Skip to content

27/09/13

حول العالم العربي.. لا تنمية بلا حرية

Arab spring
حقوق الصورة:Flicker/ Amine Ghrabi

نقاط للقراءة السريعة

  • العصف بالحرية في مجتمع ما، هو عصف بالتنمية
  • في ظل الحرية تتوافر موارد التنمية من فكرة ومشروع، ورأس مال اجتماعي، وموارد مالية
  • تشبث الناس بالحرية شرط لتحقيق التنمية، وتمسكهم بالتنمية شرط لانتزاع الحرية

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يناقش مجدي سعيد تلازُم الحرية والتنمية، مستنكرا تراجع الحريات عقب ثورات الربيع العربي، وما قامت إلا نشدة للحرية

منذ 13 عاما، نُشر كتاب 'التنمية حرية' للهندي أمارتيا كومار صِن -الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998- وهو الكتاب الذي نقله للعربية شوقي جلال، وقدمه في سلسلة عالم المعرفة عام 2004 بعنوان "التنمية حرية.. مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر".

وقديما امتن الله -تبارك في عليائه- على أهل قريش بالتحرر من الجوع والخوف، كون ذلك سبيلا للتنمية الاقتصادية "لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ(1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ(2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ(4)".

ولا ريب أن الحرية تقود إلى التنمية، وحين نعصف بالحرية في مجتمع ما، فإننا لا محالة نعصف باحتمالات التنمية.

وما تتعرض له بلدان الربيع العربي من انتكاسات في مسيرة الحرية والديمقراطية بعد ما ثارت فيها ثورات تنادي بالحرية، خلق حالة من الانقسام والتشتت في المجتمعات، لا تختلف عن حال المجتمع الفاشي الذي يُستعدى فيه جزء من الشعب على جزء آخر منه.

إن التنمية في أي مجتمع لا بد لها من موارد أساسية، منها: فكرة ومشروع، أو أفكار وابتكارات تلبي احتياجات المجتمع وتحل مشاكله، ورأس مال اجتماعي متمثل في قدرة أفراد المجتمع على العمل الجماعي لحل مشكلاته، والموارد المالية اللازمة لتنفيذ تلك الحلول. ولنبسط الحديث بعض الشيء حول تلك الموراد.

فكرة ومشروع

حاجات الحياة، ومشكلاتها، والرغبة الفطرية في التجدد والتجديد تخلق لدى الإنسان وداخل المجتمعات أفكارا لمشروعات، وابتكارات، واختراعات، تلبي الاحتياجات وتحل المشكلات. وفي الدول التي تتمتع بالحرية ترعى الحكومات مع مؤسسات المجتمع المدني روح الابتكار هذه وتنميها.

على سبيل المثال، الهند بلاد ديمقراطية كبيرة جدا، متعددة الأعراق؛ متشعبة اللغات، كثيرة الأديان، شاركت هذا الشهر في مهرجان لندن للتصميم، فملأت قاعة ضخمة بأكملها، غصت بإبداعات العمال والفلاحين وعموم الناس وابتكاراتهم. لم يأت هذا من فراغ، وإنما أتى نتاج عمل متواصل، ترعاه 'شبكة نحل العسل Honey Bee Network'، وما خلفها من مؤسسات أهلية وحكومية، تستكشف الإبداع الأهلي والشعبي، وتنمِّيه وتطوِّره وتسوِّقه.

لا تنمو روح الابتكار هذه إلا في كنف الحرية، وفي ظل توجُّه الحكومات نحو التنمية والنهضة، من خلال إطلاق حرية الأفكار والتعبير عنها. ولا تنمو تلك الروح مع سعي نظم مستبدة إلى زرع مشاعر الخوف في قلوب الشعوب؛ لأنه يجعل أفكار الناس تنحصر في الدفاع عن أنفسهم ضد القمع، كما أنها تنزع منهم الانتماء (المتمثل بالرغبة في تلبية احتياجاته وحل مشكلاته)، وتزرع بديلا عنها روح السخط على البلد الذي يظلمهم، ويعتدي عليهم بلا جريرة.

رأس المال الاجتماعي

وهو أيضا مورد مهم من موارد التنمية، ويعني قيمة العلاقات الاجتماعية وفاعليتها، ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية. ومفهومه العام، أنه الركيزة الأساسية  للعلاقات الاجتماعية، وقوة التماسك المجتمعي التي تُبنى عليها قدرة الناس على التفكير والعمل معا من أجل حل المشكلات، وتلبية الاحتياجات، سواء جاء هذا التفكير والعمل في هيئة مؤسسة (منظمات المجتمع المدني، والتعاونيات)، أم في شكل حر غير منظم، أم حتى داخل مؤسسات الدولة المختلفة.

والاستبداد يقضي على رأس المال الاجتماعي؛ لأنه يهدم عموده الرئيس، ونعني به الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع، وبين تجمعاتهم المختلفة (العائلات، جماعات المصالح.. إلخ). يبني الاستبداد القائم على الفاشية أسسه على خلخلة ثقة الناس بعضهم في بعض، من خلال خلق أعداء وهميين من داخل المجتمع، وربما الاحتراب بينهم، وتجييش جزء من المجتمع أعوانا في هذه الحرب على الجزء المعارض منه، حتى قد يتحول الناس إلى جواسيس بعضهم على بعض، ومخبرين.

الأساس الآخر لرأس المال الاجتماعي هو وجود مرجعية ما (عرف، قانون، ..إلخ) يرتضون الاحتكام إليها. وفي ظل الاستبداد القمعي قد تلجأ مؤسسات الدولة –وهي القمينة بإجبار المواطن على احترام هذه المرجعية المتفق عليها- إلى بسط سلطتها بانتهاك تلك المرجعية.

من ثم يصير انتهاك القانون هو القانون، وهو ما يضرب رأس المال الاجتماعي في مقتل أيضا، وتقوم مؤسسات الدولة (وربما مؤسسات المجتمع) على الثقة المبنية على الولاء لقانون انتهاك القانون، وحينئذٍ لا يصبح للمجتمع مؤسسات حرة، وهي الضرورية لتوفير مناخ الحرية للتنمية.
 
الموارد المالية

آخر ما نذكّر به من موارد التنمية، ففي ظل الاستبداد القائم على انتهاك القانون تغيب حرمة المال العام والخاص، والذي يصبح نهبا للـ"محاسيب"، ومن يملكون السطوة والقوة، وتنصرف موارد الدولة إلى تثبيت دعائم الحكم وتسيير مصالحه، فتغيب الشفافية وتنعدم الأمانة، وتختفي المشروعات التي تقوم بمصالح الناس، اللهم إلا إذا كانت جزءا من الدعاية لتثبيت دعائم نظام الحكم، وإسكات أفواه الناس، وشراء ولائهم.

ينتشر الفقر في جحيم الفساد والاستبداد، ويترعرع المرض، ويسود الجهل، وقد لا يبقى لمعالجة تلك المشكلات إلا جهود بعض الناس من خلال مؤسسات الخير والإحسان، وهي لا تنهض بأحجام هذه المشكلات في المجتمعات النامية ولا بأعبائها، ومن ثم فإننا لا نصل إلى مطلب الإنسان المتحرر، وهو أيضا شرط من شروط تهيئة المناخ للتنمية.

العاصم من كل ذلك هو تشبث الناس بحقهم في الحرية؛ إذ يبقى شرطا أساسيا للتنمية، وتمسكهم بالتنمية شرطا أساسيا لانتزاع الحرية، فكلاهما: التنمية والحرية طريق مؤد إلى الآخر، وكلاهما يتحقق بنضال الناس السلمي في سبيلهما، وبنائهم لمبادرات ومؤسسات أهلية لا تكتفي بالخير والإحسان، وإنما تنطلق إلى تنمية الإنسان وبيئته.

ولنا في مؤسسات 'كلية الحفاة' Barefoot Collage، و'حركة سيوا' أو النساء المعيلات لأنفسهن Self Employed Women Association في الهند، وتجارب مؤسسات 'جرامين' Grameen و'شيدولاي سوانيرفار' في بنجلاديش، وحركة التعاونيات في العالم، أكبر مثال لقدرة الناس على إحداث تنمية، ولقدرة التنمية على توسيع هامش الحرية، كما أن لنا في النضالات السلمية ضد الاستبداد في أمريكا اللاتينية أمثلة لقدرة الناس على صناعة التنمية من خلال السعي لاستعادة الحرية.

 هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط

رئيس تحرير الطبعة العربية من مجلة Nature