Skip to content

09/06/20

خديجة معلى.. الحقانية

Khadija-Moalla
حقوق الصورة:Khadija Moalla/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • دارسة للحقوق والقانون أفنت حياتها من أجل حقوق المهمشين والضعفاء والفقراء
  • سالكة للعديد من الدروب والسبل المسلوكة لإعطاء كل ذي حق حقه
  • حائزة على تكريمات وجوائز نظير إسهاماتها

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

نشأت خديجة توفيق معلى وتربت بمدينة صفاقس التونسية، في بيت أهم سماته الكرم وحب التعلم، على يد أب يحمل الكثير من القيم العالية التي ورّثها لأبنائه الأحد عشر، وأم متأثرة بفكر الوالد رغم أمّيتها.

تخرجت خديجة في كلية الحقوق في تونس، ثم استكملت الدراسات العليا بفرنسا، وحصلت على الماجستير والدكتوراة في القانون الدولي، وعملت على تدريسه في وطنها الأم.

في مسيرتها العملية، يبدو الاهتمام بقضايا النوع الاجتماعي وتمكين المرأة والصحة والحوكمة والتنمية المستدامة، وتحفل بالعمل لصالح تلك القضايا من خلال المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، وهي أيضًا خبيرة ومدربة معترَف بها في منهجية القيادة التحويلية، ولها سهم وافر بالمشاركة من أجل حقوق الإنسان، خاصةً حقوق النساء والفئات الفقيرة والمهمشة، في كل دول المنطقة.

من أبرز إسهاماتها، جهودها لدعم المتعايشين مع مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، إذ عملت مستشارةً لسياسات الإيدز ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في الفترة من 2003 إلى 2013.

حصدت خديجة العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة القيادة من رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، لعملها مع القيادات الدينية في برنامج ’شهامة‘، كما حصلت عام 2010 على جائزة الامتياز في المعرض العالمي للتنمية بين بلدان الجنوب، للحلول المبتكرة الناجحة، واختيرت ضمن أكثر 40 سيدة و500 شخصية مؤثرة في المنطقة العربية عام 2011.

ومؤخرًا اختيرت خديجة عضوةً مفوضةً في لجنة لانسيت الجديدة حول النوع الاجتماعي والصحة العالمية.

تعمل خديجة الآن مستشارة السياسات والبرامج، لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق، في مهمة طويلة الأمد تتمحور حول مجال المساواة وحقوق النساء، وأهمية تمكين المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.

حول سيرتها ومسيرتها كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع خديجة.
 
ما هي دوافعك للاهتمام بكل المجالات التي حفلت بها مسيرتك؟

منذ بداية دراستي في كلية الحقوق بتونس، ثم انتقالي للدراسة في الجامعات الفرنسية، وأنا مهتمة بدراسة حقوق الإنسان، وأهمية أن تُترجم هذه الحقوق في إطار قوانين وضعية لحماية كل فرد في المجتمع.

كنت مهتمةً بالعلاقة بين القانون الدولي والحقوق والحريات وتأثيرها على التنمية، بهدف إيجاد حلول عملية لتنمية بلدي ودول المنطقة التي وُلدتُ وتربيتُ في أحضانها، وتشبعتُ بثقافتها الثرية جدًّا.

وعندما دُعيتُ لحوارات مع بعض الأعضاء في الأمم المتحدة، على هامش مشاركاتي في مؤتمرات دولية، كنت دائمًا أشدد على أهمية حماية حقوق النساء والفئات الفقيرة والمهمشة في كل دول المنطقة العربية والقارة الإفريقية عمومًا، لأنها دول أعرفها أكثر من غيرها.

ثم، كمنخرطة في جمعية أهلية تونسية تُعنى بوباء الإيدز والفئات التي تتعايش معه، كنت أُدعى إلى مؤتمرات إفريقية ودولية حول هذا المرض، وبدأت أعي أهمية الدفاع عن حقوق هذه الفئة.

تلك الاهتمامات كلها جعلت الأمم المتحدة تعرض عليَّ عقدًا مدته سنة واحدة لتنسيق كل الجهود، في كل دول المنطقة العربية، لمواجهة هذا المرض، والدعوة إلى حماية الأشخاص المتعايشين مع فيروسه.

وهكذا بدأت رحلة دامت عشر سنوات، كنت أنتقل كل أسبوع فيها إلى دولة من دول المنطقة، وفق الاحتياجات ووفق طلب الحكومات والمنظمات الأممية، لممارسة أنشطة للتقليل من الوصم الذي كان يعاني منه حاملو الفيروس وخاصة السيدات، والمطالبة بسن قوانين لحماية حقوقهم.

كيف خرج برنامج ’شهامة‘ إلى الوجود؟

قبل انضمامي إلى الأمم المتحدة خبيرةً في مجال التنمية وحقوق الإنسان، كانت رئيسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد دعتني إلى الولايات المتحدة، وهناك تطوعت للتفكير وكتابة الإستراتيجية الحقوقية العالمية في مجال الإيدز.

ومن الأفكار التي اقترحتها، العمل مع القيادات الدينية لتوجيه الخطاب الديني إلى خطاب ينبذ وصم المصابين بالإيدز ويحمي حقوقهم.

هذا يفسِّر لماذا عندما دُعيت لتنسيق العمل لمواجهة الفيروس، في ديسمبر 2003، كنت أعرف أن الفاعلين الرئيسيين في المنطقة العربية القادرين على إزالة الوصم، هما الإعلام من ناحية والقيادات الدينية من ناحية أخرى. وهذا ما دعاني للتفكير في وضع خطة عمل تتضمن أنشطة مع هذين الفاعلين.

بطبيعة الحال إلى جانب العمل مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، إيمانًا مني بأنه يجب على الجميع تحمُّل مسؤولية إيقاف هذا الفيروس الذي لا يعترف بالحدود ولا بأي فروقات واختلافات مهما كانت.

لكن فكرة العمل مع القيادات الدينية لم تُقبل بسهولة، بل هي فكرة رُفضت من أغلبية الفاعلين الأمميين وغيرهم، للعديد من الأسباب، ولكنني تشبثت بها ولم أندم في نهاية المطاف.

من هنا وُلدت (شهامة)، فالفكرة تطورت وخرجت إلى النور لمواجهة الإيدز في 2006. وكان من آثارها سَن بعض القوانين لحماية المتعايشين مع فيروس الإيدز في كلٍّ من اليمن وجيبوتي، كما أسهمت في تحسُّن فرص الوصول إلى العلاج في اليمن، 24 مرةً أكثر من ذي قبل، وزيادة الاستشارات والاختبارات للكشف عن الفيروس في المغرب، بثمانية أضعاف.

ولا تزال لديَّ علاقة قوية جدًّا بالمئات من القيادات المسلمة والمسيحية في كل دول المنطقة العربية. كما لم أزل أشارك في مجموعة الواتس آب للجنة التوجيهية لشبكة شهامة، بالرغم من أنني لم أعد أنتمي إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ 2013.

وهذا إن دلَّ على شيء، فهو يدل على استدامة الأفكار الصحيحة؛ لأن هذه القيادات الدينية واصلت العمل في العديد من المجالات الاجتماعية مستخدمةً الأدوات القيادية التي دُربت عليها.
 
مَن في منطقتنا أولى بالتبصر بالقيادة التحويلية؟

كل أفراد مجتمعاتنا يحتاجون إلى تدريبات على القيادة التحويلية التي كنا نعتمد على منهجيتها مع قادة ’شهامة‘.

بالنسبة لي لا سبيل إلى مواجهة الإرهاب الفكري المسلط على شعوبنا من دون أن نتوخى أساليب ومنهجية ’القيادة التحويلية‘، التي أتت بها وطورتها مونيكا شارما، رئيس البرنامج الإنمائي سابقًا.

 تُعد القيادة التحويلية منهجًا في الإدارة، يعتمد على تشجيع القائد للعاملين وإلهامهم، وتحفيزهم نحو الابتكار، وخلق التغيير، الذي يساعد على نمو المؤسسة وتحقيق نجاحها، عن طريق إعطاء الموظفين سلطات أوسع، وفرصة أكبر للإبداع، وإيجاد حلول جديدة للمشكلات القديمة.

وأنا سعيدة بأننا نجحنا هذا العام في ترجمة كتابها ’القيادية.. رحلة نحو التحوُّل الشخصي والمُجتمعي‘؛ لإثراء المكتبة العربية في هذا المجال، وكي ينتفع بمحتواه أكبر عدد ممكن من الناس.
 
كيف استطعتِ الموازنة بين أعمالك الكثيرة، والتزامكِ نحو عائلتك؟

أنا لا أختلف عن كل نساء العالم اللاتي يعملن داخل البيت وخارجه. فأنا أسهر على نجاح كل فرد في عائلتي دون أن يكون ذلك على حساب أي فرد آخر.

المرأة السعيدة في عملها هي التي تكون قادرةً على أن تربي أطفالًا سعداء وناجحين؛ لأن سعادة الأم الناجحة تُلهِمُ أطفالها كي يكونوا ناجحين، وتعطيهم أحسن مثال للعمل والمثابرة والعطاء غير المشروط لوطنهم وشعبهم.

أما الأم المقهورة والمحرومة من أبسط حقوقها، فهي في غالب الأحيان تمارس عنفًا سلبيًّا على نفسها وأطفالها، وتؤثر سلبًا على أسرتها.

قناعتي راسخة بأن حرية المرأة وتمتُّعها بجميع الحقوق الكونية من تَعَلُّمٍ وعمل ومشاركة سياسية، نقابية كانت أم حزبية، مثلها مثل الرجل، أمر مهم لتنمية مجتمعها وليس مِنَّة من أحد.

والمجتمعات المتقدمة هي مجتمعات مبنية على قيم الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية لكل فرد دون استثناء.

أما المجتمعات التي تفتقر إلى هذه القيم فهي مجتمعات تعيش في تعاسة وقهر، وتنجب أطفالًا تعساء، فاقدين للطموح والقدرة على الإبداع، فنراهم يلجؤون إلى الهجرة غير الشرعية، أو المخدرات أو الانتماء إلى المجموعات الإرهابية.. ضمن العديد من مظاهر عدم توازن هذه المجتمعات.
 
كيف السبيل لزيادة النسوة في مواقع القيادة؟

بالنسبة لي، من المهم أن تتمتع النساء وفق كفاءتهن بالفرص نفسها التي يتمتع بها الرجال في كل المجالات وكل المواقع.

المجتمعات التي تفتقر إلى ثقافة المساواة، لا يمكنها تحقيق المساواة على أرض الواقع بين كل أفراد المجتمع، سواء كانوا نساءً أو رجالًا، أطفالًا أو شيوخًا وعجائز. وبسبب الافتقار إلى هذه الثقافة من ناحية، ولهيمنة الثقافة الذكورية، ما زلنا نلاحظ انغلاق جُل الأبواب أمام الارتقاء الوظيفي للمرأة وإتاحة الفرص لها لتبوُّؤ المراكز القيادية، إلا ما ندر.

ومن أجل تغيير هذه المعادلة المعوجة، يتطلب الأمر إرساء منظومة تعليمية وتربوية تُدْرِج مبادئ المساواة وقيَمها ضمن مخططاتها وبرامجها. هذا علاوةً على الدورات التكوينية والتثقيفية التي ننظمها.

مع العلم بأن بعض النساء يفتقرن أيضًا إلى ثقافة المساواة، ويتمظهر ذلك في وجهين أو أكثر. فبعضهن لا يطالبن بالمساواة ظنًّا منهن أنها ضد الشرائع ويقبلن بالتالي بعدم المساواة، وأخريات عندما يحصلن على مراكز عالية من صناع القرار، يَحرمن نساء أخريات من الوصول مثلهن.
 
من خلال عملك الحالي بمكتب الأمم المتحدة للمرأة في العراق، ما هي طموحاتك؟

منذ مغادرتي للمنظومة الأممية، أعمل -إلى جانب أنني محامية تونسية- في إطار استشارات دولية متنوعة. وجودي في العراق هو أيضًا في إطار استشارة طويلة المدى، أتاحت لي تعلُّم الكثير من الأشياء، والتعرُّف على أشخاص رائعين.

أعمل حاليًّا مع صانعي القرار في أعلى مستوى من هرم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وفي هذا الإطار، ليس لديَّ طموحات أخرى أكثر من التفاني في عملي ومحاولة التعريف بالتجربة التونسية في مجال الأحوال الشخصية حيث حققت المرأة أشواطًا كبيرة في مجال الحقوق والحريات، حتى تقع الاستفادة منها لخير المجتمع بوجه عام، والمرأة والأسرة بشكل خاص.
 
ما مفاتيح النجاح التي ساعدتك؟ وما أهم التحديات التي واجهتك؟

القيم التي رباني والدي عليها منذ صغر سني هي التي ساعدتني في حياتي الشخصية والعملية، كنت صغرى بنات أب يهتم بتفوق بناته في دراستهن، وكان حريصًا على إرسالي إلى إنجلترا في شهور الإجازة لتعلُّم اللغة الإنجليزية منذ كان عمري 14 سنة، إدراكًا منه لأهمية اللغة وضرورة إتقانها.

وكانت الوالدة أيضًا متأثرة بفكر الوالد رغم أمّيتها، فاهتمت بتربية بناتها وتعليمهن، وكانت النتيجة تفوقهن في مجالات مختلفة، وحصول جلّ البنات على درجة الدكتوراة في علوم مختلفة.

من أهم القيم احترام النفس واحترام الآخرين، وبناء الثقة كأساس متين في العلاقات البشرية. وخاصةً الالتزام بما يقع التعهد به من عمل، وبذل أقصى الجهد للنجاح فيه وتحقيق الغاية المرجوة منه، وهي في النهاية إسعاد البشرية بتنوير العقول وتوسيع مساحة الوعي، وإزالة أسباب الضغائن والأحقاد، وتحقيق أكبر قدر من العدل والإنصاف والمساواة والكرامة والحرية.

هذه القيم نفسها التي رَبيت عليها بناتي وسهرت على أن يسرن في حياتهن مسلحاتٍ بتلك القيم، التي تحميهن أكثر من أي شيء آخر.

أتمثِّلُ عضوية لجنة لانست حصادَ السنين؟

هذا الاختيار جاء لتتويج 30 سنة من العمل والمثابرة لخدمة الشعب التونسي في بداية حياتي المهنية، ثم شعوب المنطقة. والآن أنا مُلتزمة بخدمة شعوب كل القارات والإنسانية جمعاء، لطبيعة عمل هذه اللجنة الدولية.

أنا سعيدة بالمشاركة في لجنة عالمية رفيعة المستوى العلمي في مجال الصحة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في كل المجالات.

سعيدة أيضًا بأن الاختيار كان لشخصين من كل قارة، فأنا وسيدة أخرى من جنوب إفريقيا وقع علينا الاختيار بالنسبة للقارة الإفريقية، وأشرف بأني العربية الوحيدة ضمن اللجنة. وهذا يجعل على عاتقي مسؤولية كبرى في السعي للدفاع عن كل نساء المنطقة، بجميع تنوعاتها وثراء ثقافاتها واختلافاتها.

التزامي خلال السنوات الثلاث القادمة، من خلال هذا العمل التطوعي العلمي والتقني، هو الدفاع عن النساء عمومًا ونساء المنطقة والقارة الإفريقية خصوصًا، وإيصال صوتهن والتعبير عن احتياجاتهن؛ لضمان أخذهن في الحسبان خلال عمل الإستراتيجيات القادمة وفرص التمويل الدولية.

الجميل في الأمر أنني سوف أكون ضمن مجموعة رفيعة المستوى العلمي قَبِلَ أعضاؤها أن يخدموا الشعوب دون أي مقابل مادي، وهذا يعطينا حرية إبداء الرأي ووضع الإستراتيجيات دون أي ضغط مادي أو معنوي من أي جهة كانت. وهذا من مزايا الانتماء إلى لجان علمية مثل هذه.

شخصيًّا، لا أقبل أن أضحي بحريتي في التفكير والتعبير؛ لأنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحريتي في الإبداع، الذي أحتاج إليه لتقديم أفضل ما عندي من حلول لخدمة قضية المرأة دوليًّا وإقليميًّا ووطنيًّا.
 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا