Skip to content

11/09/20

أمام فيضان السودان.. لم ينجح أحد

Sudan floods
حقوق الصورة:Adam Babekir

نقاط للقراءة السريعة

  • الفيضان وصل إلى مناطق لم تصل إليها مياه النهر من قبل، وما زالت مناطق أخرى في مجرى النيل مهددة، مع تواصُل ارتفاع منسوب المياه
  • الفيضان يمثل تجليًا مبكرًا لعدم التنسيق بين دولة المنبع ودول المصب، وغياب الشفافية، وعدم مشاركة المعلومات
  • الحقيقة تائهة، والاتهامات متبادلة، والتنصل من المسؤولية سائد، وإثيوبيا في القلب من هذا كله

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[القاهرة] يشهد السودان كارثة طبيعية هي الأسوأ منذ قرن، ففيضان نهر النيل المرتقب كل عام، أتى هذا العام مفاجئًا البلاد والعباد بارتفاع قياسي في منسوب المياه لم يسبق تسجيله.

مناسيب النيل وروافده هذا العام غير مسبوقة، حتى وصل منسوب المياه إلى قرابة 18 مترًا، على نحو لم يُعهد في فيضانات عامي 1946 و1988 التي كانت أضرارها هي الأسوأ.

الخسائر في الأرواح والممتلكات مفجعة وموجعة؛ فقد تسبَّب الفيضان -الذي ضرب البلاد نهاية شهر أغسطس الماضي- في غرقٍ كامل لقرية التمانيات، الواقعة شمال العاصمة الخرطوم، وتضررت 16 ولاية،  وخلَّف أكثر من 100 حالة وفاة، وتهدمت آلاف المنازل، وتضرر أكثر من نصف مليون شخص.

هذا بخلاف الخسائر الاقتصادية، ومنها اقتلاع آلاف من أشجار الموز والنخيل، ونفوق آلاف من رؤوس الماشية، وفقًا للتقديرات الأولية في بيان وزارة الداخلية السودانية يوم 8 سبتمبر الجاري، إذ أعلنت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر.

باقتضاب علَّق سيف الدين حمد -وزير الري والموارد المائية الأسبق بالسودان- لشبكة SciDev.Net: ”تصادف حدوث فيضان مرتفع للغاية في النيل الأبيض، مع فيضان مرتفع أيضًا في النيل الأزرق“.

ارتفع منسوب مياه النيلين اللذَين يلتقيان في الخرطوم، إلى حد وصفه بالتاريخي؛ إذ ”لم يشهد منذ بدء رصد مستوى المياه في النهر عام 1902“.

كانت أوغندا قد أعلنت مطلع شهر مايو الماضي عن ارتفاع قياسي غير مسبوق منذ نصف قرن في مستويات المياه ببحيرة فيكتوريا، منبع النيل الأبيض، وهو ما كان من المفترض أن ينذر السودان بخطورة الوضع.

بالنسبة لبحيرة تانا الإثيوبية، منبع النيل الأزرق، فقد حذرت السلطات المواطنين، وطلبت منهم إخلاء منازلهم والإنتقال إلى الإقامة في المناطق المرتفعة، وتمت إعادة تسكين 48 ألف مواطن، في حين انقطعت سبل التواصل مع سكان بعض الجزر داخل البحيرة.

كان ياسر عباس -وزير الري السوداني- قد صرح في مؤتمر صحفي يوم 8 سبتمبر الجاري أن ”غزارة هطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية هي السبب الأساسي في الفيضانات بالسودان“، متوقعًا انخفاضًا تدريجيًّا في مستوى الفيضان.

وعن التنبؤ بالفيضانات التي وقعت في السودان هذا العام، تقول آمنة عمر -مهندسة موارد مائية بالمكتب الفني الإقليمي لشرق النيل ’إنترو‘- لشبكة SciDev.Net: ”نعم توقعنا أمطارًا غزيرة هذا الموسم، ولكن نسبة الدقة في التنبؤ بالفيضانات لا تصل إلى مئة بالمئة، وكلما اتسع المدى الزمني قلَّت الدقة“.

يمتلك مكتب ’إنترو‘ التابع لمبادرة حوض النيل ومقره أديس أبابا، مشروعًا للإنذار المبكر ضد الفيضانات على ضفاف النيل، يتم من خلاله إرسال البيانات الخاصة بالفيضانات إلى دول النيل الإحدى عشرة.

توضح آمنة: ”نعمل على إرسال بيانات وخرائط توضح أماكن الفيضانات ومنسوب المياه“.

دور المكتب هو دمج شباب المختصين في وزارات الري ومراكز التنبؤ بالطقس من دول النيل المختلفة؛ إذ يجري تدريبهم على استخدام نموذج التنبؤ بحالة الطقس المُعَد بواسطة المكتب، ثم إرسال البيانات والمعلومات المستخلصة إلى صناع القرار، وأيضًا نشر التقارير على موقع المكتب الإلكتروني.

وتؤكد آمنة أن ”حماية الأفراد والتحرك على الأرض ليس من اختصاص المكتب، نحن فقط نعمل على التنبؤ بالفيضانات وإرسال رسالات الإنذار المبكر للدول، وهو ما تم إجراؤه مع السودان“.

من جانبه يوضح حسن أبو النجا، عضو لجنة إدارة المجموعات المتخصصة في ’الرابطة الدولية للمياه‘ أن ”السدود التي تملكها السودان صغيرة، ومنها خزان الروصيرص وسنار، وقدرتها على السيطرة على الفيضان محدودة، فلا يمكن التحكم في موسم الفيضان“.

أبو النجا -وهو أيضًا عضو المجلس الاستشاري في ’منتدى الشرق الأوسط للمياه‘- يفسر سبب الفيضان بضيق مجرى النيل، ”بحكم توسعة شارع النيل على حساب مجرى النهر، لذا كانت العاصمة هي الأكثر تأثرًا“.

وفيما يتعلق بالتنبؤ بالفيضان يعلق أبو النجا: ”يعمل مشروع التنبؤ بالفيضانات منذ عام 2011، وهذا مؤشر واضح على إخفاقه في أداء الدور المنوط به، وهو التعاون بين دول النيل“.

يقول أبو النجا للشبكة: ”الفيضانات مشكلة عابرة للحدود، لا يمكن أن تتحمل مسؤوليتَها دولةٌ واحدة؛ فاحتواء الفيضانات أمرٌ يتطلب تعاونًا بين دولة المنبع وباقي دول حوض النيل“.

”على سبيل المثال، التحذيرات المبكرة من الفيضانات في السودان لا يمكن أن تكون فعالةً إلا بتداول المعلومات والبيانات من إثيوبيا“.

ويتابع أبو النجا: ”أي تغيُّر على حوض نهر النيل -سواء كان من خلال بناء سد، أو رصد لإحدى تبعات التغيرات المناخية- يتطلَّب تعاونًا بين الدول، وإلا فستكون الآثار وخيمةً كالتي نشهدها الآن في السودان“.

وحول تزامُن هذا الفيضان مع شروع إثيوبيا في ملء المرحلة الأولى من سد النهضة مطلع يوليو الماضي، أي في بداية موسم الفيضان، يقول عبد الكافي الطيب، الذي عمل مهندسًا في وزارة الري والموارد المائية بالسودان: ”من المؤكد عدم وجود علاقة مباشرة بين ملء سد النهضة والفيضان“.

”التخوف من السد مستقبلًا في حال عدم التنسيق مع باقي السدود“.

أما معتز علي -مستشار هيدرولوجي لدى حكومة محافظة عسير بالمملكة العربية السعودية، وهو أيضًا مهندس بوزارة الري والموارد المائية السودانية سابقًا- فيعزو عدم تمكُّن السودان من استيعاب أثر الفيضان إلى سد النهضة الإثيوبي؛ إذ أنه أظهر بشكل جلي تبعات عدم التنسيق بين دولة المنبع ودول المصب.

يقول ’علي‘: ”امتناع الجانب الإثيوبي عن مشاركة البيانات الخاصة بالملء والتصريف والتشغيل لسد النهضة، خلق ارتباكًا لدى وزارة الري؛ لعدم تمكُّنها من تقدير كميات المياه الواردة إليها، وبالتالي عمل جدول ملء للخزانات السودانية“.

ويتابع: ”منظومة النيل عمومًا، وسد النهضة على وجه الخصوص في حاجة إلى المزيد من الدراسات، والمزيد من مشاركة البيانات والمعلومات، وبالتالي تحسين فرص الإنذار المبكر من الكوارث“.

كذلك يرى أبو النجا أن أهم مسؤوليات مكتب ’إنترو‘ تنسيق التعاون بين دول حوض نهر النيل، وتعزيز قاعدة البيانات وتداول المعلومات، وتوفير البرامج المناسبة لتخفيض آثار التغيرات المناخية، ”فهل تم هذا الربط على نحو كفء في وقت أزمة كالتي نشهدها الآن؟“.

يؤكد أبو النجا أن وجود سد النهضة سيقلل بالفعل من الآثار السلبية للفيضانات وحدِّتها على السودان، ولكن ”إذا لم يجرِ تداول معلومات التشغيل والتصريف فستحدث الكوارث ذاتها من جديد“.

واختتم أبو النجا حديثه بالتأكيد على الأهمية القصوى لوجود ”إطار قانوني ملزم“ للتعاون بين دول حوض النيل، يتيح تداول المعلومات؛ فالأزمة الحالية في السودان نموذجٌ لأثر غياب التعاون والتنسيق.

”إذا لم نصل إلى إطار قانوني للتعاون بين الدول الثلاث فسنظل محبوسين في الحلقة المفرغة ذاتها، وستتكرر المشكلات ذاتها“.
 
 
 
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا