Skip to content

11/11/15

حول العالم العربي.. البوص مورد مهدَر

Reeds
حقوق الصورة:Flicker/ Chesapeake Bay Program

نقاط للقراءة السريعة

  • البوص يثبت تربة البحيرة، ويوفر موئلًا لبيض السمك ونمو الزريعة، ويمتص معادن ملوثة
  • اجتثاث البوص يعني خسارة مورد متجدد، يمكن أن يمثل قاعدة مادية للتنمية
  • يمكن الاستفادة من حصاد البوص في صناعة منتجات بيئية

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تكمن فيه إمكانات تنموية هائلة، يمكن أن تفتح آمالًا وتتيح فرصًا إذا تعاملنا معها بإيجابية، كما يقول حامد الموصلي
 
بلادنا العربية غنية، لا بصحاريها فقط بل كذلك ببحيراتها، هذه البحيرات ليست مجرد مسطحات مائية، بل إن كلًّا منها كيانٌ متفرِّد، أي محيطٌ حيوي له خصوصيته من زاوية التكوين الجيولوجي والغطاء النباتي الطبيعي والحياة الحيوانية التي يتميز بها، بل وبالتجمعات البشرية التي تعيش حول كل بحيرة بما تحمله من خصائص اجتماعية وحضارية، وما تراكم لدى كلٍّ منها من تراث تقني يمثل حصيلة خبرة آلاف السنين في التعامل مع محيطها من أجل إشباع حاجاتها الأساسية.

ويعد البوص من أكثر النباتات انتشارًا في البحيرات، فنجده في مصر والسودان، كما أنه موجود في البحرين والسعودية، والعراق وإيران.

اجتثاث البوص من قاع البحيرة؛ يعني ببساطة القضاء على المحيط الحيوي الذي يُعتبر ميراثًا تاريخيًّا منذ آلاف السنين

يعوق نماء البوص حركة مراكب الصيد في البحيرات وشِباكها، مما يثير غضب الصيادين ويضطرهم إلى التفكير في اقتلاعه، ففي منتصف عام 2012 دُعيت إلى اجتماع ’عاجل‘ بمقر وزارة التعاون الدولي في القاهرة. كان موضوع الاجتماع تظاهرة قام بها الصيادون في منطقة بحيرة مريوط، التي تقع في الركن الشمالي الغربي من دلتا النيل.

كان البوص هو سبب التظاهرة؛ لأنه يمزِّق شباك الصيادين في البحيرة الضحلة التي تبلغ مساحتها حوالي 19000 فدان، وعمقها بين 90 و150سنتيمترًا، ويغطي البوص ما يقرب  من 75% من مسطحها.

تراوحت الحلول التي طرحتها الوزارة حينها بين شراء حفارات لانتزاع البوص من قاع البحيرة بحوالي 2.25 مليون دولار، أو تأجير حفارات لمدة أسبوع بحوالي 300 ألف دولار للقيام بمهمة نزع البوص!

لم أكن محايدًا إزاء البوص، فلقد سبق لي الإشراف على رسالة ماجستير عنوانها: ’البوص البلدي واستخدامه في العزل الحراري لتقليل التلوث البيئي‘ في نهاية تسعينيات القرن الماضي، استلهم الباحث فكرتها من استخدام البوص البلدي في قريته ’شنشور‘ بمحافظة المنوفية جنوب دلتا النيل في أسقف المنازل، وذلك للتخفيف من حدة أشعة الشمس.

رفضت تمامًا فكرة اجتثاث البوص من قاع البحيرة؛ لأنه يعني ببساطة القضاء على المحيط الحيوي الذي يُعتبر ميراثًا تاريخيًّا منذ آلاف السنين لنا وللأجيال المقبلة.

فالبوص يقوم بتثبيت تربة البحيرة وتوفير الموئل لبيض السمك ونمو الزريعة، كما أنه يقوم بامتصاص العديد من العناصر المعدنية الملوِّثة الناتجة عن الصرف الصناعي بالبحيرة؛ مما يعمل على تنقية مياه البحيرة وخلو الأسماك بالتالي من هذه العناصر المعدنية، كذلك فإن اجتثاث البوص يعني خسارة مورد متجدد يمكن أن يمثل قاعدة مادية للتنمية.

استدامة بوص البحيرة

عكفتُ بعد الاجتماع على صياغة مشروع فكرته الأساسية هي وضع استراتيجية للبوص في البحيرات عمومًا، تطبيقًا على بحيرة مريوط، وتحديد السياسات والخطط التنفيذية لتطبيق هذه الاستراتيجية، وذلك لتحقيق عدة أهداف.

أهم تلك الأهداف كان الحفاظ على التنوع البيولوجي  في الغطاء النباتي الطبيعي والحيواني في البحيرات، مع تحقيق المعدلات المناسبة لصيد الأسماك بما لا يضر بالقدرة الذاتية على التجدد لكل بحيرة، بالإضافة إلى تحقيق حصاد مستدام للبوص بما يضمن الحفاظ عليه وعلى غيره من الموارد المادية المتجددة في البحيرة.

وفي إطار دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع تواصلت مع مصانع ألواح الخشب الحبيبي في الدلتا، حيث اتضح لي أن هذه المصانع تفتقر بشدة إلى الموارد اللجنوسلليلوزية في بلد مثل مصر فقيرٍ في غطاء الغابات، ويعتمد في إشباع حاجاته من هذه الموارد (كالأخشاب) على الاستيراد من الخارج.

وقمت بدراسة بدائل المعدات التي تتعامل مع بوص البحيرات، حيث اتضح لي من هذه الدراسة أن هناك معدات متوفرة عالميًّا لقص –أو حصاد- البوص بما لا يؤثر على استمرار نموه.

كما حاولت اختيار تصميمات لمنتجات بيئية من بوص البحيرات يمكن أن تقوم بتصنيعها زوجات الصيادين من ساكني محيط البحيرة.

مشروع البوص

هكذا تبلورت فكرة المشروع لديَّ: حيث يجري عمل ممرات في البحيرة من البوص لتسهيل حركة الصيادين والحفاظ على شباكهم من التمزُّق مع استخدام هذه الممرات للجولات السياحية بالبحيرة.

وتطبق فكرة الحصاد المستدام لبوص البحيرة مع استخدام البوص في صناعة ألواح الخشب الحبيبي، وذلك بعد تجفيفه وطحنه ثم نقله في عبوات مناسبة إلى المصانع القريبة من البحيرة.

أو يمكن الاستفادة من حصاد البوص في صناعة منتجات بيئية، مثل صناعات منزلية تعمل بها زوجات الصيادين، مما يوفر لهن فرص عمل منخفضة التكلفة، وما يؤدي إلى تصالح الصيادين مع بوص البحيرة، ويمكن فتح أكشاك في المواقع المناسبة حول البحيرة لبيع منتجات البوص، مما يوفر فرص عمل كثيرة ويؤدي إلى رواج تجارة منتجات البوص محليًّا وقوميًّا وعالميًّا.

اتضح من دراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروع أن نسبة العائد إلى رأس المال حوالي 600%، مما يؤكد جدواه اقتصاديًّا

كما يتضمن المشروع دعم إنشاء جمعيات أهلية للصيادين، وجمعيات تنمية المجتمعات المحلية حول البحيرة، وتصميم برامج للتدريب والاقتراض تناسب المشروعات الصغيرة لإنتاج المنتجات البيئية من البوص، وكذلك لتسويق تلك المنتجات وللقيام بالجولات السياحية بالبحيرة.

اتضح من دراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروع أن التكاليف الرأسمالية للمشروع تصل إلى حوالي 40 ألف دولار، وأن العائد السنوي من المشروع أكثر من 170 ألف دولار، وأن نسبة العائد إلى رأس المال حوالي 600%، مما يؤكد جدواه اقتصاديًّا.

وفي أقل من 20 يومًا من تفجر مشكلة صيادي بحيرة مريوط كنت قد انتهيت من صياغة ’مشروع الحصاد المستدام للبوص في بحيرات مصر: نموذج بحيرة مريوط‘، وانتظرت الدعوة للقاء قادم في الوزارة، لكن لم أُدع لأي اجتماع؛ فتظاهرات الصيادين لسبب أو لآخر توقفت!
 
آمال يمكن أن تتفتح، وفرص يمكن أن تتاح إن تعاملنا بأسلوب إيجابي وليس رد فعلي مع مشكلاتنا، ومع الإمكانات التنموية الهائلة الكامنة في مورد طبيعي واحد كالبحيرات وبوصها.

 هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا