Skip to content

18/11/20

حليمة بن بوزة.. تحيا للبحث العلمي وبه تحيا

Halima BENBOUZA
حقوق الصورة:Halima BENBOUZA/ SciDev.Net

نقاط للقراءة السريعة

  • الجزائرية حليمة بن بوزة ترى أن عمل المرأة في مجال البحث العلمي ليس يسيرًا
  • وترى أيضًا أن التوفيق بين الالتزامات العلمية والأسرية صعب جدًّا
  • اختارت البحث والدراسة زوجًا، والأبحاث أولادًا إلى حين

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

ليس سهلًا أن تحمل حقيبةً في منطقة ريفية جبلية متوجهًا نحو مؤسسة تعليمية تبعد كيلومترات، والأصعب من ذلك أن تكون فتاةً نشأت في وسط يرفض التعليم المقدَّم لبناته، والأكثر تعقيدًا من كل ذلك أن تواجه تلك الفتاة صعوبة التضاريس، وتقاليد المنطقة وطقوسها، والأوضاع الأمنية التي عاشتها البلاد خلال التسعينيات من القرن الماضي.

الباحثة الجزائرية حليمة بن بوزة، مديرة مركز بحوث التكنولوجيا الحيوية الوطني بالجزائر، تحدت كل تلك الصعاب، فأكملت تعليمها حتى أنهت مرحلته الجامعية في الوطن، وواصلت بعد هذا الدراسة في بلجيكا ثم الولايات المتحدة الأمريكية.

تُوِّجت حليمة بالعديد من الجوائز والتكريمات، ففي عام 2014 انضمت إلى ’قاعة النساء المشاهير في العلوم‘، وهو تكريم لأفضل عالِمة، سنَّته وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنة 2010.

وفي عام 2016 اختيرت من قِبَل ’منتدى آينشتاين القادم‘ واحدةً من أفضل ست باحثات يُسهمن في دفع عجلة العلوم بالقارة الأفريقية، وفي العام نفسه عُيِّنت لتمثيل الجزائر في اللجنة الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا التابعة لمنظمة اليونسكو.

حول سيرتها ومسيرتها والتحديات التي واجهتها كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع حليمة.
 
كانت انطلاقتك من سنين الجمر… كيف ذلك؟

نعم، كلنا يتذكر ما عاشته الجزائر خلال فترة التسعينيات، القليل منَّا كان يغامر لتحصيل علمه أو لقمة عيش أولاده، بيوتنا كانت تغلق أبوابها عصرًا في العشرية السوداء، كل شيء انهار في تلك الفترة.

إلا الرغبة التي كانت تحدوني، لم تستطع التهديدات الإرهابية توقيفها، ولا حتى صعوبة تضاريس المنطقة التي كنت أعيش فيها وسط جبال الأوراس شرق الجزائر، تحديدًا بولاية باتنة.
بل حتى إني تحديت بعض تقاليد المنطقة التي تختار الزواج لبناتها بدل التعليم.

لم يكن الأمر سهلًا أن تحارب على كل تلك الجبهات، لكنني آمنت بأن كل ذلك الجهاد سيؤتي أُكُلَه على مسيرتي، وعلى عائلتي ووطني فوق كل ذلك.
 

وهل أغضبتِ أحدًا بهذه الخيارات؟

اهتمامي الأول والأخير كان العلم والمعرفة، والحمد لله لم أتلقَّ معارضةً من والديَّ، وهو موقف السند الذي زادني قوةً وهمة، وكذا الأساتذة الذين حفزوني جدًّا؛ نظرًا لمستواي في ذلك الوقت.

أما الغضب، فلا أعتقد أني أغضبت أحدًا؛ لأني كنت محبوبةً بين العائلة، وإن كان هناك أطراف في الوسط القريب والبعيد كانت ترفض أصلًا فكرة تعليم الفتيات دون تزويجها، خاصةً قضية السفر والدراسة بالخارج.
 
وكيف تدرجتِ علميًّا بكل هذا التحدِّي؟

الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، لكنني تجاوزت مراحلي التعليمة بنجاح وصعوبة بسبب تلك الظروف المعرقِلة في بعض منعرجاتها.

زاولت التعليم الأساسي بمنطقة عين توتة الجبلية بولاية باتنة شرق الجزائر، وكذا بولاية ورقلة جنوب الجزائر، بحكم وظيفة الوالد هناك.

كسرت نظرة المجتمع إلى الفتاة المتعلمة، حينما قررتُ دخول الجامعة عام 1989، وأنهيتُ دراستي بها، وفي قرراة نفسي المواصلة للحصول على الماجستير.

من ثم بدأت أفكر في الدراسة بالخارج، وفعلت كل شيء للحصول على منحة دراسية، كان هذا أحد أهداف حياتي.
 
وهنا إذًا وصلتِ إلى تحدٍّ آخر وهو السفر والدراسة بالخارج

تمامًا، وكان أصعب التحديات التي واجهتني؛ لأن الأهل كانوا خائفين عليَّ لأنني كنت صغيرة، وخلال هذه الفترة كانت هناك آراء ضد الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في الدول الأوروبية.

استطعت أن أقنع أهلي وهو الأهم، ونجحت في ذلك بعد إشادة كبيرة للأساتذة والباحثين بجامعة باتنة 1- الحاج لخضر.

في عام 1998 قررت السفر إلى بلجيكا، لمواصلة دراستي في جامعة جيملوكس للتكنولوجيا الحيوية الزراعية؛ حتى أحصل على الماجستير.

ركزت في دراستي على تحسين الخصائص الوراثية للنباتات، وربطها بالخصائص العلاجية.

بعد الجائزة التي حصلتُ عليها في عام 2000 لنتائج بحثي في ​​إدارة مكافحة المخدرات في الجامعة، نجحتُ في الحصول على منحة دكتوراة من وزير الدولة البلجيكي للتعاون التقني.

انتقلت بعدها إلى جامعة لييج البلجيكية أيضًا، وفيها حصلت على الدكتوراة عن بحث في علم الوراثة وتربية النباتات، ورسم خرائط جينات البذور وانتشارها.

هذا البحث أهَّلني لتلقِّي دعوة رسمية من فريق بحث يعمل في مركز أبحاث تابع لخدمة البحوث الزراعية، وهي وكالة تتبع وزارة الزراعة الأمريكية، كانت تشرف على دراسة مماثلة، بحيث أسهمت معهم في تطوير هذا الشق من البذور.

بالإضافة إلى ذلك، عملت لمدة عامين في شركة ’دوو للعلوم الزراعية‘؛ من أجل تحسين مقاومة القطن لمرض الذبول الفيوزاريومي.
 
وما ثمرة كل هذا النضال؟

في الحقيقة كان هدفي العلم والبحث، والباقي جاءني عفوًا، بحيث تم اختياري ممثلًا رسميًّا للجزائر في اللجنة الدولية الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا، التابعة لمنظمة اليونسكو، بين 2015 و2019.

وما بين سنوات 2013 و2015 تم اختياري على رأس اللجنة التوجيهية لمشروع الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية في الجزائر، من قِبَل رئيس الوزراء، ثم توليت إدارة المركز الحكومي الوحيد للتكنولوجيا الحيوية في قسنطينة، تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

دون نسيان الدور الأكاديمي والتعليمي في الجامعة، باحثةً في مجال التكنولوجيا الحيوية، الذي هو روح الحياة بالنسبة لي، مع الإشراف على مرافقة طلبة الدكتوراة ومتابعتهم.
 
كيف استطعتِ دمج الشق الزراعي بالصحة في أبحاثك؟

كان لديَّ ميول إلى تطوير أبحاث التكنولوجيا الحيوية، لتشمل المجالات الصحية والتكنولوجية، ولا أحد ينكر العلاقة الكبيرة بين الطب والنبات وحياة الإنسان.

قدمت مشروعًا لتقديم نبتة ستيفيا وزراعتها في الجزائر، وبطبيعة الحال لإجراء دراسات بحثية حول هذا النبات الذي يُستخدم في المنتجات الاستهلاكية المخصصة لمرضى السكر أو الأشخاص الذين يرغبون في صنع نظام غذائي من دون سكر مضاف.

بالإضافة إلى بحث تطوير بذور القطن لتتحول إلى مادة استهلاكية، خاصةً في المناطق الفقيرة.
 
ما قصة المجاعة والألم في مشوارك البحثي؟

أنا إنسان قبل أن أكون باحثة، ومشاعري تتحرك للمظاهر والظواهر الاجتماعية، التي هي في الأساس ملهمة أي باحث أو عالم، فالإنسان ابن بيئته.

كنت أطَّلع كثيرًا وأنا في بلجيكا على أخبار المجاعة في العالم، وكثيرًا ما كانت تؤلمني صور الجوع والفقر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فقررت التوغل والبحث في كيفية التخفيف من آلامهم، ولو بالقدر القليل.

لهذا السبب اخترت العمل على نبات القطن لاستخدام هذه البذور في غذاء الإنسان والحيوان؛ لأن بذور نبات القطن غنية بالبروتينات.

استطعت أن أطور -من خلال بحث مقدم في جامعة لييج البلجيكية- بذور القطن، من بذور إنتاجية تسهم في رفع الاقتصاد وتحسينه، إلى مادة استهلاكية، بإمكانها التخفيف من المجاعة في العالم، باعتبار أن عددًا من تلك المناطق يصلح لزراعة القطن.

كما ساعدني ذلك على تقديم مشروع بالتعاون مع باحثين آخرين في الجزائر، من أجل إحصاء أنواع السرطانات والأمراض الوراثية الغريبة الموجودة عندنا.
 
وماذا عن ستيفيا ومرضى السكري؟

من الدراسات التي كنت حريصةً على إنزال نتائجها على أرض الواقع، خاصةً في الجزائر، ما تعلق بنبتة ستيفيا، المنتشرة بأمريكا اللاتينية على نحوٍ واسع وفي بلدان أخرى؛ لأنها ستقلل معاناة مرضى السكري مع المأكولات والمشروبات بدرجة كبيرة.

ستيفيا نبتة يُستخرج منها سكر طبيعي خالص، شديد الحلاوة، لكن العجيب أنه لا يؤثر بتاتًا على نسبة السكر في الدم.

الدراسة توصلت أيضًا إلى إمكانية زراعتها في بلاد المغرب العربي، وبلدان أخرى مثل مصر، وقد قدمت للسلطات العليا في البلاد دراسة إمكانية استيرادها أو زراعتها واستثمارها محليًّا، لكن ذلك لم يتجسد إلى يومنا هذا للأسف.

ثمة مساعٍ من قِبَل أحد المستثمرين من أجل تحقيق حلم المرضى، والعمل على جلب النبتة وزراعتها، نحن في انتظار ذلك.
 
ولِمَ تتشبثين بالبقاء في بلدك؟

لستُ مغرورةً بالمناصب، فقد عُرضت عليَّ مناصب رفيعة، باحثة في عدة بلدان غربية، إلا أنني رفضتها.

وقد رفضت عرضًا مُغريًا لتولِّي منصب نائب المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة –إيكاردا.

الرفض جاء عملًا بوصية والدي، الذي سمح لي بأن أكون في الصف الأول داخل وخارج الجزائر، ولكن اشترط عليَّ بعد التخرج، العودة إلى الجزائر والإسهام في تطوير البلاد.

لذا فأنا هنا، أعمل بقدر ما هو متوافر من إمكانيات، مع إسهاماتي عالميًّا من خلال ملتقيات ومنتديات بحثية، تكون بإشراف جامعات غربية، وبتأطير باحثين زملاء من جل القارات.
 
بماذا تهتمين في الوقت الراهن؟

لن أستطيع التحدث عن دراساتي وبحوثي قبل تكملتها، فأنا أحبذ العمل على الكلام، لكن ذلك لا يجعلني أنكر أنني أقف على بحوث في مستوى التخصص والإمكانيات، كما أشرف على إدارة وتوجيه بحوث لعدد من الطلبة في مجال الزراعة والبيوتكنولوجي.

حاليًّا -ورفقة عدد من الزملاء والباحثين عبر العديد من الدول، ومع إجراءات الحجر التي فرضتها جائحة كورونا- صببنا جل اهتماماتنا في ترقية أخلاقيات البحث العلمي، والسلامة الحيوية والأمن الحيوي في المعامل البحثية، وسبل بلوغ دراسة شاملة تفرض ذلك في الواقع.

بالإضافة إلى ذلك، حاولت بدء مشروع لرسم خريطة تسلسل سلالات كوفيد-19، بالتعاون مع باحثين سعوديين، ولكن هذا لم ينجح؛ بسبب التراخيص الإدارية.

وأنا على يقين بأن أخلاقيات البحث العلمي تأتي أساسًا قبل أي خطوة نحو البحث.
 
كيف تقيِّمين عمل المرأة الباحثة في الوطن العربي؟

رغم المكانة العلمية التي حققتها اليوم، إلا أني أرى أن عمل المرأة في مجال البحث العلمي ليس بالأمر اليسير.

فمن الصعب أن توفق الباحثة العربية بين التزاماتها العلمية والأسرية، لذلك فإن الباحثة مطالَبة بتقديم تضحيات كثيرة من أجل بلوغ مناصب قيادية، أو أن تُرجئ تولِّي المناصب إلى آخر سنوات حياتها العملية، أي عندما يكبر أولادها ويصبحون قادرين على تسيير شؤونهم اليومية، وإما بذل جهود مضنية، بدلًا من الاهتمامات الأخرى أو الأنشطة الاجتماعية.

 ربما لذلك، فضلت التركيز على حياتي المهنية عوضًا عن العائلية.
 
إذًا اخترتِ البحث زوجًا لك؟

نعم، ونحن نطاوع بعضنا على نحوٍ رائع لتحقيق الأهداف المرجوة، ولنترك وراءنا أولادًا على شكل بحوث علمية يستفيد منها الجيل والوطن، أما الزوج بالمفهوم المعروف فلم يحن موعده بعد، وهو بين صفحات القضاء والقدر.

كان لديَّ أولويات لكل مرحلة من مراحل حياتي، وكل شيء في الوقت المناسب.
 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا