Skip to content

03/09/19

جورجيت قديس.. جرّاحة بلا مشرط

Georgette Kidess
حقوق الصورة:Georgette Kidess / SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • جورجيت قديس، أول جرّاحة مخ وأعصاب أنثى في فلسطين– وما زالت الوحيدة.
  • أثار الحادث الذي فقدت فيه جارتها حياتها بسبب ورم دموي، شغفها للاشتغال في مجال جِراحة المخ والأعصاب.
  • لم يكن مسار حياتها المهنية سهلًا، فقد واجهت عقبات عديدة، مثل التمييز بين الجنسين، والافتقار إلى التوجيه.

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

في عام 1972، حصلت جورجيت قديس على فرصة لمواصلة تعليمها في جامعة إيبرهارد كارلس، في توبنجن بألمانيا، حيث حصلت على درجتي البكالوريوس والدكتوراة في الطب. وأمضت سبع سنوات متدربةً في قسم جراحة المخ والأعصاب في جامعة كيل بألمانيا، وعادت في عام 1986 إلى فلسطين.

جورجيت من مواليد عام 1952 بفلسطين، ولا تمارس جراحة الأعصاب حاليًّا، بل تقدم النصح والمشورة للمرضى بشأن الخيارات غير الجراحية، في المستشفى الإنجيلي العربي في نابلس، وفي مستشفى الهلال الأحمر في البيرة، برام الله.

حول سيرتها ومسيرتها كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار.
 
مع صعوبة هذا التخصص على الإناث والعقبات الكثيرة التي واجهتك خلال حياتك المهنية، هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء، وما هو أكبر درس تعلمته؟
 
شاكرة وممتنة لنعم الله عليَّ، للعمل في هذا التخصص الذي أعجبني كثيرًا، وتمكنت من خلاله من خدمة الشعب الفلسطيني في أزماته المتعددة.

عندما أنظر إلى الوراء، أعتقد أن هذه المهنة جديرة بالعناء؛ إذ تمكنت من سد الفجوة الموجودة في أثناء الانتفاضة الأولى، فلما توجه جميع المصابين إلى مستشفى حكومي عام لتلقي العلاج فيه، كانت خدمات الجراحة العصبية في مهدها. وكان أكبر درس تعملته هو بذل أقصى جهد ممكن لتحقيق الهدف، ومساعدة المريض على التعافي بالاستعانة بأفراد الأسرة النشطين، وتشجيعهم على المساعدة في بلوغ الشفاء، وإعطائهم خطوات لاتباعها، وتثقيفهم بماهية تلك الخطوات وكيفية أدائها، مع تخصيص وقت للرد على أسئلتهم.
 
كان العديد منهم على استعداد للتعلُّم، ورأوا كيف كان أفراد أسرهم المصابون يتعافون بشكل أسرع مع اهتمامهم بهم، وكلهم كانوا سعداء بالنتائج الطيبة.
 
 
ماذا عن مراحل حياتك المهنية منذ أن بدأ شغفك بالتخصص وحتى الآن؟
 
هناك أربع مراحل مختلفة تمر بها في حياتك، ولكلٍّ منها مستوى صعوبة خاص بها. وبشكل عام، يتدرج مستوى العقبات من الأدنى إلى الأعلى.

عادةً يكون هدفك كطالب هو اجتياز اختباراتك والتخرج. وبعد أن قررتُ أن أصبح جرّاحة أعصاب، كان ذلك يمثل تحديًا كبيرًا لي. وكنت أتساءل عما إذا كان بإمكاني تحقيق ذلك كأنثى.. فرصتي ضئيلة.

لكن أملي وإيماني كانا كبيرين، بأن ربي سيساعدني في تحقيق رغبتي بامتياز. وبعد مواجهة العديد من الصعوبات، أعطاني الله الفرصة والقوة لتحقيق هدفي.

عندما بدأت العمل جرّاحة أعصاب شعرت بمسؤولية أكبر، وكان هذا التحدي أكبر من التحدي السابق. كنت بحاجة إلى تنظيم أفكاري، في شكل خطوات منطقية، ودراسة كل حالة بعناية في ذهني، ثم شرحها للمرضى وأفراد أسرهم المرافقين لهم، وإبلاغهم بالمضاعفات المحتملة التي قد نواجهها، وكيفية التعامل مع هذه الصعوبات.

كانت المشكلة الأخرى هي التعامل مع الزملاء الذين يعارضون اقتراحاتي وقراراتي، خاصةً أطباء التخدير في غرفة العمليات.
في كثير من الأحيان كان العمل شاقًّا، ولا يسير بسلاسة كما كنت أتمنى، وبعد ذلك أصبح الأمر أصعب مع انضمام مزيد من الزملاء، الذين يحظون بالتفضيل.

الآن بما أنني لا أمارس الجراحة، تسير الأمور بسلاسة أكبر، وأستمتع بتقديم النصائح للمرضى الذين يستشيرونني، والذين يريدون أن يعرفوا ما هي مشكلاتهم الصحية، وأشرح لهم كيف يمكنهم تدبُّر أمورهم دون اللجوء إلى الجراحة، من خلال اتباع أسلوب حياة صحيح وصحي فقط، وتمكينهم من فهم الصورة الكاملة، والخطوات اللازمة التي يجب اتخاذها لتجنُّب تصعيد مشكلاتهم.

غالبًا ما يكونون ممتنين وشاكرين لأنني أشرح لهم بوضوح وبكلمات بسيطة التصوير الإشعاعي العصبي، وأربط هذه المعلومات بشكواهم، ثم كيفية التعامل معها بشكل يومي.
 
ما هي أسوأ عقبة واجهتك؟ وكيف أثّرت عليك؟
 
أسوأ عقبة واجهتها عندما كنت أعمل على إزالة ورم كبير في الدماغ لعدة ساعات، ولاقيت معارضة من زميل، وأثّر ذلك على بقية الزملاء في غرفة العمليات، وكذلك على أسرة المريض التي كانت تنتظر بالخارج.

جعلني هذا مستاءةً وغاضبةً جدًّا. واختفى هذا الزميل من المشهد. لقد أثّر ذلك عليَّ تأثيرًا شديدًا معنويًّا وبدنيًّا، وكنت منهكةً جدًّا، ولم أتمكن من مواجهته بشكل مباشر لمدة أسبوع.

لم أتمكن من العثور على شخص لإبلاغ أسرة المريض التي كانت غاضبةً أيضًا بعدما أجريت العملية الجراحية؛ فقد نصحهم زميلي بعكس ما كنت أخبرهم به. قلت لهم إن كل واحد منَّا لديه رأي وفلسفة مختلفة وقراره الذي يتخذه وفقًا لذلك، وللمريض في النهاية حق الاختيار واتخاذ قراره الخاص. ومع ذلك، ظلوا غاضبين ولم أستطع مساعدتهم. حدث هذا في آخر مستشفى عملت فيه.

ومع ذلك هناك جوانب بالتأكيد إيجابية، فعندما عدت من ألمانيا، كان لديَّ زميل يحترمني ومدير يشجعني، ولم يضع أمامي عقبات. كان يدافع عني حتى عندما عارضني أخصائي التخدير، فقراراته كانت تساند آرائي، مما مهد الطريق لي.
أنا ممتنة جدًّا له.

ما هو أكبر تحدٍّ أكاديمي واجهك؟
 
خلال تخصصي في الثمانينيات، كان المجال صعبًا؛ لطغيان الجانب العملي على الأكاديمي. ولم تُقدَّم لي أي دورات تدريبية، وخاصة التدريب العملي. كنت أعمل في مؤسسة منظمة للغاية -مستشفى جامعي فيه عبء كبير من الحالات الصعبة. ونظرًا لاعتمادي على رؤسائي لتعليمي، لم أستطع الدراسة وقتما شئت. يوم العمل كان طويلًا، دون وجود وقت للدراسة بعد مغادرة المستشفى.

كنت أحتاج إلى الاسترخاء، وخصصت وقتًا للدراسة في عطلة نهاية الأسبوع، ولم يكن ذلك كافيًا. لكنني في النهاية تداركت تقصيري، وخصصت ساعات أطول للدراسة، واعتمدت على نفسي وهذا ساعدني كثيرًا، وتعلمت عدم التعويل على الآخرين، وألا أتوقع أن يعلمني الآخرون كما أريد. كل شخص لديه مشكلاته الخاصة، ويحتاج إلى الحفاظ على طاقته للمهمة التي يتعيَّن عليه القيام بها.

كان هذا درسًا كبيرًا تعلمته.
 
ما هي نصائحك للعربيات اللائي يسعين لشق طريقهن المهني جرّاحات أعصاب؟
 
أود أن أشجع كل الذين يحبون مجال جراحة الأعصاب وهم على استعداد لخوضه. هذا التخصص يحتاج إلى جهد إضافي، وتعلُّم مستمر وعمل شاق لتحقيق التميز، بجانب الحماس لمجال جراحة الأعصاب، والسعي لتحقيق أهدافهن.

ثمة حاجة إلى الجرّاحات مثلما هناك حاجة إلى الزملاء الذكور. يمكنكن تحقيق ذلك بشكل أفضل بكثير مما تمكنت أنا من فعله، بالتسهيلات المتاحة لكنّ في الوقت الحالي.

نصيحتي لكنّ هي العناية بالمرضى، والتعامل معهم باحترام، ووضع هدف تتمكنّ من تحسينه باستمرار. سوف تواجهن مشكلات ومصاعب في رحلتكن، ولكن اعلمن أن كل مشكلة سيكون لها حل.

ركِّزن على كيفية حل المشكلة، وليس على المشكلات ذاتها.

تعلَّمن من الأخطاء -كلنا نرتكب أخطاء، وهذا يجعلنا ندرس بجد أكبر؛ لمعرفة كيفية التعامل مع الصعوبات التي نواجهها في المرة القادمة على نحو أفضل.

ليس جميع الزملاء قاسين، فستجدن دائمًا شخصًا واحدًا على الأقل يساعدكن. ابحثن عن سبل مختلفة ولا تعتمدن على مساعدة الآخرين، لتعزيز الثقة بالنفس. لا تتوقعن الكثير من الآخرين، الذين لا يستطيعون مساعدتكن، أو يتخذون موقفًا سلبيًّا تجاهكن.

توقعن أيضًا وجود مشكلات مع الزملاء والمرضى وعائلاتهم عندما لا تسير الأمور كما هو متوقع.

الحياة تشبه الحرب، فتسلحن بحسن الاستعداد والحكمة، وكذلك تعلمن كيفية هضم هذه المشكلات، والتركيز على كيفية أداء الأمور على نحو أفضل في المرات القادمة.

النصر لا يأتي دون خوض المعركة، وفي النهاية سوف تنجحن. وإذا حالفكن النجاح، كنَّ متواضعات في التعامل مع الناس، وظلن متيقظات لما يدور من حولكن.

الفرص البحثية في فلسطين ضعيفة للغاية، بل تكاد تكون معدومة. لكننا نأمل أن تُوجَد في المستقبل، فالعقود الماضية تبشر بمستقبل للإناث في مجال جراحة الأعصاب أفضل مما كان عليه الأمر منذ 50 عامًا.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.