Skip to content

12/05/17

إن جنحوا للسلم

Tunisia youth in alley.jpg

نقاط للقراءة السريعة

  • قد يستمد الشبان القدرة على مجافاة العنف من التكنولوجيا الرقمية
  • أجدى تكنولوجيات السلام، وأكثرها فاعلية هي تلك التي يقودها الشباب
  • لذا يجب أن يقود الشبان تكنولوجيا السلام، وأن تكون جزءًا لا يتجزأ من واقعهم

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تؤكد هارييت لام أن الشباب يمكن أن يكونوا بالتكنولوجيا قادة إلى السلام، لا وقودًا للعنف والحرب والتطرف

قريبًا كنت في تونس العاصمة، وزرت ضاحية محرومة تسمى حي التضامن، وشأنه في هذا شأن الكثير من الأحياء المعدمة التي تعاني البطالة والفقر والجريمة والعنف. هناك قال لي شاب: ”لدينا مشكلات من تعاطي المخدرات، ولدينا مشكلات من الإرهاب“.

كان الشاب يتحدث وهو يمتلئ حماسة عن الرغبة في أن يغير الشبان عقولهم وأفكارهم وآراءهم، وإن هم فعلوا ”فسوف يغيرون حياة الناس“.

هناك، وبعد ست سنوات من الثورة، تغيرت القيادة التونسية، والبلاد شرعت تبني مجتمعًا أكثر ديمقراطية، ربما ببطء، لكنها ماضية فيه بالتدريج. ومع ذلك، لا يزال الكثير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية قائمًا لا يتغير. وما برح الفقر والبطالة بين الشبان يخيمان على الأحياء التي تشبه حي التضامن، والتي غالبًا ما توصف بأنها بؤر للتطرف.

هناك لا يملك الشبان عملًا، ويواجهون التمييز عند كل منعطف، فلا يجدون السلوى إلا في المخدرات، ولا يشعرون بالحيثية إلا في الانضمام إلى جماعة متطرفة، أو تنظيم عنيف مثل ’داعش‘.

لكن شيئًا جديدًا حدث في حي التضامن، وفي أماكن أخرى متضررة من العنف، إذ جنح الشبان هناك للمشاركة في ما يُطلَق عليه ’تكنولوجيا السلام‘ الحديثة، وبدءوا في الإمساك بزمام التغيير بأنفسهم.

الدرس المستخلَص هنا، أنه في بعض الأحيان، ربما جاءت القدرة على اختيار مسار مختلف من الأدوات الرقمية.

مفاتيح للخير

برهن أحدث مؤشر للسلام العالمي (2016) على أن العنف والتطرف آخذان في العلو بشتى أرجاء المعمورة؛ ما يؤكد الحاجة إلى إيجاد سبل خلاقة لبناء مجتمعات أكثر سلامًا.

ولقد استقر في يقيني أن شيئًا من الاستجابة لهذا وذاك قد يكون باستخدام الأدوات الرقمية؛ ففيها إغاثة لكل ملهوف متضرر من الصراع، ومعالجة لدوافع العنف، ومؤازرة لبناء سلام يدوم.

وهذه هي الفكرة الكامنة وراء مبادرة تستخدم خريطة الشارع المفتوحة، وهي أداة رقمية تعاونية تُستخدم في تونس من قِبَل المنظمة غير الحكومية التي أقودها؛ ’إنترناشونال أليرت‘.

تدربت ثلة من الطلاب والخريجين يقطنون حي التضامن على استخدام المنصة من أجل تعيين مواضع الأماكن وأسماء الشوارع في حيهم، وإضافة تفاصيل لم تكن موجودة من قبل إلا في أنحاء تونس الأكثر ثراءً. وحددوا أيضًا المناطق التي تحتاج إلى خدمات أساسية. وهم يعملون الآن مع المجلس المحلي لتحديد أوجه إنفاق نصف ميزانية الاستثمار العام.

وبعد التشاور مع أفراد مجتمع الحي، طلبوا إصلاح الطرق وإنارة الشوارع، وتحديد أماكن جمع القمامة، وإنشاء المزيد من ملاعب الأطفال.

Tunisia peace tech map 485p.jpg
اضغط لتكبير الصورة

جانب من ’خريطة الشارع المفتوحة‘ التي رسمها شباب حي التضامن في تونس.

يقول أحد الشبان: ”في البداية لم تأبه لنا السلطات المحلية، ولم يحفل بنا المسؤولون؛ ظانين أننا لا نصنع شيئًا، سوى التقاط الصور بهواتفنا“. ويردف: ”لكنهم يرون الآن إنجازاتنا، وينظرون إلينا نظرة احترام“.

ولا يخفى أن جُل الذين ينجرفون إلى الجريمة أو التطرف العنيف يأتون من أحياء مهمشة. فإذا ما وفر لهم مشروع مثل ’رسم الخرائط‘وضعًا اجتماعيًّا مرموقًا، ومنحهم الإيمان والأمل في إحداث تغيير إيجابي؛ فإنه بذلك لا يُكسبهم مهارات جديدة فحسب، لكنه يضع أمامهم بدائل أخرى –غير الجريمة أو العنف- ليختاروا منها.

مغاليق للشر

بيد أننا لسنا بصدد الخوض في التكنولوجيا فقط. ولئن كان صحيحًا أن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات تُعَد أدوات قوية، فإن إشراك الشبان أمر حتمي.

ويمكن القول إن برنامج الاستعانة بجهد الجمهور ’أوشاهيدي‘ في كينيا هو المثال الأكثر شهرة. وقد بدأ البرنامج بناشطين شباب يستخدمون مكالمات الهواتف الخلوية والرسائل النصية؛ لمراقبة الصراع السياسي في أعقاب أزمة ما بعد الانتخابات عام 2008، ويُستخدم البرنامج الآن في أرجاء مختلفة من العالم بهدف الإغاثة الإنسانية، ومراقبة الانتخابات، ولأغراض أخرى.

والأمثلة الأخرى كثيرة؛ ففي الأردن، ثمة مشروع يقوده الشبان يسمى ’تيك سوشيال‘، تديره منظمتا ’إنترناشونال أليرت‘ و’تيك تريبس‘، حيث يتجمع الشبان الأردنيون والسوريون النازحون بسبب الحرب لوضع حلول تكنولوجية منخفضة التكلفة لبعض المشكلات التي تواجهها مجتمعاتهم. وفي إطار هذه العملية، يعزز المشروع أيضًا التفاهم المتبادل والصداقات بين اللاجئين الشبان والسكان المحليين، مما يساعد على التماسك الاجتماعي وزيادة لُحمته.

وفي المجتمعات المتضررة من الصراع في أنحاء العالم، تستفيد فعاليات ’هاكاثون‘ تحت عنوان السلام (#peacehacks) من التكنولوجيا؛ لمعالجة قضايا مثل خطاب الكراهية أو التطرف العنيف.

ذروهم يقودوا

مرة أخرى، تؤكد تلك الأمثلة أنه لكي تكون مبادرات تكنولوجيا السلام أكثر فاعلية، يجب أن يقودها الشبان أنفسهم، وألا تنفصل عن حقائق واقعهم.

في مشروع تونس، جاءت فكرة استخدام خريطة الشارع المفتوحة من الشبان أنفسهم. كان من المهم لنجاحها، أن يحدوها ويلهمها ويرشدها شعورهم تجاه المكان، وأن تنبع من إحساسهم بمشكلاته التي هي أس مشكلتهم: فهم من دون عمل، والانتساب للحي كان بمنزلة السُّبَّة، كان يَسِمهم.

على سبيل المثال، عند التقدم للوظائف وإجراء المقابلات الشخصية، أخبرنا أحد الشبان، كيف كان الحرج البالغ يغرق الواحد منهم عندما يقر بأنه من ’حي التضامن‘.

كان التحدي هو المساعدة في تحويل الشعور بالدونية هذا -الذي سببه المكان- إلى مصدر فخار وقوة. لاحظوا، لقد اختاروا خريطة الشارع المفتوحة منطلقًا، مما جسّد المراد من المشروع: المساعدة في تغيير حال حي محروم، وتمكين الناس الذين يعيشون فيه.

بعد رسم الخريطة، عقد الشبان أيضًا مناقشات مطولة -جرت وجهًا لوجه- حول قضايا محددة مثل الافتقار إلى الخدمات، لكنهم تناقشوا أيضًا حول العلاقة بين الشباب والشرطة. وكما قال أحد المشاركين: ”إذا كنت من شبان حي التضامن، فستكون علاقتك بالشرطة سلبية، يميزها انعدام الثقة، وفي الواقع هي السبب الرئيس للانضمام إلى ’داعش‘“.

يقر الجميع بالحاجة المُلحَّة إلى تناول مستقبل الشبان لبناء مجتمعات أكثر عدلًا ومساواة وسلامًا وازدهارًا، لكن علينا أيضًا أن ندرك أن ’الشبان‘ ليسوا مجموعة متجانسة، ولكن لديهم احتياجات متباينة متعددة.

واعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار 2250 بشأن ’الشبان والسلام والأمن‘ في عام 2015 يمثل تغييرًا تاريخيًّا في الاعتراف بأن الشبان يمكنهم تولي القيادة أيضًا عندما يتعلق الأمر بالإبداع في عملية بناء السلام، لأنهم عادة ما يكونون أول مَن يتبنى الأدوات والتكنولوجيات الجديدة. وعندئذٍ تستمد تكنولوجيا السلام قوتها من موطن قوة كهذا.

والخلاصة قالها أحد الشبان المشاركين في مشروع خريطة الشارع المفتوحة، ووجهه تكسوه ابتسامة تبعث على الثقة: ”بالطبع لسنا الجواب لمشكلات تونس، لكننا جزء من الحل“.
 

هارييت لام هي الرئيس التنفيذي لمنظمة "إنترناشونال أليرت". ويمكن التواصل معها على [email protected] أو على تويتر @HarrietLamb

المقال منشور بالنسخة الدولية، ويمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي: 
https://www.scidev.net/technology/opinion/youth-tunisia-violence-tech.html