Skip to content

27/08/20

ارفعوا القبعة لمراسلي مناطق الصراع

SJF
حقوق الصورة:Saad Lotfey/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

وأنت تنقر بإصبعك على لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر الخاص بك والمتصل بشبكة الإنترنت، لتأتيك المواقع التي ترغب في تصفُّحها لجمع معلومات حول قضية تريد الكتابة عنها.. تذكر دومًا أن هناك زملاء من الصحفيين العلميين في مناطق الصراع لا يتمكنون من أداء هذه الخطوة بسهولة، بل تكاد تكون هذه المشكلة هي أبسط المشكلات التي قد تواجههم، في أثناء رحلتهم الصعبة، التي يأملون أن تنتهي بإنجاز تقرير لشبكة SciDev.Net.

وخلال منتدى الإعلام العلمي الافتراضي الذي عُقد في المدة من 24 إلى 26 أغسطس الجاري، استمعت إلى شهادات هؤلاء الصحفيين من سوريا واليمن والعراق حول تلك المشكلات والصعوبات، والتي دفعتني إلى استصغار ما أمر به من مشكلات، والوقوف مصفقًا لهؤلاء المحاربين.

المعروف في عالمنا العربي أن المشكلات الرئيسية للصحفيين العلميين تكاد تكون واحدة، فجميعنا يواجه مشكلة ’المصادر المغلقة‘ العازفة عن الحديث والتعاون مع الصحفيين، وصعوبة الوصول إلى بعض المصادر التي يؤدي غيابها عن التقرير إلى افتقاره إلى الموضوعية والتوازن.

ولكن عندما نضيف إلى هذه المشكلات العمل في بيئة يتنازعها ’أمراء الحرب‘، بما يجعل الأمن الشخصي للصحفي معرضًا للخطر، وعندما نضيف إليها أيضًا العمل في بيئة صارت فيها أصوات الرصاص وقصف الطائرات أمرًا معتادًا، ناهيك ببنية تحتية مهترئة من كهرباء واتصالات، فلا بد إذًا من أن نرفع القبعة لمَن يخاطرون بحياتهم وأمنهم الشخصي، ويتحملون الصعوبات اللوجستية لإنجاز التقارير التي نقرؤها عبر الشبكة.

فإنجاز التقرير الذي تقرؤه خلال دقائق قد يكلف الصحفي حياته، وليس أدل على هذا التحدي من المشكلة التي حكى عنها مراسل الشبكة من سوريا، زكي الدروبي، الذي حرص على أن يكون عَلَم الثورة السورية متوسطًا خلفية المكتب الذي يجلس فيه.

يحكي الدروبي أنه مع إرهاصات اندلاع الثورة السورية، كان المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة -إيكاردا، يعقد مؤتمرًا عن صدأ القمح، وكان مدعوًّا للحضور، فكانت رحلته إلى مقر المركز بمدينة حلب السورية -حيث مكان انعقاد المؤتمر- ضربًا من ضروب المستحيل.

اضطر الدروبي إلى المبيت قبل يوم السفر في مكان قريب من محطة الحافلات، خشية أن تتسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في عدم وصوله في الموعد المحدد للمحطة، وفي يوم السفر أحجم سائقو الحافلات عن الانتقال من حمص إلى حلب بسبب توتر الأوضاع الأمنية، إلى أن وجد سائق حافلة لديه استعداد لخوض المغامرة نظير أجر مضاعف، فاستطاع الوصول إلى المؤتمر بصعوبة بالغة، في رحلة كان من الممكن أن تقضي على حياته.

كان الدروبي يضطر عادةً إلى سلوك دروب طويلة ملتفة، قد لا توجد فيها حواجز أمنية تقيمها أجهزة المخابرات للوصول إلى الجهات والمصادر التي يقصدها لإنجاز تقاريره.

ومع انتقاله الآن إلى الإقامة في تركيا، لا يزال يواجه صعوبات في إنجاز بعض التقارير التي يعتمد فيها على التواصل مع زملائه من الصحفيين في الداخل السوري.

يحكي الدروبي عن قصته في أثناء إعداد تقرير ’إذا سوريا أظلمت‘؛ إذ كان يتواصل مع زميل له بريف حمص الشمالي، ثم انقطع الاتصال فجأة، ليعاود زميله الاتصال به بعد ساعتين معتذرًا، ومعللًا بأنه سمع صوت طائرات النظام السوري تحوم في المكان، وكان عليه إغلاق جميع الأجهزة الإلكترونية، حتى لا يُلتقط مكان وجوده.

وواجه مراسلنا في العراق عادل فاخر التحديات الأمنية نفسها في أثناء إنجاز أكثر من قصة للشبكة، فخلال ظهوره ضمن فعاليات المنتدى بوجه مرهق يعكس حجم التحديات التي يواجهها في عمله، حكى عن تزامُن بداياته في مجال الصحافة العلمية مع اندلاع الحرب الطائفية في العراق، حيث كان الصراع دائرًا بين تنظيم القاعدة وميليشيات مسلحة مدعومة من الحكومة، ثم تفاقم الوضع الأمني بعد ظهور تنظيم داعش، وتعطلت الحياة في 4 محافظات عراقية، ما ترتب عليه الكثير من المشكلات الصحية والبيئية.

يقول فاخر إنه بسبب هذه الأوضاع يُصنَّف العراق على أنه من أكثر البيئات خطرًا على الصحفيين، فمن المشاهد غير المستغربة قتل صحفي أو مدوِّن، وتسجيل القضية ضد مجهول، لذلك كثيرًا ما يُخفي هويته الصحفية، ويتنازل في كثير من المهمات عن أدواته الصحفية، مكتفيًا بقلم رصاص ودفتر صغير يحمله في جيبه، لتدوين الملحوظات.

ولا يبدو الوضع أفضل حالًا عند مراسلنا في اليمن عادل الدغبشي، الذي تميز حضوره في المنتدى بارتداء الزي اليمني الوطني.

يواجه الدغبشي وزملاؤه صعوبات أمنية، لا سيما عند الانتقال من مكان إلى آخر، وهو ما يجعله يخفي هويته الصحفية؛ لأنه في بعض الحواجز الأمنية قد لا يُعطَى الفرصة لتوضيح طبيعة المهمة التي يؤديها، وقد يُعتَقَل لمجرد أنه صحفي.

ولا يسلم الدغبشي إذا قرر العمل من المكتب مكتفيًا بالاتصالات التي تُجرى مع المصادر؛ لأن الهاتف والبريد الإلكتروني عرضة للمراقبة والتنصت من قِبَل الجهات الأمنية.

وفي ظل هذا الوضع الأمني المتردي، يكون إنجاز قصة علمية موضوعية هو ”رابع المستحيلات“، كما وصفه الدروبي.

يقول الدروبي: ”من المستحيل أن تحصل على تعليق من الطرف الآخر لتحقيق التوازن في قصتك الإخبارية، ويكون الحل الذي نلجأ إليه، هو الاعتماد على ما يُنشر في وسائل الإعلام المحسوبة على هذا الطرف؛ حتى لا نُعتقل“.

ويواجه فاخر التحدي نفسه عند كتابة قصة علمية متوازنة في العراق؛ لأن الجهات المتصارعة لا تفرق بين صحفي شامل وصحفي علمي متخصص، وتعاملهم جميعًا بقاعدة (إذا لم تكن معي فأنت ضدي).

ويواجه الدغبشي صعوبات أخرى في رحلته لإنجاز تقرير موضوعي؛ فهو يقيم في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون، لذلك ترفض المصادر من الجنوب التعامل معه.

وفي الشمال حيث يقيم لا يبدو الوضع أفضل حالًا؛ فالحوثيون لا يتعاونون مع أي جهة إعلامية أجنبية، ويضطر في كثير من الأحيان إلى استخدام هويته الصحفية الوطنية، والتي قد لا تكون مفيدةً أيضًا في مناخ غير متعاون مع الإعلام.

والحل الذي يلجأ إليه الدغبشي كثيرًا في سعيه لتحقيق التوازن هو الاعتماد على المعلومات المتاحة لدى المنظمات الدولية، ومع أنه من المفترض أن يكون الطريق إليها ممهدًا، فإنهم في اليمن لا يجدون تعاونًا من المكاتب المحلية لهذه المنظمات، بل تكتفي في تعليقها على أي موضوع بما تصدره من بيانات رسمية، ويضطر في هذه الحالة إلى اللجوء إلى زملائه من القاهرة للحصول على المعلومات من المكاتب الإقليمية لهذه المنظمات، وهذا قد يستغرق وقتًا طويلًا، وحدث ذلك في أثناء إنجازه لتقرير خلاف حول نوع الإنفلونزا في اليمن.

وإضافةً إلى ذلك، فإن المصادر المستقلة من الخبراء والباحثين أصبحوا نادرين جدًّا؛ لأن كثيرًا منهم إما منقطع عن العمل أو ترك اليمن وسافر إلى دولة أخرى.

وحتى نهاية الجلسة، كنت أظن أن الصحافة العلمية في هذه المناطق مقتصرة على الصحفيين الرجال؛ نظرًا إلى حجم الصعوبات والتحديات التي تواجهها، ولكن فوجئت بأن مراسلة الشبكة سونيا العلي من إدلب، شمال غرب سوريا، والتي حرصت على عدم الظهور لأسباب أمنية، ليست صحفيةً عادية؛ فهي رغم حداثة عهدها في مجال الصحافة العلمية، تقدم تغطيات متميزة، معرِّضةً حياتها للخطر.

تحكي سونيا في أثناء كتابة تقرير أغيثوا أهل إدلب، أنها خرجت قاصدةً مدينة أريحا لالتقاط صور لمشفى الشامي الذي تعرض للقصف، وبعد وصولها لم تمض إلا دقائق قليلة حتى سمعت دويَّ انفجار، وما هي إلا لحظات حتى ارتفعت كتلة من الدخان والغبار من قلب الأبنية وسط المدينة، ومن ثم أخذت تخبو ليبدأ دخان أسود كثيف بالصعود، مشكلًا غيمةً سوداء كبيرةً تغطي الأفق، ناجمةً عن حريق ضخم. تبيَّن أن قذيفةً سقطت، على بُعد كيلو متر واحد فقط منها.

وإزاء هذه الصعوبات، فاجأت الصحفية رحاب عبد المحسن -التي كانت تتابع الجلسة- الزملاءَ بسؤال: ”لماذا لا تعملون في مهنة أخرى غير الصحافة العلمية؟“، فكان الرد أنهم يحبون مهنتهم، ”ومَن يحب شيئًا يقاتل من أجله“.

وطالبت رحاب بأن يكون لهؤلاء الزملاء معاملة مالية خاصة؛ تقديرًا لحجم الجهد والصعوبات التي تواجههم، فكان رد الدغبشي: ”القصة ليست قصة أموال، ولو كانت كذلك لبحثنا لأنفسنا عن مهنة أخرى“.

وأمام هذا العشق للمهنة الذي يدفع إلى تحمُّل كل هذه الصعوبات، ليس أقل من أن نرفع لهم القبعة، مرددين: شكرًا لكم على العمل تحت وطأة الصراع.

  
 
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا