Skip to content

19/02/13

وجهة نظر.. حسن صياغة العلم قد يعزز تأثيره الاجتماعي

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

من بين الدروس التي تعلمتها خلال مسيرتي كاتبا علميا: أنك إذا أردت التأثير على موقف القارئ تجاه موضوع ما، فإن الطريقة الأكثر فعالية لذلك، غالبا ما تكون قصة إخبارية متزنة ومدروسة جيدا، لا مقال رأي فجًّا مثيرًا للبلبلة.

السبب في ذلك واضح ومباشر؛ إذ يتناول القارئ مقالات الرأي بمستوى مرتفع من الحذر، ومن ثم يترقب النقاط التي قد يختلف فيها بالفعل مع الكاتب.

في المقابل، من المرجح أن يكون القارئ أكثر استجابة لقراءة خبر متزن، حيث يشعر بحريته في تقييم الأدلة المطروحة أمامه، حتى لو كان ذلك يؤدي إلى نفس الاستنتاجات التي توصل إليها الصحفي بالفعل، لكنه لم يُعرب عنها صراحة.

عند عرض المعلومات المتعلقة بالعلوم، فإن طريقة طرحها -أو "تأطيرها"- كثيرا ما يكون لها أهمية المعلومات ذاتها.

خطر الإجماع

لقد تذكرت هذا الأمر في ندوة عُقدت في المملكة المتحدة في وقت سابق من الشهر الحالي (6- 7 فبراير) عن السياسات العالمية حول المشورة العلمية، والتي نظمها مركز STEPS  في جامعة ساسكس. [1]

إحدى القضايا التي خضعت لمناقشات واسعة النطاق في الملتقى، كانت عن: كم مرة صاغ العلماء نصائحهم لصانعي السياسات بطرحها على أنها تُعبر عن إجماع داخل المجتمع العلمي، مثل العمليات المسؤولة عن الاحترار العالمي؟

وكما أشار العديد من المشاركين، قد تؤدي المبالغة في اليقين بصحة الاستنتاجات العلمية إلى نسف الأهمية المعلقة على أوجه عدم اليقين المنطقية.

وأثير العديد من الأمثلة الأخرى لطرق الصياغة (التأطير) غير الملائمة.

وقد جادل سومان ساهاي، من حَمْلة الجينات في الهند، بأن عرض الحاجة إلى زيادة إنتاج الغذاء بحسبانها مشكلة يمكن أن تُحل إلى حد كبير بجهود ونظرات أولئك المتخصصين في العلوم "الجامدة"، مثل علم الأحياء والكيمياء الحيوية، استبعد الإسهامات المحتملة من قبل علماء الاجتماع، أو غيرهم ممن يفتقرون إلى الخلفيات العلمية، لكنهم يمتلكون المعرفة والخبرات وثيقة الصلة بالقضايا المعنية.

كما تحدث بريان واين، وهو أستاذ الدراسات العلمية في جامعة لانكستر في المملكة المتحدة، عن مدى إغفال العلماء الحكوميين للمعارف العملية التي يمتلكها المزارعون حول عادات التغذية لدى الأغنام، في معرض تقييمهم للأخطار المحتملة لتداعيات حادث تشيرنوبيل النووي في ثمانينيات القرن العشرين.

وفي هذا السياق، قال واين: "لم يكن هناك إطار مباشر لمقارنة الأنواع المختلفة من الخبرات وتقييمها؛ فلم يكن العلماء يتناولون الأسئلة نفسها التي يتناولها المزارعون".

دور وسائل الإعلام

وقد تم تذكير الحضور في ملتقى ساسكس أيضا بأن الطريقة التي تصوغ بها وسائل الإعلام المعلومات العلمية كثيرا ما تؤثر في كيفية حدوث المناقشات المتعلقة بالسياسات، من خلال تحديد كيفية رؤية كل من الجمهور وصانعي القرار لتلك المعلومات.

على الجانب الإيجابي، فإن الحماس الذي يُظهره الصحفي لاكتشاف علمي جديد قد تكون له آثار مُعدية. فمن الممكن لنشر تقرير عن فتح علمي كبير في علاج الملاريا، مثلا، أن يلفت إليه انتباه صانعي القرار، ومن ثم تشجيعهم على دمجه في البرامج الطبية.

لكن قد تكون هناك جوانب سلبية، خاصة عندما يتم صياغة القصة العلمية بشكل غير لائق لمجرد تلبية متطلبات القيم التقليدية لغرفة الأخبار.

وقد يبالغ الصحفيون في عرض أهمية اكتشاف علمي بعينه، في معرض حرصهم على التأكيد على حداثة الموضوع أو تأثيره المحتمل. مثلا، قد يكررون ادعاء أحد المروّجين الإعلاميين بوجود "فتح علمي" دون التحقق ما إذا كان باحثون آخرون يوافقون على هذا التقييم.

وأيضا قد تبالغ القصص الإخبارية في أهمية عدم التوصل إلى اتفاق.

إن الخلاف بين الخبراء يمثل اهتمامًا عامًّا منطقيًّا مشروعًا، وبث وجهات النظر المتباينة يضمن اتزان القصص الإخبارية. لكن تزويد المخالفين بما يطلق عليه كثيرًا اسم "أكسجين الدعاية" قد يأتي بنتائج عكسية وخيمة، وهذا ما جناه رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي عندما شجّع وسائل الإعلام في بلاده على نشر القصص الإخبارية التي تبرز آراء العلماء الخارجين على الإجماع العلمي، والقائلين بأن فيروس العوز المناعي البشري لا يسبب مرض الإيدز.
 
الصياغة الفعّالة

يتمثل المغزى الأخلاقي هنا في أن كلا من العلماء والصحفيين العلميين ينبغي أن يكونوا على بينة من أهمية الطريقة التي تُعرض المادة العلمية.

يحتاج العلماء الذين يسعون إلى زيادة الوعي والأهمية الاجتماعية للنتائج التي توصلوا إليها إلى تعلّم كيفية صياغة نتائج أبحاثهم بشكل فعال عند إيصالها إلى كل من صانعي السياسات وعموم الجمهور. وقد يعني هذا تحاشي النبرة المتسلّطة التي كثيرا ما تُلفظ بها الاستنتاجات العلمية؛ لصالح رغبة أكبر في القبول بعدم اليقين وبالموثوقية المحتملة لوجهات النظر البديلة.

يجب على الصحفيين العلميين التأكد من أن الطريقة التي يكتبون بها عن العلوم لا تعكس المحتوى بدقة فحسب، ولكن أيضا أهمية ما يقومون بالكتابة عنه. ومن طرق القيام بذلك، يمكنهم السؤال عن الكيفية التي بها قد تكون فائدة عملية لفتح علمي ما، أو عن مدى ارتباطه بالبحوث الأخرى في نفس المجال.

أيضا نحن مسؤولون عن فضح القصص الإخبارية المتعلقة بالعلوم والتي تمت صياغتها على نحو غير ملائم، مثل كتابتها من قبل علماء يبالغون في أهمية النتائج التي توصلوا إليها.

إن الصياغة (التأطير) غير الصحيحة أو المضللة، سواء عن عمد أو بدونه، يبني ارتيابًا في العلوم لا يسعه إلا الزراية بالمناقشات العامة حول الموضوعات الرئيسية المتعلقة بالعلوم، من تغيّر المناخ إلى الأدوية الحديثة. وعند تناولها بطريقة مسؤولة، فإن الطريقة التي تُصاغ بها المعلومات العلمية، من العلماء والصحفيين على حد سواء، قد تعزز إلى حد كبير من التأثير الاجتماعي لتلك المعلومات.