Skip to content

17/09/18

زبيدة شروف.. مثمنة الأرجان

Argan oil
حقوق الصورة:Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • لا توجد شجرة الأرجان إلا بالمغرب، وهي ذات فائدة ونفع في بيئتها
  • المغرب فقد أكثر من نصف أشجاره من الأرجان، حائط الصد ضد التصحر
  • تثمين زيت الأرجان كان السبيل إلى الوصول به للعالمية، وإنقاذ الشجرة، وتمكين النسوة

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تحب شجرة الأرجان، وتأسى على حالها، وترى لزيتها مكانة لم يكن يتبوؤها، وتنبغي له.
 
الحديث عن -ومع- المغربية زبيدة شروف، أستاذة الكيمياء بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس بالرباط.
 
وحب شجرة الأرجان دفع -ولم يزل- زبيدة إلى بذل الوسع لإنقاذها والحفاظ عليها وإعطائها حقها الذي يليق بها على المستويين المحلي والعالمي أيضًا.
 
بدأت قصة زبيدة مع شجرة الأرجان في عام 1986، من خلال أطروحتها لنيل درجة الدكتوراة؛ إذ عكفت على دراسة عمليات إنتاج زيت الأرجان، وتقنيات استخراجه التقليدية العتيقة المجهِدة. وتمكنت من تسريعها، وخفض تكاليفها، وتحسين نوعية الزيت، والحد من هدره، وإطالة العمر الافتراضي له، فأمكن بذا تحسين الدخول من المبيعات.
 
كانت هذه هي السبيل إلى منح الشجرة وزيتها القيمة التي يستحقانها، أو التثمين، كما تسميه زبيدة.
 
يُستخدَم زيت الأرجان المعروف بنكهة الجوز الخفيفة في الطهي، خاصة في إعداد السلطات وتتبيلها، ويشتهر أيضًا بخصائص طبية ممتازة، ويتمتع بسمعة طيبة للغاية في دنيا مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر، وينفرد بعشرين عنصرًا كيميائيًّا نافعًا ليست في غيره، وفق زبيدة.
 
أسست زبيدة تعاونيات يُنشِئ الأهالي من خلالها مشرعات يديرونها ويملكونها، ما أسهم في تعليم نساء البوادي و”تأطيرهن في صناعة الزيت“ وتوفير فرص عمل لهن.
 
وترأس زبيدة حاليًّا جمعية ’ابن البيطار‘ للأعشاب الطبية، التي تأسست عام 1999، بتمويل من جهات مانحة وطنية ودولية بغية تطوير إنتاج زيت الأرْجَان وتحسينه وإدارة مشروعاته. 
حول قصتها مع الشجرة ونساء البوادي كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع زبيدة.
 
لما تهتمين لشجرة الأرجان؟
 
خلال القرن العشرين، فقدت المغرب نحو نصف أشجار الأرْجَان؛ نتيجة لإزالة الأشجار، والرعي الجائر، بعد أن كانت بمنزلة حاجز أخضر أمام التصحر. وكانت المشكلة تتمثل في أن إنتاج زيت الأرْجَان أكثر منتجات الشجرة قيمة- لم يكن حافزًا كافيًا كي يحمي الأهالي الأشجار؛ فقد كانت عملية استخراجه صعبة، وتستغرق وقتًا طويلًا، وتتطلب عملًا يدويًّا مضنيًا، فضلًا عن قلّة الأدلة العلمية المتوافرة عن القيمة الغذائية والطبية للزيت.
 
كيف بدأت رحلة الإنقاذ؟
 
بالدراسة والبحث، ففكرة الدراسة التي أجريتها لتسريع عملية الإنتاج، استنبطتها من باحثين آخرين أجروها على مستوى شجرة الجوجوبا في بنما، فاخترت من بين 600 نوع من النباتات المحلية بالمغرب شجرة الأرجان، إذ أشارت دراسة لأحد الباحثين الفرنسيين في عام 1888 إلى بعض مكونات الشجرة، التي يمكن استخدامها في ميدان الصيدلة، ولكن للأسف لم يتم التعامل مع البحث باهتمام.
 
وفي العام نفسه الذي أردت فيه بدء دراستي، ظهرت دراسة تؤكد أن المغرب يفقد 600 هكتار في السنة من غابات الأرجان، وهي الشجرة التي تمثل أهميةً كبيرةً في المغرب على المستوى الاقتصادي والسوسيولوجي وأيضًا البيئي، ومن غير المعقول أن نهمل هذه الثروة الهائلة.
 
فاخترت هذا التحدي، وجعلتها هدفًا لأطروحتي لنيل الدكتوراة، ومع الأسف لم أستطع تحقيقه في المغرب وغادرت إلى أوروبا على حسابي الخاص بعدما تلقيت تشجيعًا ودعمًا من الخارج.


هل اعترض مسيرتك تحديات أخرى؟
 
في الحقيقة وجدت صعوبات كثيرة، كان من أهمها أن المكلفين ببعض المؤسسات في المغرب اعترضوا على أن تُكلَّف أي جهة أخرى بشجرة الأرجان، وعندما عرضت عليهم مشروعي نصحني أحدهم بنسيان الأمر، وأن أعلِّم النساء الخياطة، ما أحبطني بشدة.
 
كانوا يظنون أنني أطمح إلى منصب بالوزارة أو في إحدى المصالح العمومية، ومنهم مَن كان يطرح سؤالًا: ما الذي أريده من النساء؟
 
ولم يساعدني في البداية سوى مكتب تنمية التعاون، فقد وثق مسؤوله بمشروعي.
 
على ذكر المساعدة، ألم يكن هناك أي دعم تلقيته؟
 
تلقيت مساعدة كبيرة من أسرتي، فزوجي كان يهوِّن عليَّ، ويفسح لي المجال لمواصلة البحث العلمي والسفر لاستكمال أطروحتي التي امتد زمنها من عام 1985 إلى 1990، وقد أعانني في البداية بأخذ عينات من زيت الأرجان إلى ألمانيا لتحليلها في مختبرات خاصة.
 
 كما يعود الفضل كذلك لوالدتي التي كانت حضنًا دافئًا لأبنائي خلال غيابي، وحتى بناتي بعد أن كبرن بدأن في مساعدتي في البحث في الكتب والمراجع العلمية، وهن اليوم يعملن معي في المجال نفسه.
 
هل كان توجهك للنساء محل ترحيب وإقبال؟
 
بل كون المشروع موجهًا للنساء عقبة كبيرة؛ ففي الثقافة الأمازيغية، لا تخرج المرأة من بيتها للعمل، وكان هناك تخوف كبير لدى النساء وأسرهن، وحتى من الرجال والإدارات العمومية.
 
ولكنني شرعت في التواصل مع النساء في الريف، اللواتي كُنَّ على دراية بالاستخدامات التقليدية لشجرة الأرجان، وتمكنت من إقناعهن بأن مشروع شجرة الأرجان هو مشروعهن، مع التأكيد على ضرورة العمل بشكل جماعي لكي تكون النتيجة أفضل، وأخبرتهن بأنني سأساعدهن في التأطير والتسويق.
 
آنذاك كانت النساء يعملن لمدة 20 ساعة لاستخراج لتر واحد من الزيت من 35 كيلوجرامًا من ثمرة الأرجان، ويقدمنه لأزواجهن لبيعه في الأسواق. ولم تكن طريقة الحفظ والتعليب جيدة، والعبوات غير معقمة.
 
حاولت إيجاد حل بديل لطريقة الحفظ التقليدية التي تُفقد الزيت جودته، ومعها لا يمكن بيعه في أوروبا بهذه المعايير، بالإضافة إلى طريقة التحميص التقليدية، التي كانت تتسبب في ظهور مواد في الزيت تعتبر محظورةً في أوروبا. كذلك الأمر بالنسبة لمرحلة استخراج الزيت، التي كانت تستهلك الكثير من الوقت والجهد، عملنا على تحسينها وميكنة مرحلة من عملية الإنتاج.
 
لقد استفدت من هؤلاء النساء كثيرًا، وأخذت على عاتقي مكافأتهن على هذه الخدمة التي أسدينها لي. وأسست أولى التعاونيات لهن في تمنار، جنوب غرب المغرب. وبحلول عام 2002، تلتها أربع تعاونيات أخرى، تضم كل منها 45-60 امرأة، في مختلف مدن البلاد.
 
ومن ثَم أسست جمعية ابن البيطار بالعاصمة لإدارة مشروعات الأرجان في البلاد.
 
كيف تعاملتِ مع اعتراض الرجال؟
 
في البداية واجهت معارضة شديدة من بعض الرجال الذين رفضوا تمامًا خروج زوجاتهم وبناتهم للتعاونيات، وعندما طرحت الفكرة على النساء لم تستجب آنذاك سوى المطلقات واللواتي فقدن أزواجهن، كما أن أغلب الناس لم تكن لديهم ثقة أو فهم للمشروع.
 
بعدما بدأنا أولى الخطوات، وبدأت تظهر بوادر نجاح المشروع، وبدأنا في بيع المنتج، تولدت لدى الرجال قناعة أن المشروع جيد، وأن بإمكانهم إرسال زوجاتهم للمشاركة والانتفاع منه. ولما لاحظوا كيف أن نساء أخريات أصبحن يحصلن على المال وينفقن على أبنائهن، وتحققوا من استفادة بعض النسوة منه، عندها بدأوا بطرق باب الجمعية لطلب التحاق زوجاتهم وبناتهم بها.
 
كيف أسهم المشروع في الارتقاء بالنسوة؟ 
 
عندما بدأنا في أول تعاونية لزيت الأرجان كان ما يقرب من 95% من النساء المنخرطات معنا أميات، ولم يكن من الممكن بالنسبة لي نجاح مشروعي مع نساء أميات، فكان لا بد من تعليمهن، لذلك أطلقنا داخل المشروع نفسه مبادرة أخرى تمكِّن النساء من الدراسة والتعلُّم، بالإضافة إلى تعليمهن كل ما يتعلق بالعمل.
 
وقد تُوِّج عملنا هذا بطباعة كتيب وقرص مدمج معترف به من اليونسكو، يحتوي على التركيبة البيداجوجية التي تستهدف محاربة الأمية الوظيفية لدى النساء.
 
وقد تم إعداده بالأمازيغية بهدف التواصل الجيد مع المتعاونات الناطقات بالأمازيغية، وذلك بعد أن لوحظ صعوبة تجاوبهن مع البرامج التي أُنجزت باللغة العربية، للرفع من وعيهن بقضايا البيئة وضرورة الحفاظ على هذه الشجرة. وكذلك لتقوية قدرات المتعاونات وكفاءاتهن في مختلف الأنشطة المتعلقة بإنتاج مشتقات الأرجان وتسويقها.
 
وبعد أن كانت النسوة مهمشات اجتماعيًّا واقتصاديًّا استطعن مغادرة الأمية وتطوير أنفسهن، ومنهن من أصبحن ممثلات داخل البرلمان المغربي، وأكثر ما يُفرح أن منهن مَن أصبح لديها هَمٌّ ومسؤولية تجاه نساء أخريات.
 
أين يكمن الإنجاز، وإلامَ الطموح؟
 
لقد تمكنَّا -ولله الحمد- من التعريف بمنتج زيت الأرجان وفوائده في وقت وجيز محليًّا وعالميًّا، وتطلَّب منا الأمر الاشتغال كثيرًا على جانب التسويق. فكرنا في إنشاء تعاونية في موقع يتوافد عليه الكثير من السياح الأجانب بالإضافة إلى ما أداه الإعلام من دور في التعريف بنا، فالإعلام الوطني بالدرجة الأولى كان يتابعنا بشكل كبير، وبعدها بدأ الإعلام الأجنبي يلتفت بشكل أكبر، كذلك أسهمت مشاركاتي في مؤتمرات وطنية ودولية في التعريف بالمنتج، هذا طبعًا بالإضافة إلى ما حققناه من إنجاز ونجاح مع نساء الريف والارتقاء بحياتهن على جميع المستويات.
 
والآن أنا أهتم ببروتوكول ناغويا بشأن تقاسم المنافع على الصعيد العالمي، إذ يحرص هذا البروتوكول على مشاركة المنافع والربح، فأي شخص مثلًا أخذ إحدى النباتات من بلده للعمل بها خارج وطنه واستثمر فيها من الواجب عليه مشاركة الربح مع وطنه.
 
وزيت الأرجان صارت له قيمة أكثر خارج المغرب ويتم استثماره بشكل أفضل في الخارج، وأتمنى أن تشارك هذه الشركات التي تستثمر في زيت الأرجان أو أي نبتة وطنية هذا الربح مع هؤلاء النساء اللواتي يعملن ساعات أطول بمقابل أقل، فأغلب النسوة لا يتعدى دخلهن اليومي 50 درهمًا (5 دولارات ونصف).
 
 
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Netبإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا