Skip to content

23/10/13

من أجل تكثيف مستدام قائم على أدلّة سليمة

Rice_fields_spotlight_opinion
حقوق الصورة:Kacper Kowalski / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • • لا تزال بعض الممارسات الزراعية الجديدة –التي يدعمها علماء زراعة– مثيرة للجدل
  • • يمكن للاقتصاديين المساعدة في بناء الأدلة؛ من خلال التكهن بتأثيرات الواقع
  • • تَبَني التكثيف المستدام على نطاق واسع يحتاج كلا النهجين

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يعتمد تقييم أثر الممارسات الزراعية الجديدة في أرض الواقع على دراسات اقتصادية نافعة، كما يخبرنا ديفيد سبيلمان.
 
في أيامنا هذه، ورويدًا رويدًا، يسيطر على تفكير الجميع مفهوم جديد عن الإنتاجية، والنمو، والحد من الفقر في مجال الزراعة بالبلدان النامية؛ ألا وهو مفهوم التكثيف المستدام.

ابتداءً، يتوقّف التكثيف المستدام على ممارسات وتقنيات تساعد المزارعين على تحسين إدارة محاصيلهم، والتربة، والأشجار، والماشية، والمياه بشكل منهجي؛ وهي ما سأطلق عليه: "علم الزراعة الجديدة". وهو في الأساس نهج يُعنى بمساعدة المزارعين على تحسين المحاصيل، وإدارة الموارد الطبيعية بصورة مستدامة في الوقت نفسه.

يغطي علم الزراعة الجديدة مجموعة واسعة من الممارسات، تشمل: التعاقب الاستراتيجي للمحاصيل بهدف الحد من تهديدات الآفات والأمراض، وزراعة أشجار وشجيرات متناثرة –تثبت النيتروجين– مع المحاصيل لتحسين صحّة التربة، وعدم حراثة التربة؛ للاحتفاظ بالرطوبة تحت مخلّفات المحاصيل.

ويمكن أن تلعب الأصناف المستنبَتة والأسمدة الكيماوية دورًا مهمًّا في هذه الأنظمة، لكنها لم تعد في الصدارة كما كانت في العقود الماضية. والأحرى أن التعليم الشعبي في الريف، والتكيُّف أصبحا العاملَين الرئيسيين.
 

مفاهيم مثيرة للجدل

في الواقع، بعض هذه الممارسات ليس جديدا. وتتمثل الجدة بالبعض الآخر في جذبها لكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال: علم البيئة الزراعية، والزراعة المحافِظة على الموارد، والنُّظم المكثِّفة لزراعة الأرز.

وقد أثارت الزراعة المحافِظة على الموارد والنُّظم المكثِّفة لزراعة الأرز –على وجه الخصوص– جدلاً حول أدائها من الناحية التقنية، وبصمتها البيئية. ويحتدم الجدل حول الكيفية التي تسهم بها هذه النُّظم في تحسين غلّة المحاصيل، أو محتوى الكربون والنيتروجين في التربة، أو استخدام المياه الجوفية، أو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو انخفاض استخدام المدخلات الكيماوية.

أيضًا يحتدم الجدل حول إمكانية تكرار هذه النُّظم على نطاق أوسع. فهل يمكن لنظام الزراعة المحافِظة على الموارد –السائد الآن في المزارع الكبيرة الموجودة في أمريكا الشمالية والجنوبية– معالجة المعوّقات المتعلقة بالتربة والمياه، والتي تواجه أصحاب الحيازات الصغيرة في شرق أفريقيا وجنوبها؟ هل يمكن للنُّظم المكثِّفة لزراعة الأرز، مع بداياتها المتواضعة في أوساط مزارعي الأرز من أصحاب الحيازات الصغيرة في مدغشقر، أن تترك بصمتها على غلّة محصول الأرز في شمال شرق الهند وجنوبها؟

حاليا، يزعم كثيرون تحقيق هذه الأفكار الزراعية الجديدة نجاحًا كبيرًا، ولكنها تلاقي معارضة شديدة من آخرين. نتيجة لذلك، أصبحت التوصيات الزراعية غير الضارّة في ظاهرها –مثل التغييرات في مواعيد الزراعة، وطرق بذر البذور، وممارسات الري– مثار خلاف دولي.[1]

كيف يمكن إنهاء هذا الجدل؟

بنهاية المطاف، سوف تتطلب البحوث المستقبلية حول الممارسات الزراعية الجديدة المتعلّقة بالتكثيف المستدام، أكثر من مجرّد علم زراعة مجدٍ، وهو ما يتطلبه أيضا اعتمادها على نطاق واسع. لسوف يقتضي الأمر تقييمات فعليّة، وتوقّعات معقولة للآثار الاجتماعية والاقتصادية؛ التي تُبيّن المواضع التي قد تصلح فيها الممارسات الجديدة، وأين قد تتعثر، وما هي المبادلات بالنسبة للأفراد والمجتمع والبيئة.
 

أدلّة "واقعية"

لكن في كثير من الحالات، يميل الدليل على تأثير الممارسات الجديدة إلى الاعتماد على دراسات زراعية أجريت في ظل ظروف شبه مثالية. على سبيل المثال، أن تتم الدراسات في مركز أبحاث، أو في حقل أحد المزارعين المواكبين للتقدّم، حيث يمكن للخبراء الزراعيين إحكام السيطرة على التجربة. إنّ هذه الدراسات لا تُصوّر دائمًا الواقع "الميداني" في البلدان النامية.

هنا يأتي دور الخبير الاقتصادي، الذي يصرّ على جلب أدلّة قاطعة في ظل ظروف واقعية. أثناء مشيهم المُجهِد خلال الحقول، قد تسمع الاقتصاديين يتحدثون بمصطلحات مبهمة؛ مثل 'تدخيل العوامل الخارجية'، أو 'تحيّز الانتقاء الذاتي'، أو 'المتغيّرات داخلية المنشأ'. بل ويصر الاقتصاديون أحيانًا على أن المحصول –الذي قد يبدو مربحًا للمزارع– ربما لا يكون مجديًا من الناحية الاقتصادية؛ عند أخْذ الأسعار والتكاليف في الاعتبار. إنهم لم يدرسوا النباتات أو أنواع التربة أو المياه، والحال كذلك مع معظم علماء الزراعة والمصطلحات الاقتصادية.

لا تسيئوا فهمي، هناك العديد من الاقتصاديين الذين يعملون جيدًا مع علماء الزراعة، ويقدمون بعضًا من أكثر الأدلة إقناعًا لدعم علم الزراعة الجديدة. على سبيل المثال، إن تقييم الاقتصاديين لزراعة القمح باستخدام الحد الأدنى من حراثة الأرض في شمال غرب الهند يدل على المدى الذي يمكن لعلم الزراعة النافع أن يزيد به غلّة المحاصيل، ويُقلّل من استخدام أصحاب الحيازات الصغيرة للمياه الجوفية.[2]

وثمة تقييم مماثل لزراعة القمح والشعير باستخدام الحد الأدنى من حراثة الأرض في المغرب، يوضّح المقايضة الاقتصادية بين استخدام بقايا المحاصيل بعد الحصاد: لتحسين صحة التربة أو إطعام الماشية، خاصّة في سنوات الجفاف.[3]

ومع ذلك، لا يزال دور الاقتصادي مهمشًا -نوعا ما- في دنيا علم الزراعة الجديدة، أو ربما لم يدرك بعد عدد كاف من الاقتصاديين أهميته المحتملة.

وفي كثير من الأحيان، يتمثل التحدي في أن أساليب كل تخصص قد تبدو مربكة للتخصص الآخر. وعند مراعاة ممارسة زراعية بعينها، مثلاً، يهتم الاقتصاديون بسلوك المزارعين، بينما ينظر علماء الزراعة إلى البشر بحسبانهم عاملاً ثابتًا أثناء دراستهم لسلوك النبات والتربة والمياه.
 

استخدام التحقيق الاقتصادي

يمكن للاقتصاديين -إذا سنحت لهم الفرصة- القيام بثلاثة أشياء كما ينبغي: تقييم الأثر الاقتصادي لممارسة زراعية جديدة، والتكهّن بتأثيراتها واسعة النطاق على الرفاهية، واستبعاد الأفكار الرديئة.

وعندما يتعلق الأمر بالتقييم، يمكنهم اكتشاف كيف يؤثّر التنوّع داخل مجتمع سكاني معين –من حيث الثروة أو التعليم، مثلاً– على التكاليف والفوائد، أو كيف يمكن أن يمثّل التنوّع مقايضة للراغبين في تبنّي هذه الممارسة.

يمكن للاقتصاديين أيضًا تقييم الجهود الترويجية، مثل البيانات العملية، أو دعم مستلزمات الإنتاج المستهدفة، أو إنشاء مدارس المزارعين الحقلية. ومن ناحية أخرى، يمكنهم استقصاء أسباب عدم تبنّي المزارعين للممارسات الجديدة، وتقييم مشاعرهم بشأن المخاطر أو تطلعاتهم للمستقبل، على سبيل المثال.

ويستطيع خبراء الاقتصاد استخلاص النتائج من الميدان واستشراف المستقبل، ومحاكاة سيناريوهات بديلة حول أسعار المواد الغذائية، أو الفقر، أو النتائج البيئية، حتى مع وجود "التشويش" المصاحب عادة للأوضاع على أرض الواقع.[4، 5]

ثمة حاجة إلى هذه الأساليب لإثبات فوائد الممارسات الزراعية الجديدة بما لا يدع مجالاً للشك، والتي ربما لم تتسن فرصة استطلاعها بشكل متعمق إلا لاقتصاديين معدودين. وإذا ما أراد علماء الزراعة والاقتصاديون أداء المهمة على نحو يضيف دليلاً مفيدًا للنقاشات الدولية، يجب أن يتعاونوا بشكل أوثق.

 
ديفيد ج سبيلمان هو زميل أبحاث في شعبة البيئة وتكنولوجيا الإنتاج بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ومقره واشنطن العاصمة. ويمكن التواصل معه على [email protected].

المقال منشور بالنسخة الدولية ويمكن مطالعته عبر العنوان التالي:
making sustainable intensification work on sound evidence

هذا المقال جزء من ملف: نحو استدامة إنتاج الغذاء.
 

References

[1] Agriculture and Human Values doi: 10.1007/s10460-012-9376-8 (2013)
[2] Erenstein O. Zero tillage in the rice–wheat systems of the Indo-Gangetic Plains: a review of impacts and sustainability implications. In: Spielman, D.J. and Pandya-Lorch, R. (eds.), Proven Successes in Agricultural Development: A Technical Compendium to Millions Fed (IFPRI, 2010)
[3] American Journal of Agricultural Economics doi: 10.1093/ajae/aas057 (2012)
[4] Nelson, G.C. et al. Food security, farming, and climate change to 2050: scenarios, results, policy options (IFPRI, 2010)
[5] Science doi: 10.1126/science.1185383 (2010)