Skip to content

28/05/15

لماذا تحتاج الأوبئة مدخلات من الأنثروبولوجيا؟

Decontamination team brief ebola.jpg
حقوق الصورة:Flickr/ Corporal Paul Shaw/MOD

نقاط للقراءة السريعة

  • مَن يقاومون التدابير الوقائية للإيبولا لديهم مسوغات لشكوكهم
  • لن تفلح الاستراتيجيات التي تفترض أن الجميع يعتقد ويفكر بنفس الأسلوب
  • الأزمات الصحية تحتاج مدخَلات من العلوم الاجتماعية، كالشبكة الإلكترونية المنشأة للإيبولا

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

آني ويلكينسون تناقش كيف أبرز تفشي الإيبولا بغرب أفريقيا قيمة العلوم الاجتماعية في التخطيط والاستجابة للأزمات.

إن فاشية الإيبولا في غرب أفريقيا كانت اجتماعية بالأساس، تنتشر عبر شبكات الأشخاص المحيطة بالمصابين، وتصيب المتعاملين معهم من القائمين على رعاية المرضى والموتى. وقد كُتب الكثير عن المقاومة الاجتماعية لاستراتيجيات السيطرة على المرض، إلا أن الفاشيات السابقة أظهرت أن السكان المحليين يعتمدون على ثروة من المعارف تمكنهم من استنباط استراتيجيات تحكم فعالة لا تتصادم مع المبادئ الاجتماعية والدينية لتلك المجتمعات. أيضًا تشير الدلائل في هذه الفاشية إلى أن السلوكيات التكيفية سريعة الحدوث.

العمل المحلي

ضرب وباء الإيبولا مناطق مونروفيا الحضرية، في ليبيريا بكل قوته، وذلك في يوليو 2014. وبحلول أوائل سبتمبر، كانت المجتمعات المحلية تنظم جماعات عمل لمراقبة الأحياء السكنية، وكانت العائلات تخطط لكيفية التعامل مع المرضى من أقاربهم المقربين.[1] وكان استخدام الأكياس البلاستيكية كأدوات مؤقتة للوقاية الشخصية ابتكارًا محليًّا، انتشر سريعًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي والأحاديث المتداولة بين الناس.[2]

وفي سيراليون، بات القرويون على دراية بأساليب انتقال الفيروس، وكثيرون غيروا من ممارساتهم للرعاية الصحية.[3] ويبلغ الأشخاص زعماء القرى أو خطوط المساعدة بحالات المرض أو الوفاة، وبشكل عام يمتثلون للتدابير المقررة، كالحجر الصحي وممارسات الدفن الآمنة. وخلافًا لما حدث خلال الأشهر الأولى للأزمة، يتم التعامل الآن مع أغلب إنذارات ظهور الإيبولا بسرعة وسلاسة. ويتم دفن الجثامين والتحقيق في حالات الإصابة، وتتلقى أغلب المنازل الخاضعة للحجر الصحي حصصًا من الطعام.

رد الفعل

لكن تبقى بعض جهود السيطرة على الفاشية تثير المشاكل. فالمقاومة -العنيفة أحيانًا- ما زالت مستمرة في غينيا. وفي سيراليون، حدث ارتفاع مفاجئ لحالات المصابين في أعقاب تفرق سكان أحد مجتمعات الصيد لتفادي الحجر الصحي. وتشير السجلات إلى وجود مقاومة منخفضة ولكن دؤوبة، تشمل إخفاء المرضى وهروب حالات مشتبه فيها، وتقديم رعاية صحية غير قانونية، وتغسيل الجثامين قبل اتصال الأقارب بفرق الدفن.

وتُعد أسباب مثل تلك الوقائع غير مفهومة، وغالبًا ما ترجع إلى الأنانية أو العناد، أو نتيجة ثقافة تقليدية متأصلة بعمق. لكن غض الطرف عنها أو تأطيرها في مصطلحات ’ثقافية‘ هو بمنزلة خطأ في التشخيص، كما أنه يحد من نطاق التفاهم والعمل بشكل تضامني مع الأشخاص المعرضين للخطر.

وليكون نظام الاستجابة فعالاً، ينبغي أن يضع في الاعتبار كيفية تجاوب المجتمعات المحلية، فينسق بين عمليات احتواء الفاشية، ودعم تلك المجتمعات، كما عليه أن يتصدى لمخاوفهم وأزمة انعدام الثقة.

انعدام الثقة والافتراضات المسبقة

بإمكان العلوم الاجتماعية والأنثربولوجيا المساعدة في معرفة كيف تعكس السلوكيات الثقافة والسياسات. وبقدر ما ينطبق ذلك على آلية الاستجابة ينطبق أيضًا على ثقافة المجتمعات المحلية.

 وكما أوضحت هذه الفاشية، فإن انعدام الثقة والافتراضات المسبقة بإمكانهما الإضرار بالتفاعل بين العاملين في الاستجابة للأزمة والمجتمعات المحلية. فالمسؤولون الرسميون قد يفترضون جهل جانب من سكان الريف، في حين قد يرتاب السكان المهمشون من وجود دوافع خفية لدى المسؤولين، دعم شكوكهم في بعض الأحيان أدلة اختلاس أموال مخصصة للإيبولا.[4] وتنوقلت الروايات عن شكوى العاملين في مجال التوعية المجتمعية في سيراليون من أن أكبر التحديات التي تواجههم هي استخفاف الناس بهم؛ لظنهم أنهم يعملون فقط من أجل كسب المال.

بالتأكيد هناك أمور كثيرة مدعاة للشك، مثل ’المتطوعين‘ الذين يتقاضون رواتب، والرسائل المتضاربة التي ركزت في البداية على العدوى من لحوم الطرائد، وأن الموت مؤكد إذا أصيب الشخص بالعدوى، ثم عادت لتؤكد تجنب الملامسة الجسدية مع المرضى والسعي إلى العلاج في المستشفيات، أضف إلى ذلك تعميم الحلول وكأنها تناسب كل الحالات.

فعلى سبيل المثال، في سيراليون تم وضع سياسة عامة تقضي بإجراء دفن كل الأموات أيًّا كان سبب وفاتهم من قبل فرق الدفن الآمن؛ مما أثار حفيظة بعض القرويين ففسروا قاعدة ’الدفن الآمن‘ على أن السلطات تزعم أن كافة الوفيات كانت ناجمة عن الإيبولا، ورغم أن السياسة كانت نابعة من زيادة الاحتياط، إلا أنها كانت في موضع اتهام؛ لأنها وصلت إلى قاطني القرى النائية دون شرح ملائم لمبرراتها، فأثارت شكوكًا حول المرض.

وفي ضوء ذلك فإن المقاومة المتبقية لتدابير الوقاية من الإيبولا علاقتها بالثقافة التقليدية أو الجهل أقل من علاقتها بالتناقضات التي تولد انعدام الثقة.

رؤية طويلة الأمد

إذن فالعلوم الاجتماعية تقدم رؤى بإمكانها تعزيز الاستجابة قصيرة المدى للفاشيات، كما بإمكانها تقديم وجهات نظر طويلة الأمد حول منشأ أحكام المجتمعات المحلية على الأمور.

لقد وجد وباء الإيبولا أرضًا خصبة في غرب أفريقيا، فالشكوك وانعدام الثقة متجذر في تاريخ من استغلال النخب ’والدخلاء‘ للعبيد والأرض والمعادن. مثل هذا المنطق لا يمكن محوه بسهولة. لكن الوعي به يسمح بفهم أفضل لكيفية إساءة تفسير بعض الإجراءات (كالتجارب التي تتطلب عينات دم)، بحيث يمكن تجنب ردود الأفعال السلبية (مثل الاتهامات بسرقة الدم).

مثل هذه الأمور غالبًا ما تكون معالجتها في بساطة أخذ المزيد من الوقت لشرح الأمور بشكل كامل. فهناك الكثير يمكن قوله لتهدئة الأمور، وأخذ الوقت في تنسيق الرسائل والأنشطة، إلى جانب التواضع والاعتراف بالأخطاء السابقة.

الاعتماد على شبكة عمل أوسع

استحضار منظور العلوم الاجتماعية في الاستجابة للطوارئ هو أمر صعب لكنه ممكن. فشبكة العمل التي شُكلت خلال انتشار الوباء -وهي منصة الأنثروبولوجيا استجابة للإيبولا، وقائمة التعميم الخاصة بمبادرة أنثروبولوجيا الإيبولا- تمكنت من حشد معارف من العديد من الأشخاص عبر الإنترنت، وأسدت النصح في موضوعات عديدة، ابتداء من أخلاقيات وتصميم التجارب السريرية، وحتى أدوات دعم حركة مكافحة الإيبولا التي تقودها المجتمعات المحلية.

تمد هذه المبادرة المجتمعات بمجموعة واسعة من الخبرات، لا تنحصر فقط في علماء الأنثروبولوجيا الطبية، كما أنها لا تضم فقط الأسماء والتخصصات المعتاد الذهاب إليها في حالات الفاشيات؛ لذا فهي تتكامل مع جهود الأبحاث قصيرة الأمد والبحوث الميدانية وهما الأكثر شيوعًا. ويعد ضم علماء الأنثربولوجيا إلى لجان الاستشارات العلمية طريقة أخرى لجلب مثل تلك الخبرات.

أظهرت فاشية الإيبولا قيمة الأنثروبولوجيا، وخلقت فرصة لجلب رؤى العلوم الاجتماعية في التصدي للطوارئ الصحية. يجب ألا تعتمد استراتيجيات السيطرة على الأزمات وتغيير السلوكيات على فكرة أن الجميع يعتقد ويفكر بنفس الطريقة؛ فهذا لن يتحقق أبدًا، في المقابل يجب من البداية تنظيم الاستجابات للأزمات لتقدم تعاونًا هادفًا، تشارك فيه المجتمعات المحلية ويتم عبره تبادل معارف متنوعة.

 
** آني ويلكينسون: باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد دراسات التنمية (IDS). أجرت بحوثًا حول حمى اللاسا والإيبولا في سيراليون، وهي في الفريق التوجيهي بمنصة الأنثروبولوجيا استجابة للإيبولا. يمكن التواصل معها عبر [email protected]

المقال منشور بالنسخة الدولية يمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي: 
Why disease epidemics need input from anthropology
 

هذا المقال جزء من إضاءة: إدارة الأزمات الصحية بعد الإيبولا
 
 
 

References

[1] Sharon A. Abramowitz and others Community-centered responses to Ebola in urban Liberia: the view from below (Ebola Response Anthropology Platform, accessed 7 April 2015)  
[2] Elizabeth Cohen Woman saves three relatives from Ebola (CNN, 26 September 2014)
[3] Paul Richards and others Village responses to Ebola virus disease in rural central Sierra Leone (Ebola Response Anthropology Platform, January 2015)
[4] BBC News Sierra Leone audit claims Ebola funds unaccounted for (BBC, 13 February 2015)