Skip to content

31/05/11

كيف تكتب عن أبحاثك العلمية الخاصة؟

Scientist_reading_Flickr_IITA Image Library 1024x681.jpg
يجب أن تصبح مستهلكا للكتابة العلمية المبسّطة حقوق الصورة:Flickr/IITA Image Library

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

باعتبارك عالمًا، لا بد أنك أتقنت لغة المصطلحات التقنية والأسلوب المبني للمجهول الذي تتبعه المجلات العلمية. لكن معظم الناس يجدون لغة العلم عسيرة الفهم، بل ومملة- وهي توليفة تضمن تثبيط القراء غير المتخصصين وإبعادهم.

ومع ذلك، يُطلب من العلماء على نحو متزايد أن يتواصلوا مع جمهور عريض، وبالتالي فإن جعل العلم يحظى بالفهم والتقدير يُعد مهارة مطلوبة. إن الكتابة لعموم الجمهور تجلب لك كثيرًا من المكافآت: فهي تمنح مكانة أعلى تساعد في التأثير على الجهات الممولة، كما تحشد الدعم الجماهيري وتجذب المتعاونين ذوي الجودة الرفيعة. لكن الأخذ بمجامع قلوب جمهور العامة ليس بالمهمة الهينة، كما يتطلب مقاربة مختلفة تماما عن محاولة إبهار العلماء الآخرين. يزودك هذا الدليل ببعض القواعد التي تساعدك في الوصول إلى مبتغاك.

بدء العمل

يتحول معظم العلماء إلى الكتابة العلمية لأنهم يستمتعون بذلك، على الرغم من أن البعض الآخر قد يرغب في نيل المكافآت، أو يفعل ذلك بناء عن طلب مموليه لأن "يتواصل مع الجمهور".

وأسهل شيء هو أن تبدأ الكتابة عن أبحاثك الخاصة -طالما كان بوسعك أن تبتعد عنها بما يكفي للكتابة عنها. ولكي تنشر أولى مقالاتك، حاول الكتابة في إحدى المجلات الداخلية التي تصدرها الجامعة أو الشركة التي تعمل بها. تقوم مجالس البحوث بنشر المجلات، مثل مجلة ScienceScope، التي يصدرها مجلس البحوث العلمية والصناعية في جنوب أفريقيا، وكذلك تفعل المجامع والجمعيات العلمية.

تهدف بعض المجلات، مثل مجلة العلوم الأسترالية Australian Science، إلى نشر عدد كبير من المقالات التي يكتبها الباحثون، كما تقوم بعض المصادر المتوفرة على شبكة الإنترنت بنشر مدونات يقوم بتحريرها علماء؛ أو يمكنك بدء مدونتك الخاصة.

وسواء قمت بالتواصل مع إحدى المطبوعات أو تواصل محرروها معك، عليك بذل بعض الجهد. فكّر جيدا في الموضوعات التي تغطيها هذه المطبوعة وجمهورها المستهدف. ما "الأسلوب" الذي تستخدمه- أهي لغة مبسطة أم رسمية أكثر؟

كثيرا ما تسعد وسائل الإعلام بالحصول على مقالاتك، وخاصة إذا كانت تتناسب مع أسلوبها في النشر ومع اهتماماتها. وكذلك فإن ربط مقالك بحدث معيّن -مثل يوم المياه العالمي أو اليوم الدولي للتنوع البيولوجي- سيزيد من فرص قبوله للنشر.

من المهم أن تقرأ العلوم المبسّطة، فستتعلم منها كيف يقوم الآخرون بهيكلة قصصهم، كما أن الغوص بنفسك في اللغة التي تستخدمها تلك المطبوعات سيبيّن لك ما هو مقبول وما هو غير مناسب. وكذلك ستعرِّفك هذه القراءات أيضا على المؤسسات الإعلامية التي قد ترحب بنشر مقالاتك في بلدك (وما وراءها).

عليك اختيار المطبوعة المناسبة ومن ثم التواصل مع محررها- عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني. وكذلك عليك معرفة المواعيد النهائية لتقديم المقالات- أي آخر وقت يمكنك فيه تقديم مقالة للنشر في مجلة شهرية أو أسبوعية أو جريدة يومية.

هيكلة المقال

يعتمد مبنى المقال على نوعه- هل هو مقال إخباري عن أحد الاكتشافات العلمية؟ أم أنك تحاول إجراء تغطية متعمقة؟ أم أنه  تعليق، تطرح فيه رأيك الشخصي؟ لكل نوع من المقالات ترتيبات واضحة. وعلى سبيل المثال، فإن المقالات الإخبارية تبدأ بوصف قصير ومركّز للنتائج الرئيسية للبحث المعني. تقلب الأخبار ترتيب المقالات العلمية رأسا على عقب، بسرد الاستنتاجات أولا. أما المقالات الرئيسية فتسحب القارئ إليها، عن طريق تمهيد الساحة باستخدام كتابة نثرية أكثر إبداعا وحيوية.

وفي جميع الحالات، عليك تحويل بحثك أو اكتشافك العلمي إلى قصة شيقة باستخدام أسلوب السرد. يجب أن تُغري الفقرات الافتتاحية القارئ بمواصلة القراءة- فإذا كان المقال صعب الفهم منذ البداية، فسيتخلى القراء عنه على الفور.

يحتوي متن المقال على التفاصيل والحقائق. يجب أن يتبع سردك خطًّا واضحًا، مما يوضح للقارئ سبب كون الفقرة تُفضي إلى التي تليها في تسلسل منطقي. وعند كتابة المقالات الرئيسية، عليك أن تجد طريقة لتحويل الحقائق إلى قصة، ومن ثم نسج بعض الإثارة والمغامرة في حبكة القصة.

يجب أن تقوم الفقرات الأخيرة من المقالات الرئيسية أو التعقيبية بتلخيص مضمون القصة، أو أن تشير إلى التطورات المستقبلية. بوسعك أن تترك للقارئ ببعض الأفكار ليتأملها، أو قد تكون دعوة إلى العمل. زودهم بشيء للتفكير فيه قبل أن تختتم مقالك.

 

لا 'للتبسيط المُخل'، ونعم 'للإيجاز الواضح'

فكّر مليًّا في القراء المحتملين لمقالك. كيف يمكنك ربط المقال بتجاربهم الشخصية؟ ما الذي يُحتمل أن يعرفوه عن هذا الموضوع، ولماذا تظن أنهم سيهتمون بقراءة قصتك؟ يتسم هذا القارئ الخيالي بأهميته البالغة. لا تفكر في العلماء الآخرين، فأنت لا تكتب لإقناعهم (وهي النقطة التي أشار إليها العالم ستيفن كاري في مدونته).

ضع نفسك في مكان القراء، وتخلّ عن كل ما لديك من المعرفة والخبرة. قُم بتغطية النقاط الأساسية، ولكن لا تُظهر التعالي؛ فهناك خيط رفيع يفصل بين تنفير الناس وتمكينهم. سيفهم الناس الأفكار المعقدة، طالما استخدمت في شرحها كلمات يعرفونها.

إن طغيان المصطلحات الفنية هو الحاجز الأكبر الذي يفصل العلم عن الحياة اليومية. أجريت مؤخرا مقابلة مع عالم يجري بحثا عن مخططات التغذية المدرسية، وطلبت منه ملخصًا "بلغة مبسطة" لبحثه، فكان رده كالتالي: "إن التغذية المثلى هي الأساس  الفسيولوجي للتعليم الفعّال". بيد أن هناك طريقة أفضل بكثير لصياغة ذلك المفهوم، مثل: "لا يمكنك تعليم طفل جائع"، أو حتى "إذا كنت تأكل بصورة جيدة، فهل تتعلم جيدًا؟".

عليك أن تتخلص تماما من المصطلحات الفنية والاختصارات، وهي الطرق المختصرة والشكليات التي تستخدمها عند الكتابة للعلماء؛ فما يمثل تعبيرات شائعة بالنسبة لهم سيكون غريبا على معظم القراء. عليك وصف الأفكار المجردة والأرقام المعقدة بالمصطلحات المستخدمة في التعاملات اليومية وكذلك ربطها بالتجارب اليومية. وقد تفيد هنا القياسات التشبيهية والاستعارات التي يمكن أن يفهمها القراء. وعلى سبيل المثال، بوسع معظم الناس أن يتخيلوا حجم الحفرة الناجمة عن ارتطام نيزك بالأرض إذا أخبرتهم بأنها تبلغ "حجم عشرة ملاعب لكرة القدم".

اجعل جملك قصيرة، واستخدم أسلوب المبني للمعلوم كلما كان ذلك ممكنا. استخدم علامات الاقتباس، ودراسات الحالات، وأمثلة مستقاة من واقع الحياة لإضافة عنصر التشويق إلى مقالك.

إن الكتابة عن العلوم بلغة التعاملات اليومية تُصبح أكثر سهولة مع الممارسة. وبالنسبة لي، فإن ترجمة "الخطاب العلمي" المفعم بالمصطلحات المعقدة إلى لغة بسيطة يشبه فك تشابكات الفراء المتلبد على ظهر خروف. سيكون الأمر صعبا في البداية، وحتى مؤلـمًا. لكن مع الصبر والمثابرة ستتخلص من جميع العقد والتشابكات (المصطلحات الفنية، والاختصارات، والجمل الطويلة، والمبني للمجهول).

قَشْع الضباب

وجدت أن مؤشر جانينج "للضبابية" Gunning-Fog index مفيد في قياس مدى وضوح الكتابة؛ فهو يحتسب عدد سنوات التعليم الرسمي التي يحتاجها القارئ من أجل فهم النص الذي قمت بكتابته- بسهولة، وعند قراءته لمرة واحدة. فإذا كان مؤشر الضبابية لنص ما هو 12، فإن القارئ يحتاج إلى 12 عاما من التعليم الرسمي لفهمه. أما معظم الكتابات العلمية فتُحرز مؤشرا يبلغ 40 أو أكثر.

 يمكنك تقليل مؤشر الضبابية بجعل الجمل أقصر، والكتابة بأسلوب المبني للمعلوم، وإزالة الكلمات الطويلة. وبوسعك احتساب مؤشر الضبابية عبر الإنترنت.

بيع العلم

لا يهتم معظم الناس بكيفية اكتشافك لنتيجة ما، فما يودون معرفته هو ما تعنيه نتائج أبحاثك بالنسبة لهم. عليك أن تُجيب على سؤال "فماذا يعني ذلك؟". ركّز على ما يمكن أن يعنيه البحث لحياة الناس اليومية، أو كيف يمكنه أن يؤثر على المجتمع. وإذا كانت بحوثك الخاصة مبهرة أو مثّلت أحدث التطورات في مجالها، فعليك إبراز ذلك بوضوح. وتذكّر أن الناس يستجيبون للأشياء القريبة منهم- ولذلك عليك ربط نتائجك بأية فعاليات أو عناصر محلية أو إقليمية.

لا تُخبر القارئ بكل ما تعلمه؛ يمكنك بدلا من ذلك إبراز جوهر قصتك في جملة واحدة مركّزة، ومن ثم اختبر تأثيرها على عدد قليل من الناس قبل أن تشرع في الكتابة.

إذا كنت تكتب لعرض أفكارك الخاصة -في تعليق مثلا- لا يتوجب عليك أن تكون محايدًا أو موضوعيًّا. بل ومن المقبول حتى أن تضيف قليلا من التخمينات. إذا كنت متحمسا، أو منفعلا، أو تشعر بالقلق حيال أمر ما، فعليك أن تقول ذلك. وبوسعك استخدام بعض الفكاهة أيضا.

وفي حين يكون الناس أقل اهتماما بالأنشطة البحثية اليومية، فهم مهتمون بجانبك الإنساني -ما العقبات التي كان عليك أن تتغلب عليها؟ كيف كان شعورك؟ من شأن الكتابة بوصفك "شخصا حقيقيا" أن تكسر الحواجز، ومن ثم تقريب القارئ من العلوم. انقل إليهم شعورك بالإثارة والفخر، ولكن لا تبالغ أو تكذب مطلقًا.

وفي مقال منشور في صحيفة الجارديان، فإن براين كوكس، وهو أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، يستخدم خبرته الشخصية بالعمل في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية لشرح الأسس العلمية لـمُصادم الهادرونات الكبير.

 

الصورة تساوي ألف كلمة

يمكن للصور أن تثبّت عيون القراء على صفحة ما، ولذلك يستحسن أن تُرفق بمقالك صورة وتعليقا إذا أمكنك ذلك؛ فقد تصنع الفرق بين قبول نشر المقال أو رفضه (وربما تحسبا لأن يقوم المحرر باختيار صور لا تتناسب مع المقال). ولكن إذا لم تستطع ذلك، فلا تشعر بالإحباط؛ فستجد المجلة صورا لائقة.

أثناء الكتابة، فكّر بشكل خلاّق حول الصور وتعليقاتها. تزودنا العلوم بصور جميلة وغير عادية، والتي يمكن أن تساعد القراء على تصوّر الموضوع الذي تقوم بالكتابة عنه. اقض بعض الوقت في صياغة تعليقات جذابة وغنية بالمعلومات- فهي تمثل مداخل لا غنى عنها لقصتك.

وضع اللمسات الأخيرة

بمجرد الانتهاء من كتابة مقالك، حوّل قارئك الخيالي إلى آخر حقيقي. اطلب من صديق لك -من غير العلماء- أن يقرأ مقالك، ومن ثم إرشادك إلى الأجزاء التي لم يتمكن من فهمها. وسرعان ما ستتعرف على مستوى الكتابة الذي يناسب قرّاءك. وإذا شعرت برغبة في التثاؤب أو فقدت التشويق في منتصف الطريق، فتذكّر أنه ليس هناك من هو مُجبر على قراءة مقالك: فإذا كان تقنيا، ومملا، ومضجرًا، فلن يقرأه أصدقاؤك حتى!

ما لم تُقرأ قصتك، فليس لها أي معنى، ولا يمكنها تحقيق أي غرض. فالقارئ -سواء التقيت به أم لا- هو دائما سيد الموقف هنا.