Skip to content

01/05/16

الرعاية النفسية لمريض تقتضي الوعي بثقافة مجتمعه

Children culture mental health.jpg
حقوق الصورة: Warrick Page / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • ثقافة المجتمع مفتاح لفهم كيفية تعبير الناس عن اضطراباتهم الانفعالية وشرحهم لها
  • ردود أفعال المجموعات المهاجرة تُظهر دورها في الصحة النفسية
  • يمكن للابتكار أن يوفر دعمًا ثقافيًّا ملائمًا في الدول الأكثر فقرًاl

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

 
مجموعات المهاجرين تكشف أثر الاختلافات الثقافية على الصحة النفسية. وينبغي للأطباء التكيف مع ذلك، وفق دينيش بهوجرا.

حضرت امرأة من بنجاب الهند إلى عيادتي تقول بيقين: إن قلبها يغور! ثم مريضة شرق أوسطية تشكو ثقلًا في قلبها، وتلاها بريطاني شاب أبيض يخبرني بخروج أحشائه، إعرابًا عن غمه لتسريحه من عمله. كل هذه التعابير الثقافية قد تكون مختلفة، لكنها عبرت عن مكنون واحد تكنه صدورهم، ألا وهو القلق والاكتئاب.

نحن لم نولد بثقافة معينة ولكن تأثرنا بها لميلادنا فيها.

قبل عامين كاد زوجان هنديان في النرويج أن يفقدا حضانتهما لأبنائهما؛ لأنهما كانا يعلمانهم كيف يأكلون بأصابعهم، وهو ما اعتبره الأخصائيون الاجتماعيون النرويجيون نوعًا من إساءة التعامل مع الأطفال- ما يعني أن الثقافة هي التي تحدد الأمور المنحرفة أو الشاذة.

إن التعامل مع السلوك الشاذ هو خبز علم النفس وزبدته، وللثقافة دور جوهري في مناولة الأعراض النفسية وتوريثها وإدامتها.
 
الثقافة الذكورية والأنثوية

إن لكل ثقافة سماتها الخاصة، مثل الطريقة التي يُنشّأ عليها الأطفال، وتختص كذلك بهويّات صغرى مختلفة تصطبغ بالدين والجنس والسن والتعليم والحالة الاجتماعية الاقتصادية. وينبغي أن يكون الأطباء وباحثو الصحة النفسية حول العالم على وعي بأنه حتى وإن كان الأفراد ينحدرون من نفس الثقافة فسيكون لديهم تجارب وآراء عن العالم تتباين بالكلية.

”نحن لم نولد بثقافة معينة ولكن تأثرنا بها لميلادنا فيها“.

دينيش بهوجرا

 

 
لكن عندما يتعلق الأمر بالتأثيرات الثقافية على الصحة النفسية، فثمة بُعدان هامان من المنظور السريري: وهي تحديد ما إذا كانت الثقافات متمركزة حول المجتمع أم متمركزة حول الذات، وما إذا كانت ’ذكورية‘ أم ’أنثوية‘.

فهوية الشخص الذي ينتمي إلى ثقافة متمركزة حول المجتمع مغروسة في الأسرة والأقارب، وهي تعتمد على ما يسمى ’النحن‘. أما في الثقافات المتمركزة حول الذات أو الفردية، فإن هوية الأفراد تخص ذواتهم ونواة الأسرة مباشرة، وهذا يسمى ’الأنا‘.

وتتسم الثقافات الذكورية بعدم المساواة بين الجنسين، ويميل الرجال لأن يكون لديهم سلطة أكبر، بينما تتساوى في الثقافات الأنثوية حقوق الرجل والمرأة، ويتم تنشئة الأطفال على أنهم سواء.
وتقوم الثقافة بدور كبير في كيفية تعبير الناس عن الاضطراب الانفعالي وتفسيرهم له، وأين يطلبون المساعدة لمواجهته. وتتأثر النماذج التفسيرية التي يستخدمها الناس لشرح أمراضهم بالتعليم والحالة الاجتماعية الاقتصادية.

وفي الثقافات التقليدية، التي تميل لأن تكون ذكورية متمركزة حول المجتمع، فإن النماذج التفسيرية في الغالب تعتمد على موضع سيطرة خارجي، فمثلًا يعتقد الناس أن الاضطرابات النفسية سببها عوامل خارجية مثل عين شريرة وهي خارجة عن سيطرتهم. وكلما تمدنت الثقافات تتغير النماذج التفسيرية؛ فتصبح طبية أو نفسية أو اجتماعية أكثر، أو مزيج من الثلاثة.

وهذا يعني أن الشخص الذي يعاني اضطرابات انفعالية في الثقافات التقليدية قد يذهب إلى معالج روحي أو كاهن كأول ملجأ لطلب العون. وتميل المجموعات المهاجرة لفعل الأمر ذاته، حتى بعد اندماجهم في ثقافة جديدة.
 
مخاطر تحيط بالمهاجرين

تعتبر مجموعات المهاجرين مثيرة للاهتمام فيما يظهرونه من دور تؤديه الثقافات. وتعتمد استجابة المهاجرين للثقافة الجديدة على ما إذا كانت الهجرة لأسباب تعليمية أم سياسية أم اقتصادية؛ وما إذا كانوا هاجروا فرادى أم كجزء من مجموعة؛ وما إذا كانوا مهاجرين أوائل (أول فرد يهاجر في العائلة) أم مهاجرين ثانويين (أقارب ينضمون إلى المهاجرين الأوائل).

وقد يواجه الأناس المهاجرون أو مَن اضطروا إلى الفرار من بلادهم حرمانًا ثقافيًّا؛ نتيجة لسلسلة الخسائر التي تعرضوا لها، بما في ذلك ممتلكاتهم وشبكات علاقاتهم الاجتماعية. وهناك نوع آخر من الاستجابة هو الصدمة الثقافية- وهي عدم القدرة على فهم معايير الثقافة الجديدة وتوقعاتها.

 

”تتسم الثقافات الذكورية بعدم المساواة بين الجنسين ويميل الرجال لأن يكون لديهم سلطة أكبر، بينما الثقافات الأنثوية فيها حقوق متساوية للرجل والمرأة، ويتم تنشئة الأطفال على أنهم سواء“.

دينيش بهوجرا

 

وهناك استجابة ثالثة قد تؤدي إلى توترات داخل الأسر، وغالبًا ما توصف بأنها صراع ثقافي. وتنشأ عندما يصبح بعض الأفراد أكثر تمدنًا في قيمهم مقارنة بالأشخاص الأكبر سنًّا في العائلة، وهو ما يؤدي إلى ظهور تلك التوترات.

كل واحدة من هذه الظواهر قد تؤدي إلى اضطرابات عاطفية، يمكن أن يتم التعبير عنها في شكل اضطراب نفسي.

وتعتبر عملية التثاقف بين المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء السياسي خطوة مهمة؛ وتحدث بتعلم الأشخاص للثقافات الجديدة؛ سواء لغاتها ونظامها الغذائي واتجاهاتها، أو تغيرها السلوكي. وسيستشعر البعض الارتياح للازدواج الثقافي، بينما لن يرتاح آخرون لذلك.
 
توقعات ثقافية

ينبغي أن يكون الأطباء على وعي بالاختلافات الثقافية وكيفية تأثيرها على الصحة النفسية. وتختلف القيم الثقافية للناس حتى في داخل المجتمع الواحد أو الثقافة والمنطقة الجغرافية الواحدة؛ وهي قد تختلف كثيرًا عن تلك الخاصة بالأطباء. وحتى إن كان الطبيب والمريض ينحدرون من نفس الثقافة، فسيكون هناك اختلافات في اللغة أو التعليم أو الحالة الاجتماعية أو الهويات الصغرى، وهو ما يجعل التواصل صعبًا.

والأمر لا يتوقف عند ذلك، فالقيم والعادات الثقافية الخاصة بالأطباء أنفسهم، والتحيزات والأحكام المسبقة قد تؤثر على كيفية تعاملهم مع المريض. كما تؤثر الثقافات على كيفية توافق الأطباء والمرضى على ما هو ضروري للعلاج، وكيفية انصياع الناس للعلاج النفسي أو العلاج الدوائي.

ومن ناحيتهم، فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب قد يكون لديهم توقعات مختلفة للدواء وجلسات العلاج. على سبيل المثال، في بعض الثقافات يفضل الناس الكبسولات على الأقراص، بينما يفضل آخرون الحقن لأنهم يعتبرونها أكثر فاعلية، وبعضهم يفضل الأقراص الكبيرة في حين يعتبر آخرون أن الصغيرة أكثر فاعلية، وبعضهم يفضل الأقراص الحمراء، وآخرون الخضراء أو الزرقاء؛ فكل لون ينظر إليه في كل ثقافة باعتبار أن له فاعلية مختلفة. وبالمثل، في العلاج النفسي بعض الثقافات تفضل العلاجات التوجيهية (التي توجه المريض في اتجاه ما) وليس العلاجات المتمركزة حول الذات.

وهذه العوامل تستحق المزيد من الاستكشاف والبحوث: فالمقاس الواحد لا يناسب الكل، سواء أكان علاجًا نفسيًّا أو دوائيًّا.

في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، لا تزال الأمراض النفسية يُنظر إليها باعتبارها تجربة مرعبة وغير قابلة للعلاج. إن السمات الثقافية ونقص الموارد –البشرية والمالية- تعني ضرورة اتباع نماذج علاجية مختلفة.

وهناك مثال متميز على ذلك، هو مشروع ’دواء ودعاء‘ في جوجارات بالهند، حيث يقوم فريق للصحة النفسية يتخذ من أحد الأماكن المقدسة مقرًّا بالجمع ما بين العلاج الغربي والدعاء. ويمكن للابتكارات المماثلة أن تساعد المرضى وعائلاتهم ومقدمي الرعاية بطريقة حساسة وملائمة ثقافيًّا.
 
 
دينيش بهوجرا رئيس جمعية أطباء النفس العالمية وأستاذ الصحة النفسية والتنوع في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب التابع لجامعة كينجز في لندن بالمملكة المتحدة. يمكن الوصول إليه على [email protected]

هذه المقالة جزء من ملف في دائرة الضوء: قضايا الصحة النفسية المنشور بالنسخة الدولية، يمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي:

 Culture matters for psychological care