Skip to content

28/02/19

تغطيات المياه بين جاذبية ’الصراع‘ وتجاهل ’التوافق‘

Water conflict
حقوق الصورة:Rehab Abd-almohsen / SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

في بحث علمي حظي باحترامٍ كبيرٍ في أوساط السياسيين، وتغطية واسعة من الإعلاميين، وأثار جدلًا ضخمًا بين الباحثين، نشر بيتر جليك عام 1990 ورقته العلمية التي ربط فيها بين الجفاف وندرة المياه من جهة، ونشوب الحروب والثورات، وبالتالي ارتفاع أعداد المهاجرين من جهة أخرى.

ومع نشوب الحرب في سوريا، تصدَّر بحث بيتر جليك -الباحث بمحال علوم البيئة- من جديد حديث الأوساط العلمية، مستشهدين به كأحد أسباب ما وقع في سوريا، ومدللين على ذلك بمرور البلاد ذات الطبيعة الخصبة بمرحلة جفاف، تلاها نشوب النزاعات المسلحة، ومن ثَم هجرة أعداد كبيرة من السكان.

”حظي هذا البحث بقدر كبير من التغطية الإعلامية، في الوقت الذي أهمل الإعلام فيه تغطية المتشككين والمعارضين لما ورد في البحث“، كما تقول روزماري تير هورست، المحاضر بمجال دبلوماسية المياه في معهد اليونسكو- أي أتش إي دلفت لتعليم المجالات المائية، خلال ورشة العمل التي انعقدت في المؤسسة ذاتها خلال الفترة من 12 إلى 16 فبراير الجاري، حول الإعلام والعلوم ودبلوماسية المياه.

وسردت تير هورست عددًا من النماذج لعناوين من صحف ذائعة الانتشار، منها ’حروب المياه بين الدول قد تكون قريبة جدًّا‘ عنوانًا لمقال في جارديان عام 2012، و’الحروب قد تندلع في أرجاء العالم بسبب المياه‘ مقالًا في مجلة نيوزويك عام 2015، و’دماء مقابل الماء‘ عنوانًا لفيلم تسجيلي عُرض على قناة TRT وغيرها.

وتابعت: ”كما يتضح من الأمثلة، هناك تحيُّز واضح في الإعلام لصالح تغطية الصراع حول المياه بدلًا من تغطية التوافقات“.

وبالعودة لبحث جليك نجد أن تحيُّز الإعلام لتغطية سيناريو الجفاف والحروب بدا جليًّا. ”الخوف والشعور بالتهديد في أوروبا، جعل من قضية الصراع حول المياه موضوعًا بحثيًّا ساخنًا للعلماء والباحثين“، كما توضح تير هورست، ”ومن هنا ظهر العديد من الدراسات التي ربطت بين المناخ والجفاف والحرب في سوريا“.

وشددت على أن الصراع حول المياه حديث العهد، ”والدراسات حوله ما زالت في أول الطريق، ونحن ما زلنا لا نعرف الكثير عنه حتى الآن“.

وفي لفتة أخرى، أوردت الباحثة الهولندية موقفًا واجهها عندما هاتفها صحفي من رواندا، وطلب منها التعليق حول موضوع الصراع حول المياه، وعندما بدأت في الحديث حول التوافقات حول المياه، وكيف أنه من الممكن أن يكون الخلاف على المياه شيئًا إيجابيًّا؛ لجذب الأطراف المتنازعة لفتح حوار الوصول إلى توافق، بدا غير مهتم، وكرر سؤاله حول الصراع.

وعن الأبحاث العلمية المشابهة لبحث جليك وأهمية عدم التعامل مع البحوث كمسلمات وحقائق، بل كمعلومات يجب التشكك فيها والبحث حولها، أكد أدهم بدوي، طالب الماجستير في مجال إدارة المياه بمؤسسة دلفت لتعليم المياه: ”على الصحفي ألا يتعامل مع أي فرضية بحثية مطروحة كحقيقة مسلم بها“.

وتابع: ”لا بد من دراسة الأدلة التي يطرحها الباحث بتأنٍّ، والتدقيق فيما إذا كان هناك أجندة خفية وراء الفرضيات التي تطرحها الدراسة“.

ويرى بدوي أنه لا بد من مراعة المهنية والتوازن في أثناء تغطية البحوث، من خلال طرح البحث على باحثين مستقلين في المجال ذاته للتعليق عليه بحياد وفضح الزيف العلمي في البحث إن وجد، والإجابة عن أسئلة، منها: ما الأدلة المستخدمة؟ وما نوع البيانات المستخدمة في البحث؟ وما الموقف الخفي وراء البحث؟ وما التحيزات الممكنة؟

أما عن الإعلام والدور الذي يؤديه لتوصيل الرسالة الخاصة بالباحثين، فشدد بدوي على أهمية التوازن الإعلامي في تغطية الآراء المختلفة للباحثين، مستشهدًا ببحث جليك، الذي حظي بتغطية واسعة وجرت استضافته بكثافة من قِبَل الإعلاميين، بسبب جاذبية الحديث عن الصراع، في حين جرى تجاهُل الآراء البحثية الأخرى في التغطية الإعلامية.

أن يظهر عنوان يحمل كلمات مثل (الحروب القادمة حروب على المياه) فهو يحمل قدرًا كبيرًا من الجاذبية، ولكنه يتجاهل حقيقةً مفادها أنه لم يحدث عبر التاريخ أي حروب على المياه إلا في حالات نادرة ومحلية، كما يجري تجاهل أن الحالات الأكثر شيوعًا هي حالات التوافق والمصالحات، لا الحروب.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا