Skip to content

15/12/20

أفران الفخار تصالح البيئة وتجذب السياح

IMG_1335
حقوق الصورة:Hazem Badr

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

لا يملك محمد السيد، ابن قرية تونس بمحافظة الفيوم في مصر، من حطام الدنيا سوى قطعة أرض صغيرة، يعتمد على إنتاجها الزراعي كمورد رزق رئيسي له، وهو ما جعله يُبدي توجسًا من مشروع أقامته جارته نهلة مصطفى لصناعة الفخار في قطعة الأرض الملاصقة لأرضه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السيد كان يجول في مخيلته أنه سيتعايش مع انبعاثات وأدخنة متصاعدة من أفران حرق الطين، على نحوٍ يخنق الأنفاس ويدمر المحاصيل الزراعية، ورغم محاولات صاحبة الورشة لإقناعه بأن هذا المشهد الشهير عن تلك الصناعة أصبح ماضيًا، إلا أن ذلك لم يكن مسوِّغًا لإقناعه، حتى رأى على أرض الواقع كيف حولت الأفران صديقة البيئة هذه الحرفة من مصدر إزعاج إلى عامل جذب للسياح.

يقول السيد لشبكة SciDev.Net، وهو يشير إلى اثنين من السائحين وقد جاءا إلى المعرض الملحق بالورشة: ”كنت أجهز نفسي لخلافات مستمرة مع صاحبتها، ولم أكن أتوقع أن يكون هذا المكان مقصدًا لهؤلاء السائحين وغيرهم ممن يترددون على القرية لاقتناء منتجات الفخار والخزف“.

ويضيف بنبرة صوت منخفضة وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خجولة: ”أفكر جديًّا في تعلُّم تلك الحرفة بمدرسة الفخار الموجودة في القرية؛ فالمهنة أصبحت رمزًا للفن والجمال، بعد أن كانت سببًا لتلوث البيئة“.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يُعزى تلوث البيئة من هذه الحرفة إلى طريقة حرق الطين المتوارثة منذ عصر الفراعنة، وهي المرحلة الأخيرة في صناعة الفخار والخزف، وكانت تجري داخل مكامير يوضع الفخار فيها بعد أن تُغذى المكمورة بأي مخلفات قابلة للاشتعال، ليكون الناتج انبعاثات تفوق المعدلات الآمنة من غازات أكاسيد الكربون والكبريت والنيتروجين.

وجاءت الأفران صديقة البيئة لتقضي على هذا المشهد تمامًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعلمت نهلة وكثير من أبناء قريتها طريقة تجهيز هذه الأفران وآلية عملها في مدرسة الفخار التي أسستها الفنانة السويسرية ’إيفلين بوريه‘، التي درست الفنون التطبيقية في جامعة جنيف، وأقامت في القرية منذ نحو 50 عامًا، بعد زواجها من الشاعر الغنائي المصري سيد حجاب.

الفرن صديق البيئة يتكون من وحدتين: الأولى هي مكان لتخزين السولار (برميل)، يتصل -عبر ماسورة لضخ السولار- بوحدة معزولة حراريًّا، يوضع الفخار المراد حرقه داخلها.

تقول نهلة لشبكة SciDev.Net، وهي تشير إلى الفرن الخاص بورشتها: ”الفرن الآن في مرحلة التشغيل، وكما ترى الانبعاثات المتصاعدة منه ضئيلة جدًّا“.

وبينما كانت نهلة تتدرج في معدلات زيادة الحرق، كانت تنظر لي متسائلةً بنبرة واثقة: ”هل تشم ما يؤذيك؟“.

كانت هذه المرحلة من تلك الصناعة هي التي تتسبب في مشكلات بيئية، أمكن تجاوُزها عن طريق تلك الأفران، أما المراحل الأخرى فليس لها أي تداعيات بيئية سلبية، كما تؤكد نورا مصطفى، شقيقة نهلة، والتي تعمل معها في الورشة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تقول نورا إن مراحل التصنيع تبدأ بتنقية الطين من الشوائب، ثم إضافة الماء إليه، ”ونستمر في خلطهما حتى يصبح الطين قابلًا للتشكيل، ونستخدم في ذلك الأسطوانة الدوارة، وتُدعى (الدولاب)، ثم يصب الفخار في قوالب مصنوعة من الجبس، وقد تحتوي على الزخارف، فيجف فيها الفخار ليأخذ شكل الزخارف الموجودة في قوالب الجبس، ثم يجفف الفخار ليصبح بعدها قابلًا للتلوين والطلاء عليه“، وأخيرًا تأتي مرحلة الحرق.

يُثني مجدي علام، الخبير الدولي في مجال شؤون البيئة، على التوجُّه نحو تعميم تلك التجربة؛ للقضاء على أحد مصادر تلوث البيئة بعدد من المحافظات المصرية التي تشتهر بتلك الحرفة.

ومثل مكامير الفحم التقليدية، يقدر علام أن نسبة أول أكسيد الكربون المنبعث من مكامير الفخار، لا تقل عن 60 ألف جزء في المليون، بينما النسبة المسموح بها عالميًّا هي 800 جزء في المليون.

 

 

 

 

 

يقول علام للشبكة: ”خطورة هذا الغاز الذي يطلقون عليه (القاتل الصامت) تكمن في تفاعله مع الهيموجلوبين في الدم، ما يؤدي في النهاية إلى خطر التسمم الحاد، وهو ما يجعلنا نطالب بتسريع التوجه نحو تعميم أفران قرية تونس“.

كانت وزارة البيئة المصرية قد أعلنت في أبريل من العام الماضي عن سبل تعميم تلك التجربة في كل أفران الفخار بمصر، من خلال التعاون مع مؤسسة الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة التابعة للوزارة، لتصبح قرية تونس صديقةً للبيئة ومثلًا يُحتذى به في مختلِف القرى المصرية.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.