Skip to content

12/08/21

أشجار الموز تطرح أثاثًا

2ب
حقوق الصورة:Hazem Badr/ SciDev.Net

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

قد تركل قدماك الذهب يوميًّا، ولا تدرك أن بإمكانك الحصول عليه، إلا عندما يشير لك آخرون بأن ما تركله ذهب.

وهذا ما ينطبق حرفيًّا على مشروع صناعة الأثاث من مخلَّفات شجر الموز، الذي نفذه ثلاثة من شباب قرية دندرة، التابعة لمحافظة قنا جنوبي مصر.

منذ نعومة أظفارهم كان هؤلاء الشباب يرون مُزارعي القرية التي تشتهر بزراعة الموز وهم يتخلصون من مئات الأطنان من مخلفات زراعة أشجار الموز سنويًّا، والتي كانت تُحرق أو تُلقى في الشوارع يلهو بها الصبية.

وبينما كان هؤلاء الشباب مهمومين بالحصول على فرصة عمل بعد تخرُّجهم في الجامعة، كان حضورهم لمنتدى دندرة الاقتصادي قبل ثلاث سنوات، هو الشمعة التي أضاءت تحت أقدامهم، ليدركوا أن ما كانوا يركلونه ويلهون به وهم صبية، قد يكون مصدر رزقهم.

عرض المنتدى في 2019 -وهو منتدى سنوي ينظمه مركز دندرة التنموي، أحد المراكز الأهلية بالقرية- تجربةً من سنغافورة حول استغلال مخلَّفات أشجار الموز في صناعة الأثاث، لتلمع تلك الفكرة في أذهان هؤلاء الشباب، ويقضوا أيامًا مع المتخصصين من سنغافورة في تدريب عملي على كيفية معالجة بواقي الشجرة ليتم تجهيزها للاستخدام في صناعة الأثاث.

يوضح محمد عبد الرحيم -أحد هؤلاء الشباب- لشبكة SciDev.Net: ”في التجربة المصرية حاول الشباب في البداية تنفيذ أثاث متكامل من الألياف، لكن المنتج لم يجد قبولًا في السوق المحلية، وكان الشكل المقبول هو المستخدم حاليًّا، المتمثل في هياكل معدنية يتم نسج الألياف عليها“.

ويستطرد عبد الرحيم: ”المنتج النهائي وطريقة التصنيع تختلف بين التجربتين، فكلاهما يصنع الأثاث وفقًا لمتطلبات السوق الخاصة به“.

مراحل عملية التصنيع يوضحها زميله في المشروع محمد طه، إذ تبدأ بالحصول على البواقي الزراعية من أشجار الموز، ثم تقطيعها إلى شرائح طولية وتركها لعملية التجفيف الشمسي، ثم تأتي مرحلة معالجتها ببعض المواد لإكسابها حمايةً من العفن والتسوس والفطريات، ويعقب ذلك تفريغ تلك الشرائح من الهواء عن طريق ماكينة متخصصة، لتصبح بعد ذلك مؤهلةً للاستخدام في صناعة الأثاث عن طريق غزلها بخطوط طولية وأخرى عرضية في هياكل الأثاث الحديدية التي تقوم الشركة بإعدادها بالتعاون مع ورش متخصصة في صناعة الأثاث من الحديد، وتخضع هذه الهياكل هي الأخرى لمعالجة أخرى بمواد تُكسبها مقاومةً ضد الصدأ.

وعن مميزات المنتج يقول طه للشبكة: ”منتجنا أقل سعرًا من منتجات البامبو بحوالي 30%، وهو وفقًا لكل مَن جربه لا يقل جودةً ومتانة، كما أنه غير قابل لنمو الفطريات عليه، بالرغم من كونه من مصدر طبيعي وحيوي، والسبب أنه معالَج خلال إحدى مراحل التصنيع“.

ويضيف عبد الرحيم: ”إن الخامات المستخدَمة في معالجة الألياف لإكسابها الصلابة ومقاومة الحشرات، خامات متوافرة في البيئة المصرية، وهي مختلفة عن الخامات المستخدمة في تجربة سنغافورة“.

في البداية، كان عبد الرحيم ورفاقه يكتفون بإنتاج بسيط جدًّا من الأثاث، يجري توزيعه في إطار محيط معارفهم؛ لإثبات قدرتهم على الإنتاج.

ثم سنحت لهم فرصة للمشاركة في مبادرة ’رواد النيل‘، وهي مبادرة وطنية بدأت في عام 2019، تهتم بدعم الشركات الناشئة، واستطاعوا من خلالها الحصول على تمويل لتحويل نشاطهم إلى شركة صغيرة حملت اسم “MozFiber” موزفيبر.

يقول عبد الرحيم: ”من خلال المبادرة حصلنا على تدريب متخصص في صناعة الأثاث، كما حصلنا على تدريب آخر في التسويق والإدارة، لنتمكن من إدارة الشركة بأسلوب علمي، وقمنا بتوظيف 35 فتاة من بنات القرية بعد تدريبهن على غزل ألياف الموز على هياكل الأثاث بخطوط طولية وعرضية“.

ومن ثم ”توسعت دائرة الجهات التي نستهدفها بمنتجنا، لتشمل الفنادق والمجمعات السكنية الكبرى، كما شاركنا في معارض الأثاث“.

وما إن بدأ عبد الرحيم ورفاقه يحصدون ثمار مشروعهم بعد التوسع فيه حتى جاءت جائحة ’كوفيد -19‘، التي أثرت على السياحة بشكل كبير، وأثرت بالتالي على نشاطهم الذي تُعد المنشآت السياحية من الأسواق الرئيسية له.

ويسعى أصحاب المشروع حاليًّا لاستعادة النشاط والتوسع فيه، ”فلا تزال طاقتنا الإنتاجية ضعيفةً وغير قادرة على استيعاب كل البواقي الزراعية التي تخرج من محصول الموز بالقرية، فمن بين أكثر من مليون شجرة من بواقي الزراعة، لا تستوعب طاقتنا الإنتاجية إلا 100 ألف شجرة على الأكثر“، وفق عبد الرحيم.

ويتمنى عبد الرحيم ورفاقه أن يتمكنوا من التوسُّع في استغلال أغلب بواقي تلك الزراعة، حتى يتمكنوا من تحقيق الأهداف الثلاثة التي يسعون إليها من خلال نشاط شركتهم، وهي إتاحة فرص عمل للفتيات بالقرية، وتوفير دخل إضافي لمزارعي الموز، وأخيرًا تحقيق أهداف بيئية باستغلال مخلفات زراعية كان يجري حرقها والتخلص منها على نحوٍ غير آمن بيئيًّا.

يرى طه أن ما ينقصهم هو وجود دعم تسويقي وإعلاني لمنتجهم، القادر على منافسة المنتجات الأخرى التي تعتمد على مصادر طبيعية، مثل منتجات الأثاث من البامبو.

وحتى تتوافر الأيدي العاملة المدربة على هذه الحرفة عندما تأخذ حظها من الانتشار، ينفذ طه ورفاقه ورشًا تدريبيةً لأطفال القرية؛ لتدريبهم على غزل ألياف الموز في هياكل الأثاث المعدنية.

يُثني محمد الميداني -أستاذ مساعد في كلية الهندسة وعلوم المواد في الجامعة الألمانية بالقاهرة- على الفكرة؛ لكون ألياف الموز مادةً خفيفة الوزن والكثافة، وهذا معيار مهم يجب النظر إليه عند تقييم أي خامة جديدة تدخل في صناعة الأثاث.

ويقول لشبكة SciDev.Net: ”أما بالنسبة للمعيار الآخر، وهو الخصائص الميكانيكية، فلا يبدو ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهذا الاستخدام؛ لكون الخامة لا تدخل في تصنيع هيكل الأثاث، إذ تُستخدم فقط في كسوته، وهنا يجب التركيز على معايير أخرى، منها المظهر الجمالي الذي تُكسبه الخامة للأثاث، وكذلك مقاومتها للتآكل بفعل العوامل الجوية، ومقاومتها للحشرات، لكونها مادةً عضوية“.

ويضيف الميداني أن طبيعة السوق الموجه إليها الأثاث قد تفرض معيارًا آخر يجب التأكد منه، وهو مقاومته للحريق، إذ إن بعض الدول تشترط عند تصدير الأثاث إليها التأكد من أنه يتمتع بهذه الميزة.

هذه المعايير التي أشار إليها الميداني تأكد منها عبد الرحيم ورفاقه، غير أنهم لم يحصلوا على شهادات من مراكز متخصصة تفيد بنجاحهم في تنفيذها.

يقول عبد الرحيم: ”نستخدم مواد عازلةً في أثناء التصنيع، وهي المواد نفسها التي تُستخدم في تصنيع الأثاث من الأخشاب، وهذه المواد تعطي مقاومةً للحشرات وتجعل الأثاث غير قابل للاشتعال، وقد تأكدنا من ذلك عبر تجارب عملية، وينقصنا توثيقها من مراكز اعتماد متخصصة“.

ويختتم طه: ”مَن يصدق أن أشجار الموز التي كنا نلهو بها صغارًا أو نشاهد المزارعين يحرقونها، قد تحولت إلى مصدر رزق لنا“.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا