Skip to content

17/05/15

حول العالم العربي.. زراعة الغابات فرصة تنموية

Forests in Egypt
حقوق الصورة:Flickr/The World Bank/Arne Hoel

نقاط للقراءة السريعة

  • زراعة الغابات الشجرية بمياه الصرف الصحي يحول النقمة إلى نعمة بتوفير فرص للعمل وتحسين البيئة
  • ثمة تحيز مسبق ضد الموارد، إذ تسود ثقافة تفضيل المستورد، والنظر باستعلاء للسلالات الخشبية المحلية
  • نحن مطالبون بإعادة اكتشاف مواردنا الخشبية المحلية وتقديمها في طبعة عصرية وفقًا للمواصفات العالمية

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.


يحدونا حامد الموصلي لإعادة التفكير في مسألة استيراد الأخشاب، داعيًا إلى تعامل أرشد مع الأشجار الخشبية المحلية.

صُدِمْتُ عندما علمت أن مصر استوردت العام الماضي أخشابًا ومنتجات خشبية بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي[1]. و”كلنا في الهم شرقُ“ كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي؛ فقبل ذلك بعام بلغت فاتورة ما استوردته المملكة العربية السعودية من الأخشاب ومنتجاتها 3.1 مليارات دولار.[2] نعم، تقع الدول العربية في منطقة من أشد مناطق العالم جفافًا، وتعتمد بصورة أساسية على الاستيراد في الوفاء بحاجتها من الأخشاب.

أعود إلى مصر، إذ قال لي رئيس غرفة صناعة الأخشاب بها: زد على الرقم بمقدار النصف؛ لأن الحصر الذي قامت به الغرفة لا يغطي كل عمليات الاستيراد. قلت: دعك من هذا، واعتبر الرقم صحيحًا، فإذا أخذنا في الاعتبار زيادة السكان ومتوسط التضخم السنوي في دولة مثل مصر فهي مضطرة إلى استيراد أخشاب ومنتجات خشبية بقيمة 54.4 مليار دولار بحلول عام 2050.

ازدادت صدمتي، وقلت لنفسي: أي عار يقع علينا إن ارتضينا أن نورِّث أبناءنا وأحفادنا هذا العبء الثقيل، ألا يدفعنا هذا الوضع إلى إعادة التفكير في قضية الاستيراد: استيراد أي شيء وكل شيء.

ألا يولِّد احتياجنا للأخشاب ومنتجاتها إرادة جديدة لدينا للتعامل الرشيد مع بدائل الأخشاب ومنتجاتها المحلية؟ أتكلم عن البواقي الزراعية اللجنوسلليلوزية (بواقي الحاصلات الحقلية ونواتج التقليم) التي تصل كمياتها السنوية في مصر وحدها إلى نحو 80 مليون طن.
 
غابات شجرية
رُشحتُ مؤخرًا للقيام بدور الباحث الرئيس، ممثلاً عن مصر في مشروع للتعاون بين جامعة ميونيخ بألمانيا وجامعة عين شمس، في مجال الاستفادة من مشروع الغابات الشجرية المزروعة بمياه الصرف الصحي المعالجة.

أذهلتني القيمة التنموية لهذا المشروع. فبإمكاننا الآن استثمار 5.5 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الصحي لزراعة غابات شجرية على مساحة 1.5 مليون فدان، ما يُحسِّن البيئة بامتصاص ثاني أكسيد الكربون بمعدل 10 أطنان للفدان سنويًّا. بل وأهم من هذا أن معدل نمو الأشجار الخشبية في مصر يبلغ 4.5 أضعاف مثيله بألمانيا؛ نظرًا لتميُّز الأولى بمعدل عال لسطوع الشمس. كي تحصد ناتج زراعة الغابات في ألمانيا فإن الأمر يستغرق من 80 إلى 250 سنة، في حين تحتاج أغلب السلالات التي نجحت زراعتها بمصر من 15 إلى17 سنة فحسب.. أي كنز نغفل عنه؟

أرى أن زراعة الغابات الشجرية على مياه الصرف الصحي هي بمنزلة تحويل نقمة إلى نعمة ومشكلة إلى إمكانية تنموية في خطوة واحدة، فبدلاً من التخلُّص من مياه الصرف الصحي بإلقائها في النيل أو البحيرات أو البحر، وما يرتبط بذلك من مخاطر بيئية وصحية، سيجري التعامل معها بما يوفر فرص عمل كثيرة، بدءًا من الزراعة وعمليات الخف، ثم العمليات الصناعية المتتابعة عبر سلسلة القيمة، من التلويح للتجفيف، وصولاً لتصنيع المنتجات الوسيطة كالألواح الخشبية وألواح الحبيبي والخشب الليفي متوسط الكثافة (الخشب المضغوط)، انتهاءً بتصنيع المنتج النهائي (قطع الأثاث والأبواب والشبابيك والأرضيات).

كل هذا سيسهم في إطلاق الطاقات الإنتاجية لمصانع الأخشاب والأثاث، العاملة والمعطلة حاليًّا نظرًا لعدم توافر الأخشاب أو ارتفاع أسعار استيرادها، كما تسهم زراعة هذه الغابات في خفض تكلفة الأثاث ومكونات البناء الخشبية، بل ويؤدي إلى دعم التوجه اللامركزي في التنمية، من خلال ربط خريطة إنشاء الغابات الشجرية الجديدة مع مشروعات إنشاء محطات الصرف الصحي في مصر حتى عام 2050.
 
تفضيل المستورد
تبين لي من اللقاء مع ممثلي الصناعات الخشبية بمصر أن الثقافة السائدة حاليًّا في مجال المنتجات الخشبية تعلي من قيمة الأخشاب المستوردة مثل الأرو والزان، وتنظر بتعالٍ إلى السلالات الخشبية المحلية مثل الكازوارينا والكافور، والتي ثبت بالفعل نجاح زراعتها على مياه الصرف الصحي المعالجة، وتزدريها باعتبارها ”خامات الفقراء“.

وأعتقد أن هذه النظرة ممتدة لسائر الأخشاب المحلية، مثل الجميز والتوت والسنط. إذن ثمة تحيز مسبق ضد هذه الموارد التي يمكن توفيرها محليًّا من خلال مياه الصرف الصحي المعالجة وغيرها، كزراعة الأشجار الخشبية على حواف الترع والمصارف على سبيل المثال.

ذكَّرني هذا الأمر برحلتنا مع جريد النخيل والعديد من الخامات المحلية، فعندما بدأنا أبحاثنا على جريد النخيل كنا نُواجَه في المجتمع العلمي بكلية الهندسة في جامعة عين شمس المصرية، بمشاعر السخرية والتهكم إزاء اهتمامنا البحثي بجريد النخيل؛ فلقد تعودنا –بل تربينا- على احترام الحديد الصلب والزهر والألومنيوم، وفي المقابل درجنا على النظر باستعلاء –وربما احتقار- للخامات والموارد الزراعية، مثل جريد النخيل وحطب القطن وقش الأرز… إلخ.

كنت أقصد -عندما يبدأ طالب الدراسات العليا معي على جريد النخيل- أن آمره بأن يحمل جريدة النخيل ويذهب بها إلى ورشة النجارة لتشغيلها على مختلف الماكينات: الرابوه والتخانة والمنشار، كنت أريد بهذا أن يواجِه الطالب مشاعر الاحتقار التي ترسبت في نفسه إزاء جريد النخيل، وأن تتغير هذه المشاعر تدريجيًّا من خلال اكتشافه لما يحوزه هذا المورد من إمكانات تتبدى عبر تعرُّضه لعمليات التشغيل المختلفة.

إلا أن النجاحات العلمية والتكنولوجية التي حققناها مع جريد النخيل والعديد من المواد اللجنوسلليلوزية غيَّرت تدريجيًّا من نظرة المجتمع العلمي لهذه الموارد المحلية.

وسألت نفسي، بعدما أكدت نتائج بحوثنا العلمية بشكل قاطع وحاسم أن جريد النخيل -كنموذج للعديد من المواد المتجددة اللجنوسلليلوزية- يضاهي الأخشاب المستوردة في الخواص الميكانيكية والطبيعية: ما هي مشكلة جريد النخيل؟ الإجابة في ظني أنه يقع -إنتاجًا وتصنيعًا واستهلاكًا- في دائرة الفقر.

من هذا المنطلق فإنني إن أردت تقييم إنجازاتنا مع جريد النخيل (تصنيع ألواح الكونتر والباركيه وبدائل الأخشاب والأثاث العصري) من الزاوية الاجتماعية فهي أننا تمكنَّا من تقديمه في صورة جديدة كمنتجات تقبلتها الطبقات الاجتماعية الأعلى، وأننا بذلك قد أزلنا ”الوصمة“ التي علقت به كخامة الفقراء.
 
إعادة اكتشاف مواردنا
أشعر أن المشكلة الأساسية فيما يتعلق بأخشابنا –وسائر مواردنا- المحلية لا تتمثل فيها باعتبارها مواد بالمعنى الفيزيائي، بل في علاقتنا نحن بها، أي أنها مشكلة حضارية.

ويبدو أن انبهارنا بالنموذج الغربي وتعلقنا بكل ما ارتبط به من أساليب للحياة وأنماط للاستهلاك والإنتاج، ورغبتنا الجامحة في الالتحاق بهذا النموذج وبأسرع ما يمكن، قد جعلنا نفقد الشعور بالقيمة: قيمتنا نحن كبشر وذوات، وقيمة ما نحوزه من خبرات وتراث تقني وموارد محلية، حتى إننا عدنا لا نرى أنفسنا وما نحوزه من خبرات وموارد إلا من خلال عيون الغرب، ما أفقدنا بالتبعية متعة الاكتشاف: أن نكتشف مواردنا بأنفسنا ولأنفسنا، كما فقدنا القدرة على المبادرة في علاقتنا بمواردنا المحلية.

أرى أن التحدي الرئيسي للمشروع الجديد بين جامعتي ميونيخ وعين شمس يتمثل في إعادة اكتشاف مواردنا الخشبية: سواء أكانت منتجات الغابات الجديدة المزروعة على مياه الصرف الصحي المعالجة، أم الأشجار الخشبية التي اصطحبتنا خلال مسيرتنا الحضارية الطويلة مثل الجميز والتوت والسنط ، أم أشجار الفاكهة.

نحن مطالبون بأن نقدم طبعة عصرية لهذه الموارد، شاملة الخواص الميكانيكية والطبيعية وفقًا للمواصفات القياسية العالمية مقارنة بالأخشاب المستوردة، وأن نساعد الأجيال الجديدة على أن يروا مواردهم بعيون جديدة، مما يسهم في بناء ثقافة جديدة للتعامل مع الموارد المحلية من أجل التنمية. 

 
* حامد إبراهيم الموصلي: أستاذ متفرغ بكلية الهندسة جامعة عين شمس المصرية، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

References


[1] غرفة صناعة الأخشاب. بيان الواردات لعام 2014 (15 أبريل، 2015)
[2] مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. الواردات حسب تصنيف الدليل التجاري الدولي للسنوات 2011-2013 (2014)