Skip to content

13/02/08

تفسير القضايا الخلافية لوسائل الإعلام والجمهور

scientists in lab
حقوق الصورة:Flickr/ AIDSVaccine

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يحتاج العلماء في كثير من الأحيان إلى شرح قضايا مثيرة للجدل، والتي تنتج عادة عن خلاف حول منهجيات البحث، أو نتائجه، أو الآثار المترتبة عليه. وكثيرا ما ينشأ الجدل عندما تكون للبحث تأثيرات متعلقة بصحة الإنسان أو البيئة، كما يمكن أن تكون العواقب وخيمة إذا أحدثت تغيّرا فجائيا في سلوك الناس، كاستجابة لمخاطر جديدة، على سبيل المثال

المآزق الخفية الناتجة عن الجدال

 هناك العديد من الصعوبات غير المتوقعة التي قد تمنع الصحفيين أو الجمهور من امتلاك فهم واضح لقضية مثيرة للجدل؛ فقد تصلهم روايات متضاربة حول تفسير أو أهمية نتائج بحث ما، وبالتالي يجدون صعوبة في الموازنة بين الأدلة المتاحة، أو أنهم قد يجدون خلافا بين العلماء وقد تحوّل إلى جدال مُستقطِب، مما يمنعهم من تقييم الأمور المثيرة للجدل.

وفي كثير من الحالات، قد يتسبب العلماء في جعل الأمر أكثر صعوبة على الجمهور أو الصحفيين أن يفهموا الموضوع بشكل واضح. وقد يطلقون تكهنات عَرَضية حول الآثار المترتبة على نتائج أولية لم تُدرَس بصورة كاملة، أو يستخدمون مصطلحات يثبت أن القارئ العادي لا يمكنه فهمها، أو قد يقومون بصياغة المعلومات المتعلقة بالمخاطر والسلامة بطريقة تسمح بإساءة فهمها. ولكن مع الإعداد الجيد والممارسة الملائمة، يمكن للعلماء تجنب هذه المزالق ومساعدة الجمهور ووسائل الإعلام على فهم القضايا المثيرة للجدل على نحو صحيح.

كُن مستعدًّا

 إن الخطوة الأولى، والأكثر أهمية، هي أن تتعرّف مسبقا على القضايا المشوّقة للجمهور أو الصحفيين. ويمكن أن يتم هذا بأفضل صورة عن طريق تصوّر نفسك في مكانهم، والتفكّر في ما يمكن أن يكون لديهم من أسئلة. وعلى سبيل المثال، إذا كانت الدراسة تتضمن إجراء بحوث على الحيوانات أو البشر، فسوف يسألون عن الطرق المستخدمة، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكنك أن تشرح -بلغة يفهمها الشخص العادي- سبب كون هذه الطرق ضرورية؟ كما سيسألون عن الأبحاث السابقة التي أتت بنتائج مختلفة، فهل يمكنك أن توضّح سبب اختلاف النتائج؟

في كثير من الأحيان، سيكون جمهورك أكثر اهتماما بالآثار المترتبة على البحوث، والتي قد لا تكون واضحة دائما. وفي هذه الحال، بإمكانك طلب المشورة من المتخصصين الآخرين، مثل المنظّمين، ومن يمتلكون خبرة في تدبّر أهمية تلك البحوث. وبرغم أن الآثار المترتبة على البحوث قد لا تكون علمية بحتة، فمن الأفضل أن تُظهر معرفتك بها بدلا من ادّعاء الجهل، حتى لو شعرت بأنك غير مؤهل لتقديم وجهة نظر محدّدة. هناك عدد قليل من الناس الذين يمكن طمأنتهم من قبل العلماء الذين لا يبدو أنهم يقدِّرون الأهمية الأوسع لبحوثهم، خصوصا إذا انطوى الموضوع على أبعاد أخلاقية. وإذا لم تكن قد فكرت من قبل في الآثار المترتبة على الموضوع، فمن الأفضل أن تعترف بذلك بدلا من التكهن بها دون أدلة قاطعة.

 امتلاك فهم واضح

بمجرد أن تُدرك أن موضوعا ما قد يكون مثيرًا للجدل، ستحتاج إلى ممارسة كيفية التحدث عنه للصحفيين والجمهور. ويعني هذا وصف الموضوع بلغة واضحة وبمصطلحات غير تخصصية. لا تُبالغ في تقدير معارف الصحفيين، لكن احرص على عدم الاستخفاف بذكائهم، ولا تُشعرهم وكأنك ترعاهم.

وفي نهاية المطاف، يجب أن يتمثّل هدفك في السعي لتزويد جمهورك بفهم واضح، دون تهويل أو استهانة بالجدل المحيط بهذه القضية. يجب أن تكون مستعدا للاعتراف بالخلافات، وأن تشرح سبب وجودها بوضوح، حتى لو كانت وجهات نظرك متحيزة بشدة لأحد طرفي الجدال الدائر. عادة ما يتشجّع الصحفي الذي يستشعر أن عالـِما غير صادق تماما في تقريره على أن يُجري مزيدا من البحث والاستقصاء حول الموضوع، وقد يلجأ إلى الآخرين الذين قد تكون لهم مصلحة في إثارة الخلاف.

قد يحدث في بعض الأحيان أن يتورط العلماء في تضارب محتمل في المصالح، مما يُسبب مزيدا من الجدال إذا لم يتم الإعلان عنه صراحة. فكّر في ما إن كان مصدر تمويل البحث يُشير ضمنا إلى تضارب في المصالح، على سبيل المثال إذا كانت هناك رعاية مالية من شركة تقوم بتصنيع المركّب الذي تمثل مأمونيته موضوع البحث. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الأفضل أن تكون واضحا وأن تُقر بوجود هذه الرعاية، وأن تشرح احتمالية أن يكون لها تأثير على نتائج البحث.

ومن الممكن أيضا أن يُطلب منك التعليق على دوافع الأفراد المكتنفين في قضية مثيرة للجدل، لأن ذلك قد يضيف "لونًا" للقصة. وهنا، عليك أن تحرص على عدم الإساءة لأحد، وعلى عدم إطلاق التكهنات. وفي كثير من الحالات، تكون كافة الآراء المتعارضة في جدال ما صادقة، وبالتالي يكون من الصعب على أصحابها وأنصارهم تقبّل التعليقات التي تُلقي بالشكوك على نزاهتهم، مثل التلميح إلى وجود دوافع خفية وراء آرائهم.

التعامل مع المخاطر وعدم اليقين

 في بعض الأحيان، فإن العلماء الذين يمتنعون عن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسلامة والمخاطر، يتسببون عن غير قصد في إثارة الجدل. وإذا سُئلت عن مدى مأمونية شيء ما، وكنت في وضع يسمح لك بتقييم المخاطر، فبوسعك محاولة قياس تلك المخاطر بدلا من إعطاء إجابة مباشرة بنعم أو لا. ويمكنك القول أيضا بأنك لست في وضع يسمح لك بتقييم المخاطر، لكن عليك حينئذ أن تقترح  اسم شخص آخر قد يمكنه تقديم النصح والإرشاد حول الموضوع.

ومن الممكن أيضا أن ينشأ الجدل إذا أظهرت أبحاث أحد العلماء أن المخاطر قد تغيّرت. عليك توخّي الحذر عند التفريق بين التغيّر النسبي في أحد المخاطر وبين المخاطر المطلقة. وعلى سبيل المثال، إذا وجدت أن خطر الإصابة بأحد الأمراض قد ارتفع من واحد في كل عشرة ملايين نسمة إلى واحد في كل خمسة ملايين، يمكنك القول بأن الخطر قد تضاعف، مما قد يجذب انتباه وسائل الإعلام والجمهور. لكنك قد تُثير قلقًا لا مبرر له إذا لم تذكر أيضا نسبة الخطر المطلق. حاول أن تتوقّع كيف يحتمل أن يستجيب الشخص العادي للطريقة التي يتم بها التعبير عن المخاطر.

من الممكن أن تزداد صعوبة تفسير المخاطر والنتائج البحثية الأخرى إذا كانت غير مؤكدة. ومن المفيد هنا أن تفرّق بين عدم اليقين المتأصل، مثلا لأنه ينطوي على توقعات تتعلق بظاهرة معقدة مثل الطقس، وذلك الذي قد يكون مؤقتا، مثلا لأن المعرفة الحالية به غير مكتملة.

تذكّر أن هناك درجة ما من عدم اليقين في كل المجالات العلمية تقريبا. ولذلك، كُن مستعدًّا لشرح مدى أهمية الأدلة المتاحة، وتأكد من تقدير متى يمكن للعلماء الآخرين، على نحو معقول، طرح تفسيرات مختلفة لها.

عليك أن تفرّق بصورة واضحة بين الأدلة والنتائج المستقاة منها. وحتى عندما تكون الأدلة غير حاسمة، عليك أن تشير إلى حيث يكمُن ثقل الأدلة والآراء، رغم وجود فرصة لأن يتم إثبات صحة وجهة نظر الأقلية في نهاية المطاف.

كثرة التكرار تُفيد وتُعلّم

 قبل كل شيء، كُن منفتحا وصادقا في ما يتعلق بالقضايا المثيرة للجدل. من المهم أن تتعرف على مصالح جمهورك ودوافعه، والسبب في انجذابهم إلى جدال بعينه. ولكن تذكّر أيضا أن الصحفيين لا يهدفون فقط إلى التوعية والتثقيف، بل إلى تسلية قرائهم أيضًا.

ومن الممكن تسهيل مهمة التواصل مع الجمهور والصحفيين عن طريق الممارسة والتدريب. يمكنك طلب المشورة من المسؤول الصحفي أو غيره من العاملين في مجال الإعلام. ولكن إذا اعتمدت عليهم في شرح إحدى القضايا نيابة عنك -ربما في صورة بيان صحفي- فتحقّق من أنهم يقومون بتوصيله بطريقة ليست خاطئة ولا مضلِّلة.

وكذلك فإن معظم الجامعات والمؤسسات المانحة للتمويل تقدم مقررات دراسية عن كيفية التحدّث إلى الصحفيين والجمهور. وكما هو الحال مع أية مهارة أخرى، فإن نجاحك سيزداد كلما مارستها أكثر، وخصوصا إذا سعيت للحصول على نقد بنّاء من الآخرين حول طريقتك وأسلوبك.