Skip to content

17/08/20

س و ج مع خبير سوداني حول أمان سد النهضة

GERD filled - MAIN
حقوق الصورة:Hailefida, (CC BY-SA 4.0)

نقاط للقراءة السريعة

  • الخبرة الإنشائية لبناء مثل هذا السد محدودة، وكود الإنشاء ما زال غير واضح أو مطور على نحوٍ كافٍ
  • يقلق بشدة أن تكون الجهة المسؤولة عن تشييد سد النهضة تصميمًا وتنفيذًا وإشرافًا شركة واحدة
  • لو صرفت إثيوبيا مياه الفيضان الكبير من سد النهضة لانهارت كل السدود التي تليه على النيل

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

حوالي نصف ساعة من القيادة بالسيارة بسرعة متوسطة هو الزمن الفاصل بين سد النهضة الإثيوبي والحدود السودانية، ولعل هذا القرب أحد دوافع الحكومة السودانية إلى شجب أي إجراءات أحادية من الجانب الإثيوبي، دون تنسيق لما سيترتب عليها من آثار على السودان؛ نظرًا لمحدودية القدرة على اتخاذ إجراءات حال وقوع أي حدث مفاجئ.

 ياسر عباس -وزير الري والموارد المائية السوداني- وجَّه خطابًا يوم 4 أغسطس الجاري إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا، التي تؤدي دور الوساطة بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، ليؤكد المخاوف التي يثيرها السد على السودان وشعبه، وضمنها المخاطر البيئية والاجتماعية وسلامة السدود السودانية.

”السودان لن يقبل برهن حياة 20 مليون من مواطنيه يعيشون على ضفاف النيل الأزرق بالتوصل إلى معاهدة بشأن مياه النيل الأزرق“.

يثير السد -الذي يبعد 20 كيلومترًا فقط عن حدود السودان- أسئلة عديدة تتصل بدرجة أمانه، يجيب عنها في حوار لشبكة SciDev.Net، عبد الكافي الطيب، الذي عمل مهندسًا في وزارة الري والموارد المائية بالسودان، وهو عضو في مجموعة رافضة لترتيبات سد النهضة، وتهدف إلى التوعية والتحذير من سلبيات آثاره.
 
ما المؤاخذات العلمية التي دفعتكم إلى التحفُّظ على السد؟

في البداية وقبل طرح موقفي أريد أن أوضح أنه حتى لو كان السد سودانيًّا لكنت اتخذت الموقف ذاته، وكلامي مبني على حسابات علمية بحتة بعيدة عن الاستقطابات السياسية، فأنا همي الأول مصلحة الشعب السوداني.

أولًا، هذا السد غريب؛ فمثلًا كلمة وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، توضح كم التخفي وشح المعلومات حول السد من الجانب الإثيوبي، إذ قال مطلع يوليو نصًّا: ”إن المفاوضات مع إثيوبيا كانت تدور حول سد آخر مختلف تمامًا عن سد النهضة“، وهذا التغييب للشفافية وحجب معلومات تتعلق بمشروع كبير مثل هذا يزيد من الشكوك.

ولأوضِّح الأساس الذي نبني عليه مخاوفنا، فإن هذا السد مبنيٌّ بطريقة يُطلق عليها في لغة الإنشاءات والتشييد ”تسليم مفتاح“، أي أن الجهة المعنية بالتصميم هي ذاتها المنفذة للسد، وهي ذاتها أيضًا الجهة المشرفة. وهي شركة ’وي بيلد‘ الإيطالية المعروفة سابقا باسم ’ساليني إمبريجيلو‘، وهذا أمر غير مقبول في حال رغبنا في بناء مبنى سكني، فما بالك ونحن أمام سد ضخم؟

نقطة أخرى خاصة بتصميم السد، الذي تولت أمره الشركة الإيطالية، بتكلفة 4,8 مليارات دولار، إذ قام خبراء سودانيون –وفق تصريح من وزير الري السوداني ياسر عباس– بعمل تعديلات على التصميم وإضافة قواعد لزيادة أمان السد، وتم قبول الإضافات التي طلبها الجانب السوداني، لترتفع التكلفة 1,5 مليار دولار إضافي، وهذا أمر يثير الريبة والعجب، فكيف ترفع التكلفة إلى الثلث، بناءً على تعديلات مقترحة من خبراء في السودان، كما يظهر أيضًا في لقاء تلفزيوني، تحديدًا في الدقيقة 27:50.

هل كانت الشركة مستعدةً لإنجاز مشروع عملاق دون استيفاء شروط الأمان بالكامل؟ هل كانت هذه التعديلات ضروريةً أم غير ضرورية؟ وإذا كانت ضرورية، فهل كانت الشركة المنفذة على استعداد لبيع مشروع ’معيب‘ لإثيوبيا؟

نقطة أخرى أحب أن أشير إليها، وهي فرضية أن هذا السد مصمَّم لتحمُّل أقصى فيضان، الذي يحدث عادةً كل 10 آلاف سنة، وخطورة هذا الأمر أن البيانات التي نملكها تخص 200 سنة افتراضًا. ولتقدير موعد الفيضان الأقصى، يتم عمل ما يُطلق عليه ’استقراء‘؛ إذ يتم عمل جداول تقديرية لما يُحتمل أن يستقبله النهر عند موقع السد بناءً على بيانات السنوات الماضية.

وبناءً على هذه الاستقراءات، فمن المرجح أن يكون أقصى وارد للنهر 2,4 مليار متر مكعب في اليوم، وبالتالي عند حدوث فيضان ضخم مثل فيضان 1988، المفترض أن تُفتح الأبواب لتمرير هذه الكمية الضخمة من المياه، ولكن الأبواب المصممة تمرِّر 30 ألف متر مكعب في الثانية، أي 2.6 مليار متر مكعب في اليوم حدًّا أقصى، ولو حدث هذا لتهدَّم كلٌّ من سد الروصيرص، ثم مروي، وسد سنار، وحتى السد العالي بمصر لن يتحمل هذه الكميات.

هذا الخزان بهذه المواصفات خطر على السودان، ونحن نعارضه ليس لأنه إثيوبي إطلاقًا، فكما قلت ”لو كان السد سودانيًّا لكنا عارضناه“؛ لأن سدًّا بهذه المواصفات خطير جدًّا.
 
أتضع إثيوبيا المليارات في مشروع كهذا السد دون ضمانات كافية لعدم انهياره؟

ما لا يعرفه الكثيرون، أن عدد السدود العملاقة التي على شاكلة السد الإثيوبي محدودٌ على مستوى العالم، مقارنةً بإجمالي عدد السدود، فوفقًا لموقع منظمة الأنهار الدولية، هناك حوالي 300 سد عملاق حول العالم، وهذا يعني أن الخبرة الإنشائية لمثل هذه السدود لا تزال محدودة، وكود الإنشاء لا يزال غير واضح أو مطور بشكلٍ كافٍ.

وشاهدنا في يوليو هذا العام صور أقمار اصطناعية تُظهر انبعاج سد المضائق الثلاثة الصيني، أكبر سد في العالم؛ بسبب فيضان ضخم فاق قدرة السد الذي يبلغ عمره 24 عامًا فقط.
وأعود مرةً أخرى لطرح سؤال: ما التفسير لقيام مجموعة خبراء من السودان بتعديل تصميم سد النهضة أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، علمًا بأنه سدٌّ ذو تكلفة ضخمة إذا كانت درجة أمانه مرتفعةً بالفعل؟
 
كيف يمكن التعامل مع الخطر الأكبر الذي يهدد السدود السودانية في حال تمرير إثيوبيا لكميات كبيرة من المياه دون تنسيق مع الطرف السوداني؟

لا أدري ماذا أقول، منذ أيام قليلة شاهدنا كيف أدى انهيار سد بوط الصغير، المخصَّص لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه في موسم الفيضان إلى حدوث كارثة؛ إذ تَسبَّب في جَرف الجسر الترابي، وانهيار أكثر من ٦٠٠ منزل بمدينة بوط بولاية النيل الأزرق.

أما في حالة سد عملاق مثل سد النهضة، فالتعامُل بمنطق حسن النوايا أمرٌ غير مطروح في السياسة الدولية، فإثيوبيا صديقتنا اليوم، ولكن من الوارد جدًّا أن ينقلب الود إلى عداء في وقت لاحق، فمن غير المقبول أن تتحكم دولة جارة بأمن السودان كاملًا مثلما يحدث الآن.

إثيوبيا الآن تملك حبس مياه النيل، وتلويثها، وإحداث فيضان، ولا يملك أيٌّ من السودان ولا مصر خيارات كدول مصب، السودان أيضًا يملك التحكم في المياه الواردة إلى مصر، لكن مصر لا تملك الإضرار بالسودان ولا بإثيوبيا، فمن ناحية إستراتيجية، خطأ كبير أن نعطي إثيوبيا حق التحكُّم في النيل.

لا بد من التنسيق لحماية سدود السودان؛ لأنها مهددة بقوة.

كيف ترى أثر حجز الطمي خلف السد على أمانه وسلامته وعلى غير هذا؟

كل ما يعرفه الناس عن الطمي أنه يجدد خصوبة التربة، ولكن قيمة الطمي تفوق هذا، فهو يحافظ على مجرى النيل؛ لأن المياه إذا تدفقت صافيةً وغير محملة بالطين والطمي، يحدث نحر لمجرى النيل ويزيد عمقه، وبالتالي يصعِّب من الري، وهو ما نلاحظه من أثر للسد العالي بمصر في مناطق منها القناطر الخيرية والدلتا، إذ تطلَّب الأمر تدخُّل الحكومة لحماية مجرى النيل.

كما أن حجز الطمي وراء سد النهضة يُعَدُّ ضاغطًا إضافيًّا على السد، ويتسبب في الإضعاف من درجة أمانه، ونزول المياه الصافية من المفيض يعمل على نحر جوانب الخزان.

أتوقع أن يفقد العديد من المزارعين أراضيهم ووظائفهم بعد انتهاء الري الفيضي بسبب السد، وسيلجأ أغلبهم إلى استخدام الروافع ’مضخات المياه‘ ومن ثم استهلاك أكبر للوقود، وكذلك الأسمدة والمبيدات.
 
ما الضمانات والإجراءات التي تطالبون الحكومة بعملها للحفاظ على أمان المواطن على المدى القريب والبعيد؟

نحن نطالب حكومتنا بدايةً بالاستماع لمطالبنا كجماعة من المتخصصين، منذ وقت طويل ونحن نناشد الحكومة بأن يكون لها دورٌ أعمق من دور الوسيط أو المتفرج الذي دأبت على اتخاذه لفترات طويلة، طالبنا الحكومة بالدفاع عن مصالح المواطنين.

الحكومة كانت راضيةً بالحصول على منافع من السد، كالحصول على كهرباء، وانتظام منسوب المياه، وتخفيض الطمي.

كنا نطالب الحكومتين السودانية والمصرية بالتمسُّك بتنفيذ القوانين الدولية للمياه، التي تنص على الإخطار المسبق بإنشاء السد، وهو ما لم يحدث، ولكن حتى لا نبكي على اللبن المسكوب، فإننا الآن نتمنى تطبيق البند الثامن من اتفاقية إعلان المبادئ لعام 2015 التي وُقِّعت من قِبَل رؤساء الدول الثلاث، والتي تنص على ”تنفيذ إثيوبيا الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد، الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية“.

هذا البند لم يتم تحقيقه من قبل إثيوبيا ومن الشركة المنفذة للمشروع، وعلينا أن نتذكر أنه مهما بلغت درجة أمان المشروعات العملاقة التي هي من صنع البشر فهناك دائمًا احتمالية لحدوث كوارث، مثلما حدث في مفاعل تشيرنوبل، أو سفينة تيتانيك.

حتى هذه الكوارث كانت ذات خطر محدود إذا ما قارنَّاها بخطر هذا السد، الذي لا يقف تهديده عند القضاء على مدينة أو عدد من الأفراد، بل يهدد بزوال السودان بشكل شبه كامل.

على الحكومة السودانية الاطلاع على دراسات الجدوى والدراسات البيئية والجيولوجية ودراسات الأخطار وتحليل الأخطار وتقارير اللجان الخاصة بأمان السدود، والتأكد من موافقتها لقواعد الهيئة الدولية للسدود الكبيرة، والتي تتضمن رسم سيناريوهات للانهيار أو لحدوث أي خلل وكيفية مواجهته، ولنظم الإنذار المبكر.
 
  
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا