Skip to content

05/03/19

جاثوم ’حراقات النفط‘ يكتم أنفاس السوريين

Primitive oil burners Syria
حقوق الصورة:Sonya Al-Ali / SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • أذى حراقات النفط بسوريا يتزايد مع انتشار حرائقها في كل مكان بالشمال السوري
  • الحراقات البدائية بديل عشوائي سيئ للمصافي المتخصصة، فاقَمَ معاناة السوريين
  • رغم الضرر والمعاناة، تكرير النفط فيها مستمر بسبب حاجة الأهالي إلى نواتجها

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[إدلب] تزايَد أذى مصافي تكرير النفط البدائية في سوريا، وتواترت الأنباء من أهل الشمال السوري أن ضرره على صحة الإنسان والحيوان صار حتمًا بمرض عاجل أو موت آجل.

والمتخصصون يؤكدون أن أضرارها البيئية بالغة الأثر، ممتدة المفعول عبر عقود.

يطلق الأهالي على هذه المصافي ’حراقات النفط‘، وانتشارها بالمناطق غير الخاضعة للنظام في الشمال السوري آخذٌ في النمو من ناحية العدد والحجم وعدد ساعات العمل؛ تلبيةً لزيادة الطلب على المحروقات لأغراض التدفئة والطهو وإدارة المركبات.

من ثم، فإن الآثار السلبية على البيئة والصحة في ازدياد، إذ مع إنتاج الحراقة لثلاثة مشتقات؛ ’متدنية الجودة‘ هي الجازولين والكيروسين والمازوت، تتصاعد أدخنة تضر القاصي، وأبخرة مؤذية قد تسمم الداني، فضلًا عن راوئح كريهة تنغص حياة البشر، وفق أبو علاء، من قرية شبيران بريف حلب، مالك لإحدى الحراقات.

يقول أبو علاء لشبكة SciDev.Net: ”يشهد الشمال السوري أزمة محروقات تنعكس على حياة الناس، وبما أننا لا نستطيع أن نأتي بالوقود من مناطق سيطرة النظام، نحن مضطرون إلى تكريره هكذا لتأمين حاجة السوق المحلية“.

ويؤكد أبو علاء: ”ثمة ٤٥٠ محطة تكرير بدائية بالمنطقة، يُجلب لها النفط الخام من مناطق شرق سوريا الغنية بحقول النفط، وتقوم كل محطة بنحو ١٠ عمليات تكرير شهريًّا، تحتاج الواحدة منها إلى إيقاد النار تحت خزان الحرق لمدة ١٦ ساعة على الأقل، فيتحول ٨٠% من الخام إلى وقود، وأغلب الباقي من الشوائب والنفايات تتصلب، فيباع ما يصلح منه ليستخدمه الأهالي في التدفئة، والبقية تُكب“.

يقول علي الطعمة -وهو مهندس بترول من مدينة إدلب- لشبكة SciDev.Net : انتشرت الحراقات منذ عام ٢٠١٣ في ريف إدلب، ثم في دير الزور ومناطق من الحسكة وريف حلب، و”تقتصر آلية التكرير على تسخين خزان سعته ١٠ آلاف لتر، بحرق النفط الخام نفسه تحته، أو إضرام النار في إطارات السيارات القديمة“.

ويشرح الطعمة: ”يسخن النفط؛ لتبلغ حرارته ١٥٠ درجة مئوية، فيبدأ الخام بالتبخر، وتخرج منه أولًا أبخرة البنزين، مارةً داخل مواسير معدنية طويلة مغمورة في بركة ماء بارد؛ ليعاد تكثيفها، فتصل سائلةً عند نهايتها، ليُستقبل الوقود في أوعية، وبعدها يُستخلص الكيروسين عند درجة حرارة أعلى، وأخيرًا يأتي المازوت لدى أعلى حرارة“.

خلال العملية تتصاعد أكاسيد النيتروجين والكبريت والكربون، وغاز كبريتيد الهيدروجين، وغيرها من الغازات الضارة والأبخرة السامة. وهذه إما أن تعود إلى التربة عند هطول المطر على هيئة أحماض أكالة، تؤذي الغطاء الأخضر القريب وربما البعيد، أو تكسوه فتعمل عملها بالتلويث، مهلكةً الحرث بالذبول واليبوسة، ومحولةً لون أوراق النباتات الخضر إلى السواد.

ولا تخطئ عينٌ صعوبةَ تنفُّس العاملين بالحراقات، وحشرجة صدورهم وهي تعلو وتهبط في جهد ومعاناة، ناهيك بالسعال الذي يلازمهم. وشأن أهل جوار الحراقات شأن العمال.

هؤلاء العمال يغامرون بأرواحهم كما بصحتهم؛ فخطر انفجار الحراقة بأكملها قائم، إذ تفتقر إلى أي إجراء سلامة أو أمن، وتفتقر إلى أية معايير تقنية أو علمية، وقد حدث هذا عدة مرات، لعل أشهرها الذي وقع في معرة النعمان.

رغم الخطر تجد الحراقات عمالًا؛ إذ يعمل في كل حراقة ستة، كما يبين أحمد الحسن، من ريف حلب، والذي كان عاملًا في إحداها، وترك العمل بها بعد إصابته بالربو التحسسي.

يقول الحسن: ”الفقر وقلة الفرص دفعاني إلى ذاك العمل كي أعول عائلتي“.

ويستطرد: ”أصعب الأعمال هو تنظيف الخزان وإزالة الشوائب العالقة بقاعه وجدرانه، التي تتكاثف عليها السموم جدًّا، ولا يسعنا إلا ارتداء كمامة، لا تحمينا من مخاطر كبيرة“.

وإذا كان أحمد الحسن قد تمكَّن من تلافي شيء من الضرر بتوقُّفه عن العمل، فإن آخَرَ هو العامل أَيهَم، من بلدة معرة النعسان بريف إدلب، قضى نحبه مختنقًا بغازات سامة انبعثت عن عملية التكرير البدائية.

تروي والدة أيهم التفاصيل المؤلمة وعيناها تذرفان: ”اشترك ولدي مع صديق له في حراقة، وكان يغيب عن المنزل كثيرًا لانشغاله بالعمل، وفي أحد الأيام جاء ممرض من النقطة الطبية التابعة للبلدة وأخبرنا أن أيهم فارقته الحياة“.

وكم انفجرت في البيوت مدافئ ومواقد توقَد بمازوت أو كيروسين الحراقات ’المضروب‘ كما ينعت الأهالي أيًّا منهما، فإما قتلت أو أصابت بحروق متفاوتة الشدة.

والنفايات النفطية المتبقية من التكرير ملوثات سائلة أو صلبة تفرغ في المستنقعات أو تكب في حفر، وقد يتسرب منها شيءٌ إلى طبقات الأرض، ويزداد أذاها إذا وصلت إلى المياه الجوفية أو الأنهار، فضلًا عن ترسُّب المواد السامة وتراكُمها في التربات المنتجة للمحاصيل.

هذه الأضرار تدوم لعشرات السنين، كما يبين وليد عبد الرحمن، الطبيب المقيم بمدينة الأتارب بمحافظة حلب.

يقول عبد الرحمن لشبكة  SciDev.Net: ”انبعاثات الحراقات تُلحِق أضرارًا بالجهاز التنفسي والعصبي، وقد تتسبب في أمراض جلدية خطيرة، وقد تصيب مَن يستنشقها بالسل أو السرطان أو الموت اختناقًا“.

ويؤكد أن أكثر من ألفي مريض في السنة بريف حلب يعانون أمراضًا من جَرَّاء المواد العضوية السابحة في الهواء.

”الحراقات تَجاوزَ عددها في البلدة وحدها ١٥٠ حراقة، فأصبح الأهالي لا يستطيعون استنشاق الهواء النقي، كما لمسنا ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد مراجعي المركز الصحي ممن يعانون أمراضًا تنفسيةً حادةً ومزمنة“، كما يقول للشبكة محمد العمر، من المجلس المحلي لبلدة معارة النعسان.

ويشير إلى أن عدد الإصابات بالأمراض التنفسية بلغ ٧٠٠ إصابة شهريًّا، كثير منها حالات لأطفال ورضع.

وقد ”صدر قرار بإغلاق هذه الحراقات والحد من انتشارها، خاصةً في المناطق المأهولة“، وفق العمر.

من ثم ، يؤكد العمر ضرورة إبعاد الحراقات عن التجمعات السكنية، فضلًا عن قيام منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية بنشر الوعي البيئي لدى السكان بالآثار الخطيرة التي تتركها تلك العمليات العشوائية، دفعًا بهم لترك العمل في هذه المهن الخطيرة، ومراقبة الواقع الصحي في المناطق التي لحقها التلوث، وتوثيق الحالات المرضية ووضعها تحت المراقبة الطبية.    
 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا