Skip to content

31/07/15

حول العالم العربي.. التخطيط لاستيعاب الهجرة الداخلية

rural areas
حقوق الصورة:Flicker/ World Bank

نقاط للقراءة السريعة

  • يجب التعامل مع قرى الهجرة المخططة على نحو تنموي لا جغرافيا، يولي الشباب اهتمامه الأولي
  • علينا السعي إلى بلورة نموذج للتعايش مع الصحراء يختلف عن نموذج الحياة الموروث في القرى
  • ينبغي العمل على نمو ذلك الكيان العمراني الجديد في عملية اجتماعية حضارية بيئية توفر أعلى ضمان للاستدامة

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تضيق قرانا بأحلام الشباب فيهاجرون منها عشوائيًّا إلى المدن التي تنمو بدورها على نحو عشوائي، حيث تختلط فيها مظاهر الحياة الحديثة –المنقولة كما هي دون أي تعديل– مع العادات والتقاليد الموروثة دون أي تجديد، في مزيج غير متجانس وغير متوافق لا يعطي أي ضمان للاستقرار ولا للاستمرار، ناهيك بالتحقق والازدهار.

وحتى لا يكون هذا النزوح عشوائيًّا، لن نقف في طرحنا هذا عند عوامل الطرد من القرى والجذب إلى المدن، أو الآثار السلبية له على كليهما، بل نتجاوزه إلى التفكير في الهجرة المخططة من القرى.

ففي مصر على سبيل المثال وُلدت فكرة قرى الظهير، وكان القصد منها توفير امتداد صحراوي للقرى القائمة في وادي النيل بصعيد مصر بديلاً لامتداد هذه القرى في الوادي والبناء على الأرض الزراعية؛ تلبيةً لحاجة الأجيال الجديدة من أبناء الفلاحين إلى السكنى. ولدت الفكرة في إطار الدعاية الانتخابية للرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2005، ولم تحظ حينها بأي دراسة جدوى من قِبَل الدولة.

غَلَبَ على مصطلح قرى الظهير الصحراوي منذ ولادته الطابع المكاني، كما لو كان الهدف هو مجرد إيجاد ’مكان‘ لسكنى أبناء أهل القرى في الصحراء المجاورة، وكما لو كان تفكير الدولة قد توقف عند مجرد تلبية حاجة شباب الريف للمسكن دون النظر إلى الحاجات الأخرى لهم، كما لو كان المطلوب هو بناء ’قرى نوم‘ لهم، غير أن شباب الريف يحتاج إلى فرص عمل، وله تطلعات وآمال وأحلام في المستقبل.

وحتى الآن، يغلب الطابع الجامد في فهم فكرة قرى الهجرة المخططة واستقبالها بحسبانها مرايا للقرى الأصلية، وكما لو كان أبناء أهل القرى وأحفادهم سوف يمارسون نفس الأنشطة الزراعية والرعوية لآبائهم وأجدادهم ويعيشون نفس أساليب الحياة.
 
أبعاد تنموية

إنني اقترح أن نتعامل مع مصطلح قرى الظهير الصحراوي أو قرى الهجرة المخططة بشكل عام، باعتباره مصطلحًا تنمويًّا، لا جغرافيًّا ولا مكانيًّا، مضمونه له أبعاد تهتم أول ما تهتم بالشباب.

علينا أن نعطي اعتبارًا مهمًّا لشباب الريف الذين تتجاوز أحلامهم وتطلعاتهم الحياة الريفية المألوفة في القرية. هؤلاء الشباب يمثلون القوة الدينامية لقيادة تنمية القرية؛ سواء القائمة أو الجديدة، وهم يبحثون عن الفرصة لإظهار قدراتهم وإمكاناتهم في مجتمع القرية، وإن لم يجدوها فسوف يهجرونها إلى المدن الكبرى؛ لذا علينا إذن أن نقوم بدراسة توجهات الشباب ورغباتهم وتطلعاتهم، ومساعدتهم في التعبير عن رؤيتهم لقريتهم في المستقبل.

وإذا كنا نرى في قرى الظهير الصحراوي بمصر نموذجًا للخروج من وادي النيل وتنمية الصحراء، فعلينا أن نسعى لبلورة نموذج جديد للتعايش معها، يختلف كيفًا عن نموذج الحياة الموروث، بدءًا من اختيار نمط المحاصيل الملائمة لظروف الصحراء، وأسلوب الري المناسب، وأسلوب التعامل مع الماء في الاستخدام الآدمي وفي الصرف الصحي، وأيضًا نمط العمران وأسلوب الحياة.

وثمة حاجة لتجاوز النظرة القطاعية الضيقة في التعامل مع الزراعة كنشاط أساسي للقرية المصرية، والمطلوب تبني رؤية لأنشطة اقتصادية جديدة بلا أي مخلفات تقوم على الاستخدام الشامل للمورد بعناصره الأساسية (فرز أول وثان وثالث)، والعناصر الثانوية (البواقي الزراعية وبواقي البواقي)، ومن ثَم الاستغناء عن المدافن تمامًا، ما يعني الاستفادة بالإمكانات التنموية الكاملة لكل عنصر عبر عدَّة حيوات متتالية.

يعني المبدأ السابق أيضًا ربط النشاط الزراعي بالصناعي بالتجاري محليًّا قدر الإمكان، وذلك من خلال اكتشاف الميزات النسبية والتنافسية لكل قرية، واختيار منتج معيَّن تتميز به كل قرية ويكون لها السجل التجاري الخاص به؛ حتى يتكلل تسويق المنتج محليًّا وعالميًّا بالنجاح.

ومن أسف أننا اعتدنا على تقسيم للعمل يجعل الصناعة من نصيب المدينة والزراعة والرعي من نصيب القرية، والواقع يفرض علينا إيجاد تقسيم جديد للصناعة يجعل للريف نصيبًا منها، بل إن هناك حاجة ماسة كذلك إلى بلورة نموذج لريادة الأعمال يناسب توجهات أبناء الريف وقدراتهم المالية؛ حتى يتمكنوا من إنشاء الكيانات الاستثمارية المناسبة لهم ولقراهم، وحتى لا تُستنزف مدخراتهم في أنماط الاستهلاك الترفي أو تخرج إلى خارج القرية.

كذلك مطلوب تقديم نموذج لتنمية قرى الهجرة المخططة متوافق مع مبادئ التنمية المستدامة، مع إعطاء اهتمام خاص بالبعد التكنولوجي، والمقصود هنا أن تتوافق التكنولوجيا المختارة مع خصائص النسيج الاجتماعي الحضاري الحيّ لمجتمع القرية، بحيث يكون في مقدور هذا النسيج هضم المكونات التكنولوجية الجديدة وتمثلها، مما يجعله قادرًا بعد ذلك على تطويرها ذاتيًّا. وهنا دور مهم وأساسي ومتميز لإقامة مدارس ومراكز للتدريب في مجالات التكنولوجيا المختلفة بالقرية.

وبالتالي سوف يكون النشاط الصناعي هو النشاط الاقتصادي القائد في مشروع قرى الهجرة المخططة، وذلك لأنه يرتبط بالقدرة على توفير فرص عمل أكثر، من خلال المرونة في اختيار التكنولوجيا، كما يحقق قيمة مضافة أعلى، إلى جانب تميُّز النشاط الصناعي -مقارنة بالزراعي- بمعدل أقل لاستهلاك المياه.
 

المنهجية المقترحة

تبدأ تلك المنهجية بإنشاء قاعدة بيانات ومعلومات عن القرية الأم والقرى المحيطة بها، تغطي تاريخ القرية وأهم الاحداث التاريخية التي مرت بها، ترصد التركيب المحصولي الحالي (إنتاج نباتي وحيواني) ومكونات الغطاءين الطبيعيين (النباتي والحيواني)، وكذلك الإنتاج من الموارد التعدينية المتوفرة.

كما لا بد أن يجري التوثيق للحرف التقليدية والحرفيين القدامى الذين يمكن اعتبارهم كنوزًا محلية، وكذلك عناصر المسكن والزي والمأكل التي تتميز بها، بالإضافة إلى الأنشطة الصناعية القائمة، من حيث عدد العاملين بها، والمنتجات وأنواعها، والتكنولوجيا المستخدمة.

إلى جانب قاعدة بيانات القرية الأم، لا بد من إجراء دراسة ميدانية مكثفة للقرية الأم والقرى المحيطة؛ بهدف التعرف على الجمعيات الأهلية النشطة بها، والتواصل مع القادة الطبيعيين بها، وأيضًا الإعلام عن بدء تنمية القرية الجديدة، وقياس اتجاهات أبناء القرية –خاصة الشباب منهم– للانتقال إليها، ومطالبهم للاستقرار في القرية الجديدة، ويمكن أن يساعد في هذا عقد لقاءات موسعة مع شباب القرية والقرى المحيطة؛ للتعرف على تطلعاتهم وتوقعاتهم فيما يتعلق بمستقبل القرية الأم والقرية الجديدة.

يرافق ذلك تدقيق البيانات والمعلومات الخاصة بموارد القرية الأم والقرى المحيطة، ودراسة الاستخدامات المحلية للعديد من الموارد المتوفرة في القرية الأم والقرى المحيطة.

وفي مرحلة التخطيط لا بد أن يتم تخطيط القرية الجديدة بمنهجية تشاركية؛ لضمان ملكية أبناء القرية الأم لمشروع إقامة القرية الجديدة ومشاركتهم الفعَّالة فيه، بدءًا من بلورة الفكرة وحتى تنفيذ المخطط، وذلك عن طريق عقد لقاءات دورية موسعة بالقرية الأم تُدعى لها كافة الأطراف المعنية، مع تكوين لجنة تسيير تمثل فيها هذه الأطراف، وتقوم بدور تنسيقي بين هذه الجهات على المستوى المحلي والقومي.

وتقوم لجنة التسيير بوضع برنامج زمني لتنفيذ مشروع القرية الجديدة، مع تحديد أدوار الأطراف المختلفة، والموارد المطلوبة، ومعايير قياس الأداء عبر مراحل التنفيذ المتتابعة.
 
لإنجاح الهجرة

للوصول إلى النجاح في إحداث هجرة مخططة، مطلوب إقامة حاضنات أعمال وتكنولوجيا؛ لإكساب شباب القرية أو القرى مهارات المبادرة وإدارة المشروعات الزراعية والصناعية والتجارية الجديدة، وكذلك تسهيل اكتسابهم للتكنولوجيات الجديدة المرتبطة بمنتجات مطلوبة في الأسواق المحلية والقومية والعالمية.

أيضًا مطلوب إنشاء مراكز تدريب، ومدارس فنية متخصصة في القرية الجديدة، في التخصصات المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية بالقرية؛ وذلك لضمان توفير الكوادر المدربة من الجنسين كشرط لنجاح الأنشطة الزراعية والصناعية والتجارية الجديدة التي سوف تضمها القرية الجديدة.

هذا إلى جانب حفز قيام جمعيات ومؤسسات أهلية تعبِّر عن القرية الأم وتمثلها، ويتزامن نشوؤها ونموها مع ميلاد القرية الجديدة ونموها، وتتحمل المسؤولية الاجتماعية والبيئية لنشوء ذلك الكيان العمراني الجديد ونموه، في عملية اجتماعية حضارية بيئية، مما يوفر أعلى ضمان لاستدامة القرية الجديدة.

كما يمكن تكليف إحدى الشركات المتخصصة بإخراج فيلم ﭭيديو دعائي عن فرص الحياة والاستثمار والسكنى في القرية الجديدة، يُذاع في القرى التي يُتوقع أن يأتي منها السكان والمستثمرون.

وأيضًا لا بد من إنشاء شركات يؤدي نشاطها للإسراع من نمو القرية –الكائن العمراني الجديد– وذلك في عدة مجالات: كالتأجير التمويلي للأراضي (تأجير ينتهي بالبيع) للأغراض الزراعية والصناعية والتجارية، والاقتراض بضمان الأرض (حق الانتفاع)، وتأجير المعدات (وحدات توليد الطاقة والمعدات الزراعية ووسائل النقل)، بالإضافة لتدوير القمامة والبواقي الزراعية، وبناء المساكن والمنشآت الصناعية والتجارية وتأجيرها.
 

 هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا