الإثيوبي تصريف كميات من المياه المخزنة مبكرًا، قبل استقبال مياه الأمطار الجديدة، لكنه -لسبب غير معلوم- احتفظ بالمخزون كاملًا، وعندما هطلت الأمطار، صرف كميات تفوق قدرات سد الروصيرص على الاستيعاب“.
ما اعتبره عبد المحسن ”غير معلوم“، كان معلومًا للسودان ويراه مسوِّغًا مرتبطًا بخطط إثيوبيا، فقد قال حمد في تصريحات صحفية: ”كانت هناك رغبة إثيوبية في الملء الكامل لبحيرة السد في أثناء حفل افتتاحه أوائل شهر سبتمبر الماضي، وجاءت أمطار نهاية سبتمبر غير المتوقعة لتجبرهم على تخفيض مستوى البحيرة“.
لا يتفق ضياء القوصي -النائب السابق لرئيس المركز القومي لبحوث المياه بوزارة الري والموارد المائية المصرية- مع هذا التسويغ، مشيرًا إلى أن المشكلة أبعد زمنيًّا من مشهد حفل الافتتاح.
القوصي -خبير المياه ومستشار وزير الري المصري الأسبق- يقول للشبكة: ”تم الامتلاء الكامل قبل حفل الافتتاح بمدة طويلة، وكانت هناك تحذيرات منذ بداية العام بضرورة تفريغ كميات من المياه تدريجيًّا قبل بداية موسم الأمطار في يوليو، لكن ذلك لم يحدث“.
ويعزو القوصي امتلاء بحيرة السد إلى عدم كفاءة توربيناته البالغ عددها 13 توربينة، مشيرًا إلى أنها لو كانت تعمل بكفاءة قبل حفل الافتتاح في 7 سبتمبر، لتم استيعاب كميات المياه الواردة إليه يوميًّا، لكن على ما يبدو فيها مشكلة دفعت إثيوبيا لتصريف 750 مليون متر مكعب خلال خمسة أيام متصلة (25–29 سبتمبر 2025)، مما تسبب في فيضانات النيل الأزرق وتهديد السكان في السودان.
ويؤكد القوصي أن عودة منسوب البحيرة إلى مستوى التخزين الطبيعي -عند 638 مترًا- تتطلب إعادة النظر في كفاءة التوربينات، فإذا كانت تعمل بكفاءة، يمكن تصريف الإيراد السنوي من خلالها، أما إذا استمر التعثر، فيجب فتح بوابات المفيض بقدر الإيراد اليومي، الذي ينخفض عادةً إلى نحو 200 مليون متر مكعب بنهاية أكتوبر القادم.
ويشير أحمد فوزي -أستاذ المياه واستصلاح الأراضي بمركز بحوث الصحراء في مصر- أيضًا إلى مشكلة التوربينات وعدم كفاءتها، موضحًا أن أي سد توجد فيه بوابات للطوارئ لا تُفتح إلا في حالة الخوف من انهيار السد، إضافةً إلى بوابات توليد الكهرباء.
ويستطرد فوزي: ”ولا يوجد تفسير لعدم انخفاض منسوب بحيرة السد، مما جعل مياه الأمطار الجديدة تمثل عبئًا، سوى أن بوابات توليد الكهرباء لم تُفتح لمشكلة في التوربينات، مما اضطر إثيوبيا إلى فتح بوابات الطوارئ لإنقاذ سد النهضة، وتصدير المشكلة إلى سد الروصيرص“.
يقول فوزي للشبكة: ”هذه الأزمة توقعها كثيرون، بسبب إصرار الجانب الإثيوبي على التصرف منفردًا، وعدم تبادُل المعلومات مع السودان، رغم وجود اتفاق معها“.
وإزاء هذا المشهد الذي يبدو أنه سيتكرر بسبب تداعيات التغيرات المناخية وتسبُّبها في غزارة الأمطار بمنطقة حوض النيل، يرى عبد المحسن أنه يجب على الجانب الإثيوبي العمل على توفير خطط بديلة لتفادي تصدير الأزمة إلى السودان.
ويتساءل عما إذا كان بإمكانهم الاستثمار في حل يشبه الحل المصري بشق قناة مفيض توشكى التي تقوم بتصريف مياه السد العالي عندما يصل إلى الحد الأقصى للاستيعاب.
ويقول: ”لو لم يكن لدى مصر هذا الحل، لواجهت مشكلات كبيرة هذه الأيام، وكانت ستضطر إلى تصريف كميات كبيرة من المياه إلى منطقة الدلتا، تسبب غرقًا للأراضي“.
وحتى يتم التفكير في حل شبيه يمنع تصدير الأزمة إلى دول المصب، لا سيما السودان، لا يرى يوسف من سبيل سوى تبادل البيانات والمعلومات بين دولة إثيوبيا ودول المصب.
يقول يوسف: ”أضرار إثيوبيا من أي مشكلة في سد النهضة، حتى في حال انهياره، ستكون أقل بكثير من الأضرار التي ستلحق بسد الروصيرص، لذلك فإن إحاطة دول المصب -وخاصةً السودان- بأي تطورات تخص السد، مهما بلغت خطورتها، ليست تفضلًا من الجانب الإثيوبي، بل هي فرض“.
ويضيف: ”ما زلت أخشى سيناريو مرعبًا، وهو انهيار سد النهضة، وما قد يؤدي إليه من تداعيات خطيرة على سد الروصيرص، ولذلك فإن التعاون وتبادل البيانات بين الدول المعنية أمرٌ ضروري“.
ويحذر يوسف من أن الوزن الهائل للمياه المثقلة بالطمي قد يؤدي إلى نشاط زلزالي في بحيرة سد النهضة، مما يسبب تشققات في بنيته وانهياره، ومن ثم انهيار سد الروصيرص وغرق الخرطوم، أما إثيوبيا فلن تتأثر بذلك.
ويدعو يوسف المتشككين في إمكانية حدوث هذا السيناريو لمراجعة سوابق تأثر السدود بالوزن الهائل، مثل سد أورفيل في كاليفورنيا عام 1975، وسد كونيا غرب الهند عام 1967.
يتفق القوصي وفوزي مع ما ذهب إليه يوسف من أهمية تبادل المعلومات بين إثيوبيا ودول المصب، مشيرًا إلى أن ”أي تكرار للأزمة الحالية قد يضر بسد الروصيرص، ولتفادي ذلك لا مناص من التنسيق وتبادل البيانات“.
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا